عن الآلهة التي لا تفشل دائمًا عن أن تفشل


مازن كم الماز
الحوار المتمدن - العدد: 7503 - 2023 / 1 / 26 - 06:47
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     

التشابه الكبير بين بيانات مؤتمرات المعارضة العراقية ، الحاكمة في العراق منذ 2003 ، خاصةً مؤتمرها الذي عقد في لندن 2002 و بين مؤتمرات المعارضة السورية لا يبعث فقط على العبوس بل يمكن اعتباره نذير شؤم قادم … النظام الديكتاتوري الطائفي العنصري و ممارساته القمعية و الإرهابية و مغامراته الخارجية تحضر في الحالتين ، تمامًا مثل الظروف الخارجة عن إرادة شعبنا "الصابر" التي حالت دون تحقيق تطلعات الشعبين ، و الطرفان يتحدثان عن دولة ديمقراطية برلمانية تعددية ( فيدرالية فقط في الحالة العراقية ) و ذلك انطلاقًا من اعتماد مفهوم إنساني و حضاري للمواطنة قائم على أساس عدم التمييز بسبب العرق أو الدين أو الجنس أو المذهب ، و وضع دستور دائم يراعي تركيبة الشعب و يفصل بين السلطات و يلتزم بمبدأ سيادة القانون و يصون حقوق الإنسان و الحريات العامة و الخاصة ، ثم اعتبار الإسلام دينًا للدولة و هوية أو جزءً لا يتجزأ من "الهوية" , و الحديث عن أهمية إعادة بناء المؤسسات العسكرية على نحو مهني وطني سليم بعيدًا عن نزعات عسكرة المجتمع و الصراعات الداخلية و سياسات التمييز القومي و الطائفي الخ الخ ( المقتطفات من بيان مؤتمر المعارضة العراقية في لندن 2002 ) … و كما سيؤكد قادة المعارضة السورية المسلحة و السياسية بعده بعقود ، أكد عبد العزيز الحكيم يومها أنه إذا نفذت قرارات الأمم المتحدة و منع النظام العراقي من استخدام الأسلحة التقليدية فستتمكن المعارضة من القضاء عليه قبل أن يقضي عليه فعلًا جيش جورج بوش الجرار … و لتكتمل الصورة يكفي أن نذكر كيف تشكلت لجنة متابعة مؤتمر لندن للمعارضة العراقية من 65 عضوًا منهم 22 للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية ، 20 منهم من الشيعة و أربعة من السنة ، و توزعت المقاعد الباقية على الحزبين الكرديين و ممثلي التركمان و المؤتمر الوطني العراقي ( أحمد الجلبي ) و حركة الوفاق الوطني العراقي ( إياد علاوي ) و ممثلين عن الآشوريين و بعض زعماء العشائر ، نفس التركيبة تقريبًا التي تبنتها المعارضة السورية و حرصت على تكرارها في كل مؤتمراتها و مجالسها و هيئاتها المتتالية … لم تحقق المعارضة العراقية من برنامجها العريض ذلك سوى القضاء على نظام صدام ، ما تبقى نعرفه و يعرفه العراقيون جميعًا … يبدو أنه لا يكفي أن تتحدث عن الحكم الرشيد ليصبح واقعًا و لا أن ترفع شعار محاربة الفساد لينتهي الفساد و لا أن تتحدث كثيرًا عن حقوق الإنسان كي يصبح للإنسان حقوق أو حتى أن يتحول الناس العاديين إلى بشر … لكنها ليست المرة الأولى التي يحدث فيها مثل ذلك ، لقد شاهدنا من قبل أحزابًا تنتقد التجزئة و تعادي الاستعمار و تتوعد بالقضاء على إسرائيل قبل أن تقوم هي نفسها بتكريس التجزئة و التهادن مع الاستعمار و الخسارة مرة تلو أخرى أمام إسرائيل ، و غيرهم وعدوا الفقراء بالمن و السلوى ، بحياة و حريات لم يعرفوها و لم تعرفها الأرض من قبل ، لكن ما فعلوه كان أن بنوا سجونًا لم يعرفها البشر من قبل … لا يكفي أن تتحدث عن الحوكمة و الحكم الرشيد و لا عن حقوق الإنسان كي تصبح واقعًا في الغد خاصة عندما تكون خطتك الوحيدة لتحقيق ذلك هو فقط أن تصل إلى السلطة … قد تبدو هذه خطة محكمة بالنسبة لك … و لكن … لنتذكر هنا أيضًا أن الكثير من قصة الاستبداد و التخلف و التجهيل و القمع لم يقتصر فقط على البعث ، فالبعث انشق منذ 1963 وفق حدود طائفية و مناطقية و حتى عشائرية ، لكنه لم يكن وحده من فعل ذلك ، النخبة السياسية قبل و بعد الاستقلال أو الجلاء فعلت ذلك أيضًا ، الإخوان المسلمون أنفسهم انقسموا بين كتلة حموية و حلبية و شامية ، و سبقهم الشيوعيون السوريون الذين لعبت ولاءاتهم الفردية و المناطقية و الطائفية دورًا مهمًا في انقساماتهم … لن أدخل كثيرًا في تفاصيل الحياة الداخلية لأحزاب المعارضة السورية و مؤتمراتها و انتخابات و ممارسات قادتها خاصة "التاريخيين" منهم ، و لا تفاصيل الحياة الداخلية و آليات اتخاذ القرارات و لا عن آليات المحاسبة و المراقبة الشعبية لمؤسسات المعارضة الرسمية و لا عن التزام فصائل المعارضة المسلحة بالابتعاد عن العمل السياسي و لا عن درجة فسادها و لا عن أجهزتها الأمنية و أساليب هذه الأجهزة و لا عن تركيبة هذه الفصائل المناطقية و العشائرية و الطائفية و لا هرميتها و مصادر تمويلها الخ الخ ، لأني لا أعتقد أن أكثر المتفائلين بالمجاهدين و إخوانهم سيدعون لهم أيًا من الصفات التي يريدونها و يصرون عليها في جيش النظام أو الجيش السوري في سوريا الديمقراطية التي يعدونا بها … لقد سيق السوريون إلى حرب طاحنة دون أية رؤية ، دون خطة ، دون استراتيجية أو حتى دون أية محاولات نصف علمية أو فيها بعض الجدية لوضع مثل هذه الإستراتيجية أو تلك الخطة عداك طبعًا عن دعوة السوريين للتضحية و الصبر ، حتى الإسلاميين وكلاء الله الحصريين على الأرض تفرغوا لمطالبة العالم الكافر و الصليبي بنصرهم على النظام … و عدا عن تحليلات صحافية عابرة و غاضبة لم يكلف أحد ، لا من الفصائل و لا من المجاهدين و لا من المعارضة الديمقراطية ، بتقديم أي عرض أو تحليل منطقي هادئ و رزين ، لا لسير العمليات العسكرية و لا لما يسمى بالعملية السياسية و لا لماذا انتهى هؤلاء في الباصات الخضراء أو في المنافي ، ناهيك عن أي نقد ذاتي … لا شيء أشبه بهزيمتنا اليوم أو الهزيمة الثانية على التوالي للإسلاميين السوريين ، من هزيمة 67 … مع ذلك لا أعتقد أن الذنب كله يقع على عاتق المعارضة ، تمامًا كما أن التخلص من النظام لن يعني نهاية الاستبداد و الفساد و الفقر و القمع في سوريا رغم أنه بكل تأكيد مقدمة ضرورية لهذه النهاية ، فإن الديمقراطية لن تتحقق بمجرد أن يحكمنا ناس يصفون أنفسهم بالديمقراطيين … من الصعب بعد كل هذه الهزائم و التراجعات و ذلك دون أن نتمكن حتى من مناقشة أو حتى فهم ما الذي جرى ، أن نزعم أننا غير مرضى أو أننا نسير على الطريق الصحيح … لا يعني هذا الكلام ، المعتدل جدًا في قسوته مقارنة بقسوة وضع السوريين و انشغال الجميع فقط بالبحث عن كبش فداء ، سوى أننا بحاجة لوقفة جدية مع الذات نحتاج فيها لأقصى جرأة ممكنة و لأوسع حرية تفكير و تعبير أوسع بكثير مما مارسناه حتى اليوم و مما يسمح لنا به النظام أو خصومه ، و إلا فإننا سنتجه من نكسة إلى أخرى دون أن نعرف لماذا و إلى أين أو حتى من اتخذ القرار عنا بالتضحية فينا في هزائم لا تنتهي