|
|
مقالات عن الذهب واحتمالات الشيوعية في الغرب و و...
احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية
(Ahmad Saloum)
الحوار المتمدن-العدد: 8571 - 2025 / 12 / 29 - 16:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الاستيقاظ الأوروبي - بين القطيعة التاريخية والعبودية الطوعية
كانت أقدام الثوار تدق إيقاع الحرية قبل قرون، في شوارع باريس القديمة، بصخب غير متوقع ، بينما تتحرك اليوم خطوات أثقل، تحمل أسئلة أكثر من إجابات. أوروبا، مهندسة الحداثة وصانعة الحضارة الغربية، تقف على حافة مفارقة وجودية: كيف لقارة أنتجت عصر التنوير والثورة الصناعية وحقوق الإنسان أن تجد نفسها مقيدة بإرادة قوة عبر الأطلسي؟ كيف لأمة أنجبت فولتير وكانط وروسو أن تقبل بالخطاب الواحد والتبعية الطوعية؟
الشوارع الأوروبية اليوم - بين اليأس والغضب الصامت
تمشي في شوارع برلين ليلاً، ستلاحظ ظاهرة جديدة: نوافذ مظلمة في مباني كانت مضيئة. ليست هذه ظاهرة بيئية، بل رياضيات فواتير الطاقة. الأسعار ارتفعت ثلاثمئة إلى أربعمئة بالمئة للصناعة، ومائتي بالمئة للأسر. مصانع الصلب الألمانية، التي كانت قلب الثورة الصناعية الأوروبية، تخفض إنتاجها أو تغلق أبوابها. حراس التاريخ الصناعي يصبحون شهوداً على انتحاره.
الغذاء، ذلك الحق الأساسي الذي نظنته مضموناً في العالم الأول، تحول إلى مؤشر قلق يومي. تضخم يتراوح بين خمسة عشر وخمسة وعشرين بالمئة في السلع الأساسية يجعل عربة التسوق الأسبوعية اختباراً رياضياً: ما الذي يمكن التخلي عنه اليوم؟ الحليب أم البيض أم الدواء؟ السكن، الملاذ الأخير للإنسان، أصبح لغزاً رياضياً بأسعار خيالية. شقق في ضواحي المدن تباع بأسعار كانت قبل عقد لفلل مع حدائق.
التوظيف، ذلك الرابط الاجتماعي الذي يحول الأفراد إلى مجتمع، يشهد تحولات جذرية. صناعات كاملة تغلق: الصلب في ألمانيا، الكيماويات في فرنسا، السيارات في إيطاليا. كل إغلاق ليس مجرد فقدان وظائف، بل هو قطع لشريان الهوية الوطنية. العامل الألماني لم يكن موظفاً فحسب، بل كان حارساً لتقليد صناعي عمره قرون.
لكن الغريب في ردود الفعل هو تناقضها الصارخ. فرنسا تشهد خروج مليون ونصف المليون محتج ضد رفع سن التقاعد، موجة بشرية تذكر بأيام الثورة، لكن النظام يمرر القوانين وكأن الاحتجاجات مجرد ضجيج خلفي. ألمانيا تشهد إضرابات قطاعية، لكن الإعلام يصوّرها كـ"مطالب فئوية" لفئة صغيرة، لا كصرخة جياع. إيطاليا تصوت لليمين المتطرف كنوع من الصرخة الوجودية، لكن السياسات تستمر كما لو أن الانتخابات كانت استفتاءً دون عواقب.
المفارقة تكمن في هذا التشتت: احتجاجات منعزلة تنتشر كالنار في الهشيم، لكنها لا تلتقي لتشكل نهراً ثورياً. كل مجموعة تغضب لسببها، تناضل لقضيتها، ثم تعود إلى بيوتها. الغضب موجود، لكنه غضب موصول بأسلاك قصيرة، ينفجر وينطفئ قبل أن يشعل الحرائق الكبرى.
عوائق الاستيقاظ - لماذا لا يثور الأوروبيون رغم الدمار؟
لو كانت المعادلة بسيطة: معاناة تخلق ثورة، لكانت أوروبا قد اشتعلت منذ سنوات. لكن هنالك عوائق عميقة تعطل هذه المعادلة البسيطة. أول هذه العوائق هو التشتت المصطنع. فبدلاً من أن يتحد الغاضبون على القضايا الاقتصادية الأساسية، يتم توجيههم نحو حروب الهوية: نقاشات حول حقوق LGBTQ، صراعات حول المهاجرين، جدالات عن النسوية. كلها قضايا مشروعة، لكن تحويلها إلى مركز النقاش يشبه مناقشة لون الستائر بينما المبنى يحترق.
ثم يأتي تقسيم الطبقات ببراعة ميكيافيلية: خلق كراهية بين العمال والمستفيدين من الإعانة الاجتماعية. العامل الذي يعاني يوجه غضبه ليس نحو النظام الذي خذله، بل نحو ذلك المتقاعد أو العاطل عن العمل الذي - في خياله - يعيش على حسابه. والتضليل الإعلامي يكمل الصورة بتحويل الغضب من السياسات إلى "الآخر": المهاجر، المسلم، الروسي، أي شخص يمكن أن يصبح كبش فداء للأزمات البنيوية.
الخوف من المجهول يشكل حاجزاً نفسياً عميقاً. جيل كامل لم يعرف حرباً أو مجاعة، نشأ على يقين أن التقدم خط مستقيم للأمام، يجد نفسه فجأة أمام تراجع تاريخي. هذه الصدمة الوجودية تجمد ردود الفعل. ثم تأتي التبعية النفسية العميقة: الاعتقاد بأن أمريكا "حماتنا"، رغم كل الأدلة أنها تستنزف القارة. إنها علاقة المريض بالطبيب الذي يعالجه بأدوية تجعل مرضه مزمناً، لكنه يخشى تغييره.
عقدة التفوق الأوروبية تكمل هذه الصورة: "نحن أوروبا المتحضرة، روسيا همج". هذا الاستعلاء الثقافي يجعل قبول التحالف مع روسيا ضد المصالح الأمريكية مسألة غير قابلة للتصور نفسياً. كيف للحضارة أن تتحالف مع الهمجية؟ هذا السؤال الزائف يخفي سؤالاً حقيقياً: هل من حضارة أن تدمر نفسها طوعاً لتخدم مصالح غيرها؟
القمع الناعم يضيف طبقة أخيرة من التعقيد. التصنيف: أي معارض للحرب يصبح "عميلاً لروسيا" تلقائياً. الحرمان: الأحزاب المعادية للحرب تفقد التمويل والشرعية. التشهير: وسائل الإعلام تطلق لقب "الخائن" على أي صوت يدعو للسلام. إنه ليس قمعاً بالمعنى التقليدي، بل هو إقصاء من دائرة الاحترام الاجتماعي، عقوبة قد تكون أقسى من السجن في مجتمعات تقدس المكانة الاجتماعية.
نقاط التحول المحتملة - متى سينفجر الغضب؟
لكن كل نظام لديه نقطة كسر، وعتبات حرجة لا يمكن تخطيها دون عواقب. أولى هذه العتبات هي عتبة البقاء: عندما يعجز ثلاثون بالمئة من السكان عن دفع فواتير الطاقة. هذه ليست مسألة رفاهية، بل مسألة بقاء في قارات باردة كأوروبا. المشهد المتخيل: ملايين العائلات تجلس في الظلام والبرد، بينما تتحدث القنوات التلفزيونية عن انتصارات في حرب بعيدة.
عتبة الكرامة تأتي عندما تُغلق مصانع تاريخية كانت جزءاً من الهوية الوطنية. إغلاق مصنع صلب ألماني ليس مجرد خسارة اقتصادية، بل هو طعنة في قلب الأسطورة الألمانية: الدقة، الصناعة، الجودة. إيطاليا تفقد مصانع سياراتها، فرنسا تفقد مصانع كيماوياتها، بريطانيا تفختقد أحواض بناء السفن. كل إغلاق هو موت جزء من الروح الوطنية.
عتبة اليأس الأخيرة تكون عندما تهاجر خمسون بالمئة من خريجي الهندسة والتكنولوجيا. عندما يقرر أفضل العقول أن مستقبلهم ليس في أرض أجدادهم، تكون الرسالة واضحة: هذه السفينة تغرق، والأذكياء يتركونها أولاً.
التوقيت المحتمل لهذه الانفجارات قد يكون قريباً. الشتاء القادم 2024-2025 قد يكون المحك الحقيقي إذا جاء قاسياً مع استمرار ارتفاع أسعار الطاقة. صورة متوقعة: عائلات تختار بين التدفئة والغذاء، مرضى لا يستطيعون تشغيل الأجهزة الطبية، كبار سنّ يتجمدون في بيوتهم. الربيع 2025، بعد عامين كاملين من التضخم المرتفع والركود، قد يجلب معه نوعاً من اليأس الجماعي مختلفاً عن الغضب العابر.
الانتخابات الأوروبية 2024 قد تكون المؤشر الأولي، لكن التاريخ يعلمنا أن الانتخابات في أوقات الأزمات تصبح غالباً منافسة بين ألوان مختلفة من الفشل. الشرارات المحتملة متنوعة: إفلاس دولة أوروبية كبرى (إيطاليا أو إسبانيا) قد يكون الصاعق، انهيار اليورو ليتساوى مع الدولار، أو حادث كبير كانقطاع كهرباء شامل في شتاء قارس، أو نقص دواء أساسي بسبب اختلال سلاسل التوريد.
شكل الثورة الأوروبية المحتملة
لكن ثورة أوروبا في القرن الحادي والعشرين لن تشبه ثورات الماضي. أوروبا 2024 ليست فرنسا 1789، حيث كانت الجياع تثور ضد الأرستقراطية في مجتمع زراعي. وليست روسيا 1917، حيث ثار العمال والفلاحون في دولة إقطاعية متخلفة. الثورة الأوروبية، إذا حدثت، ستكون ظاهرة جديدة: تمرد مؤسساتي يعطل آليات الدولة من الداخل، عصيان مدني واسع النطاق لكنه منظم، وانشقاق نخب تضغط من أعلى بينما الشارع يضغط من أسفل.
ملامح هذه الثورة المتوقعة تبدأ بإضرابات قطاعية متتالية لا تشل القطاعات فحسب، بل تخلق سلسلة من الاضطرابات المتعاقبة. إضراب عمال الطاقة، ثم إضراب عمال النقل، ثم إضراب عمال الاتصالات، بحيث يصبح التعايش مع الاضطراب جزءاً من الحياة اليومية، فيفقد النظام قدرته على الترهيب بالاضطراب.
المرحلة الثانية قد تكون احتلال مقرات الشركات المتحولة لأمريكا، رموز الهجرة الاقتصادية التي يراها المواطنون خيانة وطنية. ليست احتلالات عنيفة، بل احتلالات رمزية: عمال وعائلات يجلسون في مقرات إدارية فارغة، يعلنون أن هذه الثروات بنيت بجهودهم ويجب أن تبقى لأرضهم.
الذروة قد تأتي بشكل عصيان مدني واسع: عصيان ضريبي حيث يرفض ملايين دفع ضرائب لحكومة لا تمثلهم، رفض دفع فواتير الطاقة لشركات ترفع الأسعار دون مبرر، مقاطعة شاملة للسلع الأمريكية. والنتيجة الطبيعية سقوط حكومات، ليس بانقلابات عسكرية، بل باستقالات جماعية تحت ضغط شعبي لا يمكن تجاهله.
القيادة لن تأتي من أحزاب اليمين المتطرف، فكثير منها أثبت أنه عميل لأمريكا بأقنعة وطنية. القيادة الحقيقية ستأتي من تحالف غير متوقع: عمال الصناعة المهددة بالمصانع المغلقة، مزارعين يعانون من ارتفاع تكاليف الإنتاج، شباب عاطلين عن العمل رغم مؤهلات عالية، متقاعدين فقراء يخشون الشتاء القادم. تحالف الطبقات، لا تحالف الهويات.
الشكل التنظيمي قد يكون الأكثر إبداعاً: مجالس شعبية محلية تنسق عبر الإنترنت، تجمعات حيوية تعيد تعريف الديمقراطية المباشرة، منصات رقمية تتجاوز الأحزاب التقليدية ووسائل الإعلام المسيطر عليها.
لماذا الاستيقاظ الأوروبي ضروري للعالم؟
لكن لماذا يجب أن يهتم العالم باستيقاظ أوروبا؟ لأن مصير القارة العجوز ليس شأناً أوروبياً فحسب، بل هو معادلة للتوازن العالمي. لمصلحة أوروبا نفسها، الخيار الحالي هو انتحار بطيء: التبعية الاقتصادية، التدهور الصناعي، الفقر المتصاعد. الخيار البديل هو نهضة: سلام مع روسيا يعيد الاستقرار، إعادة الصناعة تعيد الكرامة، استقلال طاقي يحرر القرار، شراكة متكافئة مع الجنوب العالمي تفتح آفاقاً جديدة.
للعالم، أوروبا مستقلة تعني توازناً عالمياً، نهاية الهيمنة الأمريكية الأحادية القطبية، إمكانية نظام عالمي متعدد الأقطاب. أوروبا تابعة تعني هيمنة أمريكية مطلقة، نظام عالمي غير متوازن حيث تتحكم قوة واحدة بمصائر الجميع. أوروبا ثائرة قد تكون نموذجاً للتحرر من التبعية، درساً للدول الأخرى التي تعاني تحت وطأة الهيمنة.
الدرس التاريخي هنا عميق: العالم يشاهد أول إمبراطورية في التاريخ تدمر نفسها طوعاً. روما سقطت بفعل البرابرة الذين اقتحموا أسوارها، الاتحاد السوفيتي سقط بفعل أزمات داخلية بنيوية، لكن أوروبا تسقط بفعل قرارها الطوعي بالتبعية لأمريكا. إنها حالة فريدة في التاريخ: إمبراطورة تطلب من جارتها أن تقيدها، ثم تدفع ثمن القيود.
ساعة الحقيقة الأوروبية
السؤال الحاسم ليس: "هل سيثور الأوروبيون؟" الغضب موجود، اليأس يتصاعد، الظروف الموضوعية تنضج. السؤال الأعمق هو: "متى سيدركون أن الثورة ليست خياراً، بل واجب وطني؟" متى سيفهم المواطن الأوروبي أن الخضوع ليس سلاماً، بل موتاً بطيئاً؟
المعادلة واضحة وبسيطة: تدمير الصناعة يقضي على المستقبل، تضخم جامح يأكل المدخرات، بطالة متصاعدة تدمر الأمل، هجرة العقول تستنزف الطاقات. هذه المعادلة لا يمكن أن تنتج إلا شعباً جائعاً، غاضباً، يائساً. وهذه الصفات الثلاث مجتمعة هي الشرارة التي تشعل الثورات عبر التاريخ.
التوقيت الحرج قد يكون قريباً جداً. الشتاء القادم يحمل في طياته إمكانية التحول: مدافئ لا تعمل في قارة باردة، مصانع تغلق أبوابها بشكل نهائي، بطالة جماعية تخلق جيشاً من اليائسين. في هذه اللحظة، قد يتحول الغضب الصامت إلى انفجار مدوٍ، الصبر الطويل إلى ثورة عارمة.
السيناريو الأرجح قد يتطور على مراحل: عام 2024 يشهد احتجاجات متفرقة تزيد من حدة الغضب، عام 2025 يجلب إضرابات عامة تشل الحياة اليومية، عام 2026 يشهد سقوط حكومات تحت ضغط لا يحتمل، عام 2027 يجلب انسحاباً من سياسات الحرب التي دمرت القارة، وعام 2028 قد يرى ولادة شراكة جديدة مع روسيا والعالم العربي، تعيد لأوروبا دورها كقارة مستقلة.
أوروبا على مفترق طرق تاريخي: الطريق الأول يستمر في العبودية الطوعية، يجعل القارة مستعمرة أمريكية حتى الانهيار الكامل. الطريق الثاني يبدأ بالاستيقاظ، يعيد بناء الحضارة من جديد، يجعل أوروبا قارة مستقلة تشارك في صنع العالم بدلاً من تنفيذ مخططات الآخرين.
الشوارع الأوروبية تملك المفتاح، تلك الشوارع التي شهدت حروباً وثورات ونهضات. السؤال الأخير يبقى معلقاً في الهواء الأوروبي البارد: متى ستلتقط الأيادي ذلك المفتاح؟ متى ستدرك أن الحرية ليست هبة تمنح، بل حق يُنتزع؟ الزمن يجيب، ولكن الساعة تدق، والوقت ليس في صالح من ينامون والأحلام تدمر بيوتهم.
……..
المادة الساخرة :
المسرحية الكوميدية الأوروبية: كيف تنام القارة العجوز على أوجاعها؟
المقدمة: حيث التعاسة تصبح ضرباً من الرفاهية
ها هي المعاناة تتحول إلى موضة في هذه القارة العجوز ، و تحول الفقر إلى بيان أخلاقي، والتبعية إلى فضيلة سياسية، لنجد أنفسنا ، اليوم ، مام مشهد هزلي مأساوي يستحق وقفة تأمل... وإن كانت تأملية مليئة بالضحك الباكي. أوروبا اليوم ليست مجرد قارة، بل هي مسرح كبير تُعرض عليه كوميديا الأخطاء الجيوسياسية، حيث يصر الممثلون على أنهم في تراجيديا شكسبيرية بينما الجمهور يضحك من ملابسهم التنكرية.
الشوارع الأوروبية - بين أرقام التضخم وتضخم الأرقام
لننطلق في جولة سريعة في شوارع أوروبا العصرية:
في برلين، أصبحت لعبة "تخمين فاتورة الغاز" الرياضية المفضلة للعائلة الألمانية. الأب يفتح المغلف بيد مرتعشة: "آه! 400% زيادة فقط هذه المرة! كنا محظوظين!" والأم ترد: "نعم يا عزيزي، في فرنسا زادت 450%، نحن الأوروبيون يجب أن نكون ممتنين!" والطفل يسأل: "أبي، هل هذا يعني أننا أغنياء؟" فيجيب الأب: "لا يا بني، هذا يعني أننا أصبحنا أكثر أخلاقية! كل يورو ندفعه هو تصويت للديمقراطية في أوكرانيا!"
أما في باريس، فقد طور الفرنسيون فلسفة وجودية جديدة: "أنا أدفع إذن أنا أخلاقي!" المواطن يفتح ثلاجته الفارغة تقريباً: "الجبن باهظ؟ ممتاز! هذا يعني أنني لا أتعاون مع بوتين!" البيض ناقص؟ "رائع! هكذا أضرب عن الاستهلاك الروسي!" والخبز؟ "إذا لم أستطع شراء الخبز، فسآكل الكرواسون... آه، الكرواسون أيضاً أصبح باهظاً! حسناً، سأكتفي بالفخر الأخلاقي!"
وفي روما، يقدم الإيطاليون دروساً في المرونة: "المعكرونة باهظة؟ نأكل البيتزا! البيتزا باهظة؟ نأكل الخبز! الخبز باهظ؟ نأكل... كبرياءنا الوطني!" لقد اكتشفوا أن المعدة قد تجوع، لكن الروح يمكن أن تشبع بالخطابات السياسية!
المفارقة الكبرى: مصانع تغلق، طاقة تختفي، غلاء يضرب، لكن الخطابات السياسية تزداد سخونة! كأنما هناك اتفاق غير مكتوب: "كلما زادت معاناتكم، زادت أخلاقيتنا!"
لماذا لا يثورون؟ أو فن تحويل الغضب إلى هواية
السؤال الذي يحير المراقبين: لماذا لا يثور الأوروبيون؟ الجواب بسيط: لقد حولوا الغضب إلى صناعة!
أولاً: حروب الهوية - لماذا تغضب على فاتورة الغاز عندما يمكنك الغضب على لون علم LGBT+؟ لماذا تهتم بارتفاع أسعار الحليب عندما يمكنك مناقشة حقوق المتحولين جنسياً؟ إنها إستراتيجية عبقرية: حوّل غضب المعدة إلى غضب هوية، وهكذا تظل النظاميات الاقتصادية سليمة!
ثانياً: الخوف من المجهول - الأوروبي المعاصر يشبه ذلك الشخص الذي يفضل البقاء في علاقة مسيئة لأنه "يعرف الشيطان الذي يعرفه". أمريكا تدمّر اقتصادنا؟ "نعم، لكنها أمريكا! لو تركناهم، قد يأتي بوتين! والأفضل شيطان نعرفه من ملاك لا نعرفه!"
ثالثاً: عقدة التفوق - "نحن أوروبا المتحضرة" أصبحت مثل شارة نخبوية: "نعم، نحن جياع، لكننا حضاريون! نعم، نحن فقراء، لكننا أخلاقيون! الروس يأكلون ويشربون؟ همج! نحن نجوع؟ تحضر!"
التصنيف الاجتماعي أصبح فناً: أي شخص يعترض على الحرب يصبح "عميلاً لروسيا". المواطن يقول: "فاتورة الغاز خنقتني!" فيرد عليه الإعلام: "آه، تتكلم مثل بوتين!" يقول: "لم أعد أجد عملاً!" فيجيبونه: "هذا ما يريده الكرملين!" حتى الشكوى من الطقس البارد تصبح شكوى "موالية لموسكو"!
متى سينفجر الغضب؟ أو انتظار المعجزة
يقولون إن الأوروبيين ينتظرون "العتبات الحرجة"، لكنهم حولوها إلى برنامج تلفزيوني واقعي: "من سينفجر أولاً؟"
العتبة الأولى: عندما يعجز 30% عن دفع الفواتير. الحل الأوروبي؟ "هؤلاء الـ30% سيصبحون نشطاء أخلاقيين! الجوع يطهر الروح!"
العتبة الثانية: عندما تغلق المصانع التاريخية. الرد الإعلامي؟ "هذه المصانع كانت ملوثة للبيئة! إغلاقها نصر للبيئة!" مصنع صلب ألماني عمره 150 سنة يغلق؟ "آه، أخيراً تتحرر ألمانيا من عبء التصنيع!"
العتبة الثالثة: عندما يهاجر 50% من الخريجين. التفسير الرسمي؟ "هذه ظاهرة صحية! العولمة! حرية الحركة!" الدماغ يهرب؟ "ممتاز! هكذا نقلل البطالة!"
أما التوقيت المحتمل للانفجار، فهو موضوع نقاش أكاديمي ممتع:
· الشتاء القادم؟ "لا يمكن، البرد يفضل الأوروبيين!" · الربيع؟ "مستحيل، الربيع للنزهات لا للثورات!" · الصيف؟ "هيه، الصيف للإجازات!"
الشرارات المحتملة أصبحت كالنكات:
· إفلاس إيطاليا؟ "آه، الإيطاليون بارعون في الإفلاس! هذه جزء من سحرهم!" · انهيار اليورو؟ "اليورو سينهار؟ ممتاز! نعود للفرنك والمارك والليرة! سياحة داخلية مجانية!" · انقطاع الكهرباء؟ "أخيراً، نرى النجوم من جديد! رومانسية!"
شكل الثورة الأوروبية - ثورة بالبريد المسجل
إذا حدثت الثورة (وهذا لو حدث)، ستكون أوروبية جداً:
ليست ثورة 1789 الفرنسية (كانت فوضوية جداً!) وليست ثورة 1917 الروسية(كانت دموية جداً!) بل ستكون:"ثورة بالترتيب، مع موعد مسبق، وفواتير مدفوعة مسبقاً!"
البداية ستكون بإضرابات... ولكن بأشعار مسبقة! "نعلن أننا سنضرب يوم الثلاثاء القادم، من الساعة 9 إلى 5، مع استراحة غداء ساعة!"
التصعيد سيكون باحتلال مقرات... بعد الحصول على تصريح! "نرجو التكرم بالموافقة على احتلال مقر الشركة يوم الجمعة، مع تقديم وجبة غداء للمحتجين!"
الذروة؟ عصيان مدني... منظم! "سنقاطع المنتجات الأمريكية... باستثناء الآيفون والأمازون ونيتفليكس!"
والنتيجة؟ حكومات تسقط... بلطف! "نطلب استقالتكم، مع صرف تعويضات ومكافأة نهاية خدمة!"
القيادة لن تأتي من اليمين المتطرف (هم مشغولون بإلقاء الخطب)، ولا من اليسار (هم مشغولون بالنقاشات النظرية)، بل من ذلك المواطن الذي اكتشف فجأة أنه يدفع ثمن تدفئة منزله أكثر مما يدفعه ثمن السيارة!
لماذا يحتاج العالم لهذه الكوميديا؟
الاستيقاظ الأوروبي ضروري للعالم... كدرس في ما لا يجب فعله!
أولاً: درس في الاقتصاد - كيف تحول قارة غنية إلى متسول أنيق؟ أوروبا تقدم دورة مكثفة: "من الإمبراطورية إلى الاستعمار الذاتي في 10 خطوات سهلة!"
ثانياً: درس في السياسة - كيف تبيع حريتك وتشكر المشتري؟ أوروبا تقدم ورشة عمل: "التبعية الطوعية: فن الخضوع بكرامة!"
ثالثاً: درس في الثقافة - كيف تفقد هويتك وتفخر بذلك؟ أوروبا تقدم: "كيف تصبح أمريكياً وأنت باقٍ في أوروبا!"
العالم يشاهد أول إمبراطورية في التاريخ تدفع ثمن تدمير نفسها! روما سقطت بفعل البرابرة - "كانوا على الأقل يهاجمون من الخارج!" الاتحاد السوفيتي سقط بفعل أزمات داخلية - "كانت على الأقل أزماته الخاصة!" لكن أوروبا تسقط بفعل إصرارها على التبعية - "هذه عبقرية! أن تدفع لتدمير نفسك!"
ساعة الحقيقة... أو ساعة الضحك
السؤال الكبير: "متى سيدركون أن الثورة واجب وطني؟" الجواب الأوروبي:"بعد موسم الصيف، وقبل العطلة الشتوية، في يوم لا يكون فيه مطر!"
المعادلة الأوروبية البسيطة: تدمير الصناعة= "تحول اقتصادي صحي" تضخم جامح= "تصحيح للسوق" بطالة متصاعدة= "فرصة لإعادة التأهيل" هجرة العقول= "تبادل ثقافي"
والنتيجة؟ شعب جائع + غاضب + يائس = ناخبون لليمين المتطرف! "لقد حللنا المشكلة بالتصويت!"
الشتاء القادم؟ سيناريو متوقع:
· مدافئ لا تعمل = "فرصة لتعزيز الروابط الأسرية!" · مصانع تغلق = "مساحة للمشاريع الابتكارية!" · بطالة جماعية = "وقت للهوايات والإبداع!"
السيناريو الأرجح للأعوام القادمة: 2024:احتجاجات... في وسائل التواصل الاجتماعي فقط! 2025:إضرابات... ولكن بشعارات أخلاقية! 2026:حكومات تسقط... وتأتي حكومات تشبهها تماماً! 2027:انسحاب من سياسات الحرب... واستبدالها بسياسات حرب جديدة! 2028:شراكة مع روسيا... عبر وسطاء أمريكيين!
أوروبا على مفترق طرق:
· الطريق الأول: الاستمرار كمستعمرة أمريكية أنيقة! · الطريق الثاني: التحول إلى مستعمرة صينية عصرية! · الطريق الثالث: البقاء كما هي... كوميديا تراجيدية بدون نهاية!
الشوارع الأوروبية تملك المفتاح... لكنهم فقدوا خريطة مكان القفل! والمفارقة النهائية: الجميع يبحث عن المخرج، بينما الأبواب مفتوحة، لكنهم مشغولون بمناقشة لون الستائر على النوافذ!
النهاية... أو البداية لدورة جديدة من الكوميديا نفسها، مع ممثلين جدد، ونفس النص القديم، وجمهور يضحك... بينما دموعه تتجمد على وجنتيه من البرد الذي لم يعد يستطيع دفعه!
...........
الاحتياطي الفيدرالي وعلاقته بالذهب - بين النظرية والتطبيق
تُصنع القرارات التي تهز أسواق الذهب وتزلزل عروش العملات، في قلب النظام المالي العالمي، حيث يقف الاحتياطي الفيدرالي كحارس للدولار وسيد للسياسة النقدية. لكن علاقته بالذهب، ذلك المعدن الأصفر الذي شهد صعود وسقوط إمبراطوريات، تحولت من تحالف مقدس إلى علاقة ملتبسة، من ركيزة للثقة إلى ساحة معركة خفية. هذه القصة ليست مجرد تاريخ للسياسة النقدية، بل هي سرد لتحول جوهري في طبيعة القوة المالية العالمية، وانعكاس لصراع بين نظام قديم يحاول البقاء ونظام جديد يحاول الولادة.
الحقيقة التاريخية - كيف استخدمت أمريكا الذهب كسلاح مالي؟
عندما أعلن الرئيس نيكسون في 15 أغسطس 1971 إنهاء قابلية تحويل الدولار إلى ذهب، لم يكن ذلك مجرد قرار تقني، بل كان زلزالاً هز أركان النظام المالي العالمي. لكن اللافت أن هذا القرار لم يكن اعترافاً بالهزيمة بقدر ما كان تحولاً استراتيجياً في استخدام الذهب. فبدلاً من أن يظل الذهب قيداً على طباعة الدولار، تحول إلى أداة في يد السياسة النقدية الأمريكية. الذهب لم يعد ذلك السيد الذي يجب طاعته، بل أصبح خادماً يمكن ترويضه.
منذ ذلك الحين، تحولت علاقة الفيدرالي بالذهب إلى لعبة معقدة من التمويه والتلاعب. في فترات الصعود القوي لأسعار الذهب، كان الفيدرالي يتدخل عبر قنوات خفية، حيث تقوم بنوك وول ستريت وخاصة جي بي مورغان بعمليات بيع ضخمة لتثبيت الأسعار. لم تكن هذه عمليات تجارية عادية، بل كانت معارك مالية تخوضها أمريكا لحماية هيمنة الدولار. الذهب تحول من منافس للدولار إلى سلعة يمكن التحكم في سعرها، من تهديد للنظام النقدي إلى أداة لتدعيمه.
أثناء أزمات الديون العالمية، مثل أزمة المكسيك 1994 وأزمة آسيا 1997، تحول الذهب إلى ورقة تفاوض، ضمان تُقدمه أمريكا لإنقاذ اقتصادات على حافة الانهيار. لكن هذه الضمانات كانت أشبه بالوعود المشروطة، حيث كانت تخدم في النهاية تعميق التبعية للنظام المالي الأمريكي. الذهب هنا لم يكن مجرد معدن ثمين، بل كان عملة في لعبة القوة الجيوسياسية، وسلاحاً في حرب الاقتصاد العالمية.
لكن قصة احتياطيات أمريكا الذهبية تحمل في طياتها شكوكاً عميقة. فالرقم الرسمي البالغ 8133 طناً، والذي يجعل أمريكا أكبر حائز للذهب في العالم، يحيط به الغموض منذ عقود. لم تُجر عمليات تدقيق مستقلة لهذه الاحتياطيات منذ عام 1953، وهذا الغياب للشفافية يخلق مساحة للتساؤلات المشروعة. تقارير متعددة تشير إلى أن كميات كبيرة من هذا الذهب قد تم تأجيرها أو حتى بيعها سراً، مما يعني أن الرقم الرسمي قد يكون أشبه بواجهة لمخزون فعلي أقل بكثير. هذه الفجوة بين الظاهر والمخفي ليست مجرد تفصيل تقني، بل هي مؤشر على أزمة مصداقية تعاني منها أمريكا في تعاملها مع الذهب.
هل يمكن للفيدرالي رفع أسعار الذهب عمداً؟
نظرياً، تملك أمريكا أدوات عدة يمكنها من خلالها التأثير في سعر الذهب إذا أرادت. التيسير الكمي المباشر، أي طباعة دولارات لشراء الذهب، هو آلية يمكنها رفع السعر بشكل مصطنع، لكنها ممنوعة قانونياً حالياً لأنها ستكون اعترافاً صريحاً بفشل السياسات النقدية التقليدية. التأثير غير المباشر عبر خفض أسعار الفائدة، مما يضعف الدولار ويدفع المستثمرين للتحوّط بالذهب، هو طريق أكثر دهاءً وأقل وضوحاً. ثم هناك الحرب النفسية عبر إصدار تصريحات متشائمة عن الاقتصاد الأمريكي، تدفع برأس المال نحو الملاذات الآمنة ومنها الذهب.
لكن الواقع يقدم مفارقة صادمة: الفيدرالي لا يمتلك سلطة مباشرة على أسعار الذهب منذ عام 1975، عندما سمح القانون الأمريكي للمواطنين بامتلاك الذهب مرة أخرى. اللاعب الحقيقي اليوم هو سوق العقود الآجلة في شيكاغو ونيويورك، حيث تتم عمليات تداول هائلة تحدد الأسعار العالمية. والقوة الخفية تكمن في بنوك وول ستريت التي تمارس عمليات البيع على المكشوف، مؤثرة في الأسعار دون أن تملك ذهباً فعلياً. هذه الازدواجية بين القوة النظرية والعجز العملي تختصر مأزق أمريكا في التعامل مع الذهب: تملك أدوات التأثير لكنها تخشى استخدامها، لأن الكشف عن التلاعب سيدمر ما تبقى من مصداقية النظام المالي العالمي.
السيناريو الخطير - استخدام الذهب لتمويل العجز الأمريكي
بعض المحللين يتساءلون: لماذا لا تستخدم أمريكا ذهبها لتمويل ديونها الهائلة؟ الحسابات البسيطة تجيب بأن هذا الحل مستحيل. فالدَّين الأمريكي يبلغ 34.7 تريليون دولار، بينما قيمة الاحتياطي الذهبي الأمريكي، حتى بسعر مرتفع قدره 2400 دولار للأونصة، لا تتجاوز 627 مليار دولار. حتى لو باعت أمريكا كل ما تملكه من ذهب، فلن يسد ذلك سوى 1.8% من دينها. هذه النسبة الضئيلة تجعل من الذهب حلاً وهمياً لأزمة الديون الأمريكية.
نظرياً، يمكن لأمريكا أن تحاول رفع سعر الذهب إلى مستويات خيالية، مثلاً 10,000 دولار للأونصة، مما يجعل قيمة احتياطياتها تصل إلى 2.6 تريليون دولار. لكن هذا الحل السحري يحمل في طياته دماراً أكيداً للدولار نفسه. لأن مثل هذا الارتفاع المصطنع سيكون اعترافاً بأن العملة الأمريكية فقدت قيمتها، وسيدفع بالعالم نحو التخلي عن الدولار بشكل أسرع. التضخم الجامح الذي سيتبع مثل هذه الخطوة قد يصل إلى 50-100%، مدمراً اقتصاد أمريكا من الداخل قبل أن ينقذها من الديون الخارجية.
التجربة التاريخية تقدم درساً واضحاً. عام 1933، عندما صادر الرئيس روزفلت الذهب من الأمريكيين بأسعار منخفضة، ثم رفع سعره رسمياً، لم يحل ذلك المشاكل الهيكلية للاقتصاد الأمريكي، بل خلق عدم ثقة عميقة بين الحكومة والشعب. هذه الثقة، مرة تُفقد، يصعب استعادتها. وأمريكا اليوم، إذا حاولت تكرار التجربة، قد تجد نفسها أمام تمرد مالي عالمي، حيث ترفض الدول والشعوب لعبة التلاعب بالقيمة، وتلجأ إلى بدائل أكثر شفافية واستقراراً.
الأسباب الحقيقية لصعود الذهب (وهي لا تتعلق بالفيدرالي)
صعود الذهب في السنوات الأخيرة ليس نتيجة تلاعب أمريكي، بل هو ثورة ضد الهيمنة الأمريكية. ثورة البنوك المركزية العالمية تشكل أحد أهم أسباب هذا الصعود. الصين اشتريت 225 طناً في 2023 فقط، مضاعفة احتياطياتها خلال خمس سنوات. روسيا حوّلت 20% من احتياطياتها إلى ذهب قبل الحرب في أوكرانيا. الهند تمتلك 800 طن غير معلن عنها رسمياً. هذه الدول لا تشتري الذهب لأنه استثمار جيد فحسب، بل لأنه تحرر من النظام المالي الأمريكي، استقلال عن دولار يمكن تجميده في أي لحظة.
هروب الدول من الدولار يشكل ظاهرة عميقة تهدد أسس الهيمنة الأمريكية. حصة الدولار في الاحتياطيات العالمية انخفضت من 73% إلى 58% خلال عقد واحد فقط. الدول المتمردة مثل روسيا والصين وإيران وفنزويلا تتجاوز النظام الدولار بالكامل، تتبادل الذهب مباشرة، تبني أنظمة دفع بديلة، تعلن بسلوكها الاقتصادي أن عصر الهيمنة الأمريكية الأحادية ينتهي.
العامل النفسي الجماعي يضيف بعداً إنسانياً لهذه المعادلة الاقتصادية. جيل الألفية، الذي شهد أزمات 2008 و2020، لم يعد يثق بالأسهم والسندات التقليدية، بل يفضل الذهب كملاذ آمن. الدول النامية، التي تعاني من تقلبات العملات وضغوط صندوق النقد الدولي، ترى في الذهب تأميناً ضد التضخم واستقلالاً عن شروط المؤسسات المالية الغربية. هذا التحول النفسي ليس عابراً، بل هو تغير في الثقافة المالية العالمية، انزياح من الثقة بالنظام الورقي إلى الإيمان بالقيمة المادية.
السيناريو المستقبلي - ماذا لو حاول الفيدرالي اللعب بالنار؟
لو حاول الفيدرالي التلاعب بأسعار الذهب بشكل صارخ، ستكون النتائج مدمرة لأمريكا نفسها. انهيار الثقة النهائي سيكون أول الضحايا، لأن اكتشاف العالم أن أمريكا تخدع في سعر الذهب، آخر معاقل القيمة الحقيقية، سيدمر ما تبقى من مصداقية النظام المالي العالمي. حرب عملات شاملة ستندلع، حيث ستسعى دول كثيرة لرفع أسعار الذهب بشكل مضاد، أو للتحول إلى معايير أخرى للقيمة. عودة نظام الذهب العالمي قد تكون النتيجة، لكن هذه المرة لن تكون بقيادة أمريكا، بل بقيادة تحالف من الدول الرافضة للهيمنة الأمريكية.
البدائل الواقعية التي يتبعها الفيدرالي حالياً تعكس إدراكه لهذه المخاطر. السيطرة على سندات الخزانة الأمريكية، التي تبلغ قيمتها 24 تريليون دولار، تظل أكبر أداة لديه، أكثر فعالية وأقل خطراً من التلاعب بالذهب. التلاعب بمعدلات الفائدة، رغم آثاره الجانبية، يبقى في إطار المقبول في النظام المالي العالمي. التنسيق مع البنوك المركزية الأخرى لتهدئة أسواق الذهب هو طريق دبلوماسي يتجنب المواجهة المباشرة.
الخلاصة المرة التي يجب على واشنطن تقبلها هي أن الذهب أصبح خارج السيطرة الأمريكية. صعوده اليوم ليس مجرد ظاهرة سوقية، بل هو تصويت بعدم ثقة في السياسات الأمريكية، ثورة صامتة ضد هيمنة الدولار، إعلان استقلال مالي من قبل دول ترفض أن تكون رهينة للنظام المالي الأمريكي. الذهب، الذي كان يوماً أداة في يد أمريكا، أصبح اليوم سلاحاً في أيدي خصومها.
الخاتمة: الذهب - المعركة التي خسرتها أمريكا قبل أن تبدأها
الفيدرالي اليوم يشبه ساحراً أضاع عصاه السحرية، يحاول خداع الجمهور بحركات يدوية بينما فقد القدرة على التحكم بالعناصر. الذهب الذي كان سلاح أمريكا السري خلال القرن العشرين، أداة لتعزيز هيمنة الدولار، تحول إلى سلاح ضدها في القرن الحادي والعشرين، رمزاً لتمرد العالم على هذه الهيمنة.
الحقيقة الجيوسياسية الجديدة ترسم مساراً تاريخياً واضحاً: من 1944 إلى 1971، كان الذهب يؤكد هيمنة الدولار، كان الخادم المخلص للنظام الأمريكي. من 1971 إلى 2008، تحول الذهب إلى سلعة عادية في سوق حرة، لكنه بقي تحت التأثير غير المباشر للسياسات الأمريكية. من 2008 إلى الآن، أصبح الذهب نداً للدولار، منافساً له في عواطف المستثمرين وثقة الدول. المستقبل قد يجعل من الذهب قاتل الدولار، النقطة التي ينهار عندها النظام المالي القائم على العملة الأمريكية.
المشكلة الأساسية التي تواجهها أمريكا ليست في قدرة الفيدرالي على رفع سعر الذهب، بل في عجزه عن منع هذا الصعود. كل محاولة للتلاعب بالسعر ستعجل بما تخشاه واشنطن: نظام نقدي عالمي جديد حيث الذهب هو الملك، والدولار مجرد أحد الخدم، حيث القيمة تعود إلى معيار مادي لا إلى قرارات سياسية، حيث القوة المالية تتوزع على دول عديدة لا تتركز في يد واحدة.
الدرس التاريخي الواضح الذي ترفض أمريكا تعلمه هو أن الإمبراطوريات التي تلجأ إلى تزيف عملتها أو التلاعب بذهبها لا تؤخر سقوطها، بل تسرع نهايتها. لأن الخداع المالي قد يعمل لفترة، لكنه لا يبني ثقة دائمة. والثقة، عندما تُفقد، يصبح من المستحيل استعادة النظام الذي كان قائماً عليها.
أمريكا اليوم تقف عند مفترق طرق تاريخي: إما إصلاح حقيقي للنظام المالي، يعترف بتعددية الأقطاب ويتقاسم القوة مع دول صاعدة، أو الانضمام إلى سلة المهملات التاريخية حيث تقبع إمبراطوريات سابقة اعتقدت أنها يمكن أن تخدع قوانين الاقتصاد والأخلاق معاً. الذهب، في هذه المعادلة، ليس مجرد معدن أصفر، بل هو مرآة تعكس مصداقية الأمم، مقياس للثقة في الأنظمة، وشاهد على تحولات القوة في العالم. وأمريكا، في تعاملها مع هذه المرآة، تكشف أكثر مما تخفي، وتعترف بضعفها أكثر مما تعلن عن قوتها.
……….
المادة ساخرة : المسرحية الذهبية: كيف فقد الفيدرالي لمسة ميداس؟
(مشهد الافتتاح: في خزنة فورت نوكس، حيث الذهب يشتكي من سوء المعاملة)
سيداتي سادتي! اضبطوا آلة الزمن إلى الوراء! إلى ذلك اليوم المشؤوم من أغسطس 1971، عندما نظر نيكسون إلى الذهب وقال: "أنتِ مقيدة جداً، يا عزيزتي!" وهكذا بدأت حكاية الانفصال الأكثر إثارة في التاريخ.
عندما كان الذهب "الزوجة الشرعية" للدولار
كانت العلاقة جميلة في البداية: كل دولار يمكن تحويله إلى ذهب! مثل تلك الزيجات التقليدية حيث لكل كلمة وزنها! لكن نيكسون قرر الطلاق... لكن بطريقة ذكية: "لا طلاق، فقط علاقة مفتوحة!"
منذ ذلك الحين، تحول الذهب من "الزوجة الشرعية" إلى "صديقة سرية"! الفيدرالي يقول للذهب: "ظهري بحاجة إليك... لكن وجهي يخجل منك!"
لعبة الخداع الذهبية:
· عندما يرتفع الذهب: "بيع! بيع! إغراق السوق!" (عبر بنوك وول ستريت التي تقول: "نحن فقط وسطاء بريئون!") · عندما تكون أزمة ديون: "هذا الذهب كضمان... لكن لا تخبروا أحداً أننا استخدمناه!"
احتياطيات أمريكا: 8133 طناً... أو هكذا يقولون! الحقيقة المضحكة:آخر تدقيق كان عام 1953! منذ ذلك الحين، الذهب في فورت نوكس يشبه ذلك الصديق الذي يظهر في الصور القديمة لكن لا أحد يعرف إذا كان لا يزال حياً!
الشكوك: هل الذهب موجود؟ أم أن الخزائن مليئة بقضبان مطلية بالذهب؟ "في النهاية، من سيجرؤ على فحصها؟ نحن أمريكا!"
هل يستطيع الفيدرالي التحكم بالذهب؟ إجابة: يحاول... ويفشل!
الآليات النظرية التي يحلم بها الفيدرالي:
1. التيسير الكمي المباشر: "لنطبع دولارات ونشتري ذهباً!" المشكلة: هذا ممنوع! "لماذا كل شيء مفيد ممنوع؟" 2. خفض الفائدة: "لنضعف الدولار... ليرتفع الذهب!" النتيجة: "يا إلهي! الدولار ضعف كثيراً والذهب ارتفع كثيراً! توقفوا!" 3. التصريحات المتشائمة: "الاقتصاد سيء!" النتيجة: "لماذا اشترى الجميع ذهباً؟ كنا نريدهم يشتريون سنداتنا!"
الحقيقة الصادمة: الفيدرالي لا يتحكم بالذهب منذ 1975! "نعم،نستطيع رفع الفائدة... نستطيع طباعة النقود... لكن الذهب؟ هذا الطفل الشقي لا يسمع كلامنا!"
اللاعب الحقيقي: سوق العقود الآجلة في شيكاغو! حيث يتاجرون بما لا يملكون! "بيع ذهب... رغم أننا لا نملكه! هذه روعة الرأسمالية!"
لماذا لا تبيع أمريكا ذهبها لتسديد ديونها؟ الرياضيات الصعبة!
الأرقام التي تجعل المحاسبين يضحكون:
· دين أمريكا: 34.7 تريليون دولار (رقم كبير جداً... حتى الآلة الحاسبة تتعطل!) · قيمة ذهب أمريكا: 627 مليار دولار (إذا باعته كله... بسعر اليوم!) · النسبة: 1.8% من الدين! "ممتاز! بهذا نخلص من 1.8% من مشكلتنا... وتبقى لنا 98.2%!"
الخطة السحرية: "لنرفع سعر الذهب إلى 10,000 دولار!" المشكلة:"إذا فعلنا ذلك، سينهار الدولار! لأن الجميع سيسأل: لماذا تحتاج أمريكا لرفع سعر الذهب؟ لأن دولارها بلا قيمة!"
التجربة التاريخية الفاشلة: 1933 روزفلت يصادر ذهب الأمريكيين...ثم يرفع سعره! "الدرس:لا تسرق من شعبك ثم تخبرهم أن ما سرقته أصبح قيماً أكثر! هذا يخلق... مشاعر سلبية!"
السبب الحقيقي لصعود الذهب... الجميع يكرهون الدولار!
ثورة البنوك المركزية:
· الصين: "اشترينا 225 طناً هذا العام! لماذا؟ لأننا نستطيع!" · روسيا: "حوّلنا 20% من احتياطياتنا لذهب! لماذا؟ لأن الغرب قد يجمد أموالنا!" · الهند: "عندنا 800 طن... لكن هذا سر! مثل تلك الحلوى التي تخبئها من أطفالك!"
هروب من الدولار: الإحصائية المضحكة:حصة الدولار انخفضت من 73% إلى 58%! "هذا يعني أن 15%من العالم قال: كفى! نريد شيئاً آخر... أي شيء!"
الدول المتمردة:
· روسيا للصين: "هيا نتبادل ذهباً!" · الصين: "ممتاز! بهذا نتجنب الدولار!" · أمريكا: "انتظرا! هذا غير قانوني!... أو ربما ليس غير قانوني... لكنه غير لطيف!"
العامل النفسي:
· جيل الألفية: "الأسهم؟ السندات؟ لا شكراً! أعطونا ذلك الشيء الأصفر اللامع!" · الدول النامية: "التضخم يأكل أموالنا! الحل؟ الذهب! لأنه... جميل!"
ماذا لو حاول الفيدرالي التلاعب؟ كارثة كوميدية!
التأثيرات المدمرة:
1. انهيار الثقة: "اكتشف العالم أننا نلاعب الذهب! سينتهي بنا المطاف ونحن نبيع الذهب على قناة شوبنغ!" 2. حرب عملات: "كل دولة ستلعب لعبتها! الصين ترفع سعر الذهب! روسيا ترفعه أكثر! الهند ترفع أكثر! في النهاية، سيكلف الذهب أكثر من كوكب الأرض!" 3. نظام ذهبي جديد: "لكن... بقيادة الصين! أمريكا ستكون مجرد متفرج!"
البدائل الواقعية:
1. السيطرة على سندات الخزانة: "هذه نعرفها! طباعة، بيع، شراء... لعبة مملة لكنها آمنة!" 2. التلاعب بالفائدة: "نخفضها! نرفعها! نرقص حولها! والجميع يتفرج!" 3. التنسيق مع البنوك المركزية: "يا أصدقاء... لا تشتروا كثيراً من الذهب... من فضلكم!"
الخلاصة المضحكة: الذهب أصبح مثل ذلك المراهق الذي يرفض سماع كلام والديه!
· أمريكا: "يا ذهب، انخفض قليلاً!" · الذهب: "لا!" · أمريكا: "لكننا أمريكا!" · الذهب: "وماذا في ذلك؟"
من السيد إلى الخادم... إلى الهارب!
الحقيقة الجيوسياسية المضحكة:
· 1944-1971: الذهب يقول للدولار: "أنا أسندك!" · 1971-2008: الذهب يقول: "أنا حر! أذهب حيث أريد!" · 2008-الآن: الذهب يقول: "أنا أغلى منك!" · المستقبل: الذهب قد يقول: "أنا استبدلك!"
المفارقة: أمريكا تخشى من صعود الذهب... لكنها عاجزة عن إيقافه! "مثل ذلك الشخص الذي يرى سيارته تتدحرج نحو منحدر...لكنه يصرخ فقط: توقفي!"
المشكلة ليست في رفع سعر الذهب... بل في عدم القدرة على منع ارتفاعه! "ساحر فاقد لقدراته،يحاول خداع الجمهور بحيل قديمة... بينما الجمهور يشتري تذاكر للساحر المنافس!"
الدرس التاريخي المضحك: "الإمبراطوريات التي تلاعبت بذهبها...انتهت وهي تحاول بيع ذهب مزيف على موقع إي باي!"
أمريكا على مفترق طرق:
· الخيار الأول: الإصلاح! "أي الاعتراف أننا لم نعد السادة الوحيدون!" · الخيار الثاني: الاستمرار في الخداع! "وأين ذلك أوصلنا؟ إلى هنا!"
المشهد الأخير: المحافظون في الفيدرالي ينظرون إلى شاشة أسعار الذهب ترتفع... الأول:"لنخفض الفائدة!" الثاني:"لنطبع نقوداً!" الثالث:"لنصدر تصريحاً!" الذهب:"استمروا في الحديث... بينما أنا استمر في الصعود!"
الستارة تسقط على نظام مالي كان ذات يوم سيد العالم... وأصبح اليوم يشاهد ذهبه يهرب منه مثل رمال بين الأصابع! والعبرة: عندما تفصل بين القيمة الحقيقية والورق المطبوع... ينتهي بك المطاف وأنت تطارد الريح بأكياس ورقية!
.........
إمكانية التحول الشيوعي في أوروبا - بين الواقع والخيال
تتدلى صور الآباء المؤسسين للاتحاد الأوروبي، في قاعات البرلمانات الأوروبية المهيبة، ومن هذا الحيز المكاني يتردد صدى أسئلة وجودية تكسر الصمت الدبلوماسي. هل يمكن للقارة التي شهدت صعود الرأسمالية الحديثة أن تشهد تحولاً جذرياً نحو نموذج اقتصادي كان يُعتقد أنه دفن في ركام جدار برلين؟ أوروبا اليوم تقف أمام مرآة التاريخ، ترى فيها صورتين متداخلتين: صورة القارة العجوز المتعبة من أوهام الليبرالية المتوحدة، وصورة شبح شيوعي يعود من الماضي ليطرق أبواب المستقبل.
أوروبا بين فشلين - الرأسمالية المتوحدة والفاشية الوهمية
الرأسمالية الأوروبية في مرحلتها المتأخرة تشبه لاعباً مسنّاً يصر على المشاركة في ماراثون، كل عضلة في جسده تئن تحت وطأة السنين، لكن كبرياؤه يمنعه من الاعتراف بالهزيمة. هذه الرأسمالية لم تعد ذلك النظام الحيوي الذي وعد بالرخاء للجميع، بل تحولت إلى آلة لاستخلاص القيمة حتى من الهواء الذي نتنفسه. خصخصة الماء، ذلك العنصر الأساسي للحياة، لم يعد مجرد نظرية اقتصادية متطرفة، بل واقعاً في بعض المدن الأوروبية حيث تتحكم الشركات متعددة الجنسيات في قطرات المطر التي تسقط من السماء.
النتائج الكارثية لهذا المسار تظهر في أرقام صادمة: عشرة بالمئة من السكان يمتلكون تسعين بالمئة من الثروة، ليس كإحصائية مجردة، بل كحقيقة يومية تشق المجتمعات. شباب في إسبانيا واليونان يعانون من بطالة تصل إلى خمسة وعشرين بالمئة، يحملون شهادات جامعية كأوراق نقدية من عصر مضى. نظام صحي كان يُضرب به المثل ينهار تحت وطأة التمويل الناقص، وتعليم يتحول من حق أساسي إلى سلعة تباع لأعلى المزايدين. المستشفيات التي كانت ملاذاً للفقراء والأغنياء على حد سواء أصبحت متاجر تقدم الخدمة حسب القدرة على الدفع.
في هذا الفراغ الهائل، تظهر الفاشية كمسكن وهمي، تقدم وعوداً كاذبة كالسحر الأسود. أحزاب اليمين المتطرف تلاعب بمشاعر الجماهير بخبرة مأساوية: ميلوني في إيطاليا يرفع شعار معاداة المهاجرين بينما يوقع صفقات تبيع فيها بلاده للصين قطعة قطعة. لوبان في فرنسا تتحدث عن السيادة الوطنية بينما تدعم سياسات الناتو التي تجرد فرنسا من سيادتها الحقيقية. حزب البديل لألمانيا يرفع شعار الوطنية بينما يخدم مصالح واشنطن في قلب أوروبا. الحقيقة المرة أن هذه الفاشية الجديدة ليست بديلاً حقيقياً، بل مجرد صمام أمان للنظام القائم، طريقة لتحويل الغضب الشعبي من النظام نفسه إلى كبش فداء سهلة: المهاجر، المسلم، المختلف.
إمكانية عودة الشيوعية - العوامل المؤيدة
لكن في ظل هذا الإفلاس المزدوج، تبرز إمكانية قد تبدو مستحيلة: عودة الشيوعية. ليست كعودة شبح من الماضي، بل كفكرة جديدة ترتدي ثياب العصر. الظروف الموضوعية ناضجة بشكل لم تشهده أوروبا منذ ثلاثينيات القرن الماضي. التفاوت الطبقي وصل إلى مستويات سوريالية: في ألمانيا، مديرو شركات داكس يكسبون في يوم واحد ما يكسبه العامل في عام كامل. في فرنسا، سبعة ملايين إنسان يعيشون تحت خط الفقر في بلد كان يسمى ذات يوم "نموذج الرفاهية الأوروبي".
انهيار الطبقة الوسطى يشكل نقطة تحول تاريخية. هذه الطبقة التي كانت تمثل خمسة وستين بالمئة من المجتمع، وتعتبر عماد الاستقرار الأوروبي، انخفضت إلى خمسة وأربعين بالمئة وتستمر في الانخفاض. الأطباء الذين كانوا من أركان البرجوازية المحلية أصبحوا يعملون بصفوف مؤقتة، المعلمون الذين كانوا سادة في فصولهم أصبحوا يعانون من انخفاض الدخل الحقيقي، المهندسون الذين بنوا أوروبا الحديثة يعانون من عدم الاستقرار الوظيفي. تحول هذه الفئات إلى بروليتاريا جديدة، تحمل في يدها معرفة متخصصة وفي قلبها غضباً متراكماً.
الإرث التاريخي الحي يلعب دوراً خفياً لكنه حاسم. الذاكرة الأوروبية تحمل في طياتها قصص المقاومة الشيوعية ضد النازية، حيث كان الشيوعيون الفرنسيون والإيطاليون واليونانيون في الصفوف الأمامية لمقاومة الفاشية. دولة الرفاهية التي يعتز بها الأوروبيون لم تبنها الرأسماليون، بل بناها اشتراكيون بعد الحرب كتسوية تاريخية بين العمل ورأس المال. النقابات العمالية القوية في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا تحمل في تراثها نضالاً طبقياً تم تهميشه لكنه لم يمت.
جيل الألفية يضيف عنصراً جديداً للمعادلة. هذا الجيل الذي لم يعش الحرب الباردة، لا يخاف من "شبح الشيوعية" الذي روّجت له الدعاية الغربية لعقود. ما يخيفه هو شبح حقيقي ملموس: شبح الفقر الدائم، البطالة الهيكلية، المستقبل المغلق. إحصائية أن أربعين بالمئة من الشباب الفرنسي ينظرون للشيوعية بشكل إيجابي ليست مجرد رقم، بل هي مؤشر على تغير جيلي عميق، حيث تنكسر تابوهات الماضي تحت وطأة حاجات الحاضر.
العوائق الهائلة أمام التحول الشيوعي
لكن الطريق نحو أي تحول اشتراكي في أوروبا محفوف بعقبات قد تبدو مستحيلة التجاوز. العوائق الهيكلية تشكل جداراً سميكاً: النخب الحاكمة مرتبطة عضويًا بالرأسمالية العالمية، مصالحها متشابكة مع الشركات متعددة الجنسيات، رؤوس أموالها موزعة في أسواق العالم. هذه النخب لن تتخلى طوعاً عن امتيازاتها، ولن تسمح بتحول يهدد وجودها الطبقي.
الإعلام يشكل حاجزاً آخر لا يقل صعوبة. خمسة وتسعون بالمئة من وسائل الإعلام الأوروبية مملوكة لرأسماليين أو مجموعات مصالح تخدم النظام القائم. هذه الوسائل لا تقدم الأخبار فحسب، بل تصنع الواقع، تخلق الحقائق، توجه العواطف. في مثل هذه البيئة، كيف يمكن لفكرة مناهضة للنظام أن تخترق الوعي الجمعي؟ التعليم يضيف طبقة أخرى من التعقيد، فمناهجه تقدم الرأسمالية كـ"نهاية التاريخ"، كحقيقة طبيعية لا تقبل الجدل، كالنظام الوحيد الممكن.
التشرذم اليساري يشكل عائقاً ذاتياً مؤلماً. اليسار الأوروبي منقسم إلى تيارات متناحرة: اشتراكيون ليبراليون يتحدثون عن العدالة لكنهم يدعمون الناتو والسوق الحرة، شيوعيون تقليديون يحملون رايات الماضي لكنهم منعزلون عن واقع الحاضر، يسار راديكالي جديد مليء بالحماس لكنه مشتت بلا برنامج واضح. غياب القيادة الكاريزمية يزيد الطين بلة، فليس هناك لينين أو غرامشي أوروبي معاصر يستطيع توحيد هذه التيارات وتحويل الغضب إلى قوة سياسية منظمة.
العقبة الأمريكية المطلقة قد تكون الأصعب. واشنطن لن تسمح بتحول شيوعي في أوروبا، فالنتائج ستكون كارثية لمصالحها: خسارة سوق تبلغ ثمانية عشر تريليون دولار، انهيار حلف الناتو الذي يشكل عماد الهيمنة الأمريكية العالمية، انتصار رمزي وسياسي للصين وروسيا. آليات المنع الأمريكية مجربة ومختبرة: التدخل المباشر كما حدث في اليونان عام 1947 وإيطاليا عام 1948، العقوبات الاقتصادية التي يمكن أن تخنق أي تجربة ناشئة، الانقلابات الناعمة عبر تمويل المعارضة وتضليل الإعلام.
النموذج الأكثر واقعية - اشتراكية القرن الحادي والعشرين
في مواجهة هذه العقبات الهائلة، قد يكون النموذج الأكثر واقعية ليس الشيوعية بالمعنى الكلاسيكي، بل اشتراكية القرن الحادي والعشرين، نظام يستفيد من دروس الماضي دون أن يكون أسيراً له. هذا النموذج لن يكون نسخة كربونية من الاتحاد السوفيتي، بل تجربة أوروبية أصيلة تجمع بين العدالة الاجتماعية والكفاءة الاقتصادية.
اشتراكية السوق كما طُبقت في السويد والنرويج والدنمارك قد تكون نقطة انطلاق، لكنها تحتاج إلى تعديل جذري لمواجهة تحديات العصر. الديمقراطية الاقتصادية حيث يشارك العمال في الإدارة والأرباح ليست فكرة رومانسية، بل ضرورة في عصر تشهد فيه الشركات أرباحاً قياسية بينما تتجمد أجور العمال. قطاع عام قوي لا يعني بيروقراطية متضخمة، بل يعني تأميم الخدمات الأساسية: الطاقة التي تحدد مستقبل الصناعة، المواصلات التي تربط المجتمعات، الصحة التي تحمي الأجساد، التعليم الذي يبني العقول.
المحاور الأساسية لهذا النموذج تبدأ بالسيادة الاقتصادية: بنك مركزي أوروبي حقيقي مستقل عن المصالح الخاصة، إعادة الصناعة الاستراتيجية التي هجرتها العولمة المتوحدة، نظام ضريبي تصاعدي حقيقي يعيد توزيع الثروة لا أن يكرس تركزها. السياسة الخارجية المستقلة تشكل ركيزة أخرى: خروج من الناتو الذي تحول من تحالف دفاعي إلى أداة هيمنة أمريكية، شراكة متكافئة مع روسيا والصين تعترف بتعددية الأقطاب، علاقات جديدة مع العالم العربي والإسلامي تقوم على الاحترام المتبادل لا الاستعمار القديم أو الجديد.
الشكل التنظيمي لهذا التحول لن يكون حزباً واحداً يحكم بسلطة مطلقة، بل جبهات عريضة تجمع كل القوى الراغبة في التغيير. اللامركزية ستكون أساسية، مع مجالس محلية تشارك في القرار، وتعاونيات إقليمية تدير الاقتصاد. التكنولوجيا الحديثة، خاصة الإنترنت، ستمكن من إدارة شؤون المجتمع دون الوقوع في فخ البيروقراطية التي أودت بتجارب سابقة.
سيناريوهات التغيير المحتملة
سيناريو التغيير التدريجي يحمل أربعين بالمئة من الاحتمال، حيث تبدأ الأحزاب اليسارية بالصعود في البرلمانات عبر الانتخابات، تشكل تحالفات مع النقابات العمالية القوية، وتنفذ إصلاحات تدريجية تؤدي على مدى خمسة عشر إلى عشرين سنة إلى تحول جذري في طبيعة النظام. هذا السيناريو هو الأقل عنفاً لكنه الأطول زمناً، والأكثر عرضة للانحراف تحت ضغوط الواقع.
السيناريو الثوري يحمل عشرين بالمئة فقط، حيث تكون الشرارة أزمة اقتصادية مدمرة: انهيار اليورو، إفلاس دول كبرى، تضخم جامح. الآلية ستكون إضرابات عامة تشل الحياة، عصيان مدني واسع، سقوط النظام تحت ثقل تناقضاته. لكن المشكلة الكبرى هنا هي التدخل الأمريكي العسكري المباشر الذي قد يحول الثورة إلى حرب أهلية.
السيناريو الانفصالي يحمل ثلاثين بالمئة، حيث تبدأ دول هامشية في أوروبا بالتحول أولاً: اليونان التي عانت من ويلات التقشف، إسبانيا التي تعاني من بطالة الشباب المرتفعة، البرتغال التي لم تتعافَ تماماً من أزمتها. تأثير الدومينو قد يدفع دولاً أخرى للتبعية، لكن الصعوبة ستكون في الضغوط الاقتصادية الهائلة من دول أوروبا الرأسمالية التي ستستخدم كل أدواتها لعزل التجربة الناشئة وخنقها.
السيناريو الكارثي يحمل عشرة بالمئة، وهو استمرار الوضع الحالي مع تدهور متصاعد، حيث تتحول أوروبا إلى قارة فقيرة تابعة، لا اشتراكية ولا رأسمالية بالمعنى الحي، بل مستعمرة شبه إقطاعية تعيش على هامش التاريخ، تخدم مصالح قوى خارجية بينما تتدنى أحوال شعبها بشكل لا يمكن إصلاحه.
الحلم الممكن والواقع المرير
الإمكانية النظرية لتحول اشتراكي في أوروبا موجودة ولا يمكن إنكارها. الظروف الاقتصادية ناضجة لحد الانفجار، الغضب الشعبي حقيقي وعميق ويبحث عن قناة للتعبير، النموذج البديل مطلوب بشكل عاجل لأن النموذج الحالي يقود القارة نحو الهاوية. لكن العقبات العملية هائلة وتستحق التأمل: الاستعمار الداخلي حيث نخب أوروبية تخدم مصالح غيرها على حساب شعبها، التبعية الخارجية لواشنطن التي لن تسمح بتحرر أوروبا، الذاكرة المخترقة عبر أجيال تعتقد أن الاشتراكية مرادف للدكتاتورية.
المعادلة الحاسمة التي قد تجعل التحول ممكناً تجمع بين وعي شعبي يدرك مصلحته الحقيقية، تنظيم حديدي يستطيع مواجهة آلة القمع، تحالف دولي مع قوى عالمية تدعم التغيير، ولحظة تاريخية تأتي كفرصة لا تعوض. بدون هذه العناصر الأربعة مجتمعة، سيبقى الحلم الشيوعي الأوروبي حلماً جميلاً في عالم قاس.
التوقعات الواقعية تتدرج عبر الأزمنة: على المدى القصير (خمس سنوات) سنشهد صعوداً يسارياً لكنه سيُحاصر بكل الوسائل. على المدى المتوسط (عشر سنوات) قد تحدث تحولات في دول هامشية تشكل نقاط اختراق. على المدى الطويل (عشرون سنة) قد تكون إمكانية تحول أوروبا الغربية حقيقية إذا تحققت شروط ثلاثة: انهيار الهيمنة الأمريكية التي تخنق أي بديل، تحالف أوروبا مع العالم المتعدد الأقطاب الذي يقدم خيارات حقيقية، ولادة قيادة تاريخية جديدة تجمع بين الرؤية والقدرة التنظيمية.
الخلاصة المرة التي تفرض نفسها هي أن أوروبا قد تموت رأسمالية قبل أن تولد اشتراكية. قد تصل تناقضات النظام الحالي إلى ذروتها وتفجر المجتمع دون أن يجد البديل المنظم الذي يمكن أن يقود المرحلة الانتقالية. لكن التاريخ يعلمنا درساً مهماً: عندما تصل التناقضات إلى ذروتها حقاً، عندما يصبح النظام عاجزاً عن الاستمرار والشعب عاجزاً عن الاستمرار تحت وطأته، فإن المستحيل يصبح ممكناً، والمحال يتحول إلى واقع.
السؤال الجوهري ليس هل تحتاج أوروبا للاشتراكية؟ فالجواب واضح للعيان: نعم، وإلا فالمجاعة والانهيار الاجتماعي. السؤال الأعمق هو: هل تملك أوروبا إرادة البقاء كقارة حرة مستقلة، أم ستختار الموت البطيء كحديقة خلفية لأمريكا، كسوق استهلاكي لأفكار غيرها، كمتحف لحضارة كانت عظيمة؟
الأيام القادمة ستجيب على هذا السؤال المصيري، والإجابة لن تأتي من قصور الحكام ولا من أبراج المال، بل من شوارع المدن الأوروبية، من مصانعها التي تغلق، من جامعاتها التي تفرغ، من بيوتها التي تبرد. هناك، في قلب المعاناة اليومية، تكمن بذور التغيير. والسؤال الوحيد المتبقي هو: هل ستجد هذه البذور التربة الخصبة لتنمو، أم ستجرفها عواصف القمع واليأس؟ الزمن وحده كفيل بالإجابة، لكن الساعة تدق، والوقت ليس في صالح من ينتظرون المعجزة.
……….
مادة ساخرة :
المسرحية الكوميدية: عندما تلتقي الشيوعية بالسوق الحرة في مقهى أوروبي
حيث تتناقض النهايات مع البدايات
تخيلوا معي مشهداً سوريالياً: كارل ماركس وجون ماينارد كينز يجلسان في مقهى فيينا، يشربان إسبريسو بينما يتجادلان حول مستقبل أوروبا. ماركس يصرخ: "يا لها من تناقضات! البروليتاريا تتسول!" وكينز يهمس: "الصبر، سيدي، الصبر... وآلة طباعة النقود!" هذه ليست بداية رواية خيالية، بل هي ملخص الواقع الأوروبي اليومي، حيث تتحول التناقضات الاقتصادية إلى كوميديا سوداء، والأزمات الوجودية إلى مسرحيات هزلية.
الرأسمالية المتأخرة - عندما يصبح الماء سلعة والهواء حلماً
الرأسمالية الأوروبية في مرحلة "ما بعد التأخر" تشبه ساحراً أضاع عصاه السحرية، لكنه يواصل الادعاء بأنه يتحكم بالأمطار. النظام الذي وعد بالرخاء للجميع أصبح يبيع الهواء! نعم، حرفياً: شركات تبيع "هواء نقي" في علب! المياه؟ أصبحت سلعة فاخرة! في بعض المدن الأوروبية، لم يعد بإمكانك أن تشرب من الحنفية دون أن تشعر أنك تسرق من محفظة مساهمي شركة المياه!
المفارقة العبقرية: 10% يملكون 90% من الثروة، لكنهم يشكون من "صعوبة إيجاد خدم جيدين"! الشباب؟ لديهم بطالة 25% في إسبانيا، لكنهم "متوفرون دائمًا على وسائل التواصل الاجتماعي"! نظام صحي ينهار؟ "هذا يعني أن الأثرياء فقط سيعيشون طويلاً - انتصار للانتقاء الطبيعي!" التعليم أصبح للطبقات الغنية؟ "ممتاز! هكذا نضمن أن الفقراء لن يتعلموا كيف يحتجون بشكل صحيح!"
أما الفاشية كمسكن وهمي، فهي مثل تلك الحبة المنومة التي تعطيك أحلاماً وردية بينما يسرقون منزلك. ميلوني في إيطاليا يرفع شعار "إيطاليا للإيطاليين" بينما يبيع إيطاليا للصين قطعة قطعة! لوبان في فرنسا تتحدث عن "السيادة" بينما تتبع أوامر الناتو كجندي مطيع! والبديل الألماني يرفع علم ألمانيا... المصنوع في الصين!
الحقيقة المضحكة: هذه الأحزاب اليمينية هي "صمام الأمان الثوري" للنظام! عندما يغضب الشعب، تقدم له هذه الأحزاب كبش فداء: المهاجر! المسلم! المختلف! وكأنهم يقولون: "لا تغضب على النظام الذي يسرقك، اغضب على من هو أضعف منك!"
الشيوعية تعود - لكن من الباب الخلفي
الظروف "الموضوعية الناضجة" للشيوعية في أوروبا تشبه وصفة كعكة فشلت مرتين، لكننا نصر على تحضيرها للمرة الثالثة! التفاوت الطبقي وصل لمستويات سوريالية: في ألمانيا، مدير شركة يكسب في يوم ما يكسبه العامل في عام! الموظف يشتري قهوته من ماكينة البيع، بينما المدير يشتري جزيرة!
المشهد الكوميدي: عامل ألماني يقرأ في الجريدة أن مدير شركته كسب في يوم واحد ما يكسبه هو في عام، فيفكر: "ربما يجب أن أصبح مديراً!". ثم يقرأ المتطلبات: "شهادة من هارفارد، خبرة 20 سنة، القدرة على العمل 25 ساعة يومياً". فيقرر: "أفضل أن أبقى عاملاً!"
انهيار الطبقة الوسطى؟ لقد تحولت من 65% إلى 45%! الـ20% المفقودون؟ بعضهم أصبحوا أغنياء (قلة)، معظمهم أصبحوا فقراء (كثرة)، والجميع أصبحوا حائرين! الطبيب الذي كان برجوازياً محترماً أصبح يعمل بنظام المناوبات، والمعلم الذي كان سيد الفصل أصبح روته أقل من ساعي البريد!
الذاكرة التاريخية "الحيّة"؟ الشباب الأوروبي يتذكر الشيوعية... من أفلام هوليوود! جيل الألفية يعتقد أن "الثورة البلشفية" نوع من القهوة! و40% منهم ينظرون للشيوعية بشكل إيجابي... لأنهم يظنونها "نظاماً يوزع الآيفونات مجاناً"!
العقبات - أو لماذا تفضل النخب أن تأكل كافيار على أن تشاركه
العوائق الهيكلية أمام الشيوعية تشبه تلك اللعبة في حديقة الملاهي حيث تحاول ضرب الفأر لكنه يظهر في مكان آخر! النخب الحاكمة مرتبطة بالرأسمالية... مثل السمك بالماء! مصالحهم؟ منتشرة في العالم كله! أموالهم؟ في جزر كايمان! ضمائرهم؟ في عطلة!
الإعلام 95% منه مملوك لرأسماليين! وهذا يعني أن 95% من الأخبار تقول: "الرأسمالية جيدة، اشترِ، استهلك، كن سعيداً!" والـ5% الباقية؟ برامج طبخ!
التعليم يقدم الرأسمالية كـ"نهاية التاريخ"! الطلاب يتعلمون أن آدم سميث نبي، وأن السوق "اليد الخفية" هي في الحقيقة "اليد الطويلة" التي تأخذ من جيوب الفقراء لتملأ جيوب الأغنياء!
التشرذم اليساري؟ الاشتراكيون الليبراليون يقولون: "نريد عدالة... ولكن بدون مس بالنظام!" الشيوعيون التقليديون يقولون: "نريد ثورة... ولكن كما في 1917!" واليسار الراديكالي الجديد يقول: "نريد تغييراً... لكننا مشغولون بتنظيم الاحتجاجات على تغير المناخ!"
القيادة الكاريزمية غائبة! لا يوجد لينين أوروبي! أقرب شيء؟ سياسي فرنسي يتكلم بلغة أنيقة... عن إصلاحات طفيفة!
العقبة الأمريكية؟ واشنطن تقول: "أوروبا شيوعية؟ هذا يعني خسارة 18 تريليون دولار سوق! مستحيل!" ثم تضيف: "بدلاً من ذلك، نقدم لكم... المزيد من الأسلحة!"
الاشتراكية الجديدة - كل شيء قديم جديد
النموذج "الواقعي" هو اشتراكية القرن الحادي والعشرين، التي تشبه سيارة قديمة تم تركيب محرك جديد فيها! اشتراكية السوق؟ مثل السويد تقول: "نحن رأسماليون... لكن بلطف!" الديمقراطية الاقتصادية؟ العمال يشاركون في الأرباح... التي تختفيها الشركات في جزر كايمان!
القطاع العام القوي؟ تأميم الطاقة! فكرة رائعة! لكن... من سيديرها؟ نفس البيروقراطيين الذين أداروها سابقاً وأفلسوها!
السيادة الاقتصادية: بنك مركزي أوروبي مستقل! فكرة جميلة! لكن البنك المركزي الأوروبي الحالي "مستقل" بالفعل... مستقل عن الشعب، تابع للأسواق!
إعادة الصناعة؟ أوروبا التي هجرت صناعتها للصين تريد إعادتها! المشكلة: العمال الأوروبيون يريدون رواتب عالية، والعمل 35 ساعة أسبوعياً، وإجازة سنوية 8 أسابيع! والصينيون يعملون 60 ساعة برواتب أقل! الرياضيات صعبة!
السياسة الخارجية المستقلة: خروج من الناتو! لكن... من س يحمينا؟ الشراكة مع روسيا؟ "آه، لكن بوتين...!" الشراكة مع الصين؟ "آه، لكنهم شيوعيون!" العلاقات مع العالم العربي؟ "آه، لكن الإسلام...!"
الشكل التنظيمي: ليس حزباً واحداً! جبهات عريضة! تحالفات شعبية! المشكلة: الأوروبيون لا يتفقون على نوع الجبن، فكيف يتفقون على نظام اقتصادي جديد؟
سيناريوهات التغيير - كوميديا الأخطاء
السيناريو التدريجي (40%): أحزاب يسارية تصل للبرلمان... ثم تكتشف أن القرارات الحقيقية تتخذ في البنوك، لا في البرلمانات! تحالفات مع نقابات... تكتشف أن النقادات أصبحت جزءاً من النظام! إصلاحات تدريجية... تأخذ 20 سنة! والشعب يقول: "مات جدي منتظراً الإصلاحات، وأنا سأموت منتظراً أيضاً!"
السيناريو الثوري (20%): أزمة اقتصادية مدمرة! انهيار اليورو! إفلاس دول! إضرابات عامة! عصيان مدني! ثم... تتدخل أمريكا! المشهد: متظاهرون يهتفون: "يسقط النظام!" ودبابات أمريكية تقول: "اجلسوا في بيوتكم!"
السيناريو الانفصالي (30%): اليونان تتحول لاشتراكية! إسبانيا تتبع! البرتغال تنضم! ثم... دول أوروبا الرأسمالية تحاصرهم اقتصادياً! المشهد: اشتراكيون جياع يهتفون: "عاشت الثورة!" بينما بطونهم تقول: "نريد طعاماً!"
السيناريو الكارثي (10%): استمرار الوضع الحالي! أوروبا تتحول لمستعمرة شبه إقطاعية! الأثرياء يعيشون في قصور، الفقراء في أكواخ، والطبقة الوسطى... تختفي! النهاية: أوروبا كمتحف، يأتي السياح ليروا: "هنا كانت حضارة!"
الحلم الممكن... في عالم المستحيلات
الإمكانية النظرية موجودة! الظروف الاقتصادية ناضجة... لحد التخمر! الغضب الشعبي حقيقي... لكنه موجه نحو كبش فداء! النموذج البديل مطلوب... لكن لا أحد يعرف كيف يبدو!
العقبات العملية؟ الاستعمار الداخلي: نخب أوروبية تبيع بلادها بكل بساطة! التبعية الخارجية: أمريكا تقول: "اقفزوا!" وأوروبا تسأل: "كم متر؟" الذاكرة المخترقة: أجيال تعتقد أن الاشتراكية = غولاغ!
المعادلة "الحاسمة": وعي شعبي (نائم) + تنظيم حديدي (مشتت) + تحالف دولي (متناقض) + لحظة تاريخية (ضائعة) = فشل مؤكد!
التوقعات الواقعية:
· قصير المدى: صعود يساري... ثم سقوط! · متوسط المدى: تحولات في دول هامشية... ثم عودتها! · طويل المدى: احتمال تحول أوروبا... إذا تحولت أمريكا أولاً!
الخلاصة المضحكة المبكية: أوروبا قد تموت رأسمالية من السمنة (الأغنياء)، وتولد اشتراكية من الجوع (الفقراء)، وتعيش كطبقة وسطى... في الخيال!
السؤال الأخير: هل تحتاج أوروبا للاشتراكية؟ الجواب: نعم... كي لا تموت من الرأسمالية! لكن هل تملك الإرادة؟ الإرادة لديها... لكنها تستخدمها لاختيار نوع النبيذ مع العشاء!
أوروبا بين أن تموت كحديقة خلفية لأمريكا، أو تولد كقاعة انتظار للصين! والخيار الثالث؟ البقاء كما هي: كوميديا تراجيدية، تنتظر نهاية سعيدة... بينما الكاتب فقد الإلهام، والممثلون نسوا أدوارهم، والجمهور نام!
المشهد الأخير: ماركس وكينز ما زالا في المقهى، يشربان الإسبريسو، وينتظران... النهاية التي لن تأتي أبداً، لأن الفاتورة وصلت، وليس مع أحدهما نقود!
.......
الذهب في حسابات التنين: بين حكمة الأجداد وضرورات العصر
تخزن أسرار الأمة الاقتصادية،في أقبية البنك المركزي الصيني في بكين، هناك حيث تقبع كتل صفراء تزن آلاف الأطنان، صامتة لكنها تتحدث بلغة القوة الخالدة. الذهب، ذلك المعدن الذي طارد البشر عبر العصور، يعود اليوم ليصبح سلاحاً في حرب العولمة الجديدة، عملة في معركة السيادة المالية، وضمانة في زمن اللايقين الجيوسياسي. الصين، التي ارتفعت من غبار الفقر لتلامس عنان القوة العالمية، تتعامل مع الذهب ليس كترف استثماري، بل كرهان استراتيجي على مستقبل لا يزال يكتب فصوله.
الحسابات الصينية - لماذا تختار بكين تجميد الثروة في الذهب؟
الأرقام الرسمية تقول إن الصين تملك 2,235 طناً من الذهب، لكن التقديرات المستقلة تصل إلى 5,000 طن، وهو رقم لو كشف عنه لغير موازين القوى المالية العالمية. هذه الكتلة الصفراء التي تبلغ قيمتها حوالي 170 مليار دولار بسعر السوق الحالي، تبدو في النظرة الأولى قطرة في محيط الاقتصاد الصيني العملاق. فالناتج المحلي الصيني يبلغ 18 تريليون دولار، واحتياطي العملات الأجنبية يتجاوز 3.2 تريليون دولار، والاستثمار السنوي في التعليم والصحة يقترب من تريليون دولار.
الخلاصة الرقمية تظهر مفارقة تستحق التأمل: الذهب يشكل 0.9% فقط من إجمالي احتياطيات الصين، و 0.0009% من ناتجها المحلي. هذه النسب الضئيلة تخفي حقيقة استراتيجية عميقة. فالذهب هنا ليس مجرد أصل مالي، بل هو بيان سياسي، تأمين ضد عاصفة قد تجتاح النظام المالي العالمي، تحوط ضد يوم قد تتحول فيه الأرقام الإلكترونية في بنوك نيويورك ولندن إلى أوهام رقمية. بكين تدرك أن القوة الاقتصادية الحقيقية لا تقاس بحجم التبادل التجاري فقط، بل بالقدرة على الصمود عندما تنقطع سبل التبادل.
الحكمة الاستراتيجية - لماذا 170 مليار دولار ذهب أهم من إنفاقها على التعليم؟
المعادلة التي تضعها القيادة الصينية على طاولة القرار تجسد الخيار بين السيادة والرفاهية، بين الأمن والرخاء. الصين تتعامل مع الذهب كتأمين استراتيجي ضد سيناريوهات كارثية قد تبدو خيالية اليوم لكنها واردة في عالم تتصاعد فيه التوترات. حرب العملات الأمريكية قد تدفع واشنطن إلى تجميد 3 تريليون دولار من احتياطيات الصين بالدولار، خطوة ستكون بمثابة ضربة قاضية لأي اقتصاد. عقوبات نظام سويفت قد تقطع الصين عن الشبكة المالية العالمية، معزولة إياها كما عزلت إيران من قبل. حصار بحري أمريكي قد يغلق طرق التجارة التي تعتمد عليها الصين للوصول إلى الأسواق والمواد الخام.
المعادلة الحسابية هنا واضحة: خسارة 170 مليار دولار في الذهب ممكنة نظرياً إذا انهار سعره، لكنها تبقى محدودة ومحسوبة. بينما خسارة 3 تريليون دولار من الاحتياطيات بالدولار ستكون كارثة وجودية، انهياراً اقتصادياً يهدد إنجازات عقود من النمو. التاريخ يعطي دروساً صارخة لا يمكن تجاهلها. إيران عام 2018 خسرت 100% من احتياطياتها بالدولار بسبب العقوبات الأمريكية، روسيا عام 2022 خسرت 300 مليار دولار من احتياطياتها المجمدة، والصين نفسها قد تواجه مصيراً مماثلاً إذا وصل التوتر مع أمريكا إلى نقطة اللاعودة.
لو انخفض الذهب... هل تخسر الصين حقاً؟
في تحليل السيناريو الأسوأ، لو انخفض سعر الذهب إلى 1,200 دولار للأونصة (نصف سعره الحالي)، ستواجه الصين خسارة ورقية تصل إلى 85 مليار دولار. لكن هذه الخسارة نظرية أكثر منها واقعية، لأن الصين لا تبيع ذهبها، بل تخزنه. الفرق جوهري: المستثمر العادي يشتري ويبيع حسب تقلبات السوق، لكن الدولة الاستراتيجية تشتري وتحتفظ بغض النظر عن التقلبات. الذهب هنا ليس سلعة للمضاربة، بل مخزون استراتيجي كالوقود في خزانات الطائرة. هل تعتبر شركات الطيران أن الوقود "أموال مجمدة"؟ كلا، إنه ضمان للبقاء إذا تعطلت محطات التزود على الأرض.
فلسفة التخزين الاستراتيجي هذه تمنح الصين مكاسب غير مباشرة قد تفوق قيمة الذهب نفسه. امتلاك مخزون ذهبي ضخم يمكن بكين من إقراض اليوان بضمان الذهب، خطوة تعزز مكانة العملة الصينية عالمياً. الذهب يعطي الصين ورقة تفاوض قوية مع صندوق النقد والبنك الدولي، حيث يمكنها تقديم نفسها كقوة مالية مستقلة لا تحتاج لشروط هاتين المؤسستين. وفي أي أزمة جيوسياسية، يمكن للذهب أن يكون وسيلة لكسر الحصار المالي، عملة بديلة عندما تفقد العملات الورقية قيمتها.
لو أنفقت الصين 170 مليار دولار على التعليم والطلب الداخلي...
النقاد قد يسألون: لماذا لا تحول الصين 170 مليار دولار من الذهب إلى استثمارات منتجة في التعليم والرعاية الصحية والطلب الداخلي؟ الإجابة تكمن في فهم حجم الاقتصاد الصيني وأولوياته. 170 مليار دولار تمثل 0.9% فقط من الناتج المحلي الصيني السنوي، قطرة في محيط الميزانيات الصينية. هذا المبلغ يمكنه بناء 20 جامعة عالمية المستوى، أو تمويل التأمين الصحي لمدة سنة واحدة، أو إنشاء 3 خطوط قطارات فائقة السرعة. استثمارات مهمة بلا شك، لكنها محدودة الأثر في اقتصاد بحجم الصين.
الحقيقة التي يجب فهمها هي أن الصين تنفق بالفعل مبالغ هائلة على التعليم والصحة: 650 مليار دولار سنوياً على التعليم، 450 مليار دولار على الصحة. هذه الأرقام تجعل من 170 مليار دولار إضافة محدودة. السؤال الحقيقي ليس لماذا لا تحول الصين الذهب إلى استثمارات اجتماعية، بل لماذا تعتبر أن 170 مليار دولار في الذهب تؤمن 3,200 مليار دولار في الاحتياطيات الأخرى. إنها معادلة التأمين: دفعة صغيرة تحمي رأس مال كبير.
المفاضلة الحقيقية التي تجريها بكين ليست بين الذهب والتنمية، بل بين شكلين من أشكال الاستثمار في المستقبل: استثمار في البنية التحتية البشرية والمادية من جهة، واستثمار في السيادة المالية والأمن الاقتصادي من جهة أخرى. والصين، بحكمتها المميزة، تختار الاثنين معاً.
الدرس الكبير - اقتصاد الحرب في مواجهة اقتصاد السلم
استراتيجية الصين الزمنية تعمل على ثلاثة أبعاد متوازية: المدى القصير الذي تركز فيه على تنمية الطلب الداخلي لتحقيق النمو المستدام، المدى المتوسط الذي تبني فيه احتياطيات ذهبية كضمان للأزمات، والمدى الطويل الذي تستعد فيه للتحول إلى عملة عالمية تنافس الدولار. هذه الأبعاد الثلاثة ليست متناقضة، بل مكملة لبعضها البعض في رؤية شاملة لصعود الصين.
التاريخ يقدم أمثلة عملية على نجاح هذه الاستراتيجية. بريطانيا في القرن التاسع عشر كانت تملك أكبر احتياطي ذهب في العالم، وفي نفس الوقت أنفقت على التعليم والصناعة بشكل غير مسبوق. النتيجة كانت هيمنة بريطانيا على العالم لمدة 100 عام. الدرس المستفاد هو أن الذهب والاستثمار في البشر ليسا متناقضين، بل يمكن أن يعملا معاً لبناء قوة شاملة.
الخطة الصينية المتوازنة تظهر هذا الجمع الواعي بين الأولويات المختلفة. الصين تبني أكبر نظام تعليمي في العالم (300 مليون طالب)، تنشئ أكبر نظام صحي في العالم (يغطي 95% من السكان)، وفي نفس الوقت تخزن أكبر احتياطي ذهب في العالم (رغم أن الرقم الحقيقي غير معلن بالكامل). هذه ليست سياسات متنافسة، بل استثمارات متكاملة في مستقبل الأمة: الاستثمار في العقول والأجساد من خلال التعليم والصحة، والاستثمار في السيادة والاستقلال من خلال الذهب.
الذهب ليس بديلاً عن التنمية، بل ضمان لها
الخطأ الشائع في تحليل السياسة الصينية هو اعتبار الذهب "مال مجمد" لا فائدة منه، إهمال لفرص استثمارية أفضل. لكن هذه النظرة تفتقد للبعد الاستراتيجي الذي تراه بكين. الذهب في الخزائن الصينية ليس مجرد سبائك صفراء، بل هو بوليصة تأمين لأمة كاملة ضد مخاطر ثلاثة: الاختناق المالي إذا قررت أمريكا تجميد احتياطيات الصين بالدولار، الحروب الاقتصادية التي تستخدم فيها العملة كسلاح، التبعية للنظام المالي الدولي الذي تهيمن عليه واشنطن.
الصين التي عانت من "قرن الإهانة" بين 1840 و1949، عندما كانت قوة ضعيفة تنهبها القوى الاستعمارية، تعلمت دروساً قاسية من التاريخ. بريطانيا احتلت هونغ كونغ بأسطولها البحري، اليابان غزت منشوريا بجيشها الحديث، واليوم قد تحاول أمريكا فرض إملاءاتها عبر هيمنة الدولار. الذهب هو الدرع الذي يمنع تكرار هذا التاريخ، الضمانة التي تجعل من الصعب تخويل الصين كما خُولت من قبل.
نعم، قد ينخفض سعر الذهب مؤقتاً، قد تتحمل الصين خسائر ورقية في بعض الفترات، لكن الاستقلال المالي الذي يوفره الذهب لا يقدر بثمن. الصين التي قادت 1.4 مليار إنسان من الفقر إلى الازدهار، تعرف كيف توازن بين تأمين الحاضر واستثمار المستقبل. تعرف أن الأمن الاقتصادي ليس رفاهية، بل شرط أساسي للتنمية المستدامة.
الخلاصة التي تصل إليها بكين هي أن الذهب ليس بديلاً عن التنمية، بل هو ضمان لها. ليس منافساً للاستثمار في التعليم والصحة والبنية التحتية، بل هو حامي لهذه الاستثمارات من عواصف السياسة الدولية. الذهب بالنسبة للصين ليس سبائك راكدة في خزائن مظلمة، بل هو قضبان سكك حديد غير مرئية تؤمن طريق الحرير الجديد، طريق الصين نحو القرن الحادي والعشرين. هو الجسر الذي يربط بين الماضي حيث كانت الصين ضعيفة، والحاضر حيث أصبحت قوية، والمستقبل حيث تريد أن تكون مستقلة.
في عالم تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية، وتتحول فيه الاقتصادات إلى ساحات معركة، والسياسات النقدية إلى أسلحة، يبقى الذهب ذلك الثابت التاريخي الذي شهد صعود إمبراطوريات وسقوط أخرى. والصين، في سعيها لاستعادة مكانتها كمركز للحضارة العالمية، تدرك أن القوة الحقيقية لا تقاس فقط بما تملكه اليوم، بل بما تستطيع حمايته غداً. والذهب، في هذه المعادلة المعقدة، هو تأمين على المستقبل، ضمان ضد المجهول، واستمرارية للحلم الصيني في عالم لا يخلو من المخاطر. …….
المادة الساخرة
الذهب الصيني: عندما تتحول السبائك إلى وسادة نفسية للأمة
(مقدمة على نغمات "ذهب مع الريح" لكن بإيقاع يوان صيني)
سيداتي وسادتي! اضبطوا ساعاتكم على التوقيت الصيني، حيث تحولت كتل الذهب الصفراء من مجرد معدن ثمين إلى "بطانية أمان" لوطن بكامله! نقدم لكم: الصين والذهب - قصة حب عمرها خمسة آلاف سنة، عادت اليوم بأبهى حُلَلها الرقمية!
---
الفصل الأول: الأرقام التي تجعل المحاسبين يبكون
لنبدأ بأرقام تذهل العقل وتُربك الآلة الحاسبة:
الصين تملك رسمياً 2,235 طناً من الذهب... لكنها في السر (أي في الخزائن السرية تحت سور الصين) تملك 5,000 طن! لماذا هذا السر؟ لأن الاعتراف بالرقم الحقيقي سيجعل وول ستريت تطلب استراحة نفسية!
المفارقة الكوميدية:
· قيمة هذا الذهب: 170 مليار دولار (تقريباً، إذا لم يسرقه أحد ليلاً!) · الناتج المحلي الصيني: 18 تريليون دولار (يافطة: "مغلق للصيانة بسبب الحرب التجارية") · احتياطي العملات: 3.2 تريليون دولار (موجود في بنوك... قد تجمدها أمريكا غداً!)
الحسبة السحرية: الذهب = 0.9% من الاحتياطيات! التفسير الصيني:"هذا ليس ذهباً... هذا تأمين على حياتنا الاقتصادية! ومثل كل التأمينات، تأمل ألا تضطر لاستخدامه أبداً!"
---
الفصل الثاني: لماذا تفضل الصين الذهب على جامعة هارفارد جديدة؟
المعادلة الوجودية الصينية:
· 170 مليار دولار في الذهب = "وسادة نوم ناعمة" للأمة · 170 مليار دولار في التعليم = "20 جامعة جديدة... قد تغلقها أمريكا غداً!"
السيناريو الكابوسي الذي تتحوط منه الصين:
1. أمريكا تستيقظ غاضبة: "تجميد كل دولارات الصين!" 2. نظام سويفت يقول: "عذراً، الصين... أنتِ خارج اللعبة!" 3. الأسطول الأمريكي يحاصر الصين: "لا شحنات اليوم!"
الرد الصيني الذهبي: "حسناً... عندنا ذهب! نستطيع الشراء به! نستطيع الأكل به... انتظر، لا نستطيع أكل الذهب! لكننا نستطيع التجارة به!"
التاريخ يعطي دروساً مجانية:
· إيران 2018: خسرت كل دولاراتها! "الدرس: لا تضع كل بيضك في سلة أمريكا!" · روسيا 2022: خسرت 300 مليار دولار! "الدرس: أمريكا تستطيع تجميد أموالك وأنت تشاهد!" · الصين 2025: "الدرس: اشترِ ذهباً قبل فوات الأوان!"
---
الفصل الثالث: ماذا لو انخفض سعر الذهب؟
السيناريو الكارثي: الذهب ينخفض إلى 1,200 دولار! خسارة الصين:85 مليار دولار! رد الصين:"وماذا في ذلك؟ نحن لا نبيعه! نحن نعتبره... أثاثاً منزلياً فاخراً!"
فلسفة التخزين الاستراتيجي الصينية: "الذهب مثل خزانات الوقود في الطائرة:قد لا تستخدمها كل رحلة، لكنك تفرح بوجودها عندما تتعطل محركاتك فوق المحيط!"
المكاسب غير المباشرة:
1. الصين تقرض اليوان بضمان الذهب: "خُذ هذا اليوان... وإذا شككت بقيمته، هاهو الذهب!" 2. في صندوق النقد الدولي: "نريد صوتاً أكبر... وهذه هديتنا من الذهب!" 3. عند الحصار: "عذراً أيها الحصار، الذهب لا يحتاج تأشيرة!"
---
الفصل الرابع: التعليم أم الذهب؟ السؤال الخطأ!
النقاد يقولون: "لماذا لا تبنون جامعات بدلاً من شراء ذهب؟" الصين تجيب:"لماذا لا نسأل: لماذا لا نستطيع فعل الاثنين؟"
الأرقام الترفيهية:
· 170 مليار دولار في التعليم = 20 جامعة عالمية · لكن الصين تنفق بالفعل 650 مليار دولار على التعليم سنوياً! · إذن الـ170 مليار = مجرد "مصروف جيب" للمشروع التعليمي!
المفارقة: الصين تبني جامعة جديدة كل أسبوع... وتشتري ذهباً كل يوم! "لماذا؟لأن الجامعات تبنى بالأيدي، لكنها قد تُدمر بقرار أمريكي! والذهب... يبقى ذهباً!"
الميزانيات السنوية:
· التعليم: 650 مليار دولار ("لصنع العقول") · الصحة: 450 مليار دولار ("لحماية الأجساد") · الذهب: 170 مليار ("لحماية كل ما سبق من أمريكا!")
استراتيجية الزمني - أو فن عمل كل شيء في آن واحد
الصين تلعب لعبة "الشطرنج ثلاثي الأبعاد":
· البعد الأول (قصير المدى): تنمية الطلب الداخلي ("ليشتري الصينيون منتجات صينية!") · البعد الثاني (متوسط المدى): شراء الذهب ("لننام مطمئنين!") · البعد الثالث (طويل المدى): تحويل اليوان لعملة عالمية ("لتقول لأمريكا: وداعاً!")
الدرس التاريخي المضحك: بريطانيا القرن 19:"لدينا ذهب... ولدينا جامعات... ولدينا إمبراطورية!" الصين القرن 21:"لدينا ذهب... ولدينا جامعات... ولدينا... طموح!"
الخطة الصينية المتوازنة:
· أكبر نظام تعليمي في العالم ✓ (300 مليون طالب يتعلمون... كيف يشترون ذهباً!) · أكبر نظام صحي في العالم ✓ (95% من السكان مؤمنون... على ذهب الأمة!) · أكبر احتياطي ذهب في العالم ✓ (سري... لأننا خجولون!)
الذهب ليس معدن... إنه علاج نفسي جماعي
الخطأ الغربي الشائع: "الذهب مال مجمد!" الرد الصيني:"بل هو مال... مجمد عمداً! مثل تلك الأطعمة المجمدة التي تحفظها للطوارئ!"
الحقيقة الاستراتيجية المضحكة: الذهب هو"بوليصة تأمين" ضد:
1. جنون أمريكا: "إذا قررت تجميد أموالنا..." 2. غضب سويفت: "إذا قرر قطع خدمتنا..." 3. مزاج الأسطول الأمريكي: "إذا قرر اللعب في بحر الصين..."
الصين التي عانت من "قرن الإهانة" تذكر:
· بريطانيا احتلت هونغ كونغ: "كانت تريد الذهب!" · اليابان غزت منشوريا: "كانت تريد الذهب!" · أمريكا اليوم: "تريد... تجميد ذهبنا الرقمي!"
الذهب هو الدرع: "جرب أن تجمد سبيكة ذهب! مستحيل! لكن تجميد دولار... سهل!"
نعم، قد ينخفض سعر الذهب... لكن: "الأمن النفسي الذي يقدمه لا ينخفض!مجرد معرفة أن الذهب موجود... تجعل الرئيس الصيني ينام بهدوء!"
الخلاصة الكوميدية: الذهب بالنسبة للصين ليس قضباناًفي خزائن... بل هو:
· وسادة نفسية للأمة · بطانية أمان اقتصادي · رادع ضد الجنون الأمريكي · وأخيراً... مجرد عادة قديمة عمرها 5000 سنة!
المشهد الأخير: الرئيس الصيني يزور الخزينة،يلمس سبيكة ذهب، ويقول: "لا تقلقوا... نحن لا نبيع... نحن فقط... نتأمل!" والمحاسب يهمس:"يا سيدي، الذهب انخفض 5% اليوم!" فيجيب الرئيس:"لا يهم... قيمته الحقيقية ليما يقدمه من طمأنينة... وليس في ما يكسبه من أرباح!"
الستارة تسقط على أمة تجمع بين البراغماتية والعاطفة، بين الحسابات الباردة والأحلام الدافئة... كل هذا في معدن أصفر عمره آلاف السنين، يكتسب اليوم معنى جديداً: ليس ثروة... بل ضمان للكرامة!
........
المعضلة الصينية - بين براغماتية الاقتصاد و المصلحة الاستراتيجية
تلتقي حكمة الكونفوشيوسية ببراغماتية الدولة " الشيوعية " الحديثة، في دهاليز بكين الدبلوماسية،هناك حيث يجلس صناع القرار الصينيون أمام لوحة شطرنج جيوسياسية معقدة. كل حركة تحسب بميزانين: ميزان المصالح الاقتصادية الآنية، وميزان الأمن الاستراتيجي البعيد. هذه ليست مجرد لعبة دبلوماسية، بل هي معادلة وجودية لأمة تطمح لاستعادة مكانتها التاريخية كمركز للعالم، في لحظة تاريخية حيث تتزعزع أركان النظام الدولي القائم. الصين اليوم ليست مجرد دولة، بل هي مشروع حضاري يبحث عن مساره في عالم تتصادم فيه القوى العظمى، وتحاول أن تبني جسراً بين المصلحة والمبدأ، بين الاقتصاد والأمن، بين الحاضر والمستقبل.
المفارقة الصينية - اقتصاد مع الغرب، أمن ضد الغرب
تقف الصين أمام تناقض يختصر مأزق القوى الصاعدة في نظام عالمي لم تصمم له. من ناحية، تمثل التجارة مع الغرب شريان الحياة للاقتصاد الصيني: خمسة وثلاثون بالمئة من صادرات الصين تذهب إلى أمريكا والاتحاد الأوروبي، بما يعادل 1.2 تريليون دولار، أرقام ليست مجرد إحصائيات، بل هي ملايين الوظائف، آلاف المصانع، وعشرات المدن التي بنيت على هذا التبادل التجاري. هذه العلاقة الاقتصادية المتشابكة تشبه زواج مصلحة لا تستطيع فيه الصين الطلاق دون دفع ثمن باهظ.
لكن من الناحية الأخرى، يشكل الغرب التهديد الاستراتيجي الأكبر للصين. حصار تكنولوجي يمنع نقل التقنيات المتقدمة، تحريض متواصل في تايوان التي تعتبرها بكين جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، تدخل في بحر الصين الجنوبي الذي تراه الصين بحيرة داخلية. الغرب لا يخفي أن صعود الصين يمثل تحدياً لهيمنته، وأن احتواء هذا الصعود أصبح سياسة رسمية في واشنطن وبروكسل.
هنا تكمن المعادلة المستحيلة ظاهرياً: كيف تدعم الصين روسيا في مواجهتها للناتو دون أن تخسر السوق الأوروبية والأمريكية؟ كيف تكون شريكاً استراتيجياً لموسكو في حربها مع الغرب، بينما تبقى شريكاً تجارياً لذلك الغرب نفسه؟ الحسابات الاقتصادية الصارمة لا تترك مجالاً للشك: التجارة مع روسيا تبلغ 240 مليار دولار عام 2024، مما يشكل 3.5% فقط من التجارة الخارجية الصينية. بينما التجارة مع دول الناتو تصل إلى 3.4 تريليون دولار، أي خمسين بالمئة من تجارة الصين الكلية. الرياضيات واضحة: خسارة روسيا قد تسبب أزمة، لكن خسارة الناتو تعني انهياراً اقتصادياً.
لماذا الوقوف مع روسيا مصلحة استراتيجية للصين؟
لكن الأمن الاستراتيجي لا يحسب بنفس معادلات الاقتصاد. روسيا تمثل للصين درعاً غربياً لا يمكن الاستغناء عنه. السيناريو المرعب الذي يقلق مخططي بكين هو انهيار روسيا، لأنه سيفتح الباب أمام تركيز الناتو الكامل على الصين. بدون روسيا كقوة موازنة، سيجد الناتو نفسه حراً لفرض حصار كامل على الصين من جميع الجهات: من الشرق عبر اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، من الغرب عبر دول أوروبا الشرقية في آسيا الوسطى، من الجنوب عبر تحالفات مع الهند وأستراليا. الصين ستجد نفسها محاصرة في بحر من القواعد العسكرية الأمريكية وحلفائها.
التاريخ يعطي دروساً واضحة لا يمكن تجاهلها. عندما انهار الاتحاد السوفيتي عام 1991، تحول الغرب فوراً لاستهداف الصين. حادثة سفينة ينهاي عام 1993، حيث أوقفت البحرية الأمريكية سفينة شحن صينية وفتشتها بالقوة. قصف سفارة الصين في بلغراد عام 1999 بقنابل أمريكية. حادثة طائرة التجسس عام 2001، حيث اصطدمت طائرة صينية بمقاتلة أمريكية. هذه الأحداث لم تكن صدفة، بل كانت إشارات واضحة: عندما يختفي المنافس الاستراتيجي، يصبح الصديق الاقتصادي التالي على قائمة الأهداف. الحقيقة التي استوعبتها بكين هي أن روسيا القوية تعني صيناً آمنة، لأن موارد الغرب العسكرية والدبلوماسية تبقى منشغلة بمواجهة موسكو.
المصالح التكنولوجية والعسكرية تضيف طبقة أخرى من الاعتماد المتبادل. التعاون العسكري بين الصين وروسيا يتجاوز صفقات الأسلحة إلى نقل تقنيات متقدمة مثل صواريخ S-400 وأنظمة الدفاع الجوي. الطاقة الآمنة عبر خطوط أنابيب النفط والغاز التي تمر عبر أراضٍ بعيدة عن سيطرة الناتو توفر للصين مصدراً حيوياً لا يمكن تقييده بعقوبات غربية. التكامل الصناعي بين المواد الخام الروسية والقدرة التصنيعية الصينية يخلق تعاوناً يخدم مصلحة الطرفين.
حكمة الصين - فن المساعدة من غير تعريض النفس للخطر
لكن الصين ليست مستعدة لدفع ثمن التحالف مع روسيا. حكمتها تكمن في فن المساعدة غير المباشرة، في تقديم الدعم دون الظهور كمحارب مباشر. التجارة الاستراتيجية تقدم نموذجاً لهذا النهج: شراء النفط والغاز الروسي باليوان لا بالدولار، مما يعزز العملة الصينية ويوفر للروس بديلاً عن النظام المالي الغربي. قطع الغيار والمكونات الصناعية والعسكرية تصل إلى روسيا عبر دول ثالثة، سلسلة معقدة من التحويلات تخفي اليد الصينية. الدبلوماسية الذكية تظهر في التصويت المحايد في الأمم المتحدة، مع تعطيل القرارات المعادية لروسيا عبر آليات مختلفة، دون اتخاذ موقف علني صريح.
مبدأ "المنفعة المتبادلة" يوضح الفلسفة الصينية: هذا ليس دعم أخلاقي أو أيديولوجي، بل حساب براغماتي بحت. روسيا تستهلك موارد الناتو العسكرية والمالية، مما يخفف الضغط على الصين. روسيا تكسر هيبة الناتو التي لا تهزم، مما يقلل من مخاوف دول آسيا من الانحياز الكامل للغرب. روسيا تختبر أسلحة الناتو وتكتيكاته، مما يوفر للجيش الصيني معلومات قيمة عن نقاط القوة والضعف في القدرات الغربية.
لعبة التوازن التي تمارسها الصين دقيقة للغاية: تقديم ما يكفي لروسيا للبقاء، ولكن ليس ما يكفي للانتصار. المطلوب هو أن تبقى روسيا قوية بما يكفي لاستنزاف الناتو، لاستهلاك موارده، لإبقائه منشغلاً في الجبهة الأوروبية. غير المطلوب هو أن تنتصر روسيا سريعاً، لأن انتصارها المبكر سيحرر الناتو ليتفرغ للصين. إنها معادلة دقيقة: إبقاء الحرب مستمرة بما يكفي لإضعاف الغرب، ولكن ليس بما يكفي لدفع الغرب لمواجهة مباشرة مع الصين.
السيناريوهات المستقبلية والاختيار الصيني
أمام الصين ثلاثة سيناريوهات رئيسية، كل منها يحمل مخاطر ومكاسب مختلفة. السيناريو الأول هو ترك روسيا تسقط، وهو ما تعتبره بكين كارثة استراتيجية. لو ضعفت روسيا وانتصب الناتو، سيشهد عام 2025 بداية توسع الناتو نحو آسيا الوسطى، يليه عام 2026 حصار صيني كامل من اليابان وتايوان والهند وأستراليا وآسيا الوسطى، لينتهي عام 2028 بأزمة تايوان تتفجر والغرب يدعم الاستقلال علناً. هذا المسار يعني نهاية الحلم الصيني بالعودة كقوة عظمى.
السيناريو الثاني هو دعم روسيا بقوة وعلانية، وهو سيناريو المخاطرة الكبرى. المكاسب قد تكون كبيرة: انتصار روسيا، انهيار هيبة الناتو، ضربة قوية للهيمنة الغربية. لكن المخاطر أكبر: عقوبات غربية شاملة على الصين، فقدان نصف الصادرات، بطالة جماعية، اضطرابات اجتماعية. هذا الثمن الاقتصادي قد يهدد الاستقرار الداخلي وشرعية الحزب الشيوعي الصيني.
السيناريو الثالث، وهو الأرجح، هو الاستمرار في الدعم الذكي الحالي. مبدؤه "إطالة أمد الحرب دون توسعها"، طريقته إبقاء روسيا قادرة على القتال لمدة خمس إلى عشر سنوات إضافية، هدفه استنزاف الناتو حتى يصبح غير قادر على مواجهة الصين. هذا السيناريو يشتري للصين الوقت الذي تحتاجه: الوقت لبناء قوتها التكنولوجية، تعزيز عملتها، تطوير جيشها، وتوحيد تحالفاتها.
الحسابات الداخلية - ماذا يريد الشعب والحزب الصيني؟
لكن القرار الصيني لا يتخذ في فراغ استراتيجي بحت، بل في إطار أولويات داخلية ملحة. أولوية التنمية تبقى الشعار المركزي للحزب الشيوعي الصيني، لأن أي تهديد للنمو الاقتصادي يهدد شرعيته. مئات الملايين من الصينيين خرجوا من الفقر خلال العقود الماضية، وهذا الإنجاز هو العمود الفقري لشرعية النظام. المعادلة واضحة: دعم روسيا يجب ألا يكلف أكثر من اثنين إلى ثلاثة بالمئة من النمو السنوي، لأن تجاوز هذه النسبة قد يخلق بطالة واضطرابات.
التحدي الديموغرافي يضيف ضغطاً إضافياً. شيخوخة السكان تعني أن ثلاثمئة مليون صيني سيكونون متقاعدين بحلول عام 2035، مما يتطلب اقتصاداً قوياً لدفع المعاشات وتوفير الرعاية الصحية. العقوبات الغربية الشاملة قد تؤخر الصين عن بناء نظام الضمان الاجتماعي الذي تحتاجه لمواجهة هذه الشيخوخة، مما يهدد الاستقرار الاجتماعي في وقت حرج.
الطموح القومي "الحلم الصيني" يضع أهدافاً واضحة بحلول عام 2049: العودة كقوة عظمى، توحيد تايوان، استعادة المكانة العالمية، قيادة التكنولوجيا العالمية. روسيا في هذه المعادلة ليست غاية بذاتها، بل وسيلة لتحقيق هذه الأهداف. إنها الحليف الذي يمكنه إبقاء الغرب منشغلاً بينما تبني الصين قوتها، الشريك الذي يوفر الطاقة والأمن بينما تركز الصين على التطور التكنولوجي.
الصين بين المطرقة والسندان
الحقيقة المرة التي تواجهها الصين هي أنها ليست حرة في اختيار موقفها من روسيا، بل هي مرغمة على اختيار أقل الخيارين سوءاً. الخيار السيء هو التخلي عن روسيا، مما يعني انهياراً استراتيجياً وتعرض الصين لحصار غربي كامل. الخيار الأسوأ هو دعم روسيا علناً بقوة، مما يعني انهياراً اقتصادياً تحت وطأة العقوبات الغربية. بين هذين الخيارين، تبحث الصين عن طريق وسط.
الحل الصيني الوسطي يمكن تسميته "التضامن الهادئ مع موسكو، والانفتاح الصاخب على بروكسل وواشنطن". هو محاولة للحفاظ على العلاقة التجارية مع الغرب بينما تدعم روسيا في الخفاء، هو رقصة دبلوماسية معقدة تحاول فيها الصين أن تكون في المعسكرين دون أن تنتمي لأي منهما تماماً.
الصين تلعب لعبة الزمكان الجيوسياسي: في المكان، تدعم روسيا من خلال حلفاء مشتركين في آسيا الوسطى، كوريا الشمالية، إيران، شبكة من العلاقات تخفي الدور الصيني المباشر. في الزمان، تحاول إطالة أمد الحرب حتى يصل الغرب للإرهاق الاقتصادي والسياسي، حتى تفقد المجتمعات الأوروبية والأمريكية الإرادة لمواصلة الدعم، حتى يصبح الثمن الداخلي للحرب أعلى من المكاسب الخارجية.
الرؤية النهائية التي تهدف إليها الصين واضحة: هي لا تريد انتصار روسيا ولا هزيمتها، بل تريد حرب استنزاف طويلة تنهك الغرب، تعطي الصين عشر سنوات إضافية لبناء قوتها، وعندها، ستكون الصين قوية بما يكفي لمواجهة الناتو بدون روسيا، قادرة على حماية مصالحها، تحقيق أهدافها القومية، والوقوف كقوة عظمى حقيقية في نظام عالمي جديد.
هذه ليست أخلاقيات أو مبادئ، بل حسابات باردة لدولة تريد البقاء والازدهار في عالم لا يرحم الضعفاء، عالم تحكمه قوانين القوة والمصلحة، عالم تتعثر فيه الأحلام العظيمة على صخور الواقع القاسي. الصين تتعلم من التاريخ أن الأمم التي تضع المشاعر فوق المصالح، والمبادئ فوق البراغماتية، غالباً ما تجد نفسها ضحية للأمم التي تفعل العكس. وفي هذا الدرس القاسي تكمن حكمة القيادة الصينية، وحساباتها المعقدة، وخياراتها الصعبة في عالم تتصارع فيه العمالقة، ويعيش الصغار على هامش التاريخ.
……….
المادة الساخرة :
الملهاة الجيوسياسية: التنين الذي يحاول الرقص على حبلين
(مشهد الافتتاح: في مكتب بكين، حيث تجتمع الحكمة القديمة مع الآلة الحاسبة الحديثة)
سيداتي سادتي! تقدم لكم الصين العرض الأكثر إثارة في القرن الحادي والعشرين: "كيف تكون أفضل صديق وألد عدو في نفس الوقت؟" شاهدوا التنين العظيم وهو يحاول احتضان الدب الروسي بيد، ومصافحة النسر الأمريكي باليد الأخرى، دون أن يقع على وجهه!
الحب والكراهية - العلاقة التي تشبه زواج المتعة
تخيلوا معي هذه العلاقة العاطفية المعقدة:
الصين تقول لأمريكا: "عزيزتي... أشتري منك 1.2 تريليون دولار بضائع سنوياً! أنتِ سوقي المفضل!" وفي نفس الليلة،تكتب في مذكراتها السرية: "هذه السيدة تريد تدميري! تحاصرني تكنولوجياً! تعبث بتايوان! تتدخل في بحري الجنوبي!"
ثم تلتفت لروسيا وتهمس: "يا حبيبي الدب... أنت درعي الواقي!" لكنها تتحقق من حساباتها: "الدرع يكلفني 240 مليار دولار... بينما العدوة تمنحني 3.4 تريليون! يا للهول!"
الحسابات الرياضية الصينية العبقرية:
· روسيا = 3.5% من تجارتي = "حبي الصغير" · الناتو = 50% من تجارتي = "عدوتي الكبيرة" · المعادلة: أحتضن الحب الصغير... لأحمي نفسي من الكراهية الكبيرة!
المفارقة: الصين تخشى أن تكسب الحرب كثيراً! لأن النصر الروسي السريع سيحرر أمريكا... لتهجم على الصين! إنها تريد حرباً "بالجرعة المناسبة": طويلة بما يكفي لإرهاق الغرب، قصيرة بما يكفي ألا تدمر روسيا!
روسيا - الدرع الباهظ الثمن
روسيا بالنسبة للصين ليست حليفاً... بل "حاجز أمان" جيوسياسي! مثل تلك الوسادة الهوائية في السيارة: تأمل ألا تضطر لاستخدامها أبداً، لكنك تفرح بوجودها عندما تقترب من الحادث!
السيناريو الكابوسي: لو سقطت روسيا، ستجد الصين نفسها في حفلة... حيث كل المدعوين يعادونها!
· الشرق: اليابان تبتسم بخبث، كوريا الجنوبية تلمع أسنتها، تايوان ترقص على الطاولة! · الغرب: دول أوروبا الشرقية تنتقل من موسكو إلى بكين بالكره! · الجنوب: الهند ترفع كأساً نخباً لسقوط الصين، أستراليا تشوي حيوان الكوالا على شرف المناسبة!
التاريخ يعطي نصائح مجانية: عندما سقط الاتحاد السوفيتي عام 1991، قال الغرب: "الآن دور الصين!"
· 1993: أمريكا تفتش سفينة صينية... "بحثاً عن أسلحة دمار شامل... أو ربما بضائع مخفضة السعر!" · 1999: قصف السفارة الصينية... "خطأ في الخريطة! كنا نظنها مصنع ألعاب!" · 2001: اصطدام طائرة... "كانت تحلق في مجالنا الجوي... بطريقة خاطئة!"
الدرس المستفاد: "حافظ على عدوك... كي لا يصبح صديقك عدوك التالي!"
فن المساعدة الخجولة
الصين أتقنت فن "المساعدة من تحت الطاولة":
1. التجارة باليوان: تشتري النفط الروسي بعملتها... وكأنها تقول: "خذ هذه الأوراق الملونة... وانسَ الدولار!" 2. قطع الغيار عبر دول ثالثة: "هذه القطعة صنعت في فيتنام... ثم مرت بلاوس... ثم كازاخستان... وبالصدفة وصلت لروسيا!" 3. الدبلوماسية الذكية: في الأمم المتحدة تصوت بـ"لا"... ثم بـ"نعم"... ثم "ربما"... ثم تطلب استراحة!
فلسفة المنفعة المتبادلة:
· روسيا تستهلك صواريخ الناتو = الناتو لا يرسل صواريخ للصين · روسيا تكسر سمعة الناتو = دول آسيا تفكر: "ربما الناتو ليس رائعاً لهذه الدرجة!" · روسيا تختبر أسلحة الناتو = الصين تدون الملاحظات: "آه! هذا السلاح ضعيف هنا!"
لعبة التوازن الدقيقة: الصين تقدم لروسيا"الكفاية للبقاء، لا الكفاية للانتصار"! كأنها تعطي لماراثوني زجاجة ماء...بحجم يسمح له بالاستمرار، لكن ليس بالفوز!
السيناريوهات - بين سيئ وأسوأ
السيناريو الأول: ترك روسيا تسقط (كوميديا سوداء)
· 2025: روسيا تنهار، الناتو يحتفل... ثم ينظر للصين: "الآن دورك!" · 2026: الناتو يحيط بالصين: "مرحباً بك في الحفلة... أنت الضيفة الشرف!" · 2027: تايوان تعلن الاستقلال... بدعم غربي: "مفاجأة!" · 2028: الصين تكتشف أنها الوحيدة في الحفلة... التي لم تدعها أحد!
السيناريو الثاني: دعم روسيا بقوة (تراجيديا مكلفة)
· الناتو: "عقوبات على الصين!" · الصين: "لكن... تجارتنا!" · الناتو: "وداعاً 3.4 تريليون دولار!" · الصين: "يا لخسارتي! سأعود لبيع الألعاب البلاستيكية!"
السيناريو الثالث: الدعم الذكي (كوميديا البقاء)
· المبدأ: "حرب طويلة... لكن ليست طويلة جداً!" · الهدف: أن يتعب الناتو قبل أن تتعب روسيا! · النهاية: الناتو يقول: "مللنا!" والصين تقول: "الحمدلله!"
ماذا يريد الشعب الصيني؟ الإجابة: كل شيء!
المواطن الصيني العادي يقول: "أريد وظيفة...في مصنع يصدر لأمريكا! وأريد ألا تهاجمني أمريكا! وأريد تقاعداًمريحاً... عندما أصبح عجوزاً بعد 10 سنوات! وأريد تايوان تعود...لكن دون حرب! وأريد أن نكون أقوى دولة...لكن دون أن نغضب أحداً!"
الشعار الرسمي: "التنمية أولاً!" الترجمة:"نعم للحرب... لكن إن كلفت أقل من 3% من نمونا!"
التحدي الديموغرافي: 300 مليون متقاعد بحلول 2035! المعضلة:"إذا دعمنا روسيا بشدة، العقوبات ستجعلنا لا نستطيع دفع معاشات المتقاعدين! والمتقاعدون الغاضبون...أسوأ من الناتو!"
الحلم الصيني 2049:
· توحيد تايوان ✓ (بشرط: دون حرب!) · قيادة التكنولوجيا العالمية ✓ (بشرط: دون سرقة واضحة!) · مركز العالم ✓ (بشرط: دون منافسين أغضبناهم!)
الخاتمة: رقصة التنين على الجليد الرقيق
الصين تقدم أروع عروض الرقص الجيوسياسي:
· الخطوة الأولى: دعم روسيا... لكن بنعومة! · الخطوة الثانية: تجارة مع الغرب... لكن بحذر! · الخطوة الثالثة: الدوران في المكان... حتى يتعب الجميع!
المفارقة النهائية: الصين تفضل "الحرب الأبدية" بين روسيا والناتو! لماذا؟لأن السلام يعني أن الناتو سينظر للشرق... وهنا تبدأ المشاكل!
الحل الصيني العبقري: "دع الدب والنسر يتصارعان...بينما التنين يبني عشه!"
المشهد الأخير:
· روسيا تقاتل: "أين الصين؟" · الناتو يتساءل: "أين الصين؟" · والصين تجلس في المنتصف تقول: "أنا هنا... وأنا هناك... وأنا في كل مكان... وأنا في لا مكان!"
الستارة تسقط على أكبر لاعب في العالم... يحاول أن يكون متفرجاً ومشاركاً في نفس الوقت! والسؤال: إلى متى يمكن الرقص على حبلين فوق نارين؟ الزمن وحده كفيل بالإجابة... لكن التنين يعرف أن السقوط يعني إما في أحضان الدب... أو في مخالب النسر! والخيار الثالث؟ الاستمرار في الرقص... حتى تنكسر الحبال، أو تتعبت الأقدام، أو قرر أحد المتفرجين هز الحبل!
........
إمكانية التحول الشيوعي في أوروبا - بين الواقع والخيال
تتدلى صور الآباء المؤسسين للاتحاد الأوروبي، في قاعات البرلمانات الأوروبية المهيبة، ومن هذا الحيز المكاني يتردد صدى أسئلة وجودية تكسر الصمت الدبلوماسي. هل يمكن للقارة التي شهدت صعود الرأسمالية الحديثة أن تشهد تحولاً جذرياً نحو نموذج اقتصادي كان يُعتقد أنه دفن في ركام جدار برلين؟ أوروبا اليوم تقف أمام مرآة التاريخ، ترى فيها صورتين متداخلتين: صورة القارة العجوز المتعبة من أوهام الليبرالية المتوحدة، وصورة شبح شيوعي يعود من الماضي ليطرق أبواب المستقبل.
أوروبا بين فشلين - الرأسمالية المتوحدة والفاشية الوهمية
الرأسمالية الأوروبية في مرحلتها المتأخرة تشبه لاعباً مسنّاً يصر على المشاركة في ماراثون، كل عضلة في جسده تئن تحت وطأة السنين، لكن كبرياؤه يمنعه من الاعتراف بالهزيمة. هذه الرأسمالية لم تعد ذلك النظام الحيوي الذي وعد بالرخاء للجميع، بل تحولت إلى آلة لاستخلاص القيمة حتى من الهواء الذي نتنفسه. خصخصة الماء، ذلك العنصر الأساسي للحياة، لم يعد مجرد نظرية اقتصادية متطرفة، بل واقعاً في بعض المدن الأوروبية حيث تتحكم الشركات متعددة الجنسيات في قطرات المطر التي تسقط من السماء.
النتائج الكارثية لهذا المسار تظهر في أرقام صادمة: عشرة بالمئة من السكان يمتلكون تسعين بالمئة من الثروة، ليس كإحصائية مجردة، بل كحقيقة يومية تشق المجتمعات. شباب في إسبانيا واليونان يعانون من بطالة تصل إلى خمسة وعشرين بالمئة، يحملون شهادات جامعية كأوراق نقدية من عصر مضى. نظام صحي كان يُضرب به المثل ينهار تحت وطأة التمويل الناقص، وتعليم يتحول من حق أساسي إلى سلعة تباع لأعلى المزايدين. المستشفيات التي كانت ملاذاً للفقراء والأغنياء على حد سواء أصبحت متاجر تقدم الخدمة حسب القدرة على الدفع.
في هذا الفراغ الهائل، تظهر الفاشية كمسكن وهمي، تقدم وعوداً كاذبة كالسحر الأسود. أحزاب اليمين المتطرف تلاعب بمشاعر الجماهير بخبرة مأساوية: ميلوني في إيطاليا يرفع شعار معاداة المهاجرين بينما يوقع صفقات تبيع فيها بلاده للصين قطعة قطعة. لوبان في فرنسا تتحدث عن السيادة الوطنية بينما تدعم سياسات الناتو التي تجرد فرنسا من سيادتها الحقيقية. حزب البديل لألمانيا يرفع شعار الوطنية بينما يخدم مصالح واشنطن في قلب أوروبا. الحقيقة المرة أن هذه الفاشية الجديدة ليست بديلاً حقيقياً، بل مجرد صمام أمان للنظام القائم، طريقة لتحويل الغضب الشعبي من النظام نفسه إلى كبش فداء سهلة: المهاجر، المسلم، المختلف.
إمكانية عودة الشيوعية - العوامل المؤيدة
لكن في ظل هذا الإفلاس المزدوج، تبرز إمكانية قد تبدو مستحيلة: عودة الشيوعية. ليست كعودة شبح من الماضي، بل كفكرة جديدة ترتدي ثياب العصر. الظروف الموضوعية ناضجة بشكل لم تشهده أوروبا منذ ثلاثينيات القرن الماضي. التفاوت الطبقي وصل إلى مستويات سوريالية: في ألمانيا، مديرو شركات داكس يكسبون في يوم واحد ما يكسبه العامل في عام كامل. في فرنسا، سبعة ملايين إنسان يعيشون تحت خط الفقر في بلد كان يسمى ذات يوم "نموذج الرفاهية الأوروبي".
انهيار الطبقة الوسطى يشكل نقطة تحول تاريخية. هذه الطبقة التي كانت تمثل خمسة وستين بالمئة من المجتمع، وتعتبر عماد الاستقرار الأوروبي، انخفضت إلى خمسة وأربعين بالمئة وتستمر في الانخفاض. الأطباء الذين كانوا من أركان البرجوازية المحلية أصبحوا يعملون بصفوف مؤقتة، المعلمون الذين كانوا سادة في فصولهم أصبحوا يعانون من انخفاض الدخل الحقيقي، المهندسون الذين بنوا أوروبا الحديثة يعانون من عدم الاستقرار الوظيفي. تحول هذه الفئات إلى بروليتاريا جديدة، تحمل في يدها معرفة متخصصة وفي قلبها غضباً متراكماً.
الإرث التاريخي الحي يلعب دوراً خفياً لكنه حاسم. الذاكرة الأوروبية تحمل في طياتها قصص المقاومة الشيوعية ضد النازية، حيث كان الشيوعيون الفرنسيون والإيطاليون واليونانيون في الصفوف الأمامية لمقاومة الفاشية. دولة الرفاهية التي يعتز بها الأوروبيون لم تبنها الرأسماليون، بل بناها اشتراكيون بعد الحرب كتسوية تاريخية بين العمل ورأس المال. النقابات العمالية القوية في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا تحمل في تراثها نضالاً طبقياً تم تهميشه لكنه لم يمت.
جيل الألفية يضيف عنصراً جديداً للمعادلة. هذا الجيل الذي لم يعش الحرب الباردة، لا يخاف من "شبح الشيوعية" الذي روّجت له الدعاية الغربية لعقود. ما يخيفه هو شبح حقيقي ملموس: شبح الفقر الدائم، البطالة الهيكلية، المستقبل المغلق. إحصائية أن أربعين بالمئة من الشباب الفرنسي ينظرون للشيوعية بشكل إيجابي ليست مجرد رقم، بل هي مؤشر على تغير جيلي عميق، حيث تنكسر تابوهات الماضي تحت وطأة حاجات الحاضر.
العوائق الهائلة أمام التحول الشيوعي
لكن الطريق نحو أي تحول اشتراكي في أوروبا محفوف بعقبات قد تبدو مستحيلة التجاوز. العوائق الهيكلية تشكل جداراً سميكاً: النخب الحاكمة مرتبطة عضويًا بالرأسمالية العالمية، مصالحها متشابكة مع الشركات متعددة الجنسيات، رؤوس أموالها موزعة في أسواق العالم. هذه النخب لن تتخلى طوعاً عن امتيازاتها، ولن تسمح بتحول يهدد وجودها الطبقي.
الإعلام يشكل حاجزاً آخر لا يقل صعوبة. خمسة وتسعون بالمئة من وسائل الإعلام الأوروبية مملوكة لرأسماليين أو مجموعات مصالح تخدم النظام القائم. هذه الوسائل لا تقدم الأخبار فحسب، بل تصنع الواقع، تخلق الحقائق، توجه العواطف. في مثل هذه البيئة، كيف يمكن لفكرة مناهضة للنظام أن تخترق الوعي الجمعي؟ التعليم يضيف طبقة أخرى من التعقيد، فمناهجه تقدم الرأسمالية كـ"نهاية التاريخ"، كحقيقة طبيعية لا تقبل الجدل، كالنظام الوحيد الممكن.
التشرذم اليساري يشكل عائقاً ذاتياً مؤلماً. اليسار الأوروبي منقسم إلى تيارات متناحرة: اشتراكيون ليبراليون يتحدثون عن العدالة لكنهم يدعمون الناتو والسوق الحرة، شيوعيون تقليديون يحملون رايات الماضي لكنهم منعزلون عن واقع الحاضر، يسار راديكالي جديد مليء بالحماس لكنه مشتت بلا برنامج واضح. غياب القيادة الكاريزمية يزيد الطين بلة، فليس هناك لينين أو غرامشي أوروبي معاصر يستطيع توحيد هذه التيارات وتحويل الغضب إلى قوة سياسية منظمة.
العقبة الأمريكية المطلقة قد تكون الأصعب. واشنطن لن تسمح بتحول شيوعي في أوروبا، فالنتائج ستكون كارثية لمصالحها: خسارة سوق تبلغ ثمانية عشر تريليون دولار، انهيار حلف الناتو الذي يشكل عماد الهيمنة الأمريكية العالمية، انتصار رمزي وسياسي للصين وروسيا. آليات المنع الأمريكية مجربة ومختبرة: التدخل المباشر كما حدث في اليونان عام 1947 وإيطاليا عام 1948، العقوبات الاقتصادية التي يمكن أن تخنق أي تجربة ناشئة، الانقلابات الناعمة عبر تمويل المعارضة وتضليل الإعلام.
النموذج الأكثر واقعية - اشتراكية القرن الحادي والعشرين
في مواجهة هذه العقبات الهائلة، قد يكون النموذج الأكثر واقعية ليس الشيوعية بالمعنى الكلاسيكي، بل اشتراكية القرن الحادي والعشرين، نظام يستفيد من دروس الماضي دون أن يكون أسيراً له. هذا النموذج لن يكون نسخة كربونية من الاتحاد السوفيتي، بل تجربة أوروبية أصيلة تجمع بين العدالة الاجتماعية والكفاءة الاقتصادية.
اشتراكية السوق كما طُبقت في السويد والنرويج والدنمارك قد تكون نقطة انطلاق، لكنها تحتاج إلى تعديل جذري لمواجهة تحديات العصر. الديمقراطية الاقتصادية حيث يشارك العمال في الإدارة والأرباح ليست فكرة رومانسية، بل ضرورة في عصر تشهد فيه الشركات أرباحاً قياسية بينما تتجمد أجور العمال. قطاع عام قوي لا يعني بيروقراطية متضخمة، بل يعني تأميم الخدمات الأساسية: الطاقة التي تحدد مستقبل الصناعة، المواصلات التي تربط المجتمعات، الصحة التي تحمي الأجساد، التعليم الذي يبني العقول.
المحاور الأساسية لهذا النموذج تبدأ بالسيادة الاقتصادية: بنك مركزي أوروبي حقيقي مستقل عن المصالح الخاصة، إعادة الصناعة الاستراتيجية التي هجرتها العولمة المتوحدة، نظام ضريبي تصاعدي حقيقي يعيد توزيع الثروة لا أن يكرس تركزها. السياسة الخارجية المستقلة تشكل ركيزة أخرى: خروج من الناتو الذي تحول من تحالف دفاعي إلى أداة هيمنة أمريكية، شراكة متكافئة مع روسيا والصين تعترف بتعددية الأقطاب، علاقات جديدة مع العالم العربي والإسلامي تقوم على الاحترام المتبادل لا الاستعمار القديم أو الجديد.
الشكل التنظيمي لهذا التحول لن يكون حزباً واحداً يحكم بسلطة مطلقة، بل جبهات عريضة تجمع كل القوى الراغبة في التغيير. اللامركزية ستكون أساسية، مع مجالس محلية تشارك في القرار، وتعاونيات إقليمية تدير الاقتصاد. التكنولوجيا الحديثة، خاصة الإنترنت، ستمكن من إدارة شؤون المجتمع دون الوقوع في فخ البيروقراطية التي أودت بتجارب سابقة.
سيناريوهات التغيير المحتملة
سيناريو التغيير التدريجي يحمل أربعين بالمئة من الاحتمال، حيث تبدأ الأحزاب اليسارية بالصعود في البرلمانات عبر الانتخابات، تشكل تحالفات مع النقابات العمالية القوية، وتنفذ إصلاحات تدريجية تؤدي على مدى خمسة عشر إلى عشرين سنة إلى تحول جذري في طبيعة النظام. هذا السيناريو هو الأقل عنفاً لكنه الأطول زمناً، والأكثر عرضة للانحراف تحت ضغوط الواقع.
السيناريو الثوري يحمل عشرين بالمئة فقط، حيث تكون الشرارة أزمة اقتصادية مدمرة: انهيار اليورو، إفلاس دول كبرى، تضخم جامح. الآلية ستكون إضرابات عامة تشل الحياة، عصيان مدني واسع، سقوط النظام تحت ثقل تناقضاته. لكن المشكلة الكبرى هنا هي التدخل الأمريكي العسكري المباشر الذي قد يحول الثورة إلى حرب أهلية.
السيناريو الانفصالي يحمل ثلاثين بالمئة، حيث تبدأ دول هامشية في أوروبا بالتحول أولاً: اليونان التي عانت من ويلات التقشف، إسبانيا التي تعاني من بطالة الشباب المرتفعة، البرتغال التي لم تتعافَ تماماً من أزمتها. تأثير الدومينو قد يدفع دولاً أخرى للتبعية، لكن الصعوبة ستكون في الضغوط الاقتصادية الهائلة من دول أوروبا الرأسمالية التي ستستخدم كل أدواتها لعزل التجربة الناشئة وخنقها.
السيناريو الكارثي يحمل عشرة بالمئة، وهو استمرار الوضع الحالي مع تدهور متصاعد، حيث تتحول أوروبا إلى قارة فقيرة تابعة، لا اشتراكية ولا رأسمالية بالمعنى الحي، بل مستعمرة شبه إقطاعية تعيش على هامش التاريخ، تخدم مصالح قوى خارجية بينما تتدنى أحوال شعبها بشكل لا يمكن إصلاحه.
الحلم الممكن والواقع المرير
الإمكانية النظرية لتحول اشتراكي في أوروبا موجودة ولا يمكن إنكارها. الظروف الاقتصادية ناضجة لحد الانفجار، الغضب الشعبي حقيقي وعميق ويبحث عن قناة للتعبير، النموذج البديل مطلوب بشكل عاجل لأن النموذج الحالي يقود القارة نحو الهاوية. لكن العقبات العملية هائلة وتستحق التأمل: الاستعمار الداخلي حيث نخب أوروبية تخدم مصالح غيرها على حساب شعبها، التبعية الخارجية لواشنطن التي لن تسمح بتحرر أوروبا، الذاكرة المخترقة عبر أجيال تعتقد أن الاشتراكية مرادف للدكتاتورية.
المعادلة الحاسمة التي قد تجعل التحول ممكناً تجمع بين وعي شعبي يدرك مصلحته الحقيقية، تنظيم حديدي يستطيع مواجهة آلة القمع، تحالف دولي مع قوى عالمية تدعم التغيير، ولحظة تاريخية تأتي كفرصة لا تعوض. بدون هذه العناصر الأربعة مجتمعة، سيبقى الحلم الشيوعي الأوروبي حلماً جميلاً في عالم قاس.
التوقعات الواقعية تتدرج عبر الأزمنة: على المدى القصير (خمس سنوات) سنشهد صعوداً يسارياً لكنه سيُحاصر بكل الوسائل. على المدى المتوسط (عشر سنوات) قد تحدث تحولات في دول هامشية تشكل نقاط اختراق. على المدى الطويل (عشرون سنة) قد تكون إمكانية تحول أوروبا الغربية حقيقية إذا تحققت شروط ثلاثة: انهيار الهيمنة الأمريكية التي تخنق أي بديل، تحالف أوروبا مع العالم المتعدد الأقطاب الذي يقدم خيارات حقيقية، ولادة قيادة تاريخية جديدة تجمع بين الرؤية والقدرة التنظيمية.
الخلاصة المرة التي تفرض نفسها هي أن أوروبا قد تموت رأسمالية قبل أن تولد اشتراكية. قد تصل تناقضات النظام الحالي إلى ذروتها وتفجر المجتمع دون أن يجد البديل المنظم الذي يمكن أن يقود المرحلة الانتقالية. لكن التاريخ يعلمنا درساً مهماً: عندما تصل التناقضات إلى ذروتها حقاً، عندما يصبح النظام عاجزاً عن الاستمرار والشعب عاجزاً عن الاستمرار تحت وطأته، فإن المستحيل يصبح ممكناً، والمحال يتحول إلى واقع.
السؤال الجوهري ليس هل تحتاج أوروبا للاشتراكية؟ فالجواب واضح للعيان: نعم، وإلا فالمجاعة والانهيار الاجتماعي. السؤال الأعمق هو: هل تملك أوروبا إرادة البقاء كقارة حرة مستقلة، أم ستختار الموت البطيء كحديقة خلفية لأمريكا، كسوق استهلاكي لأفكار غيرها، كمتحف لحضارة كانت عظيمة؟
الأيام القادمة ستجيب على هذا السؤال المصيري، والإجابة لن تأتي من قصور الحكام ولا من أبراج المال، بل من شوارع المدن الأوروبية، من مصانعها التي تغلق، من جامعاتها التي تفرغ، من بيوتها التي تبرد. هناك، في قلب المعاناة اليومية، تكمن بذور التغيير. والسؤال الوحيد المتبقي هو: هل ستجد هذه البذور التربة الخصبة لتنمو، أم ستجرفها عواصف القمع واليأس؟ الزمن وحده كفيل بالإجابة، لكن الساعة تدق، والوقت ليس في صالح من ينتظرون المعجزة.
……….
مادة ساخرة :
المسرحية الكوميدية: عندما تلتقي الشيوعية بالسوق الحرة في مقهى أوروبي
حيث تتناقض النهايات مع البدايات
تخيلوا معي مشهداً سوريالياً: كارل ماركس وجون ماينارد كينز يجلسان في مقهى فيينا، يشربان إسبريسو بينما يتجادلان حول مستقبل أوروبا. ماركس يصرخ: "يا لها من تناقضات! البروليتاريا تتسول!" وكينز يهمس: "الصبر، سيدي، الصبر... وآلة طباعة النقود!" هذه ليست بداية رواية خيالية، بل هي ملخص الواقع الأوروبي اليومي، حيث تتحول التناقضات الاقتصادية إلى كوميديا سوداء، والأزمات الوجودية إلى مسرحيات هزلية.
الرأسمالية المتأخرة - عندما يصبح الماء سلعة والهواء حلماً
الرأسمالية الأوروبية في مرحلة "ما بعد التأخر" تشبه ساحراً أضاع عصاه السحرية، لكنه يواصل الادعاء بأنه يتحكم بالأمطار. النظام الذي وعد بالرخاء للجميع أصبح يبيع الهواء! نعم، حرفياً: شركات تبيع "هواء نقي" في علب! المياه؟ أصبحت سلعة فاخرة! في بعض المدن الأوروبية، لم يعد بإمكانك أن تشرب من الحنفية دون أن تشعر أنك تسرق من محفظة مساهمي شركة المياه!
المفارقة العبقرية: 10% يملكون 90% من الثروة، لكنهم يشكون من "صعوبة إيجاد خدم جيدين"! الشباب؟ لديهم بطالة 25% في إسبانيا، لكنهم "متوفرون دائمًا على وسائل التواصل الاجتماعي"! نظام صحي ينهار؟ "هذا يعني أن الأثرياء فقط سيعيشون طويلاً - انتصار للانتقاء الطبيعي!" التعليم أصبح للطبقات الغنية؟ "ممتاز! هكذا نضمن أن الفقراء لن يتعلموا كيف يحتجون بشكل صحيح!"
أما الفاشية كمسكن وهمي، فهي مثل تلك الحبة المنومة التي تعطيك أحلاماً وردية بينما يسرقون منزلك. ميلوني في إيطاليا يرفع شعار "إيطاليا للإيطاليين" بينما يبيع إيطاليا للصين قطعة قطعة! لوبان في فرنسا تتحدث عن "السيادة" بينما تتبع أوامر الناتو كجندي مطيع! والبديل الألماني يرفع علم ألمانيا... المصنوع في الصين!
الحقيقة المضحكة: هذه الأحزاب اليمينية هي "صمام الأمان الثوري" للنظام! عندما يغضب الشعب، تقدم له هذه الأحزاب كبش فداء: المهاجر! المسلم! المختلف! وكأنهم يقولون: "لا تغضب على النظام الذي يسرقك، اغضب على من هو أضعف منك!"
الشيوعية تعود - لكن من الباب الخلفي
الظروف "الموضوعية الناضجة" للشيوعية في أوروبا تشبه وصفة كعكة فشلت مرتين، لكننا نصر على تحضيرها للمرة الثالثة! التفاوت الطبقي وصل لمستويات سوريالية: في ألمانيا، مدير شركة يكسب في يوم ما يكسبه العامل في عام! الموظف يشتري قهوته من ماكينة البيع، بينما المدير يشتري جزيرة!
المشهد الكوميدي: عامل ألماني يقرأ في الجريدة أن مدير شركته كسب في يوم واحد ما يكسبه هو في عام، فيفكر: "ربما يجب أن أصبح مديراً!". ثم يقرأ المتطلبات: "شهادة من هارفارد، خبرة 20 سنة، القدرة على العمل 25 ساعة يومياً". فيقرر: "أفضل أن أبقى عاملاً!"
انهيار الطبقة الوسطى؟ لقد تحولت من 65% إلى 45%! الـ20% المفقودون؟ بعضهم أصبحوا أغنياء (قلة)، معظمهم أصبحوا فقراء (كثرة)، والجميع أصبحوا حائرين! الطبيب الذي كان برجوازياً محترماً أصبح يعمل بنظام المناوبات، والمعلم الذي كان سيد الفصل أصبح روته أقل من ساعي البريد!
الذاكرة التاريخية "الحيّة"؟ الشباب الأوروبي يتذكر الشيوعية... من أفلام هوليوود! جيل الألفية يعتقد أن "الثورة البلشفية" نوع من القهوة! و40% منهم ينظرون للشيوعية بشكل إيجابي... لأنهم يظنونها "نظاماً يوزع الآيفونات مجاناً"!
العقبات - أو لماذا تفضل النخب أن تأكل كافيار على أن تشاركه
العوائق الهيكلية أمام الشيوعية تشبه تلك اللعبة في حديقة الملاهي حيث تحاول ضرب الفأر لكنه يظهر في مكان آخر! النخب الحاكمة مرتبطة بالرأسمالية... مثل السمك بالماء! مصالحهم؟ منتشرة في العالم كله! أموالهم؟ في جزر كايمان! ضمائرهم؟ في عطلة!
الإعلام 95% منه مملوك لرأسماليين! وهذا يعني أن 95% من الأخبار تقول: "الرأسمالية جيدة، اشترِ، استهلك، كن سعيداً!" والـ5% الباقية؟ برامج طبخ!
التعليم يقدم الرأسمالية كـ"نهاية التاريخ"! الطلاب يتعلمون أن آدم سميث نبي، وأن السوق "اليد الخفية" هي في الحقيقة "اليد الطويلة" التي تأخذ من جيوب الفقراء لتملأ جيوب الأغنياء!
التشرذم اليساري؟ الاشتراكيون الليبراليون يقولون: "نريد عدالة... ولكن بدون مس بالنظام!" الشيوعيون التقليديون يقولون: "نريد ثورة... ولكن كما في 1917!" واليسار الراديكالي الجديد يقول: "نريد تغييراً... لكننا مشغولون بتنظيم الاحتجاجات على تغير المناخ!"
القيادة الكاريزمية غائبة! لا يوجد لينين أوروبي! أقرب شيء؟ سياسي فرنسي يتكلم بلغة أنيقة... عن إصلاحات طفيفة!
العقبة الأمريكية؟ واشنطن تقول: "أوروبا شيوعية؟ هذا يعني خسارة 18 تريليون دولار سوق! مستحيل!" ثم تضيف: "بدلاً من ذلك، نقدم لكم... المزيد من الأسلحة!"
الاشتراكية الجديدة - كل شيء قديم جديد
النموذج "الواقعي" هو اشتراكية القرن الحادي والعشرين، التي تشبه سيارة قديمة تم تركيب محرك جديد فيها! اشتراكية السوق؟ مثل السويد تقول: "نحن رأسماليون... لكن بلطف!" الديمقراطية الاقتصادية؟ العمال يشاركون في الأرباح... التي تختفيها الشركات في جزر كايمان!
القطاع العام القوي؟ تأميم الطاقة! فكرة رائعة! لكن... من سيديرها؟ نفس البيروقراطيين الذين أداروها سابقاً وأفلسوها!
السيادة الاقتصادية: بنك مركزي أوروبي مستقل! فكرة جميلة! لكن البنك المركزي الأوروبي الحالي "مستقل" بالفعل... مستقل عن الشعب، تابع للأسواق!
إعادة الصناعة؟ أوروبا التي هجرت صناعتها للصين تريد إعادتها! المشكلة: العمال الأوروبيون يريدون رواتب عالية، والعمل 35 ساعة أسبوعياً، وإجازة سنوية 8 أسابيع! والصينيون يعملون 60 ساعة برواتب أقل! الرياضيات صعبة!
السياسة الخارجية المستقلة: خروج من الناتو! لكن... من س يحمينا؟ الشراكة مع روسيا؟ "آه، لكن بوتين...!" الشراكة مع الصين؟ "آه، لكنهم شيوعيون!" العلاقات مع العالم العربي؟ "آه، لكن الإسلام...!"
الشكل التنظيمي: ليس حزباً واحداً! جبهات عريضة! تحالفات شعبية! المشكلة: الأوروبيون لا يتفقون على نوع الجبن، فكيف يتفقون على نظام اقتصادي جديد؟
سيناريوهات التغيير - كوميديا الأخطاء
السيناريو التدريجي (40%): أحزاب يسارية تصل للبرلمان... ثم تكتشف أن القرارات الحقيقية تتخذ في البنوك، لا في البرلمانات! تحالفات مع نقابات... تكتشف أن النقادات أصبحت جزءاً من النظام! إصلاحات تدريجية... تأخذ 20 سنة! والشعب يقول: "مات جدي منتظراً الإصلاحات، وأنا سأموت منتظراً أيضاً!"
السيناريو الثوري (20%): أزمة اقتصادية مدمرة! انهيار اليورو! إفلاس دول! إضرابات عامة! عصيان مدني! ثم... تتدخل أمريكا! المشهد: متظاهرون يهتفون: "يسقط النظام!" ودبابات أمريكية تقول: "اجلسوا في بيوتكم!"
السيناريو الانفصالي (30%): اليونان تتحول لاشتراكية! إسبانيا تتبع! البرتغال تنضم! ثم... دول أوروبا الرأسمالية تحاصرهم اقتصادياً! المشهد: اشتراكيون جياع يهتفون: "عاشت الثورة!" بينما بطونهم تقول: "نريد طعاماً!"
السيناريو الكارثي (10%): استمرار الوضع الحالي! أوروبا تتحول لمستعمرة شبه إقطاعية! الأثرياء يعيشون في قصور، الفقراء في أكواخ، والطبقة الوسطى... تختفي! النهاية: أوروبا كمتحف، يأتي السياح ليروا: "هنا كانت حضارة!"
الحلم الممكن... في عالم المستحيلات
الإمكانية النظرية موجودة! الظروف الاقتصادية ناضجة... لحد التخمر! الغضب الشعبي حقيقي... لكنه موجه نحو كبش فداء! النموذج البديل مطلوب... لكن لا أحد يعرف كيف يبدو!
العقبات العملية؟ الاستعمار الداخلي: نخب أوروبية تبيع بلادها بكل بساطة! التبعية الخارجية: أمريكا تقول: "اقفزوا!" وأوروبا تسأل: "كم متر؟" الذاكرة المخترقة: أجيال تعتقد أن الاشتراكية = غولاغ!
المعادلة "الحاسمة": وعي شعبي (نائم) + تنظيم حديدي (مشتت) + تحالف دولي (متناقض) + لحظة تاريخية (ضائعة) = فشل مؤكد!
التوقعات الواقعية:
· قصير المدى: صعود يساري... ثم سقوط! · متوسط المدى: تحولات في دول هامشية... ثم عودتها! · طويل المدى: احتمال تحول أوروبا... إذا تحولت أمريكا أولاً!
الخلاصة المضحكة المبكية: أوروبا قد تموت رأسمالية من السمنة (الأغنياء)، وتولد اشتراكية من الجوع (الفقراء)، وتعيش كطبقة وسطى... في الخيال!
السؤال الأخير: هل تحتاج أوروبا للاشتراكية؟ الجواب: نعم... كي لا تموت من الرأسمالية! لكن هل تملك الإرادة؟ الإرادة لديها... لكنها تستخدمها لاختيار نوع النبيذ مع العشاء!
أوروبا بين أن تموت كحديقة خلفية لأمريكا، أو تولد كقاعة انتظار للصين! والخيار الثالث؟ البقاء كما هي: كوميديا تراجيدية، تنتظر نهاية سعيدة... بينما الكاتب فقد الإلهام، والممثلون نسوا أدوارهم، والجمهور نام!
المشهد الأخير: ماركس وكينز ما زالا في المقهى، يشربان الإسبريسو، وينتظران... النهاية التي لن تأتي أبداً، لأن الفاتورة وصلت، وليس مع أحدهما نقود!
#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)
Ahmad_Saloum#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا تستمر بروكسل في حرب خاسرة؟
-
اليمن كقلب العالم الجديد - إعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية
-
رواية : الرحلة المقطوعة
-
في حضرة الضوء: الصين تعيد كتابة قوانين الحوسبة والقوة
-
رواية - من طيرة اللوز إلى الراين - أو - ظلال الكرمل -
-
نهاية الإمبراطورية الرقمية: كيف خسرت أمريكا سباق الرقائق أما
...
-
دراسة أدبية نقدية معمقة لرواية -دمية بعين واحدة- لأحمد صالح
...
-
حلب... عندما تَصْفَعُ المدافعُ وجهُ الماضي
-
في تشريحِ خُرَافَةِ مُعَادَاةِ السَّامِيَّةِ وَتَجْنيدِهَا س
...
-
بروكسل في الفجر: فاتورة الوهم على كاهل أوروبا( كتيب)
-
كبت الرمال: تناقضات التقوى في محميات الخليج
-
همسة رضيع في عاصفة الإبادة..قصة قصيرة عن الهولوكوست الأمريكي
...
-
مقبرة الأسياد.. كيف تشيّع بروكسل أحلامها بأكفان شعبين؟..الجو
...
-
قمة بروكسل تفضح أزمة الإمبريالية المتأخرة في مواجهة روسيا
-
في معنى تعدد الأقطاب : عندما تعترف واشنطن بالقوى الصاعدة : ا
...
-
قصة : رقصةُ الغزال الأخيرة
-
تقشف أوروبي تحت غطاء العسكرة: كيف يُعاد تشكيل الدولة الاجتما
...
-
انتصار جنرال الوقت على الهيمنة الأمريكية
-
تراجع التفوق الأمريكي: وثيقة سرية تكشف هشاشة الإمبراطورية أم
...
-
يوروكلير: قبر اليورو الذهبي
المزيد.....
-
بحضور الشرع.. سوريا تطلق عملتها الجديدة بعد -أفول مرحلة غير
...
-
-عودة الملثم-.. حماس تؤكد مقتل -أبو عبيدة- وتكشف ناطقًا عسكر
...
-
قمة مرتقبة بين ترامب ونتنياهو في فلوريدا.. هل تكشف عمق التبا
...
-
بعد اعتراف إسرائيل بصوماليلاند.. رئيس الصومال يزور تركيا الث
...
-
حكومة جديدة وملفات مالية وتصعيد مستمر.. ما أبرز الأحداث التي
...
-
مقتل ثلاثة عناصر من الشرطة التركية وستة من داعش في عملية أمن
...
-
كأس الأمم الأفريقية 2025: مصر تختم دور المجموعات بتعادل سلبي
...
-
مباشر: تابعوا المؤتمر الصحفي بين ترامب ونتانياهو في فلوريدا
...
-
أبو السعود يحيي فن الأرابيسك بالقدس ويطوره
-
الدويري: القسام منظومة مؤسسية ورهان كسرها عبر الاغتيالات فشل
...
المزيد.....
-
صفحاتٌ لا تُطوى: أفكار حُرة في السياسة والحياة
/ محمد حسين النجفي
-
الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح
...
/ علي طبله
-
الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد
...
/ علي طبله
-
الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل
...
/ علي طبله
-
قراءة في تاريخ الاسلام المبكر
/ محمد جعفر ال عيسى
-
اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات،
...
/ رياض الشرايطي
-
رواية
/ رانية مرجية
-
ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
المزيد.....
|