محفوظ بجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8571 - 2025 / 12 / 29 - 19:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في سياق كأس إفريقيا للأمم – المغرب – ديسمبر 2025
في ديسمبر 2025 ومع انطلاق بطولة كأس إفريقيا للأمم بالمغرب لا تعود المسألة مسألة كرة قدم ولا مباراة تُكسب أو تُخسر بل تتحول اللحظة كلها إلى فضاء رمزي واسع يمكن للأمم أن تكتب فيه صورتها وتغرس فيه مكانتها في الوعي العالمي.
فالمدرجات لم تعد مجرد مقاعد للفرجة بل صارت مساحات نفوذ هادئ تُدار فيها معارك الصورة والرمز والانطباع أكثر مما تُدار فيها معارك النقاط والأهداف.
وحين يُذكر اسم زين الدين زيدان وعائلته فإننا لا نستحضر لاعبًا سابقًا بقدر ما نستحضر ذاكرة إنسانية كونية يعرفها مئات الملايين وتثق بها الشعوب لأنها تختصر معنى الأخلاق والنجاح والاتزان والهيبة في سيرة واحدة.
وحين يُجاوره اسم الشاب خالد وعائلته فإن المعنى يكتمل بصوت خرج من الجزائر إلى العالم وحمل معه روح البلد وصار سفيرًا للفن الجزائري في كل القارات وقيمة رمزية لا تُشترى ولا تُعوَّض مهما تغيّرت الأزمنة.
ويجيء اسم رابح ماجر ليمنح الصورة عمقها التاريخي بوصفه أسطورة خالدة في ذاكرة كرة القدم واسمًا من ذهب في سجل الجزائر العالمي ورمزًا لا يشيخ مهما تبدلت الأجيال.
وفي الأفق تلوح أمنية رؤية كريم بنزيما وديجي سنيك في الفضاء نفسه لأن اجتماع هذه الأسماء ليس مجرد حدث فني أو رياضي بل رسالة رمزية كثيفة الدلالة تفتح نوافذ الجزائر على العالم.
هنا تتجلى القوة الناعمة في أصفى صورها حين تتحول الشهرة إلى أداة استراتيجية وحين يصبح الفن والرياضة دبلوماسية صامتة تعمل بلا خطب ولا بيانات لكنها تغيّر موازين الوعي على المدى البعيد.
فالإنسان المعاصر لا تصنع نظرته الدول بالتصريحات الرسمية بقدر ما تصنعها الصور والوجوه والرموز التي تترك أثرها العميق في الذاكرة الجمعية للشعوب.
غير أنّ الموجع أن بيننا من لا يدرك هذا التحول ولا يفهم هذا الزمن فيحارب كل صورة مشرقة للجزائر ويحسد كل نجاح جزائري ويقف ضد كل ما يخدم سمعة الوطن ومكانته.
تراهم معلّقين بين الشرق بلا بوصلة والغرب بلا هوية مستلبين فكريًا محدودي الرؤية لا يرون في الرموز إلا أشخاصًا عاديين بينما يراهم العالم جسورًا بين الشعوب ومنصّات إعلامية تمشي على قدمين.
وهكذا يتبيّن أن الاستثمار الحقيقي للجزائر لا يُقاس فقط بالمشاريع المادية بل بهذا الاستثمار الناعم طويل المدى الذي يصنع السياحة ويبني الثقة ويرسّخ الهيبة ويزرع اسم الجزائر في الوعي العالمي.
ومن يستخف بكل هذا إنما يعلن تأخره عن منطق العالم الحديث وتأخره عن فهم زمن الصورة والتأثير وتأخره عن قراءة المستقبل.
#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟