السوريون كضحايا و متسولين


مازن كم الماز
الحوار المتمدن - العدد: 7517 - 2023 / 2 / 9 - 10:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ليس السوريين محظوظون بما يفعلونه بأنفسهم ، أو ما لا يفعلونه ، و ما يفعله به الآخرون ، لقد أعجبهم دور الضحية لكن المشكلة في أن الستارة على وشك أن تقفل و أن الجمهور الذي صفق في البداية بحماسة قد أصابه الملل الآن ، الجميع غادر إلا الممثلين الذين يصرون على الصراخ أمام مقاعد فارغة … السوريون مثل كل البشر ، لا هم بالملائكة و لا بالشياطين ، شاهدنا كيف تصرف سوريون "لا ينطقون عن الهوى" عندما تهددت امتيازاتهم ، لا يستحق أبطال العالم في الصراخ أي فضل أو لوم استثنائي هنا ، هكذا يتصرف البشر عادةً ، لا شيء استثنائي هنا ، لا ملائكة و لا شياطين ، بشر تتنازعهم هواجس السلطة و الثروة و المال ، يغضبون عندما يسرقهم الآخرون و يقهقهون عندما ينجحون في سرقة الآخرين ، يحزنون عندما يسوقهم الآخرون و يسوقون غيرهم بحماسة عندما يمسكون بالصولجان ، لا شيء استثنائي هنا ، مجرد بشر يحبون الصراخ بعض الشيء لأنهم يعتقدون أن الصراخ هو الطريقة الوحيدة التي يمكنهم أن يكسبوا شيئًا ما من خلالها و لأنه الشيء الوحيد الذي اتضح أنهم يجيدونه … السوريون بشر عاديون ، لا ملائكة و لا شياطين لكن السوريين بشر اعتادوا عادات سيئة … منذ ثلاثة أيام و المناضلون يشتمون العالم و الغرب المنافق ، كل شيء إلا إله محمد أو أنفسهم ، رغم أن العالم لم يكن هو من زلزل الأرض تحت أقدام "إخوتهم" و أقدام جيرانهم ، لكن عدا ذلك لا شيء تغير في حياتهم ، سيذهبون يوم السبت القادم أو الجمعة ، حسب طوائفهم ، إلى مطاعمهم المفضلة كما فعلوا الأسبوع الماضي و الذي قبله ، بعضهم سيذهب إلى عشيقاتهم أو عشاقهم ، بعضهم سينام مع زوجته الشرعية ربما بعد أن يتلو شيئًا من القرآن أو الإنجيل ، بعضهم سيشرب الشاي ، آخرون سيشربون النبيذ ، سيأكلون و يشربون ثم سينامون كآي كائن بشري يعيش على هذه الأرض ، لن يدعو أحدهم أيًا ممن شردتهم الزلازل إلى بيته أو إلى عشائه أو لشرب بعض النبيذ أو تناول بعض اللحم و لا حتى للصلاة في بيته لكنهم سيشمتون كل من لا يفعل ذلك ، بعضهم سيرسل عشرين يورو أو خمس و عشرين ليشعر بشعور غامر من التضحية و التفوق سيمنحهم الحق في تقمص ثياب الملائكة و قميص عثمان و في التوجه إلى السوسيال في المرة القادمة بخطى واثقة ، فقط لبعض الوقت ، حتى ينفذ رصيدهم … بل إن أبطال العالم في الصراخ لا يجدون غضاضة في التلويح بقميص عثمان و في نفس الوقت ، التبجح بحصار الجوعى و الموتى من أجل تحريرهم ما دام هؤلاء لا يفقهون و لا يستمعون لمن جاء لهم بالحرية ، بسجون هم حراسها و ببلاد هم سادتها … لقد أعجب السوريون بدور الضحية رغم اختلافهم على من الذي حكم عليهم بهذا الدور و يعتقد السوريون أنهم لم يعودوا بشرًا منذ اللحظة التي بدأوا فيها بقتل بعضهم البعض و يعتقدون أن أحدًا ما لا بد أن يمنحهم مكانًا في فردوس ما ، فردوس قد يسمح لغيرهم بدخوله لكنهم الأحق به من الجميع ، و مثل بقية المؤمنين بالجنة أو بأن هناك آلهة خلقتهم لكي تدخلهم ، بعد عناء ، إلى جنة بلا حدود و بلا نهاية حيث الوفرة و السعادة التي يسهر عليها ذلك الإله و عبيده ، يعتقد السوريون أنهم قد فعلوا كل ما يتوجب عليهم لدخول الجنة و على العالم أن يحقق أمنيتهم طالما كانت السماء مجرد أثير فارغ من كل شيء و من المعنى أيضًا … كان الملل قد أصاب السوريين و أصاب الجميع مؤخرا ، حاول السوريون قتل هذا الملل القاتل بأحاديث جوفاء عن مجزرة حماة و عذابات الأفارقة الذين يحتقرونهم بقدر احتقار الرجل الأبيض لكن الطبيعة كانت رحيمة بهم و قاسية في نفس الوقت ، كان الزلزال مناسبة لقهر الملل و الرتابة و محاولة قهر التفاهة التي بدا أنها قد أصبحت فجة و مثيرة للسخرية و الاشمئزاز لكن تفاهتهم و مبالغتهم في التفاهة كانت الحد الذي انتهى عنده كل شيء و على خشبة المسرح تقدم اليوم حكايات تبدو الآن أكثر إمتاعًا … حمل الزلزال أيضًا مفاجآت أخطر ، فأبطال حرية الصراخ و رثاء الذات و البكاء على الأطلال فوجئوا بأن النظام أيضًا يملك حق تمثيل السوريين و أن محاولاتهم احتكار هذا التمثيل حصريًا بقيت فاشلة ككل ما فعلوه منذ أن دعوا السوريين إلى مقتلة بلا نهاية لا يعرفون ، و لا يكترثون ، كيف و لماذا و متى ستنتهي إلا فقط و طبعًا بانتصارهم و تتويجهم ، ثم اختصوا بعدها بواجب اللطم تاركين الموتى و الجوعى يتضورون جوعًا في سبيل كذبة لم يعد أحد يهتم بإخفائها أو بكشفها أو بها و بأبطالها ، لقد فوجئ أبطال العالم في حرية الصراخ بأنهم قد استثمروا صور الموت و آهات الموتى و تاجروا بهم حتى جعلوهم مجرد تفصيل ممل ، مثلهم في ذلك مثل كل البشر … عاش السوريون طويلًا داخل قوقعتهم التي تضيق عليهم باستمرار حتى أنهم اليوم يتنفسون كالحشرجة و يتمددون فقط نحو دواخلهم التي تنحط و تنكمش و تصغر حتى تكاد تختفي بينما هم لا يكادون يلقون بالا لما يجري خارج تلك القوقعة التي يسعون جاهدين ليجعلوا منها كفنهم الأخير … منذ 2011 تحولت سوريا إلى منطقة غير صالحة لسكنى البشر ، قطعت الأشجار قتل البشر سحلوا ذبحوا وسط تهليل هذا الفريق أو ذاك و أطلق السوريون على مقتلتهم أسماء و أوصاف شتى لتهوين فعل قتل الآخر أو العدو و ذبحه ، باعوا كل شيء ، تاجروا بكل شيء ، سرقوا كل ما يمكن سرقته ، و تكرر ذلك مرارًا في كثير من الأحيان و كان دائمًا جوابهم الوحيد هو الصراخ ، فعلهم الوحيد هو الصراخ ، صراخ متسولين يعتقدون أنهم أحدثوا بأنفسهم ما يكفي من عاهات ليبدو متسولين حقيقيين … و يصعب إقناع السوريين اليوم بأنه لا وجود للجنة و أن العالم هو ميدان صراع و أن الإنسان يحتاج لأن يفعل شيئًا ما هنا على هذه الأرض ، لكن الواقع دائمًا حائط قاسي القلب أو محايد تماما لا يلق بالًا و لا يكترث لأوهام البشر ، السوريون بشر عاديون ، لا ملائكة و لا شياطين ، لا قديسين و لا أشرار ، هم مجرد بشر ، اعتادوا بعض العادات السيئة و قد حان وقت نسيانها اليوم