عالم الحاج صالح الأخلاقي


مازن كم الماز
الحوار المتمدن - العدد: 7616 - 2023 / 5 / 19 - 06:43
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

يريد الحاج صالح إعادة تعريف الشر و معه الخير بالطبع … نقف من جديد أمام تصور مثنوي للعالم و البشر حيث كل شيء ينقسم إلى "خير" و "شر" , "أخيار" و "أشرار" … و لأن الحاج صالح يعرف جيدًا خطورة هذا الفرز القاطع النهائي و المغلق للعالم و للبشر و لأنه يعرف جيدًا كذلك القصور المريع في التعريفات السائدة اليوم للخير و الشر المؤدلجة أو القائمة على أساس الهوية فإنه يحاول توسيع مفهومه عن الشر ليشمل ليس خصومه فقط بطبيعة الحال ، بل أيضًا حلفائه المفترضين حتى لو كان ذلك بشكل مخفف … يبدو للحاج صالح أنه بذلك يتخفف من الحمولة الثقيلة لانطلاقه من تقسيم البشر إلى أخيار و أشرار و من تأسيس موقفه من البشر على أساس "أخلاقي" و الأخلاق ، إذا ما استثنينا البراغماتية و النفعية و السفسطائيين ، هي عند الحاج صالح كما عند كل الأخلاقيين : تعبير عن قيم مطلقة خارج التاريخ و فوق البشر ، ثابتة أزلية و مطلقة و تبقى القاعدة الضرورية التي لا غنى عنها لأي مجتمع أو تجمع بشري و هي عنده كما كانت دائمًا من اختصاص الأخلاقيين وحدهم لا البشر أنفسهم الذين عليهم أن يخضعوا لها فقط و أن يحاكموا و يحكموا وفقًا لها أي وفقًا للوصفة الأخلاقية المقترحة أو الأمثل ، و الحاج صالح لا يخفي رغبته في أن تحكم أخلاقه التجمعات البشرية و سلوك البشر عامةً و هو لذلك يحرص على أنه تكون وصفته أكثر شمولًا و بأقل ما يمكن من الاستثناءات و رغم أنه يخص خصومه بالنقد اللاذع لكنه لا يقبل باستثناء أية جماعة أو عقيدة أو دين أو ايديولوجية أي أية دوغما و لو أنه لا يحكم على كل دوغما بالمسؤولية عن الشرور بل يخص فقط الدوغما و هي تحاول فرض نفسها على الآخرين و هي تصر على حظر و ملاحقة منتقديها و معارضيها و لذلك يرى الحاج صالح أن "الشر قرين للواحدية القسرية و أن ما يخفف من شر تتمخض عنه عقيدة أو نظام اجتماعي هو اندراجه أو اندراجها في إطار تعددي . التعدد بالتالي ركيزة أساسية للخير" ، و في محاولته للإجابة على التساؤل الضروري هنا عن كيفية نزع صفة الإطلاق عن كل دوغما و ننزع منها نوازع القمع و القسر و الإكراه المتضمنة في مزاعمها عن امتلاك الحقيقة المطلقة و احتكارها ، يرى الحاج صالح أن هذا يفترض "عينًا غيرية" ، عينًا ترى ذاتها و غيرها كأشرار أو بالأحرى كبشر فقط لا كقديسين و أنبياء أخيار بالضرورة في مواجهة أشرار بالضرورة ؛ لكن مع ذلك لا يعتقد الحاج صالح أنه من الممكن المساواة بين الجميع ، بين جميع "الأشرار" أو بين كل الشرور ، يرفض الحاج صالح ذلك بشكلٍ قاطع رغم المقدمات أن الجميع ليسوا سواءً و أن الأخلاق ليست نسبية ، و رغم أن "العين الغيرية" تلزم الجميع بأن يسائلوا أنفسهم أولا لكنها ليست عمياء عن مسارات تواريخ الصراعات و من هم الضحايا و من هم المعتدون حتى لو انتهوا جميعًا في نهاية المطاف أشرارا و مجرمين … هكذا و رغم كل محاولاته و مقدماته التي تحاول ألا تقلل من شأن هذا "الشر" أو ذلك فإن الضرورات السياسية تحتم عليه أن يميز بين الشرور ، بين عنف و آخر ، بين مجرم و آخر ، لكن هذا مأزق و ضغط نعاني منه جميعًا ، إن مشكلة وصفة الحاج صالح الأخلاقية فهي كمأزق كل الوصفات الأخلاقية عامةً في آليات تطبيقها أو بالأحرى فرضها : كيف يمكن خلق أو إنتاج هذه العين الغيرية القابلة للانخراط في تعدد لا ينفي أي أحد أو أي آخر فهو ، و هذا الكلام يتكرر مع كل وصفة أخلاقية تقريبًا ، فهو عن طريق "مزيج من جهود إصلاحية مدخلة للتعدد على الأفراد و الجماعات و في نطاق عالمي و من إجراءات قمعية تستهدف الفاعلين بخاصة المنتهكين و اللصوص" … رغم كل محاولات الحاج صالح لإنتاج وصفة أخلاقية شاملة متكاملة فإن المنطق الأخلاقي ذاته كحالة فوق إنسانية و فوق تاريخية يفرض أدواته الفوقية التي يفترض هذه المرة و كما في كل مرة أنها مختلفة بالفعل عن أي قمع أو "إصلاح" سابق لأنه الآن قمع و إصلاح أخلاقي "حقًا" … و من جهةٍ أخرى فإن العين الغيرية و أخلاقها المنفتحة على التعدد لا تحل مشاكل لا تكترث لحلها أساسًا و هي المشاكل أو المهام التي جاء الاستبداد بتلاوينه المختلفة كإجابة عليها كالحداثة و "مكافحة الارهاب" ، و ربما على وجه الخصوص تحقيق عدالة اجتماعية حقيقية أو أكبر مما تتيحه العدالة حسب الحاج صالح ، المنشغلة بحماية "الملكيات المشروعة" للناس و تأمين فرص حياة أفضل للشرائح الأدنى و هي شعارات إشكالية و مبهمة إن لم تكن منحازة اجتماعيًا بشكل صريح … الأخلاق فكرة ميتافيزيقية بالضرورة مع كل ما تحمله الميتافيزيقيا من سلبيات و مخاطر و على رأسها أنها تضع نفسها و وجودها و استمرارها فوق وجود و استمرار و سعادة و إرادة البشر الذين تقول أنها جاءت لإنقاذهم و تحقيق خلاصهم أما دعاتها و حملتها فهم لا يعودوا مجرد بشر و لا مثقفين أو أصحاب مشاريع خلاصية أو إنقاذية ما بل أنبياء و مبشرين بدين جديد قد يكون أفضل بطريقة ما عن ما سبقه لكنه أبعد ما يكون عما يزعمه من كمال و قدرات فوق مستوى البشر

مقال الحاج صالح المشار إليه

https://aljumhuriya.net/ar/2023/05/11/%d8%b5%d9%88%d8%b1%d8%aa%d8%a7%d9%86-%d9%84%d9%84%d8%b4%d8%b1-%d9%85%d9%86-%d8%a3%d8%ac%d9%84-%d8%b9%d9%8a%d9%86-%d8%ba%d9%8a%d8%b1%d9%8a%d8%a9/