أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حسين علي محمود - هندسة الوعي في الفضاء الرقمي














المزيد.....

هندسة الوعي في الفضاء الرقمي


حسين علي محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8544 - 2025 / 12 / 2 - 04:50
المحور: المجتمع المدني
    


تواجه المجتمعات العربية والإسلامية اليوم ظاهرة متسارعة يمكن وصفها بـ "إعادة تشكيل الوعي" عبر الفضاء الرقمي. هذه الظاهرة لا تعمل بطريقة صدامية مباشرة، بل بطريقة ناعمة وهادئة، تعتمد على التحكم بما يراه الناس يومياً، وبذلك تعيد ترتيب أولوياتهم وقيمهم دون أن يشعروا، وهنا تبرز مقولة كارل ماركس :
"ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم، وإنما وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم"
فالوعي اليوم لم يعد يُصنع في المدرسة أو الأسرة أو المسجد أو الجامعة فقط، بل يُصنع في دقائق الفيديو القصيرة، وفي الترندات التي تحدد ما يجب أن ننشغل به وما يجب أن ننساه.
المنصات الرقمية نفسها تقوم على منطق اقتصادي يقوم على جذب الانتباه، ولهذا تُفضل المحتوى المثير والسريع والساخر، وتُهمش المحتوى العميق والجاد، وهكذا تتشكل بيئة كاملة تدفع الناس دفعاً نحو السطحية، لا لأنهم يريدون ذلك، بل لأن المنصة صُممت لتربح من انشغالنا المستمر، فبدل أن يكون سؤالنا : "ما المحتوى الأكثر فائدة؟؟" أصبح السؤال : "ما المحتوى الأكثر انتشاراً؟؟".
ومع الوقت تتحول الشهرة إلى معيار للقيمة، ويتراجع حضور المعلمين والباحثين والمصلحين أمام مؤثرين لم يقدموا سوى حضور ضاج.

لكن الأمر لا يقف عند حدود المنصات، فهناك جهات سياسية وإعلامية وتجارية وجماعات مصالح تتعامل مع الفضاء الرقمي باعتباره مجالاً للتأثير الموجه.
فهي تدفع موضوعات تافهة إلى صدارة المشهد في أوقات حساسة، أو تفتعل قضايا جانبية لإغراق الجمهور في تفاصيل بلا معنى، وهكذا يتشتت الوعي، وتنصرف النقاشات عن الأسئلة الجوهرية المتعلقة بالاقتصاد والحوكمة والتعليم والقيم.
وحين تتكرر هذه الممارسات تتحول من أحداث متفرقة إلى نمط مستقر يمكن وصفه بأنه عمل ممنهج أو على الأقل مستغل بشكل واعٍ.

هذا المناخ جعل تغييب القدوة جزء أساسياً من المشكلة. فالقدوة لم تعد شخصية ذات علم، أو موقف أخلاقي، أو دور اجتماعي، بل أصبحت غالباً شخصية مؤقتة تكتسب مكانتها من قدرتها على إثارة الجدل.
وحين تفقد المجتمعات رموزها الإيجابية، تضعف قدرتها على بناء نموذج طموح أو مشروع إنساني أو أخلاقي، فالقدوة ليست مجرد فرد ناجح، بل هي حامل لقيم، ومؤشر على اتجاه المجتمع، وإذا غابت القدوة، غاب معها الإحساس بالمعنى.

وليس من الغريب أن تترافق هذه التحولات مع آثار نفسية وثقافية مثل : قلق، مقارنة مستمرة، تشتت في الانتباه، وتراجع في القدرة على التركيز والبحث عن المعرفة. فالمحتوى السطحي لا يكتفي باستهلاك وقتنا، بل يعيد تشكيل طريقة تفكيرنا ونظرتنا لأنفسنا وللعالم، ومع الوقت يعتاد الإنسان رؤية الأحداث عبر عدسة التسلية، حتى القضايا الكبرى تتحول إلى مادة للضحك أو للسجال المؤقت.

ورغم هذا الواقع المعقد، فإن الوعي قادر على المقاومة. فإدراك طريقة عمل المنصات، والتمييز بين ما يُعرض لأنه مهم وما يُعرض لأنه مربح، هو الخطوة الأولى.
ثم يأتي دور التعليم والإعلام والمؤسسات الثقافية في بناء سرديات بديلة وقصص نجاح حقيقية يمكنها أن تنافس وتلفت الانتباه، كما أن إحياء مفهوم القدوة، لا كشخص مثالي، بل كمشروع إنساني ملتزم، هو ضرورة لاستعادة التوازن في مجتمع يعيش تحت ضغط التشتت الدائم.

إن الصراع اليوم ليس صراعاً على المعلومات، بل على ما يسيطر على عقول الناس، وحرب الوعي ليست حرباً تُرى بالعين، لكنها تُقاس بنتائجها، مجتمع منشغل بالسفاسف، أو مجتمع يعرف ما يُراد له، وما يريده هو.
وبين هذين الطريقين يقف الوعي كدرع وحيد يمكنه أن يعيد للإنسان قدرته على الاختيار، ويعيد للأمة بوصلتها الأخلاقية والثقافية.



#حسين_علي_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زيارة محمد بن سلمان لواشنطن، مقاربة في العلاقات الدولية
- دور الأسرة ضمن منظومة الأمن الفكري والمجتمعي، مقاربة تحليلية ...
- سفاري الموت، الحرب والوحشية الإنسانية
- الموصل وصراع التمثيل السياسي
- تفكيك العلاقة السلطوية بين المسؤول والمواطن في مجتمعات العال ...
- زهران ممداني وتجسيد فكرة -أميركا الممكنة- في مواجهة -أميركا ...
- الدين والمجتمع بين الوعي والإخضاع، قراءة في آليات الاستغلال ...
- قراءة سياسية وإستراتيجية لإنسحاب حزب العمال الكردستاني إلى ش ...
- المواطنة الرقمية بين الحرية والمسؤولية
- عبودية الوعي، الفقر كأداة للهيمنة في زمن الإنسان المنهك
- هرم ماسلو بين الإنسان والمجتمع، مقاربة في مأزق الصعود العربي
- قمة شرم الشيخ 2025، إعادة هندسة النظام الإقليمي من بوابة غزة
- نظرية النوافذ المكسورة، من فوضى المدن إلى فوضى الإنسان
- جيل Z في المغرب والعراق، من العالم الرقمي إلى الميدان الاجتم ...
- جيل Z والمظاهرات في المغرب، من العالم الرقمي إلى الميدان
- عودة العقوبات الأممية عبر -آلية الزناد-، تداعيات اقتصادية وس ...
- الشرع وبتريوس، مشهد يختصر تبدل موازين السياسة الدولية
- باغرام جوهرة استراتيجية، دلالات الموقع وابعاد الصراع في معاد ...
- اتفاقية الدفاع السعودي الباكستاني، قراءة تحليلية في إعادة تش ...
- اليوم العالمي للديمقراطية، قراءة نقدية للواقع العراقي


المزيد.....




- اعتقالات ومخاوف من انقسام داخلي، ماذا يجري في السويداء؟
- منظمة دولية: 40 % من اللاجئين السوريين في العراق لا ينوون ال ...
- سوريا.. توقيف 5 ضباط بتهم ارتكاب جرائم حرب في عهد النظام الم ...
- الجنائية الدولية: نقل ليبي يشتبه بارتكابه جرائم حرب من ألمان ...
- الجنائية الدولية تعلن وضع ليبي تحت حراستها للاشتباه بارتكابه ...
- رئيس القومي لحقوق الإنسان: إعادة الإعمار للشعب الفلسطيني حق ...
- الأونروا: الاحتلال يحتجز 6 آلاف شاحنة إغاثية تكفي غزة لثلاثة ...
- ضابط بريطاني يكشف تستر قادة القوات الخاصة على جرائم حرب محتم ...
- فيينا: الأمم المتحدة تستضيف فعالية اليوم الدولي للتضامن مع ا ...
- بريطانيا تحقق في تستر ضباطها على جرائم حرب بأفغانستان


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حسين علي محمود - هندسة الوعي في الفضاء الرقمي