أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين علي محمود - تفكك الدولة اليمنية بين الحرب والهوية














المزيد.....

تفكك الدولة اليمنية بين الحرب والهوية


حسين علي محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8572 - 2025 / 12 / 30 - 18:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يعد ما يجري في اليمن يفهم ضمن ثنائية الحرب الأهلية أو الصراع على السلطة، بل بات تعبيراً صارخاً عن انهيار مفهوم الدولة الوطنية في أحد أكثر بلدان المنطقة هشاشة تاريخياً.
فاليمن اليوم ليس دولة في حالة حرب، بل حرب تعيش داخل دولة ميتة إكلينيكيا، تُدار جثتها من الخارج وتتنازع أشلاءها قوى داخلية فقدت القدرة أو الرغبة في إنتاج مشروع وطني جامع.

إن الخطأ التحليلي الشائع هو اعتبار 2014 أو 2015 نقطة الانهيار.
في الحقيقة، اليمن كانت دولة مأزومة منذ لحظة ولادتها الحديثة.
الوحدة اليمنية عام 1990 لم تكن اندماجاً سياسياً متكافئاً، بل ضمّاً قسرياً أُدير بعقلية الغلبة لا الشراكة وحُسم لاحقاً بحرب 1994 التي كرست، مركزية مفرطة، تهميشاً بنيوياً للجنوب، اقتصاد ريعياً زبائنياً، وسلطة قبلية عسكرية فوق الدولة.
منذ تلك اللحظة، بدأ اليمن يفقد معناه كدولة ويتحول تدريجياً إلى جغرافيا تُدار بالأمن لا بالسياسة.

لا يمكن فهم الحوثيين كأداة إيرانية فقط فهذا تبسيط يخدم الدعاية لا التحليل.
الحوثيون هم نتاج مباشر لـ :
- تهميش شمالي - شمالي (صعدة والمناطق الزيدية)
- فشل الدولة في إدارة التنوع المذهبي
- استخدام السلطة المركزية للدين والقبيلة كأدوات ضبط

لكن التحول الجذري وقع حين انتقلت الجماعة من خطاب المظلومية إلى خطاب السيادة بالقوة.
فاليوم الحوثيون، يمتلكون بنية عسكرية صلبة، يسيطرون على العاصمة ومراكز الثقل السكاني، يديرون اقتصاد حرب مكتفياً نسبياً، ولا يرون في التسوية السياسية سوى هدنة تكتيكية.
بعبارة أدق ان الحوثي لم يعد ثائراً، بل دولة مصغرة بلا اعتراف دولي.

الحكومة المعترف بها دولياً تمثل أحد أكثر النماذج فداحة في التاريخ الحديث: (سلطة موجودة قانونياً، غائبة اجتماعياً، عاجزة عسكرياً، ومنقسمة سياسياً.)
المجلس الرئاسي لم يُنتج شرعية جديدة، بل أعاد توزيع العجز على أطراف متعددة.
لا مشروع سياسي واضح، لا خطاب جامع، لا قدرة على فرض النظام أو تقديم الخدمات.
وهنا المفارقة الخطيرة، فالشرعية لم تخسر الحرب فقط، بل خسرت المعنى.

لم تعد القضية الجنوبية لم تعد شعاراً عاطفياً، بل تحولت إلى مشروع سياسي مدعوم بالسلاح والواقع الجغرافي.
المجلس الانتقالي الجنوبي يستثمر :
- ذاكرة الإقصاء بعد 1994
- فشل الدولة المركزية
- الدعم الإقليمي
- الفراغ السياسي في الجنوب
لكن الإشكال ليس في مطلب الانفصال بحد ذاته، بل في أن الانفصال يدار بعقلية مليشياوية لا دولاتية.
أي أننا أمام خطر إنتاج دولة جنوبية محتملة، ضعيفة، مرتهنة، ومقسمة داخلياً.

السعودية، الإمارات، إيران، الولايات المتحدة، كلها تتعامل مع اليمن كملف أمني أو جيوسياسي، لا كدولة ذات حق في الاستقرار.
السعودية تريد يمناً غير معادٍ، لا يمناً قوياً.
الإمارات تبحث عن نفوذ بحري وممرات استراتيجية
إيران تستثمر في ورقة ضغط منخفضة الكلفة
الغرب يهمه أمن الملاحة لا مصير اليمنيين
فالنتيجة، إدارة الصراع بدل حله.
اليمن ليس هامشاً في الجغرافيا السياسية، بل قلباً استراتيجياً، حيث (باب المندب، البحر الأحمر، القرن الإفريقي، طرق الطاقة والتجارة)
لذلك، فإن استمرار الفوضى ليس فشلاً عرضياً، بل خياراً غير معلن لبعض الفاعلين.

ما يغيب غالباً عن التحليل السياسي هو أن الحرب لم تُدمر الدولة فقط، بل أعادت تشكيل المجتمع نفسه.
جيـل كامل نشأ خارج أي تجربة دولة، إذ لا مؤسسات، لا قانون، لا معنى للمواطنة، بل اقتصاد بقاء، وسلاح كوسيلة صعود اجتماعي، والولاء كعملة سياسية.
في هذا السياق، لم تعد الحرب حالة استثنائية، بل تحولت إلى نمط حياة، وإلى مورد اقتصادي لآلاف الفاعلين الصغار، قادة محليين، تجار حرب، شبكات تهريب، وسلطات أمر واقع.
اقتصاد الحرب في اليمن لم يعد تابعاً للصراع، بل صار أحد دوافع استمراره.
كل تسوية تهدد مصالح شبكات كاملة تعيش على الفوضى، سواء في مناطق الحوثي، أو الشرعية، أو الجنوب.
وهذا ما يفسر لماذا تُفشل الهدنات من الداخل أحياناً، ولماذا يُعاد إنتاج العنف بأشكال جديدة حتى في فترات التهدئة.

الأخطر أن تفكك الدولة ترافق مع تفكك الهوية الوطنية نفسها.
لم يعد "اليمني" توصيفاً سياسياً جامعاً، بل هوية ثقافية باهتة تتآكل أمام الهويات المحلية كالمذهب، المنطقة، القبيلة، أو الكيان المسلح.
وهنا يصبح بناء الدولة لاحقاً أكثر تعقيداً من مجرد وقف الحرب، لأنه يتطلب إعادة بناء الإنسان اليمني كفاعل سياسي، لا كناجٍ فردي في بيئة عدائية.
بهذا المعنى، فإن اليمن لا يعيش فقط أزمة سلطة، بل أزمة زمن.
كل عام يمر دون دولة حقيقية، يوسع الفجوة بين إمكانية الحل وكلفته.
وما يبدو اليوم واقعية سياسية في قبول الكيانات القائمة، قد يتحول غداً إلى استحالة تاريخية لقيام دولة واحدة.

● نحن أمام ثلاثة مسارات محتملة :
- تقسيم فعلي طويل الأمد (شمال حوثي - جنوب انفصالي - شرق هش.)
- تسوية سياسية هشة أي توقف الحرب دون بناء دولة.
- انهيار أوسع متمثل بصراعات داخلية داخل كل كيان.
ولا يوجد حتى الآن مشروع رابع مثل الدولة الجامعة.

الخلاصة :
اليمن ليس استثناء، بل نموذجاً مكثفاً لأزمة العالم العربي.
دولة بلا عقد اجتماعي، نخبة بلا رؤية، تدخل خارجي بلا أخلاق، وشعب يدفع الثمن.
الحرب في اليمن لن تنتهي عندما تسكت البنادق، بل عندما يُعاد تعريف معنى الدولة، والسلطة، والانتماء.
وحتى ذلك الحين، سيظل اليمن جغرافيا مفتوحة على الألم والسياسة بلا ضمير.



#حسين_علي_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دسترة الدولة وسلطوية الحكم
- الصومال لاند وإعادة هندسة الخرائط
- العيش بالأجل، الرفاه الذي يسرق أعمارنا!!
- التاريخ بين السرد والسلطة
- القيم الإنسانية والتنظيم الديني
- السنافر كمنظومة رمزية سلطوية
- العلاقات العاطفية والذكاء الاصطناعي
- أوكرانيا وصراع المستقبل الجيوسياسي
- التسول الممنهج وتفكيك المجتمع
- استعراض المسؤول وصناعة الوهم السلطوي
- طغيان الولاء وموت العقل
- خرائط الشخصية وأنماط الذات
- هندسة الوعي في الفضاء الرقمي
- زيارة محمد بن سلمان لواشنطن، مقاربة في العلاقات الدولية
- دور الأسرة ضمن منظومة الأمن الفكري والمجتمعي، مقاربة تحليلية ...
- سفاري الموت، الحرب والوحشية الإنسانية
- الموصل وصراع التمثيل السياسي
- تفكيك العلاقة السلطوية بين المسؤول والمواطن في مجتمعات العال ...
- زهران ممداني وتجسيد فكرة -أميركا الممكنة- في مواجهة -أميركا ...
- الدين والمجتمع بين الوعي والإخضاع، قراءة في آليات الاستغلال ...


المزيد.....




- فيديو لغارة أمريكية على قارب بشرق المحيط الهادئ يثير تساؤلات ...
- السعودية: المملكة لن تتردد في مواجهة أي مساس أو تهديد لأمنها ...
- تصاعد موجة الاحتجاجات في إيران بسبب ارتفاع الأسعار بشكل حاد ...
- مقصية أيوب الكعبي الجديدة تقود المغرب إلى دور 16 بكأس أمم أف ...
- كيف علق أحمد الشرع وسوريون على العملة الجديدة؟
- ماذا يجري في اليمن بين السعودية والإمارات؟
- سوريا: حظر تجوّل ليلي في اللاذقية وسط اضطرابات طائفية دامية ...
- مصر تُعلن تلقيها عروضًا مالية ضخمة لتهجير الفلسطينيين قوبلت ...
- وسط تصعيد وضربة سعودية.. الإمارات تعلن سحب قواتها في اليمن
- ما الذي يحدث في اليمن وما دور السعودية والإمارات في النزاع ا ...


المزيد.....

- صفحاتٌ لا تُطوى: أفكار حُرة في السياسة والحياة / محمد حسين النجفي
- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين علي محمود - تفكك الدولة اليمنية بين الحرب والهوية