أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حسين علي محمود - المواطنة الرقمية بين الحرية والمسؤولية














المزيد.....

المواطنة الرقمية بين الحرية والمسؤولية


حسين علي محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8506 - 2025 / 10 / 25 - 09:45
المحور: المجتمع المدني
    


في زمنٍ أصبحت فيه الشاشة نافذتنا اليومية إلى العالم، لم تعد المواطنة تُقاس فقط بما نفعله في الواقع المادي، بل أيضاً بما نقوله ونشاركه في الفضاء الرقمي.
فحضورنا على الإنترنت لم يعد مجرد تفاعل افتراضي، بل ممارسة اجتماعية وثقافية تُسهم في تشكيل الوعي الجمعي وتوجيه الرأي العام.

يُعرَّف مفهوم المواطنة الرقمية بأنه جملة من المهارات والمعارف والقيم الأخلاقية التي تمكن الفرد من استخدام التكنولوجيا والإنترنت بشكل مسؤول وآمن ومحترم.
ووفقاً لعدد من الباحثين في التربية الرقمية، فإن المواطنة الرقمية تتجاوز البعد التقني إلى بعدٍ قيمي وإنساني، يعكس مدى إدراك الفرد لمسؤولياته تجاه نفسه وتجاه الآخرين في هذا العالم المتشابك.

أن تكون مواطناً رقمياً صالحاً لا يعني مجرد معرفة استخدام الإنترنت أو إتقان أدواته، بل أن تمتلك بوصلة أخلاقية توجهك وسط زخم المعلومات، وضوضاء الآراء، وفتن التحريض والإشاعة.
فحين نشارك معلومة غير محققة، نكون قد ساهمنا من حيث لا ندري في تضليل الآخرين أو إيذائهم، وحين نمارس التنمر أو السخرية باسم "الحرية"، فإننا نفقد إنسانيتنا قبل أن نفقد أخلاقنا.
وحتى حين يتحول النقاش إلى ساحة شتائم بدلاً من أن يكون حواراً هادفاً، فإننا نضعف نسيجنا الاجتماعي ونغذي الكراهية بدل الفهم.

هذه الممارسات تمثل ما يمكن تسميته بـ "غياب المواطنة الرقمية"، الذي يقود إلى نتائج صامتة ولكن خطيرة، فتؤدي إلى مجتمع أكثر انقساماً، ورأي عام أكثر هشاشة، وثقة اجتماعية تتآكل تدريجياً.
في المقابل، فإن ممارسة المواطنة الرقمية الواعية تُسهم في بناء فضاء تواصلي أكثر صحة واتزاناً.
فحين نتحقق من المعلومات قبل نشرها، نحمي الحقيقة.
وحين نختلف باحترام، نحافظ على قيمة الحوار.
وحين نحترم خصوصية الآخرين، نرسخ ثقافة الأمان والثقة في البيئة الرقمية.

المواطن الرقمي الواعي لا ينشر الكراهية، بل المعرفة، ولا يسعى إلى الجدل، بل إلى الفهم، ولا يتعامل مع المنصة كأداة صراع، بل كجسر تواصل.
فالفضاء الرقمي ليس عالماً موازياً أو منفصلاً عن الواقع، بل هو امتداد للحياة الاجتماعية ذاتها، ما نزرعه فيه من كلمات وسلوكيات، نحصد نتائجه في ثقافة أبنائنا، وفي شكل مجتمعاتنا القادمة.

إن المواطنة الرقمية ليست ترفاً فكرياً أو مفهوماً نخبوياً، بل ضرورة أخلاقية وتربوية في زمن تتسارع فيه وسائل الاتصال وتتشابك فيه الحقائق والزيف.
فمن لا يُحسن استخدام الكلمة، قد يسهم في هدم جسر بين الناس دون أن يدري، بينما من يتقن الوعي الرقمي يصبح حارساً للمعنى وسفيراً للصدق في عالم يتغير كل لحظة.

وفي هذا السياق، يرى المختصون في التربية الإعلامية أن تعزيز المواطنة الرقمية يبدأ من المدرسة والأسرة، بوصفهما الحاضنتين الأوليين للقيم والسلوكيات.
فالتربية الرقمية لا تقتصر على تعليم المهارات التقنية، بل تشمل تنمية التفكير النقدي، وتعليم الأطفال كيف يميزون بين الحقيقة والزيف، وكيف يمارسون حريتهم في التعبير دون أن يعتدوا على حرية الآخرين.
كما أن المؤسسات التعليمية مدعوة إلى إدماج قيم المواطنة الرقمية ضمن المناهج الدراسية، لتصبح جزءاً من ثقافة الجيل الجديد، لا مجرد مادة نظرية.

أما على مستوى المجتمع والإعلام، فإن بناء بيئة رقمية آمنة ومسؤولة يتطلب تشريعات واضحة تحمي المستخدمين من العنف الرقمي وخطابات الكراهية، وتدعم في الوقت نفسه حرية الرأي المسؤولة.
فالمواطنة الرقمية لا تقوم على المنع والقمع، بل على الوعي والمساءلة الذاتية، وعلى فهم أن الحرية الرقمية مسؤولية قبل أن تكون حقاً.
وفي النهاية، إن بناء ثقافة المواطنة الرقمية هو مشروع وطني وإنساني طويل الأمد، يشارك فيه الأفراد والمؤسسات، ويبدأ من كل تغريدة واعية، وكل منشور صادق، وكل نقاش يسوده الاحترام.
لأن المستقبل، ببساطة، لن يكون لمن يملك التقنية فقط، بل لمن يملك الوعي الذي يوجهها نحو الخير والإنسان.

لذا، فلنكن مواطنين رقميين يكتبون بضمير، يشاركون بمسؤولية، ويستخدمون التكنولوجيا لصناعة وعي يليق بإنسان هذا العصر.



#حسين_علي_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبودية الوعي، الفقر كأداة للهيمنة في زمن الإنسان المنهك
- هرم ماسلو بين الإنسان والمجتمع، مقاربة في مأزق الصعود العربي
- قمة شرم الشيخ 2025، إعادة هندسة النظام الإقليمي من بوابة غزة
- نظرية النوافذ المكسورة، من فوضى المدن إلى فوضى الإنسان
- جيل Z في المغرب والعراق، من العالم الرقمي إلى الميدان الاجتم ...
- جيل Z والمظاهرات في المغرب، من العالم الرقمي إلى الميدان
- عودة العقوبات الأممية عبر -آلية الزناد-، تداعيات اقتصادية وس ...
- الشرع وبتريوس، مشهد يختصر تبدل موازين السياسة الدولية
- باغرام جوهرة استراتيجية، دلالات الموقع وابعاد الصراع في معاد ...
- اتفاقية الدفاع السعودي الباكستاني، قراءة تحليلية في إعادة تش ...
- اليوم العالمي للديمقراطية، قراءة نقدية للواقع العراقي
- الخطاب الديني والسياسي واثرهما في تشكيل الوعي الجمعي
- تشارلي كيرك وصراع النخب الأمريكية
- الضربة الإسرائيلية على قطر، قراءة في الأبعاد الاستراتيجية وا ...
- الاستعراض العسكري الصيني 2025، بين رسائل الردع وإعادة تشكيل ...
- ازدراء الأديان، دراسة تحليلية في الأبعاد الفكرية والاجتماعية ...
- إيران بين آلية السناب باك واحتمالات الحرب، قراءة في الدوافع ...
- سيداو من النص الدولي إلى الواقع الأسري، قراءة تحليلية نقدية
- نظرية البجعة السوداء، بين اللامتوقع وصناعة التحولات الكبرى
- إعادة التموضع الأميركي في العراق، قراءة استراتيجية لانسحاب 2 ...


المزيد.....




- -الأونروا- تجدد دعوتها لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة مع اقتر ...
- تقرير: ضغوط أمريكية لمنع إسرائيل من الرد على تأخر تسليم جثث ...
- يونيسف تحذر: عام دراسي ثالث بلا تعليم في غزة و85% من المدارس ...
- الأونروا تطلق استغاثة: لا بد من دخول المعدات الثقيلة لفتح ال ...
- الصليب الأحمر: مُنعنا من دخول أماكن الاعتقال الإسرائيلية منذ ...
- قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات بعدة مناطق في الضفة الغربية ...
- السعودية تعلن إعدام أردني -تعزيرا- في مكة وتكشف ما أدين به
- الإغاثة الطبية بغزة: الخدمات الصحية الأولية تعمل بقدرات محدو ...
- الأمم المتحدة تحذر: 7 آلاف طن من الذخائر غير المنفجرة تهدد ح ...
- -اليونيسف- تحذر من ضياع جيل كامل مع انهيار قطاع التعليم في ق ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حسين علي محمود - المواطنة الرقمية بين الحرية والمسؤولية