أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين علي محمود - طغيان الولاء وموت العقل














المزيد.....

طغيان الولاء وموت العقل


حسين علي محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8550 - 2025 / 12 / 8 - 20:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


قد تظن الولاء فضيلة ثابتة، لكن أورويل في روايته 1984 يذكرنا أن "الولاء المطلق هو لحظة انهيار الوعي، وتجميد القدرة على التفكير."
مقولة أورويل هنا، تتكلم عن منطقية الولاء كيف يمكن لهذا المصطلح ان يتجلى في صورة التطبيق حسب أوريل الولاء المطلق يعني انعدامية الوعي ان لا تفكر ولا تشكك وتتبع بعيون مغلقة القائد دون أن يكون لديك فكرة لانك إذا فكرت فأنت خنت ولاءه.
‏الولاء المطلق لشخص ما هو أمر سيء لأن ذلك الشخص الذي يتم موالاته ليس معصوما عن الخطأ و قد يرتكب أخطاء قد تكون هذه الأخطاء كبيرة، فالإنسان الذي يعاني من الموالاة المطلقة سيتبع و يؤيد ذلك الشخص حتى إذا ارتكب أمور سيئة، فيصبح الذي يوالي لا يفكر و غير واعي فهو يؤيد حتى لو كان الشيء الذي يؤيده شر أو فعل مخل .. الخ

إن مشكلة الولاء المطلق لا تكمن في فعل الولاء ذاته، بل في إلغاء المسافة النقدية بين الفرد ومن يواليه.
ففي علم الاجتماع السياسي، يُعد وجود هذه المسافة شرطاً جوهرياً للحفاظ على الذات ككيان حر قادر على اتخاذ موقف، وحين تمحى هذه المسافة يصبح الولاء ليس تعبيراً عن قناعة، بل عن ذوبان الفرد في سلطة أعلى، وهو ما يسميه بيير بورديو "عنفاً رمزياً" تمارسه السلطة على الخاضعين لها دون أن يشعروا.
فالولاء حين يتحول إلى إيمان أعمى، يخلق علاقة غير متوازنة تُختزل فيها الشخصية الإنسانية إلى مجرد صدى لقرارات القائد أو الحزب أو الجماعة.
هنا يتلاشى الضمير الفردي باعتباره آلية لتقييم الفعل الأخلاقي وتصبح المعايير كلها مستعارة من الخارج، فيصبح "الصواب" ما يقوله القائد ويغدو "الخطأ" هو كل ما يشكك فيه.
وهكذا يتحول الولاء إلى جهاز معرفي مغلق يمنع التساؤل ويقدس الامتثال حتى لو كان الامتثال يقود إلى أفعال مدمرة.
على المستوى السوسيولوجي، يتأسس الولاء المطلق داخل ما يسميه إميل دوركهايم بـ"الجماعة المتوهجة"، أي تلك الجماعة التي تنتج شعوراً جمعياً يغمر الفرد ويجعله ينسى ذاته.
في هذا السياق، لا يطلب من الفرد أن يفكر، بل أن ينتمي وأن يتطابق مع الآخرين، وهنا يصبح الانسجام الاجتماعي نوعاً من القمع الهادئ، حيث يعاد تشكيل الفرد ليصبح نسخة مكررة من النموذج الذي تحدده السلطة. ولهذا السبب، غالباً ما تنشأ أنظمة شمولية من رحم الولاءات غير المشروطة، لأن ولاء الفرد يتحول بمرور الوقت إلى طاعة طقسية، تمارس دون وعي بدلالاتها.

وقد أشار علماء النفس السياسي إلى أن الولاء المطلق يزدهر عادة في البيئات التي ينتشر فيها الخوف أو عدم اليقين، حيث يبحث الأفراد عن يقين بديل يوفره لهم القائد.
ومع تزايد اعتماد الفرد على هذا اليقين المصطنع يفقد قدرته على اتخاذ القرار وكأنه يُسلم مفاتيح وعيه إلى سلطة خارجية تديرها كيفما تشاء.
هنا يصبح الولاء شكلاً من الاستلاب وهو ما وصفه إريك فروم بأنه "هروب من الحرية"، لأن الحرية بما تحمله من مسؤولية قد تصبح عبئاً لا يطاق بالنسبة لمن يخشون مواجهة ذواتهم.
وتكمن خطورة الولاء المطلق أيضاً في أنه يخلق دائرة مغلقة من التبرير، فحين يرتكب القائد خطأ يتم تبريره باسم المصلحة العليا، وإذا تكرر الخطأ تتحول المصلحة العليا إلى عقيدة.
ومع الوقت، يصبح الخطأ نفسه مقبولاً بل ومطلوباً، لأن الولاء صار أهم من الحقيقة، وهكذا يعاد تشكيل الواقع ليتناسب مع إرادة السلطة، بينما يُدفن الوعي النقدي تحت ركام الشعارات.
وهذا تماماً ما كان يحذر منه أورويل حين جعل من الجريمة الفكرية في روايته أعلى أشكال الخيانة، لأن السلطة الشمولية لا تخشى الفعل بقدر ما تخشى الوعي.
إن تحرير مفهوم الولاء من هذه الحمولة الشمولية يتطلب إعادة تعريفه بوصفه علاقة تعاقدية لا عقائدية علاقة تحفظ للفرد حقه في الاختلاف والاحتجاج والمساءلة.
فالولاء الحقيقي كما يرى الفلاسفة السياسيون لا ينفصل عن النقد والمسؤولية الأخلاقية، إذ لا قيمة لولاء يبنى على الخوف ولا لمعنى لإخلاص يُلغى فيه العقل.
والإنسان الذي يرفض التفكير خشية الاتهام بالخيانة، إنما يعيش خيانة من نوع آخر، خيانة لذاته وللعقل الذي ميزه.

في النهاية، يصبح السؤال الجوهري :
هل نريد ولاءً يحمي السلطة من أخطاء نفسها؟ أم ولاءً يحمي الإنسان من التحول إلى أداة؟
إن المجتمعات التي تنمو فيها روح النقد والمسؤولية الأخلاقية لا تحتاج إلى ولاءات مطلقة، لأن قوتها لا تأتي من الطاعة العمياء، بل من القدرة على المساءلة المستمرة.
وما يحاول أورويل إخبارنا به، هو أن أخطر أنواع الولاء ليست تلك التي تعلن بصوت عالٍ، بل تلك التي تُمارس بصمت داخل العقول حين يتوقف الإنسان عن استخدام عقله، ظناً منه أن التفكير نوع من الخيانة.



#حسين_علي_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خرائط الشخصية وأنماط الذات
- هندسة الوعي في الفضاء الرقمي
- زيارة محمد بن سلمان لواشنطن، مقاربة في العلاقات الدولية
- دور الأسرة ضمن منظومة الأمن الفكري والمجتمعي، مقاربة تحليلية ...
- سفاري الموت، الحرب والوحشية الإنسانية
- الموصل وصراع التمثيل السياسي
- تفكيك العلاقة السلطوية بين المسؤول والمواطن في مجتمعات العال ...
- زهران ممداني وتجسيد فكرة -أميركا الممكنة- في مواجهة -أميركا ...
- الدين والمجتمع بين الوعي والإخضاع، قراءة في آليات الاستغلال ...
- قراءة سياسية وإستراتيجية لإنسحاب حزب العمال الكردستاني إلى ش ...
- المواطنة الرقمية بين الحرية والمسؤولية
- عبودية الوعي، الفقر كأداة للهيمنة في زمن الإنسان المنهك
- هرم ماسلو بين الإنسان والمجتمع، مقاربة في مأزق الصعود العربي
- قمة شرم الشيخ 2025، إعادة هندسة النظام الإقليمي من بوابة غزة
- نظرية النوافذ المكسورة، من فوضى المدن إلى فوضى الإنسان
- جيل Z في المغرب والعراق، من العالم الرقمي إلى الميدان الاجتم ...
- جيل Z والمظاهرات في المغرب، من العالم الرقمي إلى الميدان
- عودة العقوبات الأممية عبر -آلية الزناد-، تداعيات اقتصادية وس ...
- الشرع وبتريوس، مشهد يختصر تبدل موازين السياسة الدولية
- باغرام جوهرة استراتيجية، دلالات الموقع وابعاد الصراع في معاد ...


المزيد.....




- بعد اتصال مع شي.. ترامب يمنح إنفيديا -الضوء الأخضر- لتصدير ا ...
- مغامرة عُمان تنتهي.. تأهل المغرب والسعودية من -مجموعة الموت- ...
- نتنياهو يقول إن المرحلة الثانية من خطة السلام في غزة باتت وش ...
- كأس العرب: المغرب يحسم التأهل والصدارة في حضور جماهيري ضخم
- ألمانيا لن تستقبل طالبي لجوء جدد عام 2026 وفقا لآلية التضامن ...
- غزة مباشر.. انتهاء البحث عن جثة أسير إسرائيلي والاحتلال يقتح ...
- قانون -قيصر-.. سوريا تسعى لإزالة آخر العقبات أمام إعادة البن ...
- اليمن.. غارتان أميركيتان تستهدفان عناصر من -القاعدة- في مأرب ...
- فيديو: غارات إسرائيلية تستهدف مواقع في جنوبي لبنان
- ترامب يحذر الدول التي -تغرق- الولايات المتحدة بالأرز -الرخيص ...


المزيد.....

- العقل العربي بين النهضة والردة قراءة ابستمولوجية في مأزق الو ... / حسام الدين فياض
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين علي محمود - طغيان الولاء وموت العقل