حسين علي محمود
الحوار المتمدن-العدد: 8444 - 2025 / 8 / 24 - 09:32
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
تهدف اتفاقية سيداو CEDAW (القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) هي معاهدة دولية اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979، وتصفها على أنها وثيقة الحقوق الدولية للنساء. صُدّقت المعاهدة في 3 سبتمبر من عام 1981 ووقعت عليها أكثر من 189 دولة من بينهم أكثر من 50 دولة وافقت مع بعض التحفظات والاعتراضات، و38 دولة رفضت تطبيق البند رقم 28 من الاتفاقية، والذي يتعلق بسبل تسوية الخلافات المتعلقة بفهم الاتفاقية. وأوضحت أستراليا في تحفُظها أن هناك بعض القيود بسبب نظامها الدستوري.
وقد وقعت كلًا من الولايات المتحدة وبالاو على الاتفاقية ولكن لم يفعلانها، بينما آخر دولة وقعت على الاتفاقية هي جمهورية السودان، ولم يوقع على الاتفاقية كلًا من الكرسي الرسولي وإيران والصومال وتونغا.
لابد من ذكر أهم ما جاء في هذه الاتفاقية لنستطيع فهم أهدافها أكثر :
"إن الدول الأطراف إذ تشير إلى أن التمييز ضد المرأة يشكل انتهاكا لمبدأي المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان، ويعد عقبة أمام مشاركة المرأة، على قدم المساواة مع الرجل، في حياة بلدهما السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويعوق نمو رخاء المجتمع والأسرة، ويزيد من صعوبة التنمية الكاملة لإمكانات المرأة في خدمة بلدها والبشرية، وإذ يساورها القلق، وهى ترى النساء، في حالات الفقر، لا ينلن إلا أدنى نصيب من الغذاء والصحة والتعليم والتدريب وفرص العمالة والحاجات الأخرى، وإذ تؤمن بأن إقامة النظام الاقتصادي الدولي الجديد، القائم على الإنصاف والعدل، سيسهم إسهاما بارزا في النهوض بالمساواة بين الرجل والمرأة، وإذ تنوه بأنه لابد من استئصال شأفة الفصل العنصري وجميع أشكال العنصرية والتمييز العنصري والاستعمار والاستعمار الجديد والعدوان والاحتلال الأجنبي والسيطرة الأجنبية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول إذا أريد للرجال والنساء أن يتمتعوا بحقوقهم تمتعا كاملا".
تجدر الإشارة إلى أن هذه الاتفاقية كفلت للمرأة المساواة في مجالات عدة منها التربوية، الصحية، السياسة، القانون، والاقتصاد.
■ أهم مضامين الاتفاقية :
- المساواة بين الرجل والمرأة في التعليم، العمل، المشاركة السياسية، والحياة الاجتماعية.
- القضاء على التمييز في التشريعات، القوانين، والسياسات.
- إلغاء أي قيود ثقافية أو تقليدية تعيق المساواة.
- المساواة في الزواج والعلاقات الأسرية، بما يشمل حق المرأة في اختيار الزوج، حقوق الطلاق، الميراث، ورعاية الأطفال.
- مكافحة الصور النمطية التي تحدد أدوارًا تقليدية للمرأة.
■ ما هي الإيجابيات المتوقعة أو المتحققة من الاتفاقية؟؟
- فتحت الاتفاقية المجال لتقوية مكانة المرأة في التعليم والعمل والمشاركة السياسية.
- تشجيع إصلاح القوانين، إذ أن كثير من الدول العربية طورت قوانين العمل، الجنسية، والعنف الأسري نتيجة الضغط الدولي المرتبط بسيداو.
- وفرت الاتفاقية إطاراً دولياً لمكافحة العنف الأسري والتحرش والاتجار بالبشر.
- تمكين المرأة سياسياً وذلك بزيادة فرص مشاركتها في البرلمانات والحكومات.
- دفعت سيداو بجدل فكري وثقافي حول قضايا النوع الاجتماعي والعدالة الاجتماعية.
■ الكثير يرى فيها سلبيات واشكاليات، ومنها :
- التعارض مع الشريعة الإسلامية، كمواد مثل المساواة المطلقة في الميراث أو إلغاء ولاية الرجل تُعتبر مخالفة للأحكام الشرعية، كذلك بند حرية اختيار الزوج قد يُستخدم لتبرير الزواج خارج الدين (مسيحي/مسلمة أو مسلم/غير مسلمة) بما يتعارض مع الفقه الإسلامي.
- تهديد البنية الأسرية التقليدية، بإعتبار "الأدوار التقليدية" تمييزاً قد يضعف مفهوم الأسرة كما يُفهم في الإسلام (الأب قيّم والمرأة راعية).
- بعض الدول العربية تحفظت على مواد مخالفة للشريعة، لكن لجان الأمم المتحدة ترى أن هذه التحفظات غير مقبولة، ما يخلق ضغطاً خارجياً مستمراً.
- الاتفاقية مبنية على منظومة قيم غربية (فردانية - ليبرالية) لا تراعي الخصوصية العربية والإسلامية، وهي ما يراها البعض إسقاط للخصوصية الثقافية الإسلامية، بالإضافة ان ذلك أدى بروز صراع بين النخب الليبرالية المؤيدة لسيداو والتيارات الدينية والاجتماعية الرافضة لها، ما أدى لاستقطاب مجتمعي.
- الدفاع عن المرأة من العنف أمر إيجابي، لكن بعض التفسيرات تدفع باتجاه إلغاء الفوارق الفطرية بين الجنسين أو فرض مفهوم غربي لـ "الحرية الجنسية".
- رفض من قبل النسوية الراديكالية، هي حركة نسوية تستند إلى أن جذر عدم المساواة الاجتماعية في كل المجتمعات المستمرة حتى الوقت الحالي ترجع إلى النظام الأبوي وهيمنة الرجل على المرأة، ويرى هذا الجانب أن الاتفاقية لا تسعى لقضاء حقيقي وفعلي على جميع أشكال التمييز ضد المرأة بل يرون أنها مجرد نوع من أنواع الليبرالية النسوية الضعيفة.
■ السؤال الذي يطرح نفسه، ما الذي تمسّه سيداو داخل نطاق الأسرة؟؟
إن أكثر المواد حساسية هي المادة 5 (الأدوار النمطية للجنسين) والمادة 16 (الزواج والعلاقات الأسرية: سن الزواج، الولاية، الطلاق، الحضانة، الولاية على الأطفال، الميراث ..الخ). لذا هناك أثرين على نمط وسلوك الأسرة
الأثر الإيجابي :
● تعزيز أمان المرأة والأطفال
- تشريعات العنف الأسري، أوامر الحماية، وحدات شرطة متخصّصة، يؤدي إلى انخفاض المخاطر داخل البيت، وتخفيف خوف الأطفال من بيئة صراعية.
- مكافحة الزواج القسري والمبكر يرفع جودة القرار الأسري ويقلّل هشاشة الرباط الزوجي.
● عدالة أكبر في فرص الحياة داخل الأسرة
- تعليم المرأة وعملها يضيف دخلاً مستداماً للأسرة ويقلّل هشاشة الأسرة أمام الأزمات.
- مشاركة أوسع في اتخاذ القرار داخل المنزل (ميزانية، تعليم الأبناء، السكن) يرفع الرضا ويحدّ من النزاعات القائمة على "الوصاية المطلقة".
● تحسين نتائج الأطفال
- الأم المتعلّمة والمحمية قانونياً غالباً تُنتج بيئة تربوية أفضل (رعاية صحية، متابعة دراسية، تنظيم أسري.)
- سياسات الحضانة المبنية على مصلحة الطفل الفضلى تُقلّل
"التجييش" ضد أحد الوالدين.
● تطوير البنية المؤسسية للأسرة
مكاتب صلح أسري، وساطة، إرشاد قبل الزواج وبعده، وحدات دعم قانوني ونفسي، تعد أدوات مدنية لحماية الزواج من الانهيار السريع.
● تقليص الأدوار النمطية الضارة
لا إلغاء للتمايز، بل تقليص ما يضر تبرير العنف، تحميل الأم كامل عبء الرعاية دون سند.
- منع النساء من الإرث العملي في أصول تُسجل شكلياً باسم الذكور.
الأثر السلبي
● تصادم مع ثوابت شرعية وأعراف مستقرة
الدفع نحو "مساواة مطلقة" في كل تفاصيل الأسرة قد يصطدم بأحكام قطعية (الميراث، بعض مسائل الولاية، النفقة)، ويولّد استقطابًا بدل الإصلاح التدريجي المتوافق مع الشريعة.
● تفكيك المرجعيات داخل البيت
الخطاب الذي يُساوي بين "الدور القيّمي" و "الهيمنة" قد يُضعف بنية القيادة المسؤولية المنزلية كما تُفهم فقهياً ( "القِوامة" = تكليف بالنفقة والحماية لا تسلّط)، فيحدث فراغ في تقسيم الأدوار ينعكس صراعاً عملياً.
● انزلاق لتبنّي تصوّرات فردانية غربية
إذا قُدِّمت الأسرة كتحالف أفراد مؤقتين لا كميثاق، فقد يزيد تسريع قرارات الانفصال بدل ترميم الخلل، ويُستنسخ نموذج علاقات أقل التزاماُ تجاه الأطفال والقرابة.
● إرباك في منظومة الحقوق والواجبات
- توسيع عمل المرأة دون سياسات داعمة للرعاية (حضانة، دوام مرن، إجازات والدية للأبوين) قد ينقل العبء كلّه للأم ويضاعف إرهاق الأسرة.
- تعديل بنود حضانة - نفقة دون ضبط دقيق قد يخلق أشكالاً جديدة من التعسّف المتبادل.
● ضغوط أممية على إزالة التحفظات
الإصرار على رفع كل التحفظات قد يُشعر المجتمع بأن هويته الدينية غير محترمة، فيقاوم حتى الإصلاحات المتوافقة شرعاً، ويخسر الجميع "حلول الوسط".
■ كيف سينعكس ذلك عملياً داخل البيت؟؟
- ديناميات السلطة والقرار تنتقل من "قرار أحادي" إلى "تشاور مُلزِم"، وهذا إيجابي إن صُمم مع واجبات النفقة والرعاية بوضوح، وسلبي إن فُهِم كتحلل من المسؤوليات.
- دخول المرأة سوق العمل يُقوي الأسرة مالياً، لكن بلا حضانات وإجازات والدية ومشاركة أبوية فعلية سيخلق توترًا دائما حول من يرعى ومن يعمل.
- قوانين أسرية أدق ومعايير "مصلحة الطفل" تحمي الأطفال، لكن التوسع في التدخل القضائي دون وساطة أسرية قد يحوّل الخلاف إلى معركة قانونية طويلة في الطلاق والحضانة.
- الخطاب الذي يساوي بين "التمييز" و "كل اختلاف الأدوار" قد يُربك التنشئة الأسرية للأطفال، بينما خطاب "تكافؤ الكرامة مع تمايز الوظائف" يحفظ الوضوح للأبناء.
■ كيف نُقلل السلبيات ونزيد الإيجابيات؟؟
- اعتماد قاعدة تكافؤ الكرامة والحقوق مع تمايز الوظائف لا تماثلها.
- جعل مصلحة الطفل الفضلى معيار الحضانة والرعاية، ضمن إطارٍ شرعي واضح.
- اعتبار القِوامة تكليفاً مرتبطاً بالنفقة والرعاية، لا امتيازاً مطلقاً.
- تشريع قوانين عنف أسري دقيقة بضمانات عدالة (تعريفات واضحة، حماية عاجلة، ومحاكمة عادلة).
- إجازات للأب والأم، وحوافز عمل مرن، ودعم حضانات ميسورة، يُخفّف توتر "من يرعى؟".
- وساطة أسرية إلزامية قبل التقاضي، وإرشاد قبل الزواج وبعده، وبرامج إدارة الخلاف.
- حماية الذمة المالية للزوجة وتسهيل إثبات الحقوق (قوائم منقولات، توثيق النفقة، صيغ صلح عادلة).
- ضبط حضانة وزيارة الأطفال بجداول تنفيذ واضحة ودعم نفسي، لمنع “اختطاف” الأبناء معنويًا.
- تمكين اقتصادي للأمهات المعلّقات والمطلقات (صناديق نفقة سريعة، تدريب مهني).
- إعداد خطاب ديني وفقهي يشرح المقاصد (العدل، الرحمة، صيانة الأسرة، ويُميّز بين القطعي والعرفي.)
- إنشاء وتوجيه محتوى إعلامي يُعالج الأدوار النمطية الضارة دون السخرية من الأمومة أو الأبوة.
- تثقيف أسري في المدارس والجامعات من (مهارات تواصل، إدارة مالية أسرية، وحقوق وواجبات شرعية وقانونية.)
الخلاصة : اتفاقية سيداو وثيقة دولية تحمل في طياتها فرصًا للتطوير الاجتماعي وتمكين المرأة، لكنها في الوقت نفسه تثير جدلًا حول الهوية الثقافية والدينية للأسر المسلمة. التعامل معها ينبغي ألا يكون عبر الرفض المطلق أو القبول الكامل، بل عبر مواءمة رشيدة تُعيد قراءة نصوصها في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية التي تركز على (صيانة الكرامة، إجازات والدية، حفظ النسب، حماية الطفل، عدالة النفقة والإرث، ومشاركة متوازنة في القرار الأسري.)
إن إعادة صياغة سيداو بروح مقاصدية تُحقق التوازن بين العدل والهوية، وبين المساواة والخصوصية، قد تفتح المجال نحو أسرة أكثر أماناً، أدوار أكثر عدلًا، وهوية دينية راسخة.
#حسين_علي_محمود (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟