حجي قادو
كاتب وباحث
(Haji Qado)
الحوار المتمدن-العدد: 8571 - 2025 / 12 / 29 - 00:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في سوريا، تتوالى الانزلاقات، ويتبع بعضها انزلاقاتٌ أشدّ خطورة، في مسارٍ يهدّد ما تبقّى من تماسكٍ اجتماعي وسياسي. يقف شارعٌ يطالب بالحقوق والكرامة، في مواجهة شارعٍ آخر ينزلق نحو العنف ورمي الحجارة، مدفوعًا بتعصّبٍ دينيٍّ متشدّد.
فئةٌ في مواجهة فئة، وطائفةٌ في مواجهة أخرى، في مشهدٍ يعكس انقسامًا عميقًا في الوعي العام والسلوك السياسي، حيث تحلّ العصبيات محلّ الانتماء الوطني، ويتراجع العقل لصالح الغريزة.
يُوصَف بعض الأطراف بـ«المندسّين»، فيما يُوصَف آخرون بـ«الفلول»، بينما تضيع الحقيقة بين تسمياتٍ فضفاضة تُستخدَم أدواتٍ للتخوين والإقصاء، لا للفهم والمساءلة.
الديمقراطية تُقابَل بخطاب التكفير والتطرّف، والسلمية تُواجَه بعقليةٍ متعطّشةٍ للدماء، والبناء يُقابَل بالتدمير والتخريب، في دورةٍ مغلقةٍ من العنف المتبادل تُفرغ السياسة من معناها.
وفي مقابل الدعوة إلى التعليم والتقدّم، نشهد ارتدادًا مقلقًا نحو عصور الجاهلية السياسية والفكرية، حيث تُحاصَر الحرية بخطاباتٍ متشدّدة، وتُفرَّغ القيم الإنسانية من مضمونها، ويُعاد إنتاج الخوف بوصفه أداة حكم.
تُطرَح شعارات الحكم المركزي في مواجهة مطالباتٍ بالحكم اللامركزي أو الفيدرالي، بينما يُستبدَل القانون المدني بتفسيراتٍ متشدّدة للشريعة الإسلامية، تُوظَّف كوسيلةٍ للهيمنة السياسية، لا كمرجعيةٍ لتحقيق العدالة.
ويُواجَه الانفتاح بالانغلاق، ويُضيَّق على الفضاء العام بثقافة الحجاب القسري والنقاب الإجباري، لا باعتبارها خياراتٍ شخصية، بل كأدواتٍ للضبط الاجتماعي ومصادرة الحريات الفردية.
وتتصارع في سوريا رؤيتان متناقضتان:
رؤيةٌ تؤمن بالحياة والحرية والتنوّع، وتسعى إلى دولةٍ مدنيةٍ جامعة،
وأخرى أسيرة عقليةٍ جهاديةٍ إقصائية، لا ترى في الاختلاف إلا كفرًا، ولا في الآخر إلا مشروعًا للإلغاء.
في سوريا اليوم، لا غالبَ ولا مغلوب؛
قرى آمنة تقابلها أخرى محترقة ومدمّرة،
وشعاراتٌ تنادي بالسلمية في مواجهة خطاباتٍ تحرّض على القمع والانتقام، وتغذّي منطق الثأر.
إنها، في جوهرها، معركة وعي قبل أن تكون صراع قوى، ومعركة دولةٍ وقانون في مواجهة الفوضى والعدمية. وفي ظل هذا المسار، يبقى السوري هو الخاسر الأكبر، ما لم يُعاد الاعتبار للإنسان، وللقانون، وللعيش المشترك بوصفه الأساس الوحيد لبناء مستقبلٍ ممكن.
#حجي_قادو (هاشتاغ)
Haji_Qado#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟