أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين علي محمود - الصومال لاند وإعادة هندسة الخرائط















المزيد.....

الصومال لاند وإعادة هندسة الخرائط


حسين علي محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8569 - 2025 / 12 / 27 - 21:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لماذا اعترفت إسرائيل بإقليم الصومال لاند؟!
لأنها ورقة تفاوض وضغط غير مكلفة ومقبولة للعب السياسي على مصر وتركيا وإثيوبيا في باب المندب ( على المدى القريب )، وتحكم بالحزام والطريق الصيني وضرب الذراع الحوثي الإيراني ( على المدى الأوسع الأبعد )
وهذا يخدم مشروع قناة بن غوريون المستقبلية، ويعتبر هذا جوهر الإرادة الأمريكية في هذا الملف.

إن ‏علاقة إسرائيل بأرض الصومال، هي جانب واحد فقط من صراع النفوذ الجيوسياسي في الشرق الأوسط ومنطقة البحر الأحمر، علما انها تمتد إلى وسط آسيا ناهيك طبعا عن تفاعلاتها الدولية.
لكن هذا الوصول الإسرائيلي للبحر الأحمر ليس جديداً، فهي بدأته من إريتريا وتقوم اليوم بتأسيس قواعد في جنوب اليمن وربما تدفع نحو قيام دولة منفصلة هناك.
هذا التمدد العسكري والأستخباري، سيعني خلق مقاربة احاطة بكل من السعودية ومصر وهاتان الدولتان ربما تقومان مستقبلا بالتصدي لهذا التمدد، لكن التحدي الراهن الأبرز الراهن أمام إسرائيل هو وجود تركي مؤثر وحقيقي في الصومال بشكل خاص، يجعل مهمتها أكثر صعوبة وقد يدفع المستهدفين من الحضور الإسرائيلي نحو التحالف مع تركيا في هذا الملف وملفات أخرى.

يمكن النظر إلى الاعتراف الإسرائيلي بـ "أرض الصومال" ليس بوصفه خطوة دبلوماسية معزولة أو استجابة لتعاطف سياسي مع كيان غير معترف به دولياً، بل كحلقة محسوبة ضمن سلسلة طويلة من إعادة هندسة موازين القوة في البحر الأحمر وباب المندب والقرن الإفريقي.
فإسرائيل، في هذا السياق، لا تتصرف كدولة تبحث عن علاقات ثنائية تقليدية، بل كفاعل جيوسياسي يدير صراعاً مركباً متعدد المستويات، يدمج الأمني بالاقتصادي والبحري بالبري والآني بالاستراتيجي بعيد المدى.
أول ما يلفت الانتباه أن أرض الصومال تمثل ورقة ضغط منخفضة التكلفة وعالية العائد، فهي كيان يملك مقومات الدولة الواقعية (إقليم، سلطة، أمن نسبي، وموانئ)، لكنه محروم من الشرعية الدولية، ما يجعله أكثر قابلية للاصطفاف مع قوى خارجية تمنحه الاعتراف والدعم.
هنا تستثمر إسرائيل في منطقة رمادية قانونياً، لكنها شديدة الأهمية استراتيجياً، فمجرد الاعتراف لا يترتب عليه ثمن دولي كبير، لكنه يفتح باباً للتأثير على معادلات أكبر تمس مصر وتركيا وإثيوبيا معاً.
من زاوية باب المندب، لا يمكن فصل الخطوة الإسرائيلية عن الصراع على التحكم في أحد أهم الشرايين البحرية في العالم، إذ أن هذا الممر لا يختصر في كونه طريقاً للتجارة والطاقة، بل هو نقطة تماس بين مشاريع دولية كبرى كالمشروع الصيني "الحزام والطريق"، والطموحات الأمريكية لإعادة ضبط سلاسل الإمداد العالمية، ومحاولات قوى إقليمية تحويل البحر الأحمر إلى مجال نفوذ خاص.
في هذا الإطار، يصبح الحضور الإسرائيلي جزء من استراتيجية أوسع لإعادة توزيع السيطرة على خطوط الملاحة بما يحد من قدرة الصين على تأمين مسارات بديلة ومستقرة ويضعف في الوقت ذاته الذراع الإيرانية المتمثلة بالحوثيين.
الحديث عن ضرب النفوذ الحوثي لا يقتصر على البعد العسكري المباشر، بل يتعداه إلى تطويق جغرافي استخباري. فإسرائيل تدرك أن السيطرة على الضفة الإفريقية للبحر الأحمر لا تقل أهمية عن الضفة العربية، حيث القواعد والمواقع اللوجستية في إريتريا، ومحاولات التغلغل في جنوب اليمن، والآن الانفتاح على "أرض الصومال"، كلها تشكل قوساً جغرافياً يهدف إلى مراقبة وربما تعطيل أي تهديد محتمل للملاحة الإسرائيلية أو للمشاريع الاقتصادية المرتبطة بها.
وهنا يظهر مشروع "قناة بن غوريون" بوصفه الخلفية الاستراتيجية غير المعلنة لكثير من هذه التحركات. فالمشروع الذي يُطرح كبديل أو منافس لقناة السويس، لا يمكن أن يرى النور دون بيئة إقليمية تسمح بإعادة توجيه التجارة العالمية بأمان.
لذلك فإن إضعاف الدور المصري في البحر الأحمر أو على الأقل وضعه تحت ضغط دائم، يصبح هدفاً ضمنياً.
إن الاعتراف بـ "أرض الصومال" لا يستهدف مصر مباشرة، لكنه يراكم عناصر ضغط في خاصرتها الاستراتيجية ويبعث برسالة مفادها أن أمن البحر الأحمر لم يعد حكراً على دولة واحدة.
في المقابل، لا يمكن تجاهل البعد التركي في هذا المشهد. فتركيا نجحت خلال العقد الأخير في بناء حضور مؤثر في الصومال، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، جعلها لاعباً لا يمكن تجاوزه في القرن الإفريقي.
هذا الوجود التركي يقيد هامش الحركة الإسرائيلي ويجعل أي تمدد جديد محفوفاً بإمكانية التصادم غير المباشر.
من هنا، قد تدفع التحركات الإسرائيلية بعض القوى الإقليمية المتضررة سواء في الصومال أو خارجه إلى إعادة التموضع والاقتراب أكثر من أنقرة، بوصفها توازناً مضاداً للحضور الإسرائيلي المتصاعد.
أما إثيوبيا، فهي الحلقة الأكثر حساسية في هذه المعادلة. فارتباط أرض الصومال بميناء بربرة يمنح أديس أبابا منفذاً بحرياً بالغ الأهمية ويجعل أي تغيير في وضع الإقليم مسألة تمس الأمن القومي الإثيوبي مباشرة.
إسرائيل بإدخال نفسها على هذا الخط، تكتسب قدرة إضافية على التأثير في مسار التنافس الإثيوبي - المصري، خصوصاً في ظل ملف سد النهضة.
وهكذا تتحول أرض الصومال من إقليم هامشي في الخطاب الدولي إلى عقدة تتقاطع عندها مصالح متعارضة.
في المحصلة، الاعتراف الإسرائيلي بـ "أرض الصومال" ليس فعلاً رمزياً، بل خطوة في لعبة شطرنج إقليمية معقدة، هي محاولة لإعادة رسم خرائط النفوذ في البحر الأحمر والقرن الإفريقي ولخلق شبكة تطويق سياسي - عسكري تمتد من شرق المتوسط إلى مضيق باب المندب.
لكن هذه الاستراتيجية على الرغم من براعتها، ليست بلا مخاطر، فهي قد تسرع من تشكل تحالفات مضادة وتدفع قوى إقليمية كبرى مثل مصر وتركيا وربما السعودية إلى تجاوز خلافاتها الظرفية دفاعاً عن مصالح استراتيجية مشتركة.
من هنا، يمكن القول إن إسرائيل ربحت جولة تكتيكية، لكنها فتحت في الوقت ذاته باباً لصراع طويل الأمد على واحد من أكثر أقاليم العالم حساسية.
صراع لن يُحسم بالاعترافات وحدها، بل بقدرة كل طرف على إدارة شبكة التحالفات وتحمل كلفة التمدد والتعامل مع ارتدادات الجغرافيا السياسية التي لا ترحم من يبالغ في توسيع رقعة اللعب دون حساب دقيق للعواقب.



#حسين_علي_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العيش بالأجل، الرفاه الذي يسرق أعمارنا!!
- التاريخ بين السرد والسلطة
- القيم الإنسانية والتنظيم الديني
- السنافر كمنظومة رمزية سلطوية
- العلاقات العاطفية والذكاء الاصطناعي
- أوكرانيا وصراع المستقبل الجيوسياسي
- التسول الممنهج وتفكيك المجتمع
- استعراض المسؤول وصناعة الوهم السلطوي
- طغيان الولاء وموت العقل
- خرائط الشخصية وأنماط الذات
- هندسة الوعي في الفضاء الرقمي
- زيارة محمد بن سلمان لواشنطن، مقاربة في العلاقات الدولية
- دور الأسرة ضمن منظومة الأمن الفكري والمجتمعي، مقاربة تحليلية ...
- سفاري الموت، الحرب والوحشية الإنسانية
- الموصل وصراع التمثيل السياسي
- تفكيك العلاقة السلطوية بين المسؤول والمواطن في مجتمعات العال ...
- زهران ممداني وتجسيد فكرة -أميركا الممكنة- في مواجهة -أميركا ...
- الدين والمجتمع بين الوعي والإخضاع، قراءة في آليات الاستغلال ...
- قراءة سياسية وإستراتيجية لإنسحاب حزب العمال الكردستاني إلى ش ...
- المواطنة الرقمية بين الحرية والمسؤولية


المزيد.....




- أمريكا تعلق على اتفاق جديد لوقف القتال بين تايلاند وكمبوديا ...
- شخص يهاجم بسكين نجاة ومادة سائلة.. ويصيب 15 شخصا بينهم خمسة ...
- تايلاند وكمبوديا تتفقان على -وقف فوري- لإطلاق النار بعد أساب ...
- السعودية - شريفة الغوينم: كان حلمي أن أبتكر روبوتا يكشف اكتئ ...
- لبنان: باريس تندد بإطلاق نار إسرائيلي أصاب أحد عناصر اليونيف ...
- نيويورك تايمز: هدى طفلة غزية كافحت المرض لتحيا لكن الحصار قت ...
- دراما الجامعة في -ميد تيرم- طموح الفكرة وسطحية التنفيذ
- باكستان: مستعدون للذهاب لغزة ولا نسعى لنزع سلاح حماس
- إيران: الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل تشن حربا شاملة علين ...
- هجوم مكثف على كييف وزيلينسكي يبحث جهود السلام مع الأوروبيين ...


المزيد.....

- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين علي محمود - الصومال لاند وإعادة هندسة الخرائط