تأملات في المستقبل


مازن كم الماز
الحوار المتمدن - العدد: 7848 - 2024 / 1 / 6 - 07:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

كان رفض السؤال الذي واجهناه جميعًا في 7 أكتوبر الماضي و اعتباره تعديًا على حرية الرأي و التعبير ، بالتحديد حريتنا في الحقد و بث الكراهية ، كان جوابًا صريحًا بالموافقة على مجزرة حماس ضد الجنود و النساء و الأطفال و العجائز … لكن لعبة اعتبار المدنيين عسكر ، التي نمارسها ضد خصومنا هي سيف ذا حدين ، فخصومنا أنفسهم اليوم أي الاسرائيليون يستخدمونها عندما يعتبرون كل فلسطيني بما في ذلك الأطفال الذين يستخدمون أحيانًا كمحاربين ، عندما يعاملون كل مدني فلسطيني على أنه محارب أو مشروع محارب خاصة و نحن نفعل كل ما بوسعنا لتحويل تلك الفرضية إلى حقيقة فيما يتصل بنا جميعًا ، هذه الهمجية متاحة و لا يمكننا احتكارها للأسف

لا يقوم الكونغوليون بدهس البلجيكيين في شوارع بروكسل ، إن من قتل صحافيي شارلي هيبدو و الأستاذ الفرنسي جاؤوا من بلدان لم تشهد ذلك العنف الاستعماري الذي عاشه أجداد الكونغوليين الحاليين الذين لا يشاركونا على ما يبدو حقدنا على الغرب … و الأردن التي تشهد اليوم مظاهرات "حاشدة" أحيانًا ضد المجزرة الاسرائيلية في غزة كانت قد شهدت واحدة من أهم المجازر أو المعارك ضد المسلحين الفلسطينيين "المقاومين" و التي امتدت إلى استهداف المخيمات نفسها … المخيمات الفلسطينية في لبنان "المقاوم" أيضًا شهدت مجازر و حصارات مماثلة و إن كانت أقل من حيث عدد الضحايا و لو أنها لم تكن أقل من حيث الهمجية و أهمها تم على يد مقاومين شيعة … مجزرة صبرا و شاتيلا قامت بها قوى لبنانية ما تزال تتزعم طوائفها اليوم و تواصل حديثها نفسه عن السيادة و الاستقلال الذي نفذت مجازرها تحت تلك الشعارات و الميليشيات العراقية "المقاومة" التي تستهدف القوات الامريكية في بغداد و شرق سوريا اليوم ردًا على المجزرة الاسرائيلية في غزة كانت هي من طارد و قتل الفلسطينيين في العراق بعد 2003 … و كثير من "الأحرار و الثوار" السوريين ينظر إلى القتلى في غزة بعين الشماتة أو الاستغراب فهم يعتقدون أن ما يجري في غزة لا يرقى و لن يرقى لمستوى "تضحياتهم" أو أنه عقاب رباني لكل من يقف مع المجوس الكفار

تجري عملية متسارعة "لفلسطنة" الشعوب العربية ، أي تحويلها إلى شعوب عاجزة عن إطعام نفسها و إلى شعوب غارقة في الأحقاد و العنف حتى قمة رأسها و مهووسة بالموت و القتل ، يجري بتسارع شديد ملشنة عقلنا و مجتمعاتنا و أفكارنا ، أي بناء سلطة اعتبارية و فعلية لأمراء و لوردات الحرب و قادة الميليشيات و تحويل الاقتصاد في بلادنا إلى اقتصاد قائم على النهب المباشر العاري بقوة السلاح و التسول على أبواب الغرب الغني …

"مواجهة الاستشراق" كفكرة سائدة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار تعني باختصار شيئين فقط : الدفاع عن الاستبداد الشرقي و الدفاع عن التخلف و الجهل "كهوية" خاصة بنا

الكل يتحدث اليوم كما كان ابن لادن يفعل في الأمس ، نفس الأفكار إن لم تكن نفس الكلمات ، لم يصل فصامنا عن الآخر و لا هوسنا بكرهه و لا هوسنا النرجسي بأنفسنا إلى مثل هذا المستوى من قبل …

هذا الهوس بالذات و الهوس بكره الآخرين و الذي يتجسد كل يوم في معارك مع طواحين الهواء ، سيقودنا حتمًا إلى معركة هرمجدونية كبرى ستكون أم المعارك أو أم الهزائم مجرد لعبة أطفال أمامها … هذه الثقة في أننا دائمًا على حق ، عندما نكره و عندما نحقد و عندما نستهتر بدماء الآخرين و عندما نطالب بدماء الآخرين و ببيوتهم و ثرواتهم في مقابل تخلفنا و عجزنا حتى عن إطعام أنفسنا و بالاعتماد على صراخنا فحسب ، فصامنا هذا بين كره كل ما هو غريب عنا و مساواته بكل ما هو سيء و شرير و تقمص لباس القديسين الخيرين الذين لا يخطئون ، كل هذا هو الوصفة السحرية لمعركة حاسمة ستكون إبادية بالفعل ، هرمجدونية بكل المقاييس ، لن تقل آثارها عما جرى في ألمانيا و اليابان في عام 1945 ؛ الظروف وحدها ستحدد زمان و شكل و مكان تلك الكارثة التي نسير إليها كالمنومين مغناطيسيًا و لكنها تقترب أكثر فأكثر مع تسارع الهستيريا التي نعيشها و عصاب الأنا في أوروبا و امريكا