السلطوية الجديدة


مازن كم الماز
الحوار المتمدن - العدد: 7633 - 2023 / 6 / 5 - 04:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

يعاني المثقف العربي ، السياسي ، المؤيد للأنظمة القائمة بلا شك لكن أيضًا من يعارضها من أمراض عدة لا تهدده وحده بل تشكل بالدرجة الأولى خطرًا على المجتمع الذي "يدافع" عنه … المثقف و السياسي العربي نادرًا ما يتحدث باسمه ، هو دائمًا مفكر جمعي يتماهى مع "الشعب" "الأمة" الخ ، و هو مفكر "عضوي" غالبًا ما يتقمص هذه الجماهير ، يفكر عنها و يتحدث باسمها ، و لهذا ثمن يقبضه سلفًا ، فهو لم يعد مجرد سياسي أو مثقف يحاول فهم العالم و تغييره إلى الافضل ، إنه المخلص ، و المخلص بحاجة لعالم لا يوجد فيه بشر بل فقط ملائكة و شياطين ، و لذلك فإن المثقف و السياسي العربي يحرص على "عرض الواقع" بشكل درامي للغاية ، إنه يعيد كتابة التاريخ بشكل مغرق في الذاتية ، الذات "الجمعية" التي تشكل ذاته هو تجسدها الأمثل و النهائي ، و لذلك فإن نسخته عن التاريخ لا تعيد عرضه بصورة دراماتيكية فقط بل إنها شديدة التبسيط و الوضوح حيث لا يوجد بشر أو طبقات متنازعة تتصارع و تختلف على أشياء ملموسة و مصالح متناقضة تعبر عنها بفهم متباين بل و مختلف جذريًا لقيم الحرية و العدالة بل هناك دائمًا نزاع أزلي بين الخير و الشر ، بين ملائكة و شياطين ، و في هذا النزاع الأزلي لا بد من أنبياء مخلصين ، هؤلاء الأنبياء هم "نقيض" الاستبداد و الاستغلال لا البشر المضطهدون أنفسهم … و هكذا عندما عارض هذا المثقف أو السياسي و يعارض الأنظمة القائمة فإنه لا ينتقد علاقات السلطة بقدر ما ينتقد من هم في السلطة ، لا ينتقد الأوضاع القائمة بقدر ما ينتقد الحكام الحاليين … و هو كمخلص لا يرتكب أية أخطاء ، هو ليس إنسانًا يخطئ و يتعلم من أخطائه ، إنه أشبه بالديكتاتوريين الذين ينتقدهم لا البشر الذين يدافع عنهم ، الفرق الوحيد هنا هو أن الشعوب أصبحت تعرف بالتجربة عجز و تفاهة و فساد حكامها الحاليين و شطط مزاعم إعلامهم الذي يفرط في مديح صفاتهم و تفانيهم المزعومين … و رغم أنه قد غير أفكاره و يغيرها باستمرار متخليا عن الأفكار التي تتراجع شعبيتها لصالح تلك الدارجة أو السائدة لكنه في نفس الوقت يتحدث عن الأفكار التي يعتنقها اليوم و كأنها نهائية ، صالحة لكل زمان و مكان ، خارج التاريخ و فوق البشر … والخلاص بالنسبة له كما كان الحال دومًا : هو على يد سلطة تتمتع "بحرية كبيرة" في "قيادة" المجتمع على "الطريق الصحيح" ، بدلًا عن "الدولة القومية" أو "الاشتراكية" في بلد واحد التي كان يؤمن بها أمثاله في السابق ستقوم هذه السلطة الجديدة اليوم بتعليم ( تلقين ) الناس ثقافة المواطنة و الحد من مفعول و تأثير قوى التنافر و النزاع غير العقلانية تمامًا كما تزعم الأنظمة القائمة لتبرير استبدادها و فسادها ، إضافة بالطبع إلى رعاية و حماية المؤسسات الديمقراطية و منظمات المجتمع المدني الخ الخ … و المدائح التي يصر هؤلاء على أن تكال لذواتهم لا تختلف في الجوهر عن تلك التي يصر أي ديكتاتور على أن يحاط بها دائمًا لكنها هذه المرة مستحقة ، ليست الديكتاتورية هي ما يعارضه في الواقع ، بل الديكتاتور