التحولات الاجتماعية و البنية الطبقية لسوريا الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية


مازن كم الماز
الحوار المتمدن - العدد: 7539 - 2023 / 3 / 3 - 07:27
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     

لم يتراجع الفرز و التفاوت الطبقي في سوريا بل انه زاد و بلغ مستويات غير مسبوقة دون أن يعني ذلك تصاعد النضال الطبقي بالضرورة ممن هم أسفل السلم الاجتماعي ضد أصحاب الامتيازات و السطوة و تتساوى في ذلك سوريا الأسد مع سوريا المحررة أو الحرة مع سوريا الإدارة الذاتية … كل ما جرى ، إلى جانب الموت و الخراب العامين ، هو تغير في تركيبة الطبقة المهيمنة حتى في مناطق سيطرة النظام … ما جرى هو تعميم لسلطة العسكر بألوانهم و فصائلهم و ميليشياتهم المختلفة إلى جانب المحاسيب المرتبطين بهم و ذلك على كامل الأرض السورية … و تتشكل سلطة العسكر هذه من أقسام أو فئات مما سماها ماركس بالبروليتاريا الرثة و التي قفزت بفعل الحرب و امتلاكها أو احتكارها السلاح إلى أعلى الهرم الاجتماعي … في الواقع لم يطرأ أي تغيير حقيقي على التركيبة الطبقية لما سنصطلح على تسميته بالمجتمع السوري ، و كما كان الوضع منذ الاستقلال أو الجلاء و حتى اليوم فإن المجتمع السوري كان و ما يزال عبارة عن هرم يتربع على قمته النخبة الحاكمة و زبانيتها من العسكر و التكنوقراط و التجار المرتبطين بها مباشرة ، و ترتبط بهذه النخبة "طبقة وسطى" تشكل من جهة قاعدة اجتماعية لتلك النخبة الحاكمة و من جهةٍ أخرى أداة لهيمنتها و أحيانًا تشكل أو يشكل جزءً منها تهديدا أو بديلًا عن تلك السلطة مع تصاعد طموح ذلك الجزء و سخطه من انسداد أفق الصعود الاجتماعي ، بينما يوجد في القاعدة جمهور غير متجانس من المهمشين ، المغيبين ، المقموعين ، الذين سنناقش بعد قليل وضعهم بشيء من التحديد … خلافًا لما كان في ذهن القلة من "الناشطين" الذين لعبوا دورًا مهمًا في بداية الثورة السورية فإن ما تبع المظاهرات الأولى هو تكريس هيمنة العسكر على المجتمع و تأصيل علاقة الهيمنة - التبعية المطلقة بين قمة الهرم الاجتماعي و قاعدته ، علاقة تقوم على أساس النهب المباشر ، الخوات ، عوائد الخطف و السلب و من عائدات المعابر بين مناطق سوريا المختلفة و جوارها و من سلب ما يعرف بالمساعدات الإنسانية أو ما يرسله المغتربون السوريون إلى أهاليهم … و هنا تبرز طبقة أخرى ، مهمشة أيضًا على الأرض لكنها تتمتع بامتيازات مهمة في بلاد اللجوء خاصة من خلال علاقاتها مع المنظمات غير الحكومية و الحكومية الغربية و هي طبقة "الناشطين" هذه الطبقة التي طردت من كل سوريا و التي تضطلع اليوم بدور مزدوج : من جهة تفعل كل ما بوسعها لإبقاء حنفية المساعدات الدولية مفتوحة باتجاه سوريا الحرة أي الخاضعة لفصائل المعارضة المسلحة بقيادة أبو عمشة و أشباهه و مناطق سيطرة الجولاني و حتى معسكرات الأسرى من الدواعش ، بالمقابل يجد هؤلاء أنفسهم مضطرين للإلحاح المستمر على القوى الدولية خاصة و الإقليمية ثانيًا لإسقاط نظام الأسد و "إعادة السياسة"إلى المجتمع السوري ، هذه هي فرصتهم الوحيدة ليلعبوا أي دور ما في الحياة السياسية لسوريا بعد أن وجدوا أنفسهم مطرودين ليس فقط من سوريا الأسد بل ايضا و بشكلٍ لا يقل حدة و عنفًا من سوريا الحرة أيضًا ، إن إسقاط النظام لن يعني بالضرورة منحهم وضعًا ما في البنية السياسية و الاجتماعية لسوريا المقبلة لكن إسقاط النظام على يد الغرب تحديدًا هو أملهم الوحيد في لعب أي دور في سوريا … بالمقابل لا يملك هؤلاء أي مشروع سوى صناديق الانتخابات التي يزعمون و ربما يعتقدون بأنها ستحل مشاكل سوريا جميعها دفعة واحدة بينما هي بالنسبة لهم في الواقع المعبر الوحيد الممكن إلى السلطة و للعب دور ما في الحياة السياسية لسوريا … من المستبعد أن يحصل هؤلاء على مبتغاهم فالقوى اللاعبة اليوم في سوريا تعتمد العسكر و أمراء الحرب لتحقيق مصالحها و البروليتاريا الرثة الحاكمة تنتج شروط استمرارها ليس فقط عبر حشد أعوانها و خدمها في ادلب و ريف حلب بل أيضًا عبر إنتاج بروليتاريا رثة أكبر عددًا ، منعدمة التعليم تقريبًا و معتمدة بالكامل على المساعدات ، تعطي الأولوية لانتماءاتها المناطقية و العشائرية ، يسهل قيادها بخطاب ديني معلن و عبر شبكة علاقات زبائنية هرمية ناجعة حتى اليوم في أن تعيد إنتاج نفسها بفضل الناشطين في الخارج و التهديد بموجات نزوح و هجرة جديدة و بشبكة علاقات دولية و إقليمية معقدة و دائمة التغير

المخيم كبنية هرمية ، البنية الاجتماعية للمخيم

ان أنسى ذلك اليوم الذي توجهنا فيه كمجموعة أطباء إلى إحدى المخيمات في شمال غرب سوريا أو ما اصطلح على تسميتها بسوريا المحررة ، لفحص ساكنيه طبيًا و معالجتهم لنفاجئ بحاجز يقطع الطريق إلى المخيم ، حاجز مكون من مجموعة من شباب من المخيم مسلحين بالعصي ، أوقفونا و لم يسمحوا لنا بدخول المخيم مصرين على أن ندخل المخيم بواسطتهم و أن يكون كل ما نفعله و نقدمه تحت إشرافهم و من خلالهم … اكتشفت يومها أن المخيم ليس مجرد مجموعة من الخيم التي يسكنها بشر بحاجة للرعاية و الطعام و الشراب الخ بل انه عبارة عن هرم يقف على رأسه الشبان الذكور من العصبية الأكبر عددًا و الأكثر قسوة و الذين يحتكرون عمليًا كل ما يدخل إلى داخل المخيم و يستولون عليه و يوزعونه حسب رغباتهم محتفظين لأنفسهم طبعًا بحصة الأسد من كل ذلك أما الأطفال الذين تستخدم صورهم على أوسع نطاق لاستدرار العطف و المساعدات و أمهاتهم بما في ذلك أرامل الشهداء فإنهم يعيشون على أطراف المخيم و يتوجب عليهم تقديم كل فروض الطاعة و الخدمات التي يطلبها سادة المخيم ليحصلوا على الفتات … يشكل المخيم بالفعل تمثيلًا صادقًا لسوريا اليوم و ربما سوريا الغد أيضًا