أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين علي محمود - دسترة الدولة وسلطوية الحكم














المزيد.....

دسترة الدولة وسلطوية الحكم


حسين علي محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8570 - 2025 / 12 / 28 - 20:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يوجد صراع حول العالم بين دسترة الدولة وسلطوية الدولة
يعني الدولة تتحول الى حالة دستورية تديرها المؤسسات الدستورية، وكيف تتحول الدولة الى حالة سلطوية يديرها مزاج الحاكم، وهذا الصراع موجود في العديد من الدول حول العالم والمنطقة العربية خصوصا.
هذا الصراع بين دسترة الدولة وسلطوية الدولة ليس مجرد اختلاف في نمط الحكم، بل هو صراع عميق على فلسفة الدولة نفسها.
هل الدولة كيان عام تحكمه القواعد والمؤسسات، أم مزرعة سياسية تُدار بإرادة الفرد، وتُختزل في شخص الحاكم ومزاجه وتقديراته؟؟
في الحالة الدستورية، تتحول الدولة إلى منظومة قانونية سياسية متكاملة يكون فيها الدستور مرجعية عليا لا تعلو عليها إرادة، وتُبنى السلطة على مبدأ الفصل والتوازن بين المؤسسات، وتُقيد القوة السياسية بالقانون، لا العكس.
هنا لا يُنظر إلى الحاكم بوصفه مصدر الشرعية، بل بوصفه موظفاً عاماً مؤقتاً يخضع للمساءلة وتُحدد صلاحياته بوضوح وتُربط شرعيته بمدى احترامه للنصوص الدستورية وإرادة الشعب.
أما في الدولة السلطوية، فالأمر ينقلب رأساً على عقب، حيث تتحول المؤسسات إلى واجهات شكلية وتُفرغ القوانين من مضمونها ويُعاد تفسير الدستور إن وجد وفق رغبة الحاكم.
لا يعود القانون أداة لتنظيم السلطة، بل يصبح أداة بيدها؛ يُستخدم لمعاقبة الخصوم، وحماية الموالين، وتبرير القمع. في هذا النموذج، تختزل الدولة في شخص وتُربط استمراريتها ببقائه ويُعاد إنتاج خطاب يساوي بين الحاكم والدولة وبين معارضته والفوضى أو الخيانة.
ويكمن جوهر الصراع في سؤال محوري التالي : من يضبط من؟!
هل تضبط المؤسسات الدستورية الحاكم، أم يضبط الحاكم المؤسسات ويفرغها من محتواها؟؟
في كثير من الدول، خصوصاً في المنطقة العربية، لم يكن الانتقال من السلطوية إلى الدسترة مساراً خطياً أو مستقراً. فغالباً ما تبدأ التحولات بدساتير مكتوبة بلغة متقدمة تحمل شعارات الحقوق والحريات والفصل بين السلطات، لكنها تصطدم بواقع سياسي واجتماعي لم يتحرر بعد من إرث الحكم الفردي.
فتظل الدسترة شكلية، بينما تُمارس السلطة فعلياً بطريقة سلطوية، فيما يمكن تسميته بـ"الدولة الدستورية على الورق، السلطوية في الواقع".
وتعتمد السلطوية الحديثة بخلاف النماذج الكلاسيكية على أدوات أكثر نعومة ودهاءً، فهي لا تلغي الدستور، بل تُفرغه، لا تُغلق البرلمان، بل تحوله إلى غرفة تصفيق، لا تمنع الانتخابات، بل تتحكم في نتائجها مسبقاً، ولا تقمع الإعلام كلياً، بل تُدجِّنه وتحوله إلى بوق يبرر السياسات ويشيطن الخصوم.
هكذا تُصنع شرعية زائفة، تُغلف الاستبداد بقشرة قانونية وإجرائية.
في المقابل، تتطلب الدسترة الحقيقية شروطاً تتجاوز النصوص القانونية إلى بنية ثقافية وسياسية تؤمن بفكرة الحد من السلطة.
فالدولة الدستورية لا تقوم فقط على وجود دستور، بل على قبول النخب الحاكمة والمحكومة معاً بمبدأ أن السلطة خطر يجب تقييده، وأن القانون فوق الجميع، وأن تداول الحكم ليس تهديداً للاستقرار، بل شرطاً له.
وهذا ما يجعل الدسترة مشروعاً مجتمعياً طويل النفس، لا مجرد قرار سياسي أو استجابة ظرفية لضغط داخلي أو خارجي.
كما أن الصراع بين النموذجين يتغذى على الأزمات، ففي لحظات الخوف الأمني أو الاقتصادي أو الاجتماعي، تميل السلطوية إلى التمدد تحت ذريعة الضرورة وحماية الدولة. وغالباً ما يُقدم الحاكم السلطوي بوصفه المنقذ القادر على الحسم السريع، في مقابل المؤسسات الدستورية التي تُصوَّر كعائق بطيء ومعقد.
لكن التجربة التاريخية تُظهر أن هذا الحسم السلطوي لا يحل الأزمات، بل يؤجلها ويعمقها، لأنه يعالج الأعراض بالقوة ويتجاهل الجذور البنيوية للمشكلات.
وفي العالم العربي خصوصاً، يرتبط هذا الصراع بتاريخ طويل من الدولة الريعية والانقلابات العسكرية وتسييس الهويات وضعف المجتمع المدني.
فحين تُبنى الدولة على الولاء لا على المواطنة وعلى الغنيمة لا على العقد الاجتماعي، يصبح من السهل تبرير السلطوية، ومن الصعب ترسيخ الدسترة.
وتتحول المطالبة بدولة المؤسسات إلى تهديد مباشر لشبكات النفوذ القائمة، لا مجرد اختلاف سياسي مشروع.

إن الصراع بين دسترة الدولة وسلطويتها هو في جوهره صراع على كرامة المواطن قبل أن يكون صراعاً على شكل النظام، فالدولة الدستورية ترى المواطن صاحب حق وشريكاً في السيادة، بينما ترى الدولة السلطوية فيه تابعاً أو خطراً محتملاً يجب ضبطه.
وبين هذين التصورين تتحدد طبيعة العلاقة بين الفرد والدولة، علاقة تعاقدية قائمة على الحقوق والواجبات، أم علاقة قهرية قائمة على الخوف والطاعة.
وفي النهاية، لا يُحسم هذا الصراع بنص دستوري واحد ولا بثورة عابرة، بل بتراكم طويل من الوعي والنضال السلمي وبناء المؤسسات وكسر قدسية الحاكم وترسيخ قدسية القانون.
لذا، فإن فالدولة إما أن تُدار بالقانون، أو تُدار بالمزاج، ولا منطقة وسطى مستقرة بين الاثنين.



#حسين_علي_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصومال لاند وإعادة هندسة الخرائط
- العيش بالأجل، الرفاه الذي يسرق أعمارنا!!
- التاريخ بين السرد والسلطة
- القيم الإنسانية والتنظيم الديني
- السنافر كمنظومة رمزية سلطوية
- العلاقات العاطفية والذكاء الاصطناعي
- أوكرانيا وصراع المستقبل الجيوسياسي
- التسول الممنهج وتفكيك المجتمع
- استعراض المسؤول وصناعة الوهم السلطوي
- طغيان الولاء وموت العقل
- خرائط الشخصية وأنماط الذات
- هندسة الوعي في الفضاء الرقمي
- زيارة محمد بن سلمان لواشنطن، مقاربة في العلاقات الدولية
- دور الأسرة ضمن منظومة الأمن الفكري والمجتمعي، مقاربة تحليلية ...
- سفاري الموت، الحرب والوحشية الإنسانية
- الموصل وصراع التمثيل السياسي
- تفكيك العلاقة السلطوية بين المسؤول والمواطن في مجتمعات العال ...
- زهران ممداني وتجسيد فكرة -أميركا الممكنة- في مواجهة -أميركا ...
- الدين والمجتمع بين الوعي والإخضاع، قراءة في آليات الاستغلال ...
- قراءة سياسية وإستراتيجية لإنسحاب حزب العمال الكردستاني إلى ش ...


المزيد.....




- ألمانيا وبريطانيا توقّعان عقدًا مشتركًا لاقتناء أنظمة مدفعية ...
- -الحياد لم يعد كافياً-.. مسؤول عسكري سويسري سابق: أوروبا أما ...
- بسبب شيخوخة السكان.. هل ترفع ألمانيا سن التقاعد مجددًا؟
- كأس الأمم الأفريقية: فوز تاريخي لموزمبيق أمام الغابون 3-2
- إسرائيل تقتل 706 من عائلات الصحفيين في غزة
- كيف ينقذ استحواذ -غروك- شركة -إنفيديا- من أزمة شرائح الذاكرة ...
- سباق نووي تحت الماء بين الكوريتين.. كيف علق مغردون؟
- ?فيتامين -د-.. أهميته ومصادره
- الصحافة ستكون ملاذ الهاربين من ضجيج خوارزميات وسائل التواصل ...
- ظهور متحور جديد للإنفلونزا الموسمية بأوروبا وأميركا.. ومغردو ...


المزيد.....

- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين علي محمود - دسترة الدولة وسلطوية الحكم