حسين علي محمود
الحوار المتمدن-العدد: 8455 - 2025 / 9 / 4 - 21:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من المعتاد ان العرض العسكري في الغالب يكون مقتصر على الصين فقط ولكن هذه المرة قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بدعوة كلا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون
كانت البداية من هذا المشهد قبل بدء الحفل الرسمي في ساحة تيانانمن في بكين، بمصافحة الرئيس الصيني شي جين بينغ للمحاربين القدامى.
الاستعراض العسكري في الصين ليس مجرد عرض بروتوكولي للجنود والدبابات أمام الناس.
إنه حدث معقد يجمع بين القوة العسكرية، والرسالة السياسية، وصناعة صورة الدولة، ففي كل مرة تُقيم بكين استعراضاً، فإنها لا تستعرض الأسلحة فقط، بل ترسل رسائل للداخل والخارج عن مكانتها وطموحاتها.
وبالطبع كان لذلك العرض قلق كبير على امريكا والقوى الغربية .
إذ تصدرت اخبار العرض عناوين الصحف الامريكية مثل نيويورك تايمز التي قالت ترأس ، شي جين بينغ، عرضاً عسكرياً ضخماً في بكين اليوم الأربعاء يضم طائرات مقاتلة وصواريخ وقوات منظمة ومدربة،حيث أصدر تحذيراً متحداً للمنافسين بعدم تحدي سيادة بلاده.
قبل العرض العسكري بيوم سُئِل ترامب من قبل الصحافة عن رأيه؟؟
"الصين تقيم عرضًا عسكريًا ضخمًا بمشاركة بوتين وكيم جونغ أون. هل يشكل هذا تحدياً؟؟ هل أنتم قلقون؟؟"
ترامب : لا، إطلاقاً. الصين بحاجة إلينا أكثر بكثير مما نحتاجها، لا أرى ذلك إطلاقاً ولدي علاقة جيدة مع الرئيس الصيني، وحظيت باجتماع جيد مع بوتين.
لكن المفارقة ان ترامب نشر في حسابه على منصة تروث سوشيل "أرجو أن تنقلوا أحر تحياتي إلى فلاديمير بوتين وكيم جونغ أون، بينما تتآمران ضد الولايات المتحدة الأمريكية."
■ ما الرسائل العسكرية التي ارسلتها الصين من خلال الحدث؟؟
- حين تعرض الصين صواريخ بعيدة المدى أو أسلحة فرط صوتية، فهي تريد أن تقول : "لدينا القدرة على حماية أنفسنا ومنع أي تدخل خارجي". هذه رسالة موجهة أساساً إلى الولايات المتحدة وحلفائها في آسيا.
- في استعراض 2025 العسكري، ركزت بكين على إظهار ما يُسمّى "الثالوث النووي" (صواريخ برية وبحرية وجوية)، في دلالة واضحة على أنها باتت قوة نووية مكتملة الأركان.
- لم يعد العرض يقتصر على الجنود والدبابات، بل يتضمن وحدات الحرب الإلكترونية والفضائية والمسيّرات، مما يشير إلى أن الجيش الصيني يتجه إلى "الحرب الرقمية والذكية".
■ الرسائل السياسية الخارجية لبكين :
- ان حضور قادة مثل بوتين أو كيم جونغ أون في استعراض 2025 يعكس أن الصين تريد إظهار محور جديد في مواجهة الغرب، فمع غياب القادة الغربيين عن الاستعراضات الصينية الكبيرة يُقرأ كعلامة على الانقسام العالمي.
- كل استعراض عسكري في الصين يُقرأ أولًا في واشنطن وطوكيو وسيول وكانبيرا (عاصمة استراليا).
عندما تُظهر الصين صواريخ بعيدة المدى أو أسلحة فرط صوتية، فهي تقول بشكل غير مباشر : "أي تدخل عسكري أميركي في تايوان أو بحر الصين الجنوبي سيكون مكلفاً".
هنا الرسالة، ليست مجرد استعراض عضلات، بل هي سياسة ردع وقائية تهدف إلى تقليص حرية الحركة الأميركية في محيط الصين.
- الاستعراضات العسكرية التي تقيمها بكين هي تذكّر تايبيه دائمًا بأن الجيش الصيني قادر على فرض السيطرة إذا لزم الأمر.
وفي الوقت نفسه، تسعى الصين من خلال هذه الرسالة إلى منع تايوان من الاعتماد الكلي على الدعم الأميركي، عبر إظهار أن أي حرب ستدمر الجزيرة وتكلفها غاليًا.
- الرسالة ليست تهديداً مباشراً فقط الى دول جنوب شرق آسيا (مثل الفلبين وفيتنام وماليزيا)، بل تحمل جانباً آخر هو الدعوة للتكيف مع الواقع الجديد، أي أن التعاون مع الصين أفضل من مواجهتها.
حيث تقول : "نحن القوة البحرية المهيمنة في الإقليم".
- حضور شخصيات مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون في بعض الاستعراضات، ليس تفصيلًا بروتوكوليًا بل رسالة مدروسة.
هذه المشاركة تعني أن بكين تُظهر للعالم تكتلًا مضادًا للغرب، ورسالة دعم متبادل مع القوى التي تشاركها موقفًا عدائيًا أو تنافسيًا تجاه الولايات المتحدة.
- غياب القادة الغربيين عن الاستعراضات الصينية الكبيرة يُقرأ كعلامة على الانقسام العالمي.
إذ أن الصين هنا، لا تحاول استرضاء أوروبا بقدر ما تريد أن تُظهر أن لديها خيارات بديلة (روسيا، دول الجنوب العالمي، تحالفات آسيوية).
لذا هذه الرسالة تقول " نحن لسنا معزولين، بل لدينا شركاء في مواجهة الضغط الغربي".
■ هناك مجموعة محطات رئيسية لفهم تطور الرسالة :
2015 : ظهور صواريخ "كاسحات الحاملات" لأول مرة، رسالة موجهة للأسطول الأميركي في المحيط الهادئ.
2019 : تقديم أسلحة فرط صوتية مثل DF-17 وDF-41، إعلان دخول الصين نادي القوى التكنولوجية المتقدمة.
2025 : استعراض "الثالوث النووي" وقدرات الحرب الرقمية، تأكيد أن الصين قوة عظمى لا يمكن تجاهلها.
كذلك عرض العديد من الاسلحة والتقنيات المتطورة
* مسيرة GJ-11 Sharp Sword شبحية بتصميم جناح طائر.
* طائرة FH-97A مشابهة لـ MQ-28، للقتال الجوي.
* مسيرات اخرى بدون ذيل بتصاميم دلتا معدلة.
* مسيرات تحت الماء وأخرى بإقلاع عمودي.
* المقاتلات النفاثة "جيان-16D" ، "جيان-20" ، "جيان-35A" ، "جيان-20S" و "جيان-20A".
عدد المعدات العسكرية المعروضة تجاوز 100 نوع مختلف منها النووية تسبب قلق كبير.
من بين أنظمة التسليح التي كشف عنها خلال العرض، برز الجيل الجديد من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات من طراز DF-5C المزود بحمولة صاروخية مناورة يمكنها حمل 12 رأس حربي سواء كان نووي أو تقليدي، ويقدر مداه بنحو 20 ألف كيلومتر، بالاضافة إلى الصاروخ الباليستي العابر للقارات الأحدث في الترسانة الصينية من طراز DF-61 ، الذي لم تعلن بعد مواصفاته الفنية، لكن يُقدر مداه بنحو 12 ألف كيلومتر.
كما عرضت الصين صواريخ متنوعة تشمل :
* صواريخ DF-17/JY-17 الباليستية قصير المدى الفرط صوتية والتي تتزود برؤوس حربية انزلاقية مطورة.
* الصواريخ الباليستية المطورة العابرة للقارات من طرازات DF-31BJ وDF-26D.
* صاروخ الكروز CJ-1000 بعيد المدى الفرط صوتي الذي يقدر مداه بنحو 6000 كم ويتزود بمحرك Scramjet وصاروخ الكروز البحري المضاد للسفن YJ-21.
* الصاروخ الباليستي JL-3 المطلق من الغواصات النووية، والذي يجري تطويره منذ عام 2019.
* الصاروخ الباليستي المطلق جوا JL-1 المخصص لقاذفات القنابل الاستراتيجية الصينية من طراز H-6.
الخلاصة :
الصين تقدم نفسها كقوة صاعدة من "العالم الثالث" سابقاً استطاعت أن تتحول إلى قوة عظمى لا يمكن تجاوزها.
الاستعراض العسكري هو خطاب صيني موجَّه بالسلاح والصورة، يجمع بين الداخل والخارج، الماضي والمستقبل، والهوية والقوة، وأن جيشها قادر على مواكبة التطورات التكنولوجية العالمية.
يمكن ان نقول أن هذا الاستعراض مسرح متعدد الأبعاد :
- عسكرياً : وسيلة ردع وإظهار تفوق تقني.
- سياسياً داخلياً : أداة لتثبيت شرعية الحزب وصناعة هوية قومية.
- سياسياً خارجياً : رسالة للعالم بأن الصين لم تعد قوة صاعدة فقط، بل قوة قائمة بالفعل.
لذا، فإن بكين قادرة على التأثير في توازنات القوى العالمية، ليس اقتصادياً فحسب بل عسكرياً أيضاً.
النظام الدولي لم يعد أحادي القطب (بقيادة أميركية) بل يسير نحو تعدد الأقطاب، والصين تريد أن تكون قطباً رئيسياً فيه.
* يقول الدكتور علي اغوان (خبير استراتيجي وباحث في العلاقات الدولية) عن الاستعراض العسكري الصيني.
"في رسالة ثلاثية الابعاد بعثتها الصين الى العالم اجمع عبر اضخم استعراض عسكري في تاريخها، حضره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ اون في قلب بكين . الصين ارادت القول عبر هذا الاستعراض ان موازين القوى تتغير وان القرن الحادي والعشرين لن يكون اميركياً خالصاً كما يروج له ، نحن هنا وسيتوسع نفوذنا الاستراتيجي :
- الى الولايات المتحدة والغرب : العرض العسكري الذي شاهدتموه هو نقطة شروع جديدة بيننا وبينكم ، هو اعلان انتهاء وهم الاحادية القطبية الامريكية والهيمنة على العالم .
فرضت اميركا سرديتها بخصوص قيادة العالم منذ انهيار الاتحاد السوفيتي ، لكن الصين اليوم تضع حجر الاساس لمرحلة جديدة عنوانها ان الصين لم تعد قوة اقتصادية فحسب ، هي قوة عسكرية نووية تكنلوجية سيبرانية ستحصل على مساحتها التي تستحق في هذا العالم !! هذا ما ارادت الصين قوله للولايات المتحدة والغرب .
لذا ، الرسالة واضحة اما ان تتكيف واشنطن مع تعددية قطبية ناشئة جديدة عبر شراكة في ادارة النفوذ ، او ستجد نفسها في مواجهة مسار تفرضه الصين بوسائلها الخاصة على الارض وفي البحار والجو وفي الاقتصاد العالمي !!
- الى روسيا وكوريا الشمالية والمحور المناوئ للغرب :
الصين تعرض نفسها عليكم كمظلة ردع ونفوذ تضاهي مظلة واشنطن لاوروبا والناتو . الغرب يفرض العقوبات والضغوط ويبتز شركاءه ، اما الصين فتطرح بديلاً قائماً على الاحتماء بقوة اسيوية متعاظمة ترى نفسها شريك استراتيجي معكم وقطباً قائداً ينطلق منكم لانهاء احتكار الغرب ولبناء توازن عالمي جديد عنوانه اسيا الواعدة .
- الى اسواق السلاح العالمية : من منظور جيوسياسي، كان العرض العسكري اعلاناً عن دخول الصين الى سوق الردع العالمي . الاسلحة التي ظهرت من الصواريخ الفرط صوتية الى المقاتلات الشبحية ليس الغرض منها ردع الغرب فقط، بل ان هناك دلالات تسويقية كبيرة ، حيث ان الصين تعرض : اسعار اقل، شروط اخف، تكنولوجيا اسرع في النقل، وتحرر من الابتزاز السياسي . وهذا يفتح الباب امام دول الشرق الاوسط، افريقيا، واميركا اللاتينية لتقليل اعتمادها على السلاح الاميركي والاوروبي ، ما يعني تغييرات كبرى في توازنات تجارة السلاح وبالتالي في تحالفات العالم العسكري !
بالعموم ، نحن لا نتحدث عن نتائج ستظهر غداً نتيجةً لهذا الاستعراض ، نحن نتحدث عن نقطة شروع جديدة وعميقة لبداية زعزعة النظام الدولي والقيادة الاحتكارية الامريكية له عبر الاداة العسكرية الصينية والتي لم تكن تلوح بها في السابق . تبقى الولايات المتحدة قوة عظمى لايستهان بها في المجال العسكري والاقتصادي والتكنلوجي ولن تسقط غدا او بعد غد بكل تأكيد بسبب استعراض صيني .
كما ان اخر شيء تفكر فيه القوى العظمى مثل الصين والولايات المتحدة هو الحرب فيما بينها بشكل مباشر ، هذه القوى تستعرض عضلاتها لتعمق حالة الردع المتبادلة فيما بينها اثناء محاولة احدها للحصول على حصة اكبر في القيادة والسيطرة على العالم .
يبقى الانفاق العسكري الامريكي هو الاكبر بالعالم بمعدل 37 % لعام 2024 بينما تتربع الصين على نسبة انفاق تصل الى 12% من الانفاق العالمي".
#حسين_علي_محمود (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟