أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين علي محمود - استعراض المسؤول وصناعة الوهم السلطوي















المزيد.....

استعراض المسؤول وصناعة الوهم السلطوي


حسين علي محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8552 - 2025 / 12 / 10 - 00:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من أكثر الأمور التي أصبح المواطن يكرهها، هي تصوير المسؤولين في كل منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى وصل الأمر إلى نشر صورهم في تهاني الأعياد وأيام الجمعة.
ينبغي أن تنشروا العمل نفسه وأسباب الزيارات واللقاءات والاجتماعات وكذلك المخرجات الاصلاحية للندوات والاجتماعات التي ستطبق فعلياً على أرض الواقع وأن تكون الصور جماعية تشمل الجميع وليس توجه على شخصية المسؤول.
لأن المؤسسة لا يملكها شخص واحد بل هي عمل جماعي يضم كل الموظفين وليس ساحة استعراض للمسؤول فقط.
ينبغي ان نخرج من ثقافة تقديس المسؤول وظاهرة صورني وانا ما اعرف، لا يمكن بناء دولة مؤسسات محترمة إذا كانت هكذا عقلية بعض المسؤولين التي تغلفها السطحية الفكرية.
ومتى ما كان الموطن يلعب دور الناقد البناء لعمل المسؤولين وانتقاده وفق المصلحة العامة سيتراجع المسؤول عن سطحيته الثقافية هو وحاشيته ويعرف ان كل خطوة يخطوها مراقبة من المواطنين وتخضع للانتقاد والتقويم.
كما أن على المسؤولين أن يعززوا مسيرتهم ببرامج قويمة واحترافية على صعيد العمل الميداني وليس فقط امام الكاميرات لغرض احداث الشو الاعلامي.
ولا ننسى تدعيم مكاتب المسؤولين بأشخاص من ذوي الكفاءة المهنية والعلمية.

لم تعد ظاهرة "صورني" مجرد سلوك عابر لمسؤول يتباهى بإنجاز متواضع أو موقف وظف لأغراض العلاقات العامة. إنها اليوم منظومة كاملة تعيد تشكيل علاقة السلطة بالمجتمع وتكشف حالة فكرية واجتماعية عميقة تتجاوز حدود الصورة نفسها.
فحين يطلب بعض المسؤولين من فريقه أن يمسك الكاميرا ليوثق أداءه لوظيفة يتقاضى عليها راتباً وامتيازات، فنحن لسنا أمام توثيق إداري، بل أمام تحويل للوظيفة العامة إلى مسرحية ترويجية، يغيب فيها الجوهر ويستبدل بالشكل وتصبح الصورة بديلاً عن العمل الحقيقي.
هذه الظاهرة لا تأتي من فراغ، بل من تحول سياسي وثقافي يجعل الأداء الإعلامي أداةً للهيمنة ويحول المواطن إلى متلق منبهر أو ساخر، لكنه في الحالتين خارج الفعل.

في عصر الرقمنة والانفجار الإعلامي، أصبحت الصورة لغة السلطة، غير أن الظاهرة هنا لا تتعلق بالاتصال الحديث فحسب، بل بإحلال الصورة محل الواقع.
المسؤول الذي يزور دائرة ما، لا يفكر في إصلاح الفساد أو معالجة المشكلات البنيوية، بل يفكر، كيف ستبدو الزيارة أمام الجمهور؟!
وبهذا، تصبح الكاميرا حاكماً أعلى من العقل ومن التخطيط ومن الخبرة.
الصورة في هذا السياق، ليست مجرد توثيق بل صناعة انطباع وهي صناعة قد تكون مضللة، لأنها تظهر ما يراد لها أن تظهره وتخفي ما لا يناسب العرض.
ويصبح السؤال :هل نحن أمام إدارة دولة، أم أمام إدارة منصة تواصل اجتماعي؟!

الجيل الجديد من بعض المسؤولين يتعامل مع المنصب العام كما لو كان حساباً شخصياً على الإنترنت.
فبدل أن يكون العمل العام قائماً على التخطيط والنتائج، يصبح قائماً على المشاهدات والتفاعل والصورة التي ستنتشر. هذا التحول خطير لسببين :
▪︎ تحويل المسؤول من خادم عام إلى شخصية استعراضية.
يصبح حضوره أهم من منجزه ومظهره أهم من مهامه.
▪︎ قياس النجاح بمعايير غير سياسية وغير إدارية.
فالمسؤول الناجح ليس من يحل مشكلة الكهرباء أو الصحة أو الفساد، بل من يحقق أعلى عدد من الإعجابات ويتصدر قوائم "الترند".
بهذا، يختزل العمل السياسي إلى استعراض علاقات عامة، وتختزل الدولة إلى مسرح دعائي يصور أكثر مما يُنجز.

هذه التفاهة تُدار بميزانيات ضخمة، فالتصوير الرسمي ليس مجرد هاتف يرفع، بل منظومة تشمل :
(مصورين محترفين، مونتاج، كتابة نصوص دعائية، إدارة صفحات، ترويج مدفوع، سفر وتنقل لأجل اللقطات)
كل هذا يدفع من مال الدولة، أي من مال المواطن ليُنتج محتوى سطحياً لا يُصلح طريقاً ولا يعالج أزمةً ولا يغير واقعاً.
وهكذا تتحول التفاهة إلى مؤسسة لها أدواتها وموازناتها وأدوارها. ويغدو السؤال :
هل نحن نمول تطوير الدولة أم نمول "الفلوگات اليومية" لبعض المسؤولين؟!

تكمن خطورة الظاهرة في أنها تعيد تشكيل وعي المجتمع.
فعندما يرى المواطن مسؤوله منشغلاً بالتصوير أكثر من العمل، تتشكل رسالتان واضحتان :
- الإنجاز الحقيقي غير مهم، المهم كيف يبدو؟!
- التفاهة ليست فقط مقبولة، بل هي معيار الأداء.
وهذه الرسالة تعيدنا إلى ما سماه أورويل "تجميد القدرة على التفكير"، حيث يختزل الوعي في صورة والرأي العام في تعليق والنقد في سخرية عابرة.
مع الوقت يتعود المواطن على هذا الابتذال ويرى أن "الاستعراض" جزء طبيعي من السياسة، فيتراجع سقف المحاسبة وينخفض معيار التقييم ويصبح السؤال الشعبي :
هل ظهر بشكل جيد؟! ، بدلاً من السؤال المؤسسي : هل أنجز مهمته؟!

■ لماذا ينتشر هذا السلوك في المجتمعات؟؟
- حين يغيب المحاسِب الحقيقي يكون الجمهور هو البديل، ولهذا يوجه المسؤول كل جهده لكسب الرأي العام عبر الصورة بدل إصلاح الواقع.
- يلجأ المسؤول غير الكفوء إلى الكاميرا لأنه عاجز عن تقديم إنجازات حقيقية، فالصورة هنا تعويض عن غياب القدرة.
- حيث تمنح السلطة قيمة رمزية أكثر من كونها مسؤولية.
"الزعيم يظهر" ، "الزعيم ينجز".
- تحوّل المجتمع إلى ثقافة المرئي والمباشر، إذ أن الناس أصبحت تفضل الصورة على التقارير واللقطة على التحليل، والسياسيون يتكيفون مع هذا الميل.

■ ما الآثار الاجتماعية لهذه الظاهرة؟؟
- عندما يصبح كل شيء استعراضاً، يفقد المواطن ثقته بالحكومة.
- نشر ثقافة السطحية، حيث يصبح النجاح مرتبطاً بالإعجاب لا بالعمل الجاد.
- تسطيح مفهوم الخدمة العامة، إذ تتحول الوظيفة العامة إلى مناسبة للترويج الفردي بدل أن تكون عملية مؤسسية.
- تغذية الانقسام الاجتماعي نتيجة انبثاق مجموعة فئات، فئة تسخر من المسؤولين، وأخرى تدافع عنهم، وبين الطرفين تضيع القضايا الجوهرية.

قد تبدو الظاهرة تافهة، لكنها في جوهرها آلية للهيمنة الرمزية.
الصورة ليست مجرد استعراض، بل أداة لفرض حضور لا يمكن الاعتراض عليه بسهولة.
إنها رسالة تقول : "أنا هنا، وأنا أفعل، وأنا أهم."
إنها طريقة لتربية وعي عام يرى المسؤول في لحظة نشاط مصور أكثر مما يراه في لحظة مساءلة أو محاسبة.
وهكذا، تصبح الصورة وسيلة لإخضاع وعي الجمهور عبر خلق انطباع دائم بالإنجاز.

■ هناك مجموعة مقترحات إصلاحية للحد من هذه الظاهرة.
- تشريع يمنع استخدام أجهزة الدولة للدعاية الشخصية
الفصل بين التوثيق الإداري والترويج الفردي.
- إلزام المؤسسات بنشر تقارير دورية بدل الفيديوهات التجميلية، ليكون التقييم قائماً على النتائج لا على اللقطات.
- التثقيف الإعلامي للمواطن حتى يميّز بين الاستعراض والإنجاز الحقيقي.
- تعزيز دور الصحافة الاستقصائية لتكون الصورة الحقيقية بديلاً عن الصورة المصنوعة.
- تصعيد خطاب الوعي لأن المجتمعات الواعية لا تنخدع بسهولة أمام الاستعراض ولا تسمح بتسويق التفاهة على أنها إنجاز.

إن ظاهرة "صورني" ليست مجرد سلوك سخيف أو مظهر مبتذل، بل عرض لمرض أعمق في العلاقة بين السلطة والمجتمع، بين الأداء والواجب، وبين الشكل والمضمون.
الدولة التي تتحول إلى كاميرا، هي دولة تخسر احترامها تدريجياً وتخسر قدرتها على العمل الجاد.
والمجتمع الذي يكتفي بالسخرية من هذه الظاهرة دون أن ينتج خطاباً نقدياً قادراً على المساءلة هو مجتمع يسمح بتحوّل التفاهة إلى قاعدة.
إن استعادة الوعي ليست ترفاً فكرياً، بل شرطاً لاستعادة الدولة نفسها.
فحين يعود المسؤول إلى فهم أن المنصب واجب لا محتوى، وأن الأداء مسؤولية لا استعراض، سنشهد بداية النهاية لظواهر مبتذلة كهذه.
وحين يطالب المواطن بالإنجاز لا بالصورة، بالعمل لا بالتمثيل، سنكون على طريق تصحيح العلاقة بين الدولة والمجتمع.
ذلك الطريق يبدأ من رفض أن تدار الدولة كمنصة ترويجية، ومن التذكير بأن الصورة مهما كانت جميلة لا تصلح دولة ولا تبني مستقبلاً.



#حسين_علي_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طغيان الولاء وموت العقل
- خرائط الشخصية وأنماط الذات
- هندسة الوعي في الفضاء الرقمي
- زيارة محمد بن سلمان لواشنطن، مقاربة في العلاقات الدولية
- دور الأسرة ضمن منظومة الأمن الفكري والمجتمعي، مقاربة تحليلية ...
- سفاري الموت، الحرب والوحشية الإنسانية
- الموصل وصراع التمثيل السياسي
- تفكيك العلاقة السلطوية بين المسؤول والمواطن في مجتمعات العال ...
- زهران ممداني وتجسيد فكرة -أميركا الممكنة- في مواجهة -أميركا ...
- الدين والمجتمع بين الوعي والإخضاع، قراءة في آليات الاستغلال ...
- قراءة سياسية وإستراتيجية لإنسحاب حزب العمال الكردستاني إلى ش ...
- المواطنة الرقمية بين الحرية والمسؤولية
- عبودية الوعي، الفقر كأداة للهيمنة في زمن الإنسان المنهك
- هرم ماسلو بين الإنسان والمجتمع، مقاربة في مأزق الصعود العربي
- قمة شرم الشيخ 2025، إعادة هندسة النظام الإقليمي من بوابة غزة
- نظرية النوافذ المكسورة، من فوضى المدن إلى فوضى الإنسان
- جيل Z في المغرب والعراق، من العالم الرقمي إلى الميدان الاجتم ...
- جيل Z والمظاهرات في المغرب، من العالم الرقمي إلى الميدان
- عودة العقوبات الأممية عبر -آلية الزناد-، تداعيات اقتصادية وس ...
- الشرع وبتريوس، مشهد يختصر تبدل موازين السياسة الدولية


المزيد.....




- مريضة لوكيميا تشفى بعلاج جيني جديد: -كنت أعتقد أنني سأموت حق ...
- توتر جديد في قلب دمشق.. صواريخ مجهولة تضرب محيط مطار المزة
- اجتماع ثلاثي بين إيران والسعودية والصين: تأكيد على الالتزام ...
- المملكة المتحدة تفرض عقوبات على شركات روسية وصينية يُشتبه بت ...
- فرنسا: حلول مؤقتة للموازنة؟
- السودان:هل تغيرت المعادلة العسكرية؟
- سوريا: دورية إسرائيلية توقع ثلاثة جرحى إثر توغلها بجنوب البل ...
- 8 مصابين في اقتحامات بالضفة وهجمات للمستوطنين بالخليل ورام ا ...
- محللون: نتنياهو سيواصل التهام الضفة وواشنطن ليست جادة بشأن ا ...
- خبير عسكري: انسحاب الجيش السوداني من هجليج يعني الاستعداد له ...


المزيد.....

- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين علي محمود - استعراض المسؤول وصناعة الوهم السلطوي