أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - حسين علي محمود - سفاري الموت، الحرب والوحشية الإنسانية














المزيد.....

سفاري الموت، الحرب والوحشية الإنسانية


حسين علي محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8528 - 2025 / 11 / 16 - 18:47
المحور: حقوق الانسان
    


لم يكن كشف فضيحة "سياحة القتل" في حرب البوسنة مجرد إماطة اللثام عن جريمة جديدة من جرائم الحروب، بل كان فتحاً لباب مظلم في النفس البشرية، وفضحاً لتقاطعات المال والعنف والتحلل الأخلاقي حين تتحول الحرب إلى بيئة خصبة لإطلاق أسوأ ما في الإنسان.
الملف الذي أعاد الصحفي الإيطالي لوتشانو ميرالدي تسليط الضوء عليه، لم يكشف فقط عن أثرياء يدفعون مبالغ طائلة لصيد البشر، بل قدم للعالم درساً قاسياً، بأن الحرب لا تصنع الوحوش، بل تزيل الأقنعة عنهم.

■ ما هي رحلة الصيد التي بدأت في إيطاليا وانتهت في شوارع سراييفو؟؟
انطلقت "السفاري" من مدينة أوديني شمال إيطاليا نحو بلغراد، حيث كان ضباط صرب يستقبلون المشاركين وينقلونهم إلى تلال سراييفو.
هناك، في المساحات المفتوحة والشارع الأصفر تحديداً، تحول المدنيون، أطفالاً ونساءً ورجالاً الى إلى أهداف بشرية ضمن جولات صيد مدفوعة الثمن وصلت إلى 120 ألف دولار للمشارك الواحد، وترتفع كلما كان الهدف أصغر سناً.

وثائق وتسريبات لاحقة كشفت أن هذه الرحلات تمت بغطاء عسكري، وبمشاركة ضباط وقيادات صربية رفيعة، فيما ظل العالم صامتاً أو متجاهلاً.
المشاركون لم يكونوا مجرد مجرمين عابرين، بل عكست سلوكياتهم بنية نفسية شديدة الخطورة وكالاتي :
- شخصية سايكوباتية لا ترى الآخر إلا كشيء قابل للاستهداف.
- عدوان مكتسب يتعزز حين يصبح القتل معياراً للقوة أو المهارة.
- نزعة سيطرة تبحث عن إثبات التفوق عبر قتل أضعف البشر.
تصف العلوم السلوكية هذا الانفلات بـ تحرر السلوك، فحين تكسر الحرب القيود الداخلية ويجد الفرد نفسه قادراً على ارتكاب ما لا يستطيع حتى تخيله في ظروف طبيعية.

لكي يستسهل شخص قتل مدني بدم بارد، لا بد أن يمر بعملية نفسية تُعرف بـ نزع الإنسانية حيث :
- تتحول الضحية من إنسان إلى هدف.
- يصبح المدني مجرد رقم أو طريدة
- تختفي التعاطف ويُسحق الشعور بالذنب.
كان القناصة القادمون من الخارج لا يفكرون في الضحية، ولا في الحرب ذاتها، كل ما شغلهم هو متعة اللقطة، ونجاح الإصابة، وكأنهم في رحلة قنص للحيوانات.
حين ينهار المجتمع يصبح الإنسان متروكاً للموت، فلقد كانت سراييفو خلال الحصار مدينةً مكسورة تعاني من :
اقتصاد منهار، دولة عاجزة، خوف يومي من الموت، عائلات مشردة، وثقة اجتماعية محطمة.
في مجتمع بهذا الانهيار، يغيب الرادع الأخلاقي والمؤسسي معاً.
وهكذا تتحول أي جريمة إلى سلوك عادي، ويصبح المدني فريسة بلا صوت، وتصبح جرائم القنص نشاطاً ممكناً لأنه لا توجد قوة تمنعه، ولا مجتمع قادر على فضحه.

في عام 2014، أعيد فتح أحد الملفات بعد اكتشاف مقبرة جماعية قرب برييدور، تضم 300 جثة، بينها أطفال قتلوا برصاص قناصة محترفين.
تحليل الأسلحة والرصاص لم يقُد فقط إلى الجيش الصربي، بل إلى أجانب شاركوا في السفاري الدموية.
كان ذلك الدليل الأخطر على أن القتل لم يكن جريمة حرب تقليدية، بل نشاطاً ترفيهياً له جدول أسعاره ورعايته وحمايته.

التبرير اللأخلاقي الذي اتخذه القتلة مخرجاً نفسياً لأنفسهم، حيث برّروا جرائمهم بعبارات مثل : "الكل يقتل في الحرب، ما المشكلة؟!"
"إنهم سيموتون تحت القصف على أي حال."
"أردت تجربة شيء مختلف."
هذه العملية تعرف بـ التبرير الأخلاقي وهي نفسها التي تستخدمها الأنظمة العسكرية الغربية ومن على شاكلتها لتسهيل ارتكاب الفظائع، لكن هنا تحولت إلى مبرر تجاري لجولات قتل بالسياحة.
الصمت الدولي لم يكن عجزاً، بل كان جزء من المشكلة، فالدول التي جاء منها الصيادون كانت على علم بالرحلات، وبعضها أغلق ملفاتها بعد الحرب حماية لنفوذها وسياستها.
وبقي السؤال المؤلم بلا جواب :
هل مات الضحايا في حرب؟! أم في نشاط ترفيهي مدفوع؟!

الحرب لا تصنع الجناة، لكنها تمنحهم فرصة الظهور، فتفضح هشاشة الإنسان حين تتقاطع الرغبات المظلمة مع المال والسلطة وانهيار القانون.
وقصة "سفاري الموت" ليست مجرد فصل من حرب البوسنة، بل نموذج صارخ لما يحدث حين تتحول الحرب إلى بيئة تسمح للانحراف الأخلاقي أن يطفو على السطح، فتتحول الحضارة إلى غابة، والبشر إلى طرائد.
الحرب إذن مرآة لا تكشف الإنسان بقدر ما تجرده، وتظهر الوحش الذي يعيش داخلنا، منتظراً اللحظة المناسبة للخروج. وهذه القصة ليست تحصيلاً للتاريخ فحسب، بل تحذير للبشرية من لحظة يصبح فيها الإنسان سلعة، والحرب تجارة، والقتل تجربة سياحية، وتذكير مُرّ بأن ما نفتخر به من حضارة يمكن أن ينهار أمام أول اختبار.
السؤال الأهم إذن ليس كيف حدث ذلك، بل كيف نمنع تكراره في عالم يزداد هشاشة يوماً بعد يوم؟؟



#حسين_علي_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الموصل وصراع التمثيل السياسي
- تفكيك العلاقة السلطوية بين المسؤول والمواطن في مجتمعات العال ...
- زهران ممداني وتجسيد فكرة -أميركا الممكنة- في مواجهة -أميركا ...
- الدين والمجتمع بين الوعي والإخضاع، قراءة في آليات الاستغلال ...
- قراءة سياسية وإستراتيجية لإنسحاب حزب العمال الكردستاني إلى ش ...
- المواطنة الرقمية بين الحرية والمسؤولية
- عبودية الوعي، الفقر كأداة للهيمنة في زمن الإنسان المنهك
- هرم ماسلو بين الإنسان والمجتمع، مقاربة في مأزق الصعود العربي
- قمة شرم الشيخ 2025، إعادة هندسة النظام الإقليمي من بوابة غزة
- نظرية النوافذ المكسورة، من فوضى المدن إلى فوضى الإنسان
- جيل Z في المغرب والعراق، من العالم الرقمي إلى الميدان الاجتم ...
- جيل Z والمظاهرات في المغرب، من العالم الرقمي إلى الميدان
- عودة العقوبات الأممية عبر -آلية الزناد-، تداعيات اقتصادية وس ...
- الشرع وبتريوس، مشهد يختصر تبدل موازين السياسة الدولية
- باغرام جوهرة استراتيجية، دلالات الموقع وابعاد الصراع في معاد ...
- اتفاقية الدفاع السعودي الباكستاني، قراءة تحليلية في إعادة تش ...
- اليوم العالمي للديمقراطية، قراءة نقدية للواقع العراقي
- الخطاب الديني والسياسي واثرهما في تشكيل الوعي الجمعي
- تشارلي كيرك وصراع النخب الأمريكية
- الضربة الإسرائيلية على قطر، قراءة في الأبعاد الاستراتيجية وا ...


المزيد.....




- نتنياهو يصر على رفض الدولة الفلسطينية قبيل تصويت الأمم المتح ...
- كيف يؤثر تغيير بريطانيا لسياستها في وضع اللاجئين ومستقبلهم؟ ...
- خروقات متواصلة لاتفاق غزة وحماس تطالب بكشف مصير الأسرى
- بريطانيا تقلص حماية اللاجئين وتحدّ من الإعانات الاجتماعية
- حماس: الاحتلال يخفي في سجونه أعدادا من الأسرى
- وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 13
- استئناف عمليات البحث عن جثث الأسرى الإسرائيليين شرق مدينة غز ...
- حماس: الاحتلال يخفي في سجونه أعدادا من الأسرى
- الخيام أُزيحت من مكانها 20 مرة.. الأونروا تستغيث من أجل غزة ...
- بعد إنقاذه من الإعدام بساعات.. نقل سجين إلى المستشفى إثر فقد ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - حسين علي محمود - سفاري الموت، الحرب والوحشية الإنسانية