حجي قادو
كاتب وباحث
(Haji Qado)
الحوار المتمدن-العدد: 8572 - 2025 / 12 / 30 - 10:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إذا ما أُجريت إحصاءات واقعية حول حجم التأييد العقائدي لأبي محمد الجولاني وسلطته المؤقتة، فمن المستبعد أن تتجاوز هذه النسبة 20% من مجمل سكان سوريا، وهو رقم يعكس محدودية القاعدة الاجتماعية التي تستند إليها هذه السلطة، ويطرح تساؤلات جدية حول مفهوم «الشرعية» التي يُروَّج لها إعلاميًا.
أولًا، الساحل السوري، حيث تتمركز الطائفة العلوية، يبدو خارج دائرة التأييد السياسي والعقائدي لسلطة أحمد الشرع، التي يُنظر إليها بوصفها سلطة قمعية ذات نزعة أيديولوجية جهادية متطرفة. ويبرز في هذا السياق مطلب متزايد بـالفيدرالية، ليس بدافع الانفصال، بل كآلية لإدارة الشؤون المحلية ذاتيًا، بعيدًا عن ذهنية الإقصاء والعسكرة والعقائد الظلامية.
ثانيًا، السويداء تشكّل نموذجًا آخر للخروج الفعلي عن سيطرة ما يُسمّى بـ«الدولة السورية المؤقتة». فمنذ الأحداث الدامية التي شهدتها المحافظة، والتي تورّطت فيها عناصر من الأمن العام إلى جانب مجموعات من عشائر البدو المنفلتة والخارجة عن القانون، بات واضحًا أن السويداء تدير شؤونها إداريًا وأمنيًا واقتصاديًا وسياسيًا بصورة شبه مستقلة، وذلك على مرأى ومسمع من السلطة المؤقتة ووزارة الدفاع، ومن دون أي مساءلة حقيقية، وسط صمت دولي لافت.
ثالثًا، روج آفا (شمال وشرق سوريا) تمثّل واقعًا سياسيًا وإداريًا مختلفًا، إذ تقع خارج سيطرة السلطة المؤقتة، وتتمتع بنظام إدارة ذاتية أقرب إلى الحكم الذاتي الفعلي. وتضم هذه المنطقة ما يقارب ثلث سكان سوريا من الكرد والعرب والسريان وبقية المكونات، وتمتلك موارد استراتيجية كالمياه والطاقة والنفط، إضافة إلى قدرٍ معتبر من الاكتفاء الذاتي الاقتصادي والإداري والفني، ما يعزز استقلالية قرارها الداخلي.
رابعًا، يبرز سؤال جوهري حول إمكانية عودة رأس المال السوري إلى الداخل:
هل يستطيع مستثمر سوري أن يعود إلى بلده ويطلق مشاريع استثمارية حقيقية في ظل غياب الضمانات القانونية، وانعدام حماية رؤوس الأموال، وغياب بيئة تشريعية آمنة، فضلًا عن هيمنة العقلية الأمنية والعسكرية على مفاصل القرار الاقتصادي؟
الجواب، حتى الآن، لا يدعو إلى التفاؤل، في ظل غياب أي سياسة اقتصادية واضحة أو محفّزات جدية لرجال الأعمال.
أخيرًا، إذا ما جرى استبعاد العلويين، والدروز، والكرد، والمسيحيين، وبقية الفئات غير المنسجمة عقائديًا مع خطاب الجولاني، فإن نسبة المؤيدين الفعليين لسلطته من مجمل الشعب السوري ستتقلّص إلى حدٍّ كبير، ما يكشف هشاشة القاعدة الاجتماعية التي تستند إليها هذه السلطة، ويؤكد أن سوريا اليوم ليست أمام مشروع دولة جامعة، بل أمام سلطة أمر واقع محكومة بمنطق الإقصاء والانقسام.
إن استمرار تجاهل هذا الواقع المتشظي لن يؤدي إلا إلى تعميق الانقسام الوطني، وإطالة أمد الصراع، في وقتٍ تحتاج فيه سوريا إلى مشروع سياسي وطني جامع، لا إلى سلطة مؤقتة تعيد إنتاج الاستبداد بصيغة أيديولوجية جديدة.
#حجي_قادو (هاشتاغ)
Haji_Qado#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟