أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد صالح سلوم - رواية : الرحلة المقطوعة















المزيد.....



رواية : الرحلة المقطوعة


احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية

(Ahmad Saloum)


الحوار المتمدن-العدد: 8568 - 2025 / 12 / 26 - 17:12
المحور: الادب والفن
    


مقدمة نقدية أدبية للرواية :

في أعماق الشتاء الوالوني الذي يغلف لييج بستار من الثلج الخافت، تنبثق رواية "الرحلة المقطوعة" كعمل أدبي يُجسد الاغتراب الوجودي في عصر الرأسمالية المتأخرة، حيث يتحول الزمن إلى سلعة مسروقة والحلم إلى جريمة يُعاقب عليها. هذه الرواية، ببنيتها الثلاثية الفصول التي تتدفق كمونتاج سينمائي داخلي، تُقدم نفسها كنص بوست موديرني يمزج بين الواقعية الاجتماعية الحادة والرمزية الشعرية المكثفة، مستلهمة من تقاليد الرواية الأوروبية المعاصرة التي تُفكك الهوية تحت ضغط البيروقراطية والاستنزاف. إنها ليست سردًا خطيًا عن رحلة يومية في حافلة من لييج إلى فليمال، بل تأمل عميق في كيف يُفرغ النظام الليبرالي الجديد الإنسان من كرامته، يُحول الجهد الإبداعي إلى عبء، والتكوين المهني إلى طقس عقابي يُجبر على الإثبات الدائم.

من منظور النقد الاجتماعي الماركسي المعاصر، تُمثل الرواية نقدًا لاذعًا لتآكل الدولة الاجتماعية في أوروبا ما بعد الأزمات، حيث يُصبح "البحث عن عمل" آلية هيمنة تُفرغ الوعي من معناه، مستلهمة من تحليلات فوكو للسلطة التأديبية التي تتسلل إلى أدق تفاصيل الحياة اليومية. الفصل الأول، "الاستيقاظ المبكر"، يُبنى كلوحة واقعية دقيقة للروتين الاغترابي، يعتمد على تقنية التكرار الإيقاعي ليُجسد الدورة اللا نهائية للاستنزاف، حيث تُصبح الرحلة في الحافلة استعارة مركزية للزمن المسروق، والمسافة العشرين كيلومترًا رمزًا للفجوة الطبقية بين الحلم والواقع المفروض. جان بيير، كشخصية مركزية جماعية مع ماري ولوك وإيما، يُقدم كنموذج للذات المفككة بوست موديرنيًا، يحمل شهادة اقتصادية عالية لكنه يُجبر على التكوين في الإخراج، كأن النظام يُعيد تشكيله قسرًا ليتناسب مع سوق عمل يرفض الإبداع غير المنتج فورًا.

اللغة هنا شاعرية مكثفة، تستخدم الاستعارات الطبيعية – الثلج كستار يُخفي الجراح، الضباب كرمز للاغتراب، البرد كامتداد للنفسية الاجتماعية – في تقليد يذكر بتقنيات الرواية الاسكندنافية الحديثة، حيث يُصبح المناخ جزءًا من البنية النفسية. السرد الداخلي المتعدد ينتقل بسلاسة بين وعي الشخصيات، مما يُنتج تعدد الأصوات الذي يُثري النسيج الجماعي، ويُظهر كيف يُحول الإرهاق الجسدي إلى وعي مشترك بالظلم، في حوار خفي مع نظرية الاغتراب عند ماركس المُعاد قراءتها في سياق الرأسمالية المعرفية.

في الفصل الثاني، "الجهد اليومي"، ينتقل النص إلى قلب التمرد الإبداعي، حيث تُصبح قاعة التكوين في فليمال فضاءً كاتارسيسيًا، ملاذًا أرسطيًا يُحول الألم إلى فن مقاوم. هنا يبرز النقد الفيمينيستي المتقاطع مع الماركسي، من خلال ماري التي تكتب حوارًا يُعبر عن الضغط المضاعف على النساء في سوق عمل ذكوري، ولوك الذي يرسم كرمز للعمل اليدوي الإبداعي المقاوم، وإيما التي تلتقط اللقطات كأرشيف للذاكرة الجماعية المُهددة. الرواية تستخدم تقنية المونتاج داخل السرد، تقطع بين المشاهد اليومية والأفكار الداخلية، مما يُنتج إيقاعًا سينمائيًا يُحاكي الفيلم الذي يبنونه، في متا-سرد بوست موديرني يُكسر الجدار بين الواقع والتمثيل.

هذا الفصل يُقدم نقدًا للرأسمالية المعرفية، حيث يُصبح التكوين سلعة، والإبداع رفاهية تُعاقب، مستلهمًا من أدورنو في تحليل هيمنة الثقافة الصناعية التي تُفرغ الفن من محتواه التحرري. اللغة تكتسب كثافة شعرية أعلى، تستخدم الاستعارات البصرية لتُجسد عملية الخلق، كأن الكتابة والمونتاج أفعال مقدسة تقاوم التدنيس اليومي، في تقليد يذكر بجماليات الرواية اللاتينية الأمريكية المُعاد صياغتها في السياق الأوروبي.

أما الفصل الثالث، "القطع المفاجئ"، فيُمثل الذروة الدرامية والنقدية، حيث تُصبح الرسالة من Onem لحظة كشف وجودي، ضربة تُحول الغضب المكبوت إلى تمرد علني. هنا يبرز النقد الوجودي السارتری، الالتزام كفعل مقاومة أساسي، حيث يُحول الشباب الرسالة إلى وقود لإكمال الفيلم، يُسرعون في بنائه، يُضيفون مشاهد عن اليأس والانتحار تحت الضغط، عن كبار السن الذين استنزفوا أعمارهم. الفيلم يُصبح مرآة متا للرواية، يُعلق على عملية الخلق تحت الضغط، في تقنية تُكسر الحدود بين السرد والواقع، مما يُنتج نصًا متعدد الطبقات يُحاكي الواقعية السحرية في سياق اجتماعي أوروبي.

الرواية ككل تُقدم نقدًا متعدد الطبقات للدولة الاجتماعية المتآكلة، حيث يُصبح القطع المفاجئ جريمة ضد الكرامة، والتكوين طقسًا يُفرغ الإنسان من معناه. اللغة الشاعرية، مع ثلاثيتها الرمزية – الثلج كاغتراب، النار الداخلية كتمرد، الرحلة كوجود – تُجسد التناقض الديالكتيكي بين البرد الخارجي والحرارة الداخلية. الشخصيات، أفراد عاديون يُصبحون أبطالاً بالصمود، تُمثل الذات الجماعية المقاومة، في تقليد يذكر بالرواية الاجتماعية الأوروبية المعاصرة.

في النهاية، "الرحلة المقطوعة" عمل يستحق مكانة بين النصوص التي تُجسد الاغتراب الحديث، تُذكرنا أن المقاومة تبدأ من رحلة يومية، من رفض الاستسلام رغم القطع، من تحويل الألم إلى فن خالد، صرخة تُسمع رغم الثلج، شهادة على أن الكرامة تُكتسب بالتمرد، لا تُمنح كهدية من نظام يُسرق الوقت والحلم.


ملخص الرواية:

الفصل الأول: الاستيقاظ المبكر

تبدأ الرواية في ضاحية أنجي بلييج، حيث يعيش جان بيير، شاب في الثلاثين يحمل شهادة ماجستير في الاقتصاد، لكنه ترك عالم الأرقام ليغوص في حلم الإخراج السينمائي. يستيقظ كل صباح على صوت منبه قاسٍ، يرتدي معطفه الثقيل، يتناول قهوة سوداء سريعة، ويخرج إلى برد الوالون الذي يقرص الجلد كعقاب يومي. يلتقي بأصدقائه ماري، لوك، وإيما في المحطة، مجموعة شباب يشتركون في حلم واحد، يحملون حقائبهم المليئة بكتب السيناريو والكاميرات، يتبادلون كلمات تشجيع خافتة تخفي الإرهاق المبكر.

تركب الحافلة الأولى، ثم الثانية، الرحلة تطول إلى ساعتين ذهابًا، مسافة عشرين كيلومترًا إلى مركز تكوين في فليمال، يقضونها في حديث عن الدرس القادم، عن المشروع الجماعي، عن كيف يُجبرون على إثبات نشاطهم أمام Onem رغم الجهد الهائل. جان بيير يغوص في أفكاره، يتذكر شهادته الجامعية، كيف ترك وظيفة إدارية باهتة ليتبع شغفه، رغم الضغط من نظام يُعامل الإبداع كترف. ماري تكتب ملاحظات أولية لحوار، لوك يرسم خطوط سريعة، إيما تستمع إلى بودكاست عن السينما، يشعرون جميعًا أن هذه الرحلة ليست مجرد نقل، بل رحلة بطولية نحو الكرامة في عالم يُسرق فيه الوقت.

يصلون إلى فليمال متعبين، يمشون بخطى سريعة تحت الثلج الخفيف، يدخلون المركز كملاذ، يبدأ اليوم بالمونتاج والكتابة والرسم، يتعلمون برامج معقدة، يبنون مشاهد افتراضية، يشعرون بالرضا الذي يُعوض عن الإرهاق. الغداء بسيط، الحديث عن الأحلام الكبيرة، ثم يستمر الجهد، يُكملون يومًا منتجًا، يخرجون للرحلة العكسية، ساعتين إيابًا، يعودون إلى لييج متعبين لكن محملين بأفكار جديدة. جان بيير يعود إلى شقته، يُعدل في ملاحظاته، يرقد متأخرًا، يحلم بفيلم يروي قصتهم، قصة الشباب الذين يضحون يوميًا ليبقوا أحياء فكريًا.

هكذا يتكرر اليوم، دورة من الاستيقاظ المبكر والرحلة الطويلة والجهد في القاعة، في مدينة تُعلّم أبناءها أن الحلم ثمنه باهظ، لكنه الوحيد الذي يستحق الدفع، في عالم يُجبر الشباب على التضحية اليومية، لكن الروح تظل تتمرد، تُبدع، تُبني من الإرهاق معنى.

الفصل الثاني: الجهد اليومي

يتقدم الروتين في فليمال، يصبح المركز معبدًا للإبداع، قاعة تضيء بضوء الشاشات وتنبض بحماس الشباب الذين يرفضون الاستسلام. يبدأ اليوم بالمونتاج، جان بيير يقطع مشاهد خام، يبني تسلسلًا عن الرحلة اليومية كرمز للاستنزاف، ماري تكتب حوارًا مؤثرًا عن الضغط النفسي، لوك يرسم ستوري بورد جريء، إيما تلتقط لقطات حية للقاعة كملاذ. يعملون بتركيز عميق، يتبادلون الأفكار، يساعدون بعضهم، يحولون الإرهاق إلى فن، الطريق الطويل إلى قصة بصرية تُشهد على الصمود.

الدروس تتقدم، يتعلمون تقنيات جديدة، معلومات يومية تتطلب تركيزًا مستمرًا، لا راحة كالعمل الروتيني، بل تحديات تُجدد نفسها، تُجبر على التعلم المستمر. يناقشون كيف يُستخدم الصوت والإضاءة لتعزيز العاطفة، يبنون مشروعًا جماعيًا عن الرحلة، عن الانتظار في المحطات، عن الجهد الخفي الذي يُتجاهل. الغداء استراحة قصيرة، يتحدثون عن الأحلام، عن مقابلات عمل فاشلة، عن الضغط من Onem، لكنهم يعودون بعزيمة أقوى، يُكملون، يعرضون تقدمًا، يشعرون بفخر يُعوض عن الثقل.

الأيام تتكرر، الرحلة ذهابًا وإيابًا أربع ساعات يوميًا، الجهد في القاعة يزداد، الفيلم ينمو، يصبح شهادة على حياتهم، على الشباب الذين يضحون ليبقوا أحياء، على نظام يُعامل التكوين ككسل. يتحدثون عن كبار السن، عن والد جان بيير الذي استنزف عمره، عن التمييز العمري، عن كيف يُجبر الجميع على الاستمرار رغم الإرهاق. مع نهاية كل يوم، يعودون متعبين، لكن محملين بما بنوه، بأفكار جديدة، بأمل يتجدد.

هكذا يمر الفصل، أيام من الجهد اليومي الذي يُحول إلى إبداع، في قاعة تُصبح ملاذًا من الروتين القاسي، حيث يتحول الإرهاق إلى فن، والرحلة الطويلة إلى قصيدة بصرية، في عالم يُجبر الشباب على التضحية، لكن الروح تُقاوم، تُبدع، تُبني معنى من الاستنزاف.

الفصل الثالث: القطع المفاجئ

يأتي التحول مع الرسالة الباردة من Onem، تُعلن قطع الإعانة بعد سنتين، رغم كل الجهد، رغم الرحلات والتكوين. يتلقاها جان بيير في ليلة باردة، يشعر بضربة في الصدر، يتصل بأصدقائه، يجتمعون، يتحول اليأس إلى غضب، يقررون تحويل الألم إلى سلاح، يُسرعون في إكمال الفيلم، يضيفون مشهدًا عن القطع المفاجئ، عن الضيق المعيشي الذي يُغرق الشاب، عن اليأس الذي يُدفع به البعض إلى الحافة.

الأيام تتقدم بغضب أقوى، يعملون في القاعة بتركيز حاد، يضيفون حوارًا مؤثرًا عن الصديقة التي رحلت تحت الضغط، رسومات تُظهر الوجوه المتغيرة، لقطات تُكمل الشهادة. يجتمعون في عطلة نهاية الأسبوع في شقة جان بيير، يعملون ساعات طويلة، يُكملون الفيلم، يُعنونه "الرحلة المقطوعة"، رمز للإعانة التي تُقطع، للحلم الذي يُجبر على التوقف، لكن القصة تستمر.

يعرضون الفيلم كاملاً، يشاهدونه في صمت، دموع تسقط من العمق، يقررون إرساله إلى النقابات، إلى الاستئناف في المحكمة، إلى مواقع دولية، يُصبح صوتًا للآلاف، شهادة على الظلم، على القطع الذي يُغرق في الضيق، على الشباب الذين يُدفعون إلى الحافة لكن يرفضون السقوط. الغضب يُولد قوة، الفيلم ينبض بالحياة، يُعلن أن الرسالة الباردة لم تُنهِ شيئًا، بل أشعلت نار التمرد.

هكذا ينتهي الفصل، تمرد يولد من القطع المفاجئ، فيلم يُصبح سلاحًا، صرخة تُسمع رغم الثلج، في قلوب تُقاوم الغرق، تُبدع من اليأس عالماً أفضل، قصة تُرفض النهاية، تُعلن أن الصمود هو الانتصار، والإبداع هو الخلود في وجه الظلم اليومي. الشتاء قاسٍ، لكن النار داخلية، تُشعل الطريق، تُنتظر الربيع، بأمل ينبض أقوى، بفيلم يُشهد على الكرامة التي لا تُقهر.



مقدمة الرواية :

ستار من الثلج الخافت يغلف لييح حيث تنتشر تفاصيل الشتاء الوالوني ، كأن السماء نفسها تبكي على مدينة شهدت ازدهارًا صناعيًا ثم انحدارًا بطيئًا، تنبثق رواية "الرحلة المقطوعة" كعمل أدبي يُجسد الصراع الإنساني الأبدي بين الحلم والواقع القاسي. هذه الرواية، بفصولها الثلاثة التي تتدفق كأنها مشاهد فيلم قصير يُبنى يوميًا، تروي قصة جان بيير وأصدقائه ماري ولوك وإيما، شباب يقضون أيامهم في رحلة يومية طويلة من ضواحي لييج إلى مركز تكوين في فليمال، يتعلمون الإخراج السينمائي رغم كل الضغوط، يبنون أحلامهم مشهدًا بمشهد، في عالم يُعامل الإبداع كترف لا يُغتفر.

الفصل الأول، "الاستيقاظ المبكر"، يفتتح الرواية بلوحة يومية مؤثرة، حيث يستيقظ جان بيير في شقته الصغيرة بأنجي على صوت المنبه القاسي، يرتدي معطفه، يتناول قهوة سوداء، يخرج إلى البرد الذي يقرص الجلد، يلتقي بأصدقائه في المحطة، يركبون الحافلة، يقضون ساعتين ذهابًا في طريق يطول بسبب الثلج والازدحام. الرحلة تُصبح رمزًا للحياة نفسها، مسافة عشرين كيلومترًا تُسرق فيها الساعات، يتحدثون عن الدرس القادم، عن المشروع الجماعي، عن الضغط من Onem لإثبات النشاط. جان بيير، بحمل شهادته في الاقتصاد، يغوص في أفكاره، يتذكر كيف ترك عالم الأرقام ليتبع شغفه بالسينما، رغم التحذيرات والصعوبات.

يصلون إلى فليمال متعبين، يدخلون المركز كملاذ، يبدأ اليوم بالمونتاج والكتابة والرسم، يتعلمون برامج معقدة، يبنون مشاهد افتراضية، يشعرون بالرضا الذي يُعوض عن الإرهاق. الغداء بسيط، الحديث عن الأحلام، ثم يستمر الجهد، يخرجون للرحلة العكسية، يعودون إلى لييج، جان بيير يرقد متأخرًا، يحلم بفيلم يروي قصتهم. هكذا تتكرر الأيام، دورة من الاستيقاظ والرحلة والجهد، في مدينة تُعلّم أبناءها أن الحلم ثمنه باهظ، لكنه يستحق.

الفصل الثاني، "الجهد اليومي"، يغوص في قلب الإبداع، حيث تُصبح القاعة في فليمال معبدًا للتمرد، يبدأ اليوم بالمونتاج، جان بيير يقطع مشاهد، ماري تكتب حوارًا، لوك يرسم، إيما تلتقط لقطات، يبنون فيلمًا قصيرًا عن الرحلة كرمز للاستنزاف. الدروس مكثفة، معلومات جديدة يوميًا، جهد يفوق العمل الروتيني، لا راحة، بل تحديات تُجدد نفسها. يناقشون، يتبادلون الأفكار، يُحولون الإرهاق إلى فن، الطريق الطويل إلى قصة تُشهد على الصمود.

الأيام تتقدم، الرحلة أربع ساعات يوميًا، الجهد في القاعة يزداد، الفيلم ينمو، يُصبح شهادة على الشباب الذين يضحون ليبقوا أحياء فكريًا، على نظام يُعامل التكوين ككسل. يتحدثون عن كبار السن، عن التمييز، عن الضغط النفسي، يعودون متعبين لكن محملين بما بنوه، بأمل يتجدد. الفصل يُظهر كيف يُحول الإبداع الألم إلى معنى، الاستنزاف إلى مقاومة، في قاعة تُصبح ملاذًا من الروتين القاسي.

الفصل الثالث، "القطع المفاجئ"، يأتي بالتحول الدرامي، مع الرسالة من Onem تُعلن قطع الإعانة بعد سنتين، يتلقاها جان بيير في ليلة باردة، يشعر بضربة، يتصل بأصدقائه، يتحول اليأس إلى غضب، يقررون إكمال الفيلم بسرعة، يضيفون مشاهد عن القطع، عن الضيق المعيشي، عن اليأس الذي يُدفع به البعض إلى الحافة. يعملون ساعات طويلة، في القاعة وفي عطلة نهاية الأسبوع، يُكملون الفيلم، يُعنونه "الرحلة المقطوعة"، يُرسلونه إلى النقابات والمحكمة، صرخة تُسمع رغم الثلج.

الفيلم يُصبح سلاحًا، شهادة على الظلم، على الشباب الذين يُغرقون في الضيق، لكن يرفضون السقوط، يُبدعون من الألم فنًا خالدًا. الرواية تنتهي بأمل ينبض أقوى، صمود ينتصر رغم القطع، قصة تُعلن أن الكرامة تُكتسب بالتمرد، والإبداع هو الخلود في وجه الظلم اليومي. الشتاء قاسٍ، لكن النار داخلية، تُشعل الطريق، تُنتظر الربيع بقلوب تُقاوم، تُحلم، تُبني عالماً أفضل، يومًا بيوم، مشهدًا بمشهد.




الفصل الاول

1
في قلب ضاحية أنجي بلييج، حيث تتسلل أنوار الفجر الشاحبة بين ستائر قديمة متآكلة، استيقظ جان بيير على صوت المنبه الذي يرن كنداء حربي يومي لا يرحم. كانت الغرفة الصغيرة التي يقيم فيها، ملاذه الوحيد من عالم يبدو غريبًا عليه، مليئة بأكوام الكتب الاقتصادية القديمة التي شهدت أحلامه السابقة، وجهاز كمبيوتر محمول يضيء بشاشة فارغة تنتظر أفكارًا جديدة. نهض ببطء، جسده يحمل أثر الليالي المتقطعة، حيث يمزج النوم بين أحلام السينما وكوابيس البحث عن عمل الذي لا ينتهي.

ارتدى معطفه الشتوي الثقيل، ذلك الذي اشتراه من سوق مستعمل قبل سنوات، ونظر إلى المرآة المتصدعة قليلاً، فرأى وجهًا في الثلاثين يحمل خطوط الإرهاق المبكر، عيونًا عميقة تحمل بريقًا من الأمل المتمرد. تناول فنجان قهوة سوداء سريعة، ساخنة بما يكفي لتدفئ يديه المتصلبة من البرد، وتذوق فيها مرارة الصباحات المتكررة، تلك المرارة التي أصبحت رفيقة حياته منذ ترك وظيفته السابقة في مجال الاقتصاد، ليغوص في بحر الإخراج السينمائي الذي طالما حلم به.

خرج إلى الشارع الضيق، حيث ينتشر ضباب الصباح الوالوني كستار يخفي ملامح المدينة النائمة، ووقف في محطة الحافلة تحت مظلة متهالكة، ينتظر مع آخرين يشتركون في صمت الروتين اليومي. الهواء البارد يقرص الوجنتين، والأمطار الخفيفة تتساقط كدموع السماء على أرض لييج الصناعية القديمة، تلك المدينة التي شهدت ازدهارًا وانحدارًا، تمامًا كحياة سكانها.

التقى هناك بماري، الفتاة ذات الشعر الأشقر المجعد والعيون الخضراء المليئة بالعزيمة، تحمل حقيبتها الثقيلة مليئة بكتب السيناريو والكاميرا الصغيرة. ابتسمت له ابتسامة متعبة، وقالت بصوت خافت: "صباح الخير، جان بيير، هل نمت جيدًا؟" فأجابها بضحكة خفيفة: "النوم؟ رفيق نادر في هذه الأيام." ثم انضم لوك، الشاب الطويل ذو اللحية الكثيفة، يحمل دفتر رسوماته، وإيما، الصغيرة الحيوية التي تحمل دائمًا كتابًا في يدها، جميعهم يشتركون في حلم واحد: أن يصبحوا مخرجين، يروون قصصًا تعكس واقعًا قاسيًا.

ركبت الحافلة الأولى، تلك الآلة الحديدية التي تحمل عشرات الأرواح المتعبة نحو وجهاتها، وجلسوا معًا في المقاعد الخلفية، يتبادلون كلمات عن الدرس القادم، عن المشروع الجماعي الذي ينتظرهم في فليمال. كانت الرحلة تبدأ ببطء، تمر عبر شوارع لييج المزدحمة، مرورًا بمصانع قديمة مهجورة وأحياء سكنية تذكر بتاريخ صناعي مجيد، ثم تخرج إلى الطريق السريع حيث يزداد الازدحام.

مع كل كيلومتر، يغوص جان بيير في أفكاره، يتذكر شهادته في الاقتصاد من جامعة لييج، كيف كانت أحلامه تتجه نحو تحليل الأسواق والسياسات، لكن الواقع دفعته إلى البحث عن شيء أكثر إنسانية، السينما التي تروي قصص الناس العاديين. الآن، يجد نفسه ملزمًا بإثبات "نشاطه" أمام Onem كل شهر، يرسل تقارير عن بحثه عن عمل، رغم أن التكوين في الإخراج هو أفضل استثمار في مستقبله.

تغيرت الحافلة في محطة وسطى، واستمرت الرحلة، ساعة كاملة ذهابًا، مع توقفات متكررة وازدحام يطيل الوقت، حتى أصبحت ساعتين في بعض الأيام. ينظرون من النوافذ إلى المناظر الوالونية، الحقول الخضراء المغطاة بضباب، الجسور فوق نهر الميز، والمدن الصغيرة التي تمر سريعًا.

أخيرًا، يصلون إلى فليمال، ينزلون متعبين، أجسادهم تشتكي من الجلوس الطويل، لكن قلوبهم تنبض بحماس اليوم الجديد. يمشون نحو المركز، خطوات سريعة تحت السماء الرمادية، يعرفون أن الجهد يبدأ الآن حقًا، في غرف الدراسة حيث تنتظرهم الشاشات والكاميرات والأحلام المؤجلة.

هكذا يبدأ يوم جان بيير وأصدقائه، رحلة لا تنتهي من الاستيقاظ المبكر إلى الوصول المتأخر، في مدينة تذكر دائمًا بأن الحلم يتطلب تضحية، وأن الطريق إليه مليء بالحافلات البطيئة والصباحات الباردة.

2

مع كل دورة لعجلات الحافلة على الطريق الرطب، يغوص جان بيير أعمق في ذكرياته، كأن الزجاج المغطى بقطرات المطر يصبح مرآة للماضي. كانت شهادته في الاقتصاد من جامعة لييج، تلك القلعة الأكاديمية التي تطل على نهر الميز، تبدو ذات يوم مفتاحًا لعالم من الأرقام والتنبؤات، حيث يحلل الأسواق كما يحلل الشعراء النفوس. درس النظريات الكبرى، منحنيات العرض والطلب، أزمات الديون، وكيف تتحكم الاحتكارات في مصائر الشعوب، لكنه اكتشف تدريجيًا أن تلك الأرقام تخفي وجوهًا بشرية، قصصًا من الفقر واليأس لا تُقاس بمؤشرات.

ترك الوظيفة الإدارية الباهتة التي حصل عليها بعد التخرج، تلك التي كانت تُغرقه في تقارير لا تنتهي عن أرباح الشركات الكبرى، وشعر أن روحه تذبل بين جدران مكتبية باردة. السينما كانت دائمًا عشيقته السرية، تلك الفن التي تروي الحقيقة عبر الصور المتحركة، عبر الظلال والأنوار التي تعكس الواقع الأليم. قرر الغوص فيها، رغم تحذيرات الأهل والأصدقاء، رغم الضغط اليومي من Onem الذي يطالبه بإثبات "نشاطه" في البحث عن عمل، كأن الحلم جريمة يجب تبريرها.

إلى جانبه، ماري تضغط على كتاب سيناريو مفتوح، عيناها تتجولان بين السطور، كأنها تبحث عن كلمات تعبر عن غضبها المكبوت. كانت ماري، ابنة عامل منجم سابق، قد تركت دراستها في الأدب لتتبع شغفها بالكتابة السينمائية، وهي الآن تكتب قصة عن فتاة تُجبر على التخلي عن أحلامها بسبب نظام لا يرحم. لوك، بجانبهما، يرسم في دفتر صغير مشاهد سريعة لفيلم قصير يدور حول رحلة يومية كهذه، يرى فيها رمزًا للاستنزاف البطيء الذي يعيشه الشباب الوالوني. أما إيما، فتستمع إلى بودكاست عن تاريخ السينما البلجيكية، صوتها الداخلي يردد أن الفن هو الملاذ الوحيد من واقع يُعامل الإبداع كترف لا يُغتفر.

تتوقف الحافلة في محطة وسطى، ينزل بعض الركاب ويصعد آخرون، وجوه متعبة تحمل قصصًا مشابهة، عمال يتوجهون إلى مصانع بعيدة، عاطلون يحضرون دورات تكوين إجبارية. ينتقلون إلى حافلة أخرى، أكثر ازدحامًا، حيث يقفون ممسكين بالمقابض، أجسادهم تتمايل مع كل منعطف. الطريق يمتد عبر التلال الخضراء المغطاة بضباب كثيف، مرورًا بقرى صغيرة تذكر ببلجيكا القديمة، حيث كانت الحياة أبسط، والضمان الاجتماعي عهدًا مقدسًا لا يُمس.

مع كل دقيقة تمر، يشعر جان بيير بثقل الرحلة، ساعتين ذهابًا في بعض الأيام، بسبب الازدحام أو التأخير، وقت يُسرق من حياته دون عائد، لكنه يعرف أن البديل أسوأ: البقاء في الشقة، يواجه مراقبة Onem الشهرية، يُجبر على إثبات أنه "يبحث" بينما قلبه في مكان آخر. يفكر في والده، الذي استنزف عمره في جدول عمل متناوب، أسابيع ليلية وأخرى صباحية، لم يصل إلى تقاعد كامل، تاركًا إرثًا من الإرهاق المزمن.

ماري تهمس له: "هل تتخيل لو كنا نعمل في استوديو حقيقي في بروكسل؟" فيجيب بابتسامة حزينة: "لكن فليمال هو فرصتنا الوحيدة، رغم الطريق الطويل." لوك يضيف: "هذا الطريق نفسه فيلم، رحلة بطل يومية نحو المجهول." إيما تضحك خفيفًا: "بطل متعب، يحمل كاميرا بدل سيف."

تستمر الحافلة في طريقها، تمر بجسور فوق أنهار صغيرة، بمزارع تذكر بتاريخ فلاحي قديم، ومصانع حديثة تلوح في الأفق، رموز لعالم يتغير بسرعة، يطرد العمال ويستبدلهم بآلات. جان بيير يغلق عينيه قليلاً، يتخيل مشهدًا سينمائيًا: كاميرا تتبع الحافلة من الخارج، تلتقط وجوه الركاب المتعبة، موسيقى حزينة تعزف على خلفية المناظر الوالونية الجميلة والقاسية في آن.

أخيرًا، بعد ساعتين كاملتين من الرحلة، تظهر مباني فليمال في الأفق، المركز يلوح كواحة في صحراء الروتين. ينزلون، يمشون بخطى متسارعة نحو الباب، الهواء البارد يوقظهم، والحماس يعود إلى عيونهم. اليوم يبدأ حقًا الآن، في غرف الدراسة حيث تنتظرهم الشاشات والكاميرات، والأحلام التي ترفض الموت رغم كل الاستنزاف.

هكذا تكتمل الرحلة الصباحية، مزيج من الإرهاق الجسدي والعزيمة الروحية، في مدينة لييج التي تُعلّم أبناءها أن الحلم ثمنه باهظ، لكنه الوحيد الذي يستحق الدفع.

3

مع اقتراب الحافلة من فليمال، يبدأ الضباب في التبدد تدريجيًا، كأن السماء تكشف عن سرها ببطء، تاركة مكانًا لأشعة شمس خجولة تخترق السحب الرمادية الثقيلة. يشعر جان بيير بتغيير في الجو، كأن المدينة الصغيرة هذه، بمبانيها الصناعية القديمة وشوارعها الهادئة، تُرحب بهم كملاذ مؤقت من عاصفة الحياة اليومية. ينزلون من الحافلة، أقدامهم تلامس الأرض الرطبة، والهواء البارد يملأ رئتيهم بنكهة الحديد والأرض الخصبة، تلك النكهة التي تذكر بوالونيا الأصيلة، أرض الفحم والأحلام المؤجلة.

يمشون بخطى متسارعة نحو المركز، مجموعة صغيرة متماسكة كأنها قبيلة في رحلة هجرة يومية، يتبادلون نظرات تشجيعية تخفي الإرهاق الذي يتراكم في العظام. جان بيير يحمل حقيبته الثقيلة على كتفه، يشعر بثقلها كرمز للأحمال التي يحملها الجميع: أحلام ثقيلة، مسؤوليات مالية، ضغط المراقبة الشهرية من Onem التي تحول الحياة إلى سلسلة من التقارير والإثباتات. ماري تمشي بجانبه، خطواتها السريعة تعكس عزيمتها، وهي تتحدث بصوت منخفض عن المشروع الجديد: "اليوم سنبدأ في المونتاج، جان بيير، تخيل لو أنهينا الفيلم القصير عن الرحلة هذه، عن كيف تُسرق ساعاتنا في الطريق."

لوك يضحك ضحكة خافتة، يقول: "فيلم عن الحافلة، عن الوجوه المتعبة التي نراها كل صباح، عن الشباب الذين يُعاملون كأعباء بدل كنوز." إيما تضيف، وهي تتسارع لتلحق بهم: "ونضيف موسيقى حزينة، شيء يشبه ألحان الوالون القديمة، لنعبر عن الفقدان البطيء للأمل." يشعرون جميعًا بأن هذا التكوين ليس مجرد دورة، بل محاولة للتمرد، لتحويل الواقع القاسي إلى فن يشهد عليه.

يدخلون المبنى، ذلك المركز المتواضع في فليمال الذي يُعتبر واحة للطامحين في عالم السينما، غرف مليئة بشاشات قديمة وكاميرات مستعملة، جدران مزينة بملصقات أفلام بلجيكية كلاسيكية تذكر بأيام كان الفن فيها مدعومًا لا مُجرمًا. يجلسون في القاعة، يفتحون دفاترهم، والمدرب يبدأ الدرس بكلمات حماسية عن قوة الصورة في تغيير القلوب. جان بيير يركز، يدونه ملاحظات سريعة، يشعر أن كل درس جديد هو خطوة نحو حريته، رغم أن الطريق إليه مليء بالعقبات.

مع نهاية الصباح، يخرجون لاستراحة قصيرة، يقفون تحت شجرة عارية في ساحة المركز، يدخنون سيجارة أو يتناولون ساندويتش بسيط، يتحدثون عن أحلامهم الكبيرة: فيلم يُعرض في مهرجان بروكسل، أو عمل في شركة إنتاج حقيقية. لكن تحت السطح، يلازم القلق: ماذا لو قطعوا الإعانة بعد سنتين؟ ماذا لو اعتبرت الحكومة جهدهم هذا "كسلًا"، رغم الرحلة اليومية الطويلة والتكوين المرهق؟

يعودون إلى القاعة، يبدأ الجزء العملي، جان بيير يجلس أمام الشاشة، يقطع مشاهدًا افتراضية، يبني قصة من لا شيء، يشعر أن هذا هو عمله الحقيقي، الذي يُعيد له كرامته. ماري تكتب حوارًا مؤثرًا، لوك يرسم ستوري بورد، إيما تختار موسيقى خلفية. الوقت يمر سريعًا هنا، خلافًا للرحلة في الحافلة، حيث يتوقف الزمن ويُسرق.

مع اقتراب نهاية اليوم، يجمعون أغراضهم، يودعون المدرب، ويخرجون إلى الشارع مرة أخرى، جاهزين للرحلة العكسية، ساعتين إيابًا نحو لييج، حيث تنتظرهم الشقة الباردة والأفكار الجديدة. يشعر جان بيير بمزيج من الإرهاق والرضا، يعرف أن غدًا سيكون مشابهًا، لكنه يتمسك بالأمل، ذلك البريق الخافت في عيونهم جميعًا، الذي يقاوم الظلام الوالوني.

هكذا ينتهي اليوم الأول في فليمال، ليس بانتصار كبير، بل بصمود يومي، في عالم يُعامل الأحلام كجريمة، لكن الشباب يصرون على ارتكابها كل صباح. الرحلة مستمرة، والقصة لم تنته بعد، في مدينة تُعلّم أبناءها أن الكرامة تُكتسب بالجهد، لا تُمنح كهدية.




4

مع اقتراب نهاية اليوم في مركز فليمال، يبدأ الظلام يتسلل ببطء إلى النوافذ الكبيرة للقاعة، كأن الليل الوالوني يمد أذرعه الطويلة ليحتضن المدينة الصغيرة ويُنهي فصلًا آخر من الجهد اليومي. يجمع جان بيير أغراضه بيدين متعبتين، يغلق البرنامج على الشاشة حيث كان يقطع مشاهدًا افتراضية، يبني من لا شيء قصة تُشبه حياته: رحلة بلا نهاية، أمل يقاوم الاستنزاف. ينظر إلى أصدقائه، ماري تغلق دفترها بابتسامة رضا خافتة، لوك يمحو خطوطًا أخيرة في رسوماته، إيما تُطفئ الكاميرا الصغيرة التي التقطت بها لقطات تجريبية، جميعهم يشعرون بذلك الإرهاق الجميل الذي يأتي بعد يوم منتج، خلافًا للإرهاق الفارغ الذي يفرضه البحث الإجباري عن عمل.

يودعون المدرب بكلمات شكر دافئة، يعدونه بإكمال المشروع الجماعي في الغد، فيلم قصير عن الرحلة اليومية التي يعيشونها، رمز للشباب الذين يُسرق وقتهم في طرق طويلة وأحلام مؤجلة. يخرجون إلى الشارع، الهواء البارد يصفع وجوههم كتذكير بأن اليوم لم ينته بعد، الرحلة العكسية تنتظرهم، ساعتين إيابًا نحو لييج، حيث الشقق الباردة والليالي الطويلة من التفكير والكتابة.

يمشون نحو محطة الحافلة، خطواتهم أبطأ الآن، أجسادهم تحمل أثر الجلوس الطويل أمام الشاشات، العيون متعبة من التركيز على التفاصيل الدقيقة للمونتاج. ماري تتحدث بصوت منخفض عن الحوار الذي كتبته، كيف جعلت البطلة تتحدث عن الضغط النفسي من المراقبة الشهرية، عن كيف يُعامل الجهد ككسل. لوك يوافق، يقول إن الرسومات التي أنجزها اليوم ستكون خلفية لمشهد الانتظار في المحطة، رمز للزمن المسروق. إيما تضيف أنها ستختار موسيقى خلفية حزينة، شيء يشبه أنغام البيانو الوالونية القديمة، لتعبر عن اليأس المكبوت.

يصلون إلى المحطة، يقفون تحت المظلة نفسها التي حمتهم صباحًا، الآن تحت ضوء مصباح أصفر باهت يلقي ظلالاً طويلة على الأرض الرطبة. الحافلة تأتي متأخرة قليلاً، كعادتها، ويركبون، يجلسون في المقاعد الخلفية مرة أخرى، النوافذ مغطاة ببخار التنفس الجماعي للركاب المتعبين. تبدأ الرحلة العكسية، عكس الصباح، لكن الإرهاق أثقل الآن، بعد يوم كامل من التركيز والإبداع.

مع كل كيلومتر يبتعدون عن فليمال، يغوص جان بيير في صمت تأملي، يفكر في كيف أن هذا التكوين، رغم إرهاقه، هو الشيء الوحيد الذي يُعيد له شعورًا بالحياة. يتذكر الليالي التي قضاها في دراسة البرمجة سابقًا، أو الإخراج، ساعات طويلة أمام الشاشة، جهد يفوق العمل الروتيني، لكنه يُعامل كترف لا يُغتفر. ماري تنام قليلاً على كتفه، رأسها يتمايل مع حركة الحافلة، لوك يرسم خطوطًا خفيفة في دفتر مفتوح، إيما تقرأ كتابًا تحت ضوء خافت.

المناظر تتغير خارج النافذة، فليمال تبتعد، التلال الخضراء تتحول إلى أضواء المدن الصغيرة، ثم يقتربون من لييج، المدينة الأم التي تُرحب بهم دائمًا بأنوارها الشاحبة وشوارعها المزدحمة. يشعرون بثقل اليوم، أربع ساعات نقل، يوم دراسي مكثف، لكن في قلوبهم رضا خفي، ذلك الذي يأتي من بناء شيء جديد، من رفض الاستسلام.

أخيرًا، يصلون إلى محطة لييج الرئيسية، ينزلون، يودعون بعضهم بكلمات سريعة عن الغد، يتفرقون نحو أحيائهم، جان بيير يمشي وحده في الشوارع المظلمة، يفكر في الشقة التي تنتظره، في التقرير الشهري لـOnem الذي يجب إعداده، في الفيلم الذي سيُكمله يومًا ما.

هكذا ينتهي اليوم، ليس بانكسار، بل بصمود هادئ، في عالم يُجبر الشباب على الرحلات الطويلة والأحلام المؤجلة، لكن الروح تظل تتمرد، تكتب قصتها الخاصة رغم كل الظلام. الغد ينتظر، مع حافلة أخرى، وصباح جديد، وأمل يرفض التلاشي في ضباب الوالون.


5

مع عودة الحافلة إلى طريقها نحو لييج، يغلف الظلام الوالوني النوافذ كستار ثقيل، يحول المناظر الخارجية إلى انعكاسات باهتة للوجوه المتعبة داخل المقصورة. يجلس جان بيير بجانب النافذة، يمسح البخار بكمه ليطل على الطريق السريع الذي يبتلعه الليل، أضواء السيارات تمر كنجوم ساقطة في سماء أرضية قاسية. الرحلة العكسية تبدو أطول دائمًا، كأن الزمن يتمدد في الإرهاق، يسرق منهم ساعات إضافية كعقاب خفي على يوم قضوه في بناء أحلامهم.

ماري تنام برأسها المائل على كتفه، تنفسها الهادئ يعكس سلامًا مؤقتًا وسط العاصفة اليومية، بينما لوك يغلق دفتر رسوماته ببطء، عيناه تتجولان في الفراغ كأنه يرى المشاهد التي رسمها تتحرك أمامه. إيما تقرأ تحت ضوء خافت من هاتفها، صفحات كتاب إلكتروني عن مخرجين بلجيكيين كبار، تبحث عن إلهام في قصص نجاح جاءت بعد سنوات من الصمود. الصمت يسود المجموعة، صمت المتعبين الذين يعرفون أن الكلمات لن تخفف الثقل، لكن الوجود المشترك يُعطي قوة خفية.

مع كل توقف في محطة جانبية، يصعد ركاب جدد، وجوه غريبة تحمل قصصًا مشابهة، عمال يعودون من نوبات ليلية، عاطلون انتهوا من دورات تكوين إجبارية، الجميع يشتركون في تلك النظرة الشاردة التي تُخفي يأسًا مكبوتًا. جان بيير يفكر في كيف أن هذه الحافلة، هذه الآلة الحديدية البطيئة، أصبحت رمزًا لحياتهم: نقل بلا هدف واضح، رحلة تُسرق فيها الساعات دون عائد ملموس، رغم أن الوجهة هي بناء مستقبل.

يتذكر الصباح، كيف استيقظ باكرًا في شقته الصغيرة بأنجي، المنبه يرن كنداء لا يرحم، القهوة السوداء تدفئ يديه، الخروج إلى البرد الذي يقرص الجلد. ثم اللقاء بأصدقائه في المحطة، الابتسامات المتعبة، الكلمات التشجيعية التي تخفي القلق. الرحلة ذهابًا كانت مليئة بالأمل، الحديث عن الدرس القادم، عن المشروع الجماعي، لكن الإياب يحمل ثقل اليوم، الإرهاق الذي يتراكم كطبقات من الثلج على الروح.

ماري تستيقظ قليلاً، تهمس: "كم الساعة؟" فيجيب جان بيير: "سبع ونصف، سنصل قريبًا." تضحك ضحكة خافتة: "قريبًا؟ في عالم الحافلات، قريبًا تعني ساعة أخرى." لوك يتدخل: "لكن غدًا نعود، نفس الرحلة، نفس الأمل." إيما تغلق هاتفها: "نعم، لأن البديل هو الاستسلام، والاستسلام موت بطيء."

تستمر الحافلة في طريقها، تمر بجسور مضيئة فوق نهر الميز، أضواء لييج تلوح في الأفق كوعد بعودة إلى المنزل، لكن المنزل نفسه مليء بالقلق: الفواتير، التقارير لـOnem، الخوف من قطع الإعانة بعد سنتين، رغم الجهد اليومي الهائل. جان بيير يفكر في والده مرة أخرى، كيف استنزف عمره في عمل ليلي وصباحي، لم يصل إلى تقاعد كامل، تاركًا درسًا قاسيًا: النظام يأخذ أكثر مما يعطي.

مع اقتراب المدينة، يزداد الازدحام، الحافلة تتوقف وتنطلق، الركاب يتنهدون في صمت جماعي. يشعرون بأن هذه الرحلة ليست مجرد نقل، بل استعارة لحياتهم: طريق طويل، مليء بالتوقفات، ي lead إلى وجهة غير مضمونة. لكن في قلوبهم، يبقى البريق، ذلك الذي يولد من الإبداع في فليمال، من بناء قصص تعكس واقعهم.

أخيرًا، تصل الحافلة إلى محطة لييج الرئيسية، ينزلون تحت أضواء النيون الباهتة، يودعون بعضهم بـ"إلى الغد"، كلمات تحمل وعدًا بالاستمرار. جان بيير يمشي وحده نحو أنجي، الشوارع المظلمة تبتلعه، لكنه يحمل في قلبه مشاهد اليوم، الأفكار الجديدة، الأمل الذي يرفض التلاشي رغم كل الإرهاق.

هكذا ينتهي يوم آخر، في دورة لا تنتهي من الرحلات والأحلام، في بلجيكا التي تُعلّم أبناءها أن الكرامة تُكتسب بالصمود، لا تُمنح بسهولة، وأن الطريق الطويل هو الذي يصنع الأبطال الحقيقيين، حتى لو كانوا مجرد شباب يركبون الحافلة كل صباح. الغد ينتظر، مع استيقاظ مبكر جديد، ورحلة أخرى، وأمل يتجدد في ضباب الصباح الوالوني.


6
مع وصول الحافلة أخيرًا إلى محطة لييج الرئيسية، ينفتح الباب بصفير خافت كأنه تنهيدة طويلة لآلة متعبة، ويندفع الهواء البارد إلى الداخل، يحمل معه رائحة المدينة المسائية: دخان السيارات، رطوبة نهر الميز، ولمسة من الثلج المتساقط خفيفًا على الأرصفة. ينهض جان بيير ببطء، جسده يشتكي من الجلوس الطويل، عضلاته متصلبة كأنها أعمدة حديدية صدئة من مصنع قديم، يمد يده ليساعد ماري على النهوض، فتبتسم له ابتسامة شكر خافتة، عيونها الخضراء تحمل أثر اليوم الطويل، ذلك البريق الذي يخفي الإرهاق خلف ستار من العزيمة.

ينزلون معًا، خطواتهم تتردد على الرصيف المبلل، يودعون بعضهم بكلمات سريعة تحمل وعدًا باللقاء غدًا: "إلى الصباح، جان بيير"، تقول إيما بصوتها الحيوي الذي يحاول دائمًا إضاءة الظلام، "نعم، إلى الغد"، يجيب لوك وهو يعدل حقيبته على كتفه، ثم يتفرقون في الشوارع المظلمة، كأرواح تبتعد في ليل المدينة، كل واحد يحمل جزءًا من اليوم المشترك في قلبه.

يمشي جان بيير وحده نحو أنجي، الشوارع الضيقة تبتلعه كأنها أحشاء مدينة حية تنبض بأنوار النيون الباهتة والسيارات المتسارعة، الثلج الخفيف يتساقط على معطفه، يذوب ببطء كأحلامه التي تذوب يوميًا تحت ضغط الروتين. يمر بجانب مقهى صغير مضيء، يرى داخلها وجوهًا تضحك وتتحدث بحرية، يشعر بلمحة من الحسد، ثم يستمر، يفكر في الشقة التي تنتظره، تلك الغرفة الصغيرة التي أصبحت ملاذه و سجنه في آن.

الطريق إلى المنزل يبدو أقصر من الرحلة الصباحية، لكنه أثقل، محمل بأفكار اليوم: المشاهد التي قطعها، الحوار الذي كتبته ماري، الرسومات التي أبدعها لوك، اللقطات التي التقطتها إيما. يتخيل الفيلم الذي سيولد من هذا الجهد، فيلم عن الرحلة اليومية، عن الشباب الذين يُسرق وقتهم في حافلات بطيئة، عن أحلام تُجبر على الانتظار في محطات باردة. ربما يصبح هذا الفيلم صوتًا لهم، شهادة على الظلم الذي يعيشونه، على كيف يُعامل الجهد ككسل، والتكوين كترف.

يصل إلى البناية القديمة، يصعد الدرج ببطء، المفتاح يدور في القفل بصوت مألوف، يدخل الشقة، يُشعل الضوء الأصفر الخافت الذي يلقي ظلالاً طويلة على الجدران. يخلع معطفه، يجلس على الكرسي القديم أمام الطاولة، يفتح دفتر ملاحظاته، يكتب أفكارًا سريعة عن اليوم، عن المونتاج الذي تعلمه، عن الحوار الذي يريد إضافته. الإرهاق يغلبه، لكنه يقاوم، يعد عشاءً بسيطًا، خبز وجبن وشاي ساخن، يأكل في صمت، يستمع إلى صوت المدينة خارج النافذة.

يفكر في الغد، في الاستيقاظ المبكر مرة أخرى، في الرحلة الطويلة، في الدرس الجديد، في الأمل الذي يتجدد كل صباح رغم كل شيء. يتذكر والده، كيف كان يعود متعبًا من نوبات ليلية، ينام قليلاً ثم يستيقظ ليوم جديد، درس في الصمود لم يُقدره النظام يومًا. يغلق الدفتر، يُطفئ الضوء، يرقد على السرير، يغلق عينيه، يرى في الظلام مشاهد الفيلم الذي يحلم به، قصة عن شباب يرفضون الاستسلام، عن رحلة لا تنتهي نحو الكرامة.

الليل يغلف لييج، الثلج يتساقط بهدوء، والمدينة تنام، لكن في قلب جان بيير، يبقى البريق، ذلك النار الخفية التي تُضيء الطريق الطويل، تنتظر الفجر الجديد، المنبه الذي سيرن مرة أخرى، الرحلة التي ستستمر، والأمل الذي يرفض الموت في ضباب الوالون. هكذا ينتهي اليوم، ويبدأ آخر، في دورة الحياة التي تُعلّم أن الصمود هو الفن الأعظم، والحلم هو السلاح الوحيد ضد الظلم اليومي. الغد يأتي، مع حافلة أخرى، وصباح جديد، وقلوب تتمرد في صمت.

الفصل الثاني

1

مع بزوغ شمس شتوية خجولة فوق فليمال، يدخل جان بيير وأصدقاؤه المركز مرة أخرى، كأن هذا المبنى المتواضع يصبح كل يوم قلعة صغيرة تقاوم حصار الواقع القاسي. الهواء داخل القاعة دافئ نسبيًا، يحمل رائحة القهوة الطازجة والورق المطبوع حديثًا، والشاشات الكبيرة تنتظر أصابعهم كألواح فارغة تنشد الرسام الذي يحول الفوضى إلى معنى. يجلسون في أماكنهم المعتادة، يفتحون أجهزتهم بيدين لا تزال تحمل برودة الرحلة الطويلة، عيونهم متعبة لكنها مليئة بذلك البريق الخفي الذي يولد من الإبداع، بريق يقاوم الإرهاق كما تقاوم جذور الشجرة الوالونية طبقات التربة الصلبة.

يبدأ المدرب اليوم بصوت هادئ لكنه مشحون بالعمق، يتحدث عن المونتاج كفن يشبه الجراحة الدقيقة للروح البشرية، كيف يقطع المخرج اللحظات الزائدة ليترك الجرح ينزف معنى، كيف يلصق المشاهد ليبني من الألم قصة تُشفي أو تُدمي في آن. جان بيير يميل إلى الأمام، يدونه ملاحظات سريعة على شاشته، يشعر أن كل كلمة جديدة هي خطوة نحو حريته، نحو عالم يُقدر فيه الجهد الفكري لا يُعامل كترف يُعاقب عليه. ينظر إلى البرنامج المفتوح أمامه، يستورد المشاهد الخام التي صوروها أمس، لقطات من الحافلة المتمايلة، من الوجوه الشاردة في النوافذ، من الطريق الذي يبتلعه الضباب كوحش جائع يلتهم الزمن.

ماري، بجانبه، تفتح دفترها بيدين رقيقتين، تبدأ في كتابة حوار جديد، كلمات تتدفق من قلمها كأنها دموع مكبوتة منذ سنوات، حوار عن شاب يقضي ساعات في الطريق ليتعلم فنًا يحبه، ثم يُتهم بالكسل لأنه رفض وظيفة تُميت الروح. لوك، في الصف الأمامي، يرسم خطوطًا جريئة على لوحته الرقمية، يبني ستوري بورد لمشهد الانتظار في المحطة، يرى في كل خط رمزًا للصبر المؤلم، للشباب الذين يقفون تحت المطر انتظارًا لحافلة متأخرة، كرمز لانتظار حياة أفضل. إيما تختبر كاميراتها الصغيرة، تلتقط لقطات سريعة للقاعة، للأيدي المتحركة على اللوحات، تبني أرشيفًا من اللحظات الحقيقية التي ستُحول إلى فن يشهد على الظلم.

الدرس يتقدم بإيقاع هادئ لكنه مشحون، ينتقل المدرب إلى الجانب العملي، يطلب منهم بناء تسلسل مونتاج من مشاهد خام، يحولون الفوضى إلى قصة متماسكة عن الاستنزاف البطيء للأمل. جان بيير يغوص في البرنامج، أصابعه تتحرك كراقصة على اللوحة، يقطع لقطة هنا ليُبرز التعب في عيون راكب، يلصق أخرى هناك ليُظهر الطريق الطويل كرمز للرحلة الإنسانية. يشعر أن هذا المونتاج ليس تقنية باردة، بل علاج لجراحه الخفية، طريقة ليُعيد ترتيب فوضى أيامه، ليحول الإرهاق إلى جمال، الطريق الطويل إلى قصيدة بصرية.

مع مرور الساعات، يزداد التركيز في القاعة، الصمت يسود إلا من صوت النقرات الخافتة والهمسات المتحمسة بين الطلاب، يتبادلون نصائح كأخوة في معركة مشتركة، يساعد جان بيير ماري في تعديل انتقال بين مشهدين، لوك يُظهر لإيما كيف يُحسن الإضاءة في لقطة مظلمة. يشعرون أن هذا التعاون هو الملاذ الحقيقي، في عالم خارجي يُفرق بين الناس، يُصنفهم كمنتجين أو عاطلين، كأصول أو أعباء، هنا يصبحون واحدًا، يبنون معًا قصة تعكس آلامهم وأحلامهم.

ماري تُقرأ حوارها بصوت منخفض لجان بيير، كلمات تُدمي القلب عن فتاة تُجبر على الرحلة اليومية، تتحدث عن الضغط الذي يتراكم كالثلج على النافذة، عن كيف يُسرق الشباب وقتهم في انتظار حافلة، وعن الأحلام التي تذبل ببطء. يشعر جان بيير بدموع تكاد تسقط، يقول لها: "هذا ليس حوارًا، بل اعتراف." لوك يضيف رسوماته، خطوط تعبر عن الحركة البطيئة للحافلة، إيما تختار موسيقى خلفية حزينة تشبه أنغام البيانو في ليالي الوالون الباردة.

الغداء يأتي كاستراحة قصيرة، يخرجون إلى الساحة، يجلسون على مقعد خشبي تحت شجرة عارية، يتناولون وجبات بسيطة، يتحدثون عن كيف سيجعلون الفيلم شهادة حية، عن الشباب الذين يضحون يوميًا ليبقوا أحياء فكريًا، عن كبار السن الذين استنزفوا أعمارهم في بحث غير مجد. البرد يقرص وجوههم، لكن الحديث يدفئ قلوبهم، يشعرون أن هذا اليوم جزء من معركة أكبر، معركة ضد نظام يُعامل الإبداع كجريمة.

يعودون إلى القاعة، يستمر الجهد، جان بيير يُكمل مونتاجه، يرى المشاهد تتحول إلى قصة متماسكة، عن رحلة تبدأ بالأمل وتستمر بالصمود. الوقت يمر سريعًا هنا، يتدفق الإبداع كنهر يغسل الإرهاق، يُعيد البناء من الرماد. مع نهاية اليوم، يعرضون أعمالهم، يناقشون، يشعرون بفخر يُعوض عن الثقل، ثم يجمعون أغراضهم، يخرجون إلى الشارع، جاهزين للرحلة العكسية، لكن أرواحهم أخف، محملة بما خلقوه.

هكذا يبدأ اليوم في فليمال، فصل جديد من الجهد اليومي، في مركز يصبح معبدًا للأحلام المتمردة، حيث يتحول الإرهاق إلى فن، والرحلة الطويلة إلى قصيدة بصرية تُشهد على الصمود الإنساني في وجه الظلم اليومي. الإبداع يستمر، والقصة تُكتب، في قلوب ترفض الخضوع.

2

مع مرور الساعات في قاعة فليمال، يزداد التركيز كأن الهواء نفسه يثقل بوزن الأفكار المتدفقة، والشاشات تضيء وجوه الشباب بضوء أزرق بارد يعكس بريق العيون المتعبة والمتمردة في آن. جان بيير يغوص أعمق في برنامج المونتاج، أصابعه تتحرك كأنها تلامس أوتار آلة موسيقية خفية، يقطع مشهدًا من الرحلة الصباحية حيث تظهر الحافلة كوحش حديدي يبتلع الركاب، يلصق آخر يُظهر وجه ماري الشارد في النافذة، عيونها تعكس السماء الرمادية كمرآة لليأس المكبوت. يشعر أن كل قطعة يضيفها هي قطعة من روحه، جزء من الجرح اليومي الذي ينزف في صمت، لكنه يحوله إلى فن يُشهد على الظلم، يُعيد الكرامة للأيام المسروقة.

ماري، بجانبه، تكتب بحماس متزايد، قلمها يخدش الورق كأنه يحفر في صخر الواقع، حوار يتدفق كدموع غزيرة عن شاب يقضي أربع ساعات يوميًا في الطريق، يتعلم فنًا يحبه، ثم يُتهم بالكسل لأن سوق العمل يرفضه، يُجبر على إثبات نشاطه أمام جهاز بيروقراطي بارد لا يرى الجهد الخفي. كلماتها تُدمي، تعبر عن الغضب المكبوت لجيل يُسرق وقته في حافلات متأخرة، في انتظار يطول كعقاب إلهي على الحلم بالأفضل. لوك يرسم بجانبهما، خطوطه الجريئة تُشكل ستوري بورد لمشهد الانتظار في المحطة، يرى في كل خط منحنيًا حركة الحافلة البطيئة، في كل ظل رمزًا للشباب الذين يقفون تحت المطر، ينتظرون فرصة لا تأتي، يصنعون من الانتظار فنًا يتمرد على الزمن.

إيما تتحرك بين المقاعد كظل خفيف، كاميراتها الصغيرة تلتقط لقطات سريعة للقاعة، للأيدي المتحركة على الشاشات، للوجوه المركزة التي تحمل أثر الرحلة الطويلة، تبني أرشيفًا من اللحظات الحقيقية التي ستُحول إلى فيلم يشهد على الاستنزاف، على كيف يُعامل الجهد كجريمة في عالم يُقدس الإنتاجية السطحية. يتبادلون النظرات، يهمسون نصائح، جان بيير يساعد ماري في تعديل انتقال بين مشهدين، لوك يُظهر لإيما كيف يُحسن الإضاءة في لقطة مظلمة تعكس اليأس، يشعرون أن هذا التعاون هو الملاذ الحقيقي، في قاعة تُصبح عالمهم الخاص، بعيدًا عن مراقبة Onem الشهرية التي تحول الحياة إلى سلسلة من التقارير والإثباتات الباردة.

الدرس يتقدم، ينتقل المدرب إلى مناقشة أعمق عن كيف يُستخدم المونتاج ليُبرز التناقضات، كيف يُقابل مشهد الرحلة الطويلة بلقطة للإبداع في القاعة، ليُظهر الجهد الخفي الذي يُتجاهل، الاستنزاف الذي يُسمى كسلًا. جان بيير يضيف موسيقى خلفية حزينة، أنغام بيانو والونية قديمة تُعبر عن الفقدان البطيء، يرى المشاهد تتحول إلى قصة متماسكة، عن شباب يضحون يوميًا ليبقوا أحياء فكريًا، عن رحلة لا تنتهي نحو الكرامة في عالم يُسرق فيه الوقت لصالح الآلات والاحتكارات.

مع اقتراب الظهيرة، يزداد الإرهاق، لكن الحماس يقاومه، يخرجون لاستراحة قصيرة في الساحة، يجلسون تحت شجرة عارية، يتناولون وجبات بسيطة، يتحدثون عن كيف سيجعلون الفيلم صرخة ضد الظلم، عن الشباب الذين يُجبرون على الرحلات الطويلة، عن كبار السن الذين استنزفوا أعمارهم في بحث غير مجد، عن نظام يُعامل الإبداع كترف يُعاقب عليه. البرد يقرص وجوههم، لكن الكلمات تدفئ القلوب، يشعرون أن هذا اليوم جزء من معركة أكبر، معركة لاستعادة الكرامة المسروقة.

يعودون إلى القاعة، يستمر الجهد، جان بيير يُكمل مونتاجه، يرى الفيلم ينبض بالحياة، قصة عن الرحلة اليومية كرمز للصمود، عن الشباب الذين يرفضون الاستسلام رغم الإرهاق الذي يلازم أجسادهم. ماري تقرأ حوارها بصوت عالٍ، كلمات تُدمي وتُشعل، لوك يعرض رسوماته، إيما تُظهر لقطاتها، يناقشون مع المدرب، يعدلون، يبنون معًا شيئًا يفوق الفردي، شهادة على الظلم اليومي.

الوقت يمر سريعًا في هذه القاعة، يتدفق الإبداع كنهر يغسل الإرهاق، يُعيد البناء من الرماد، يحول الطريق الطويل إلى قصيدة بصرية تُشهد على الإنسانية المتمردة. مع نهاية الجزء الصباحي، يشعرون بفخر خفي، رضا يُعوض عن الثقل، يعرفون أن اليوم مستمر، لكن ما بنوه هنا سيبقى، رغم كل الرحلات والاستنزاف.

هكذا يتقدم اليوم في فليمال، فصل من الجهد الإبداعي الذي يقاوم الروتين القاسي، في قاعة تُصبح ملاذًا للأرواح المتمردة، حيث يتحول الإرهاق إلى فن، والألم إلى معنى، والرحلة اليومية إلى شهادة خالدة على الصمود الإنساني في وجه الظلم الذي يلازم الحياة اليومية. الإبداع ينبض، والقصة تستمر في البناء، خطوة بخطوة، مشهد بمشهد.

3

مع اقتراب الظهيرة في قاعة فليمال، يبدأ ضوء الشمس الخجول في التسلل من النوافذ العالية، يرسم خطوطًا ذهبية باهتة على الشاشات والوجوه المنحنية، كأن السماء الوالونية تُرسل لهم تحية خفية، تذكيرًا بأن العالم خارج هذه الجدران لا يزال موجودًا، قاسيًا لكنه جميل في بساطته. جان بيير يرفع رأسه قليلاً من الشاشة، يشعر بألم خفيف في ظهره من الجلوس الطويل، لكنه يبتسم داخليًا، يرى مونتاجه ينمو ككائن حي، مشاهد تتدفق كأنها دماء في شرايين قصة جديدة، قصة عن الشباب الذين يُسرق وقتهم في طرق طويلة، عن أحلام تُجبر على الانتظار في محطات باردة، عن صمود يتحدى الاستنزاف اليومي.

ماري تُنهي كتابة حوارها، تقرأه بصوت منخفض لنفسها، كلمات تتردد في القاعة كصدى ألم مشترك، عن فتاة تتحدث إلى صديقها في الحافلة: "كل يوم أقضي أربع ساعات في الطريق، أتعلم شيئًا أحبه، ثم يقولون إنني كسولة لأنني لم أقبل وظيفة تُميت الروح." صوتها يرتجف قليلاً، ليس من البرد، بل من العمق الذي ينبع من تجربتها الخاصة، من الليالي التي قضتها في التفكير في المستقبل، في كيف يُعامل الجهد الفكري كترف لا يُغتفر في عالم يُقدس الإنتاجية السطحية. لوك يُظهر رسوماته للمجموعة، خطوط جريئة تُشكل مشهد الانتظار، ظلال طويلة للركاب تحت المطر، يقول بصوت هادئ: "هذا ليس مجرد رسم، بل صرخة، عن الزمن الذي يُسرق منا كل يوم، عن الشباب الذين يقفون وينتظرون فرصة لا تأتي."

إيما تُعدل لقطاتها، تضيف تأثيرات خفيفة تجعل الضباب في النافذة يبدو كستار يخفي العالم الخارجي، تقول وهي تبتسم بمرارة: "سنضيف هذا المشهد لنُظهر كيف يُحجب الأمل، كيف يُجبر الناس على النظر إلى انعكاس وجوههم المتعبة بدل المناظر الجميلة." يتبادلون النظرات، يشعرون بأن هذا الفيلم ليس مجرد مشروع دراسي، بل اعتراف جماعي، شهادة على الظلم الذي يعيشونه يوميًا، على كيف يُعامل التكوين المهني ككسل، رغم أنه أقسى من العمل نفسه، معلومات جديدة يوميًا، تحديات تتطلب تركيزًا مستمرًا لا يعرف الراحة.

الاستراحة تأتي كتنفس مؤقت، يخرجون إلى الساحة الصغيرة، يجلسون على مقعد خشبي مبلل قليلاً من الثلج المتساقط، يتناولون ساندويتشات بسيطة، خبز وجبن وقليل من الفاكهة، يتحدثون بصوت منخفض عن الضغط النفسي الذي يتراكم، عن التقارير الشهرية لـOnem التي تحول الحياة إلى امتحان دائم، عن كيف يُجبرون على إثبات أنهم "يبحثون" رغم الجهد الهائل في التكوين. جان بيير يقول: "تخيلوا لو دعمت الدولة هذا التكوين بدل معاقبته، لو رأت فيه استثمارًا لا عبئًا." ماري ترد: "لكنها ترى فينا أرقامًا، تُريد توفير المال للشركات، تُقطع الإعانة بعد سنتين لتُجبرنا على أي عمل، حتى لو كان يُميت الروح."

لوك يضيف، وهو ينظر إلى السماء الرمادية: "وكبار السن، مثل والد جان بيير، استنزفوا أعمارهم في عمل ليلي وصباحي، لم يصلوا إلى تقاعد كامل، والآن يُريدون نفس المصير لنا." إيما تُنهي: "لكننا نتمرد، بهذا الفيلم، بكل درس هنا، نُثبت أننا أحياء." البرد يزداد، لكنهم يعودون إلى القاعة بدفء داخلي، يشعرون أن الحديث هذا يُقويهم، يجعلهم يواجهون الجزء الثاني من اليوم بعزيمة أكبر.

يستمر الدرس، يناقش المدرب كيف يُستخدم الصوت لتعزيز العاطفة، يطلب منهم إضافة طبقات صوتية لمشاهدهم، جان بيير يختار أصوات الحافلة، الفرامل، المطر على الزجاج، صوت التنهيدات الجماعية، يحولها إلى سيمفونية للاستنزاف. ماري تقرأ حوارها بصوت عالٍ، يرتجف الجميع، لوك يُدمج رسوماته في التسلسل، إيما تُضيف لقطاتها، يبنون معًا شيئًا يفوق الفردي، قصة تُشهد على الظلم، على الشباب الذين يضحون ليبقوا أحياء.

مع اقتراب نهاية اليوم، يعرضون أعمالهم، يناقشون الأخطاء والإبداعات، يشعرون بفخر يُعوض عن الإرهاق، رضا يملأ القلوب رغم الثقل. يجمعون أغراضهم، يودعون المدرب، يخرجون إلى الشارع، الظلام يبدأ في الانتشار، جاهزين للرحلة العكسية، لكن أرواحهم محملة بما خلقوه، بقصة تُكتب يوميًا ضد الظلم.

هكذا يتقدم اليوم في فليمال، فصل من الإبداع الذي يقاوم الروتين، في قاعة تُصبح معبدًا للتمرد، حيث يتحول الألم إلى فن، والاستنزاف إلى شهادة خالدة على الصمود الإنساني، في عالم يُجبر الشباب على الرحلات الطويلة والأحلام المؤجلة، لكن الروح تظل تُبدع، تُقاوم، تُعيد البناء من الرماد يومًا بعد يوم.


4

مع اقتراب نهاية اليوم في قاعة فليمال، يبدأ الظلام في الانتشار خارج النوافذ كحبر أسود يتسرب على صفحة بيضاء، يغلف المبنى بستار ثقيل يذكر بالليالي الوالونية الطويلة التي تحمل في طياتها أسرار الإرهاق والأمل المكبوت. جان بيير يرفع رأسه من الشاشة، يشعر بألم خفيف في عنقه من التركيز الطويل، لكنه يرى مونتاجه مكتملاً تقريبًا، مشاهد تتدفق كأنها نهر من الذكريات المؤلمة والجميلة في آن، قصة عن الرحلة اليومية التي تُسرق فيها الساعات، عن الشباب الذين يقاومون الاستنزاف بإبداع ينبض بالحياة رغم كل الثقل.

ماري تُغلق دفترها بيدين مرتجفتين قليلاً من الإرهاق، حوارها الذي كتبته يتردد في ذهنها كصدى ألم مشترك، كلمات عن فتاة تتحدث في الحافلة عن الضغط الذي يتراكم كالثلج على النوافذ، عن كيف يُجبر الجهد على الإثبات الدائم أمام جهاز بيروقراطي لا يرى الروح. لوك يُنهي آخر خطوط رسوماته، ينظر إليها بفخر خفي، ستوري بورد يُشكل مشهد الانتظار كلوحة درامية، ظلال الركاب الطويلة تُرمز للزمن الممدود، للأحلام المعلقة في محطات باردة. إيما تُطفئ الكاميرا، لقطاتها اليومية تُكمل الأرشيف، صور للوجوه المركزة، للأيدي المتحركة، شهادة بصرية على الإبداع الذي يولد من الرماد.

المدرب يطلب عرض الأعمال، يجلسون في دائرة، يعرض جان بيير مونتاجه أولاً، المشاهد تتدفق على الشاشة الكبيرة، الحافلة تتحرك ببطء، الوجوه المتعبة تنظر إلى الخارج، الموسيقى الحزينة تُعزف كخلفية للاستنزاف البطيء. الصمت يسود القاعة، ثم يبدأ التصفيق الخافت، المدرب يعلق بصوت عميق: "هذا ليس مجرد مونتاج، بل صرخة، قصة تُشهد على الظلم اليومي، على الشباب الذين يُسرق وقتهم ويُعامل جهدهم ككسل." ماري تعرض حوارها، تقرأه بصوت يرتجف من العاطفة، كلمات تُدمي القلوب، عن الرحلة الطويلة والأحلام المؤجلة، عن نظام يُقطع الإعانة بعد سنتين رغم الجهد الهائل.

لوك يُظهر رسوماته، خطوط جريئة تُحول الانتظار إلى لوحة درامية، إيما تُعرض لقطاتها، صور حية للقاعة والوجوه، يناقشون معًا، يعدلون، يضيفون، يشعرون أن هذا الفيلم يصبح أكبر من مشروع دراسي، يصبح شهادة على حياتهم، على الشباب الذين يضحون أربع ساعات يوميًا في الطريق ليتعلموا فنًا يحبونه، على كبار السن الذين استنزفوا أعمارهم في بحث غير مجد، على عالم يُجبر الإبداع على الإثبات الدائم.

المناقشة تطول، يتحدثون عن كيف يُمكن أن يُعرض هذا الفيلم في مهرجان محلي، كيف يُصبح صوتًا للمتضررين، للآلاف الذين يعيشون نفس الرحلة، نفس الضغط من Onem، نفس الخوف من قطع الإعانة. جان بيير يقول بصوت هادئ لكنه حازم: "هذا الفيلم ليس عنا فقط، بل عن والدي، عن كل من استنزف عمره في عمل ليلي وصباحي، عن الشباب الذين يُتهمون بالكسل رغم جهدهم اليومي." ماري ترد بدموع تكاد تسقط: "وعن الفتيات اللواتي يتحملن ضغطًا مضاعفًا، عن صديقتي التي لم تحتمل الضغط وانتحرت." الصمت يعود، ثقيلًا هذه المرة، يشعرون بالألم المشترك، لكنه يُقويهم، يجعلهم يعدون بإكمال الفيلم مهما كلف الأمر.

المدرب يُنهي اليوم بكلمات مشجعة، يقول إن هذا الجهد هو الفن الحقيقي، الذي ينبع من الألم ليُشفي الآخرين، يودعونه باحترام عميق، يجمعون أغراضهم ببطء، يخرجون إلى الشارع حيث الظلام قد غلف فليمال، الثلج يتساقط خفيفًا كدموع السماء على الأرض الباردة. يمشون نحو المحطة، خطواتهم أثقل الآن، أجسادهم تحمل أثر اليوم الطويل، لكن قلوبهم ممتلئة بما بنوه، بقصة تُكتب ضد الظلم، بأمل يرفض التلاشي رغم الإرهاق.

يصلون إلى المحطة، يقفون تحت المظلة، ينتظرون الحافلة العكسية، يتبادلون كلمات ختامية عن الغد، عن الإكمال، عن كيف سيجعلون الفيلم صرخة تُسمع. الحافلة تأتي، يركبون، يجلسون، الرحلة تبدأ مرة أخرى، ساعتين إيابًا نحو لييج، لكن هذه المرة يحملون معهم شيئًا جديدًا، فيلماً ينبض بالحياة، شهادة على صمودهم.

هكذا ينتهي اليوم في فليمال، ليس بانكسار، بل بانتصار خفي، في قاعة تُصبح معبدًا للتمرد، حيث يتحول الإرهاق إلى فن خالد، والألم إلى قصة تُشهد على الكرامة الإنسانية، في عالم يُجبر الشباب على الرحلات الطويلة والتضحيات اليومية، لكن الروح تظل تُبدع، تُقاوم، تُبني من الرماد عالماً أفضل، مشهدًا بمشهد، يومًا بيوم. الظلام يغلف الطريق، لكن في قلوبهم يبقى النور، ذلك البريق الذي يُضيء الدرب نحو الغد.

5



مع غروب الشمس خلف تلال فليمال، يخرج جان بيير وأصدقاؤه من المركز، يحملون في قلوبهم ثقل اليوم وخفة الإنجاز في آن، كأن الإبداع نفسه يُعطيهم أجنحة تُخفف عن أجسادهم المتعبة من ساعات التركيز الطويلة. السماء الوالونية تتحول إلى لوحة رمادية داكنة، الثلج الخفيف يتساقط كأنه دموع صامتة على الأرض الباردة، والريح تهمس في الأشجار العارية أسرار الشتاء القاسي الذي يُشبه حياتهم، شتاءً من الانتظار والصمود. يمشون نحو المحطة بخطى أبطأ من الصباح، أقدامهم تترك آثارًا خفيفة على الرصيف المبلل، يتبادلون نظرات تحمل مزيجًا من الرضا والإرهاق، كأن اليوم كان معركة فازوا فيها جزئيًا، معركة ضد الروتين الذي يُسرق وقتهم يوميًا.

جان بيير يشعر بثقل الحقيبة على كتفه، مليئة بدفاتر الملاحظات والجهاز المحمول الذي يحمل مونتاجه الجديد، ذلك الفيلم القصير الذي بدأ ينبض بالحياة، قصة عن الرحلة اليومية كرمز للاستنزاف البطيء، عن الشباب الذين يُجبرون على إثبات نشاطهم أمام نظام لا يرى الجهد الخفي. ماري تمشي بجانبه، وجهها شاحب قليلاً تحت ضوء المصباح الأصفر، لكن عيونها تلمع ببريق الفخر، حوارها الذي كتبته اليوم يتردد في ذهنها كأغنية حزينة، كلمات عن الضغط النفسي الذي يتراكم كالثلج، عن كيف يُعامل التكوين ككسل رغم أنه أقسى من العمل. لوك يسير خلفهما، دفتر رسوماته تحت ذراعه، خطوطه الجريئة التي رسمها اليوم تُشكل في خياله لوحة كاملة، مشهد الانتظار في المحطة كرمز للزمن الممدود، للأحلام المعلقة في هواء بارد.

إيما تسرع الخطى لتلحق بهم، كاميراتها الصغيرة في جيبها، لقطاتها اليومية تُكمل الأرشيف البصري للفيلم، صور للقاعة والوجوه المركزة، للأيدي المتحركة على الشاشات، شهادة على الإبداع الذي يولد من الرماد. يصلون إلى المحطة، يقفون تحت المظلة المتهالكة، الريح تُعصف بمعاطفهم، الثلج يتساقط أكثر كثافة الآن، يغطي الأرض بطبقة بيضاء رقيقة كأنها ستار يُخفي آثار اليوم. ينتظرون الحافلة، يتبادلون كلمات ختامية عن الغد، عن كيف سيُكملون المشروع، عن العرض الذي ناقشوه مع المدرب، فيلم يُصبح صرخة ضد الظلم، ضد نظام يُقطع الإعانة بعد سنتين رغم الجهد الهائل.

الحافلة تأتي متأخرة كعادتها، صفيرها يقطع صمت الليل، يركبون، يجلسون في المقاعد الخلفية مرة أخرى، النوافذ مغطاة ببخار التنفس الجماعي للركاب المتعبين، وجوه غريبة تحمل قصصًا مشابهة، عمال يعودون من نوبات، عاطلون انتهوا من تكوينات إجبارية. تبدأ الرحلة العكسية، ساعتين إيابًا نحو لييج، الطريق مظلم الآن، أضواء السيارات تمر كأشباح سريعة، المناظر الوالونية تختفي في الظلام، تاركة مكانًا للتأمل الصامت.

جان بيير ينظر إلى انعكاس وجهه في النافذة، يرى خطوط الإرهاق المبكر، يفكر في كيف أن هذا اليوم، رغم ثقله، كان انتصارًا، مونتاجه ينبض بالحياة، قصة تُشهد على الاستنزاف وتقاومه. ماري تنام قليلاً على كتفه، تنفسها الهادئ يُعطيه شعورًا بالأمان المؤقت، لوك يغلق عينيه يرى رسوماته تتحرك، إيما تُمسك كتابًا لكنها لا تقرأ، تُفكر في اللقطات التي ستُضيفها غدًا. الصمت يسود، صمت المتعبين الذين يعرفون أن الغد سيحمل نفس الرحلة، نفس الجهد، لكن أيضًا نفس الأمل الذي يتجدد في القاعة.

مع كل كيلومتر يقتربون من لييج، يزداد الازدحام، الحافلة تتوقف وتنطلق، الركاب يتنهدون في تناغم خفي، يشعرون بأن هذه الرحلة ليست مجرد نقل، بل جزء من حياة أكبر، رحلة بطولية ضد نظام يُسرق فيه الوقت لصالح الآلات والاحتكارات. جان بيير يفكر في الفيلم، في كيف سيُعرض يومًا، ربما في مهرجان صغير، يُسمع صوت الشباب الذين يُتهمون بالكسل رغم تضحياتهم، صوت كبار السن الذين استنزفوا أعمارهم، صوت الجميع الذين يقاومون في صمت.

أخيرًا، تلوح أضواء لييج في الأفق، المدينة الأم تُرحب بهم بأنوارها الشاحبة، الحافلة تصل إلى المحطة الرئيسية، ينزلون تحت الثلج المتساقط، يودعون بعضهم بـ"إلى الغد"، كلمات تحمل وعدًا بالاستمرار، بالصمود. جان بيير يمشي وحده نحو أنجي، الشوارع المظلمة تبتلعه، الثلج يغطي خطواته، لكنه يحمل في قلبه اليوم كله، الإبداع الذي بناه، الأصدقاء الذين يشاركونه الطريق، الأمل الذي يرفض التلاشي رغم كل الظلام.

هكذا ينتهي يوم آخر في فليمال، رحلة عكسية تحمل في طياتها رضا الإنجاز، في عالم يُجبر الشباب على التضحية اليومية، لكن الروح تظل تُبدع، تُقاوم، تُبني من الإرهاق فنًا خالدًا، قصة تُشهد على الكرامة الإنسانية التي لا تُقهر، مهما طال الطريق واشتد البرد. الليالي الوالونية طويلة، لكن الفجر يأتي دائمًا، مع حافلة أخرى، ويوم جديد، وأحلام تستمر في النبض.




6

مع وصول الحافلة أخيرًا إلى محطة لييج الرئيسية، ينفتح الباب بصفير خافت يشبه تنهيدة عميقة لكائن متعب، يندفع الهواء الليلي البارد إلى الداخل محملًا برائحة الثلج المتساقط والدخان الخفيف من المدينة النائمة. ينهض جان بيير ببطء، عضلاته تشتكي من الجلوس الطويل، يمد يده ليساعد ماري على النهوض، فتبتسم له ابتسامة متعبة تحمل في طياتها شكرًا صامتًا، عيونها الخضراء تعكس أنوار النيون الباهتة كأنها بحيرة هادئة في ليل الوالون. لوك يجمع دفتر رسوماته بيدين قويتن، إيما تُغلق حقيبتها بهدوء، ينزلون معًا إلى الرصيف المغطى بطبقة رقيقة من الثلج، خطواتهم تترك آثارًا خفيفة تذوب سريعًا كأحلامهم المؤجلة تحت ضغط الواقع.

يودعون بعضهم بكلمات خافتة تحمل وعدًا باللقاء غدًا، "إلى الصباح، جان بيير"، تقول ماري بصوت يرتجف قليلاً من البرد، "نعم، إلى الغد، مع المزيد من المشاهد"، يجيب لوك وهو يعدل معطفه، "سنُكمل الفيلم، مهما طال الطريق"، تضيف إيما بابتسامة تضيء الظلام قليلاً. يتفرقون في الشوارع المظلمة، كأرواح تبتعد في ليل المدينة، كل واحد يحمل جزءًا من اليوم المشترك، من الإبداع الذي بنوه معًا، من القصة التي تُكتب ضد الظلم اليومي. جان بيير يمشي وحده نحو أنجي، الثلج يتساقط على كتفيه كأنه يُغطي الإرهاق بستار أبيض نقي، الشوارع الضيقة تبتلعه كأنها أحشاء مدينة حية تنبض بأنوار خافتة وأصوات بعيدة لسيارات متأخرة.

الطريق إلى الشقة يبدو أقصر في الليل، لكنه أثقل، محمل بأفكار اليوم: المونتاج الذي أكمله، الحوار الذي كتبته ماري بدموع مكبوتة، الرسومات التي أبدعها لوك كشهادة على الانتظار، اللقطات التي التقطتها إيما كأرشيف للصمود. يتخيل الفيلم مكتملاً، يُعرض في قاعة صغيرة، يُسمع فيها صوت الشباب الذين يُتهمون بالكسل رغم رحلتهم اليومية الطويلة، صوت كبار السن الذين استنزفوا أعمارهم في بحث غير مجد، صوت الجميع الذين يقاومون في صمت، يبنون من الإرهاق فنًا يُشهد على الكرامة المسروقة.

يمر بجانب مقهى مضيء، يرى داخلها وجوهًا تضحك بحرية، يشعر بلمحة من الحسد الممزوج بالأمل، ثم يستمر، يفكر في كيف أن هذا اليوم، رغم ثقله، كان انتصارًا خفيًا، جزء من معركة أكبر ضد نظام يُقطع الإعانة بعد سنتين، يُجبر الجهد على الإثبات الدائم، يُعامل التكوين كترف لا يُغتفر. يصل إلى البناية القديمة، يصعد الدرج ببطء، المفتاح يدور في القفل بصوت مألوف يُعيد له شعورًا بالأمان المؤقت، يدخل الشقة، يُشعل الضوء الأصفر الخافت الذي يلقي ظلالاً طويلة على الجدران المتشققة قليلاً.

يخلع معطفه المغطى بالثلج، يجلس على الكرسي القديم أمام الطاولة، يفتح الجهاز المحمول، يعيد تشغيل المونتاج، يرى المشاهد تتدفق مرة أخرى، يشعر بدموع تكاد تسقط من العمق الذي يحمله، قصة عن الرحلة الطويلة، عن الشباب الذين يضحون أربع ساعات يوميًا ليبقوا أحياء فكريًا، عن نظام يُسرق فيه الوقت لصالح الآلات والاحتكارات. يعد عشاءً بسيطًا، يأكل في صمت، يستمع إلى صوت الثلج يتساقط خارج النافذة، صوت يشبه همس المدينة النائمة، همس يحمل أسرار الآلاف الذين يعيشون نفس الرحلة.

يفكر في الغد، في الاستيقاظ المبكر، في الحافلة البطيئة، في الدرس الجديد، في الأصدقاء الذين يشاركونه الطريق، في الفيلم الذي سيُكتمل يومًا، ربما يُغير شيئًا، ربما يُسمع صوتهم. يغلق الجهاز، يُطفئ الضوء، يرقد على السرير، يغلق عينيه، يرى في الظلام مشاهد اليوم تتحرك، قصة تُكتب ضد الظلم، أمل ينبض رغم الإرهاق، رغم البرد، رغم كل شيء.

الليل يغلف لييج بستار أبيض، الثلج يتساقط بهدوء كأنه يُغطي جراح المدينة، والشقة الصغيرة تنام، لكن في قلب جان بيير يبقى النار الخفية، ذلك البريق الذي يُضيء الطريق الطويل، ينتظر الفجر الجديد، المنبه الذي سيرن، الرحلة التي ستستمر، والأحلام التي ترفض الموت في ضباب الصباح الوالوني. هكذا ينتهي يوم آخر، ويبدأ آخر، في دورة الحياة التي تُعلّم أن الصمود هو الفن الأعظم، والإبداع هو السلاح الوحيد ضد الاستنزاف اليومي، في عالم يُجبر الشباب على التضحية، لكن الروح تظل تتمرد، تُبدع، تُبني من الرماد عالماً أفضل، يومًا بيوم، مشهدًا بمشهد. الليالي طويلة، لكن الفجر يأتي دائمًا، مع أمل يتجدد، وقلوب ترفض الخضوع.


الفصل الثالث

1

مع تلقي جان بيير الرسالة الرسمية من Onem في بريده الإلكتروني ذلك المساء، جلس في شقته الصغيرة بأنجي، الضوء الأصفر الخافت يلقي ظلالاً طويلة على الجدران كأنها أشباح المستقبل تتسلل إلى الحاضر. كانت الرسالة باردة كالثلج الذي يغطي شوارع لييج خارج النافذة، سطور بيروقراطية تُعلن أن إعانته ستُقطع بعد انقضاء السنتين، رغم كل الجهد اليومي، رغم الرحلات الطويلة إلى فليمال، رغم التكوين المرهق في الإخراج السينمائي الذي يُثبت نشاطه أكثر من أي وظيفة روتينية. شعر بضربة في الصدر، كأن يدًا خفية تضغط على قلبه، يقرأ الكلمات مرة أخرى، يبحث عن خطأ، عن استثناء، لكن النص صلب كالحديد، يُعامل الجهد ككسل، الإبداع كترف، الرحلة اليومية كعبء يجب التخلص منه.

نهض ببطء، مشى نحو النافذة، نظر إلى الثلج يتساقط بهدوء على الشوارع الخالية، يغطي آثار النهار كأنه يُمحو اليوم بأكمله، الجهد في القاعة، المونتاج الذي بناه، الحوار الذي كتبته ماري بدموع مكبوتة، الرسومات التي أبدعها لوك كشهادة على الانتظار. كل ذلك يبدو الآن مهددًا، كأن النظام يقول له: "بعد سنتين، ستُترك وحيدًا، بدون دخل، تُجبر على قبول أي عمل، حتى لو كان يُميت الروح." تذكر والده، كيف استنزف عمره في نوبات ليلية وصباحية، لم يصل إلى تقاعد كامل، تاركًا إرثًا من الإرهاق المزمن، درسًا قاسيًا في كيف يُسرق الوقت من الإنسان لصالح الآلات والاحتكارات.

جلس على الكرسي القديم، فتح الجهاز المحمول، أعاد تشغيل المونتاج، المشاهد تتدفق أمامه كأنها دماء حية، الحافلة تتحرك ببطء، الوجوه المتعبة تنظر إلى الخارج، الموسيقى الحزينة تُعزف خلفية للاستنزاف البطيء. شعر بدموع تسقط هذه المرة، ليس من الضعف، بل من الغضب المكبوت، غضب على نظام يُقطع الإعانة رغم الجهد الهائل، رغم أربع ساعات يوميًا في الطريق، رغم التكوين الذي يتطلب تركيزًا مستمرًا، معلومات جديدة يوميًا لا تُعطي راحة. كيف يُمكن أن يُعامل هذا ككسل؟ كيف يُجبر الشاب على التخلي عن حلمه ليقبل وظيفة تُميت الإبداع؟

اتصل بماري، صوتها يرتجف عندما أخبرها، "تلقيت الرسالة، بعد سنتين..."، ردت بصوت يحمل غضبًا مشتركًا: "نحن جميعًا، جان بيير، هذا الإصلاح يُريد قتل أحلامنا، يُعامل الجهد كعبء." ثم لوك وإيما في مكالمة جماعية، يتحدثون ساعة كاملة، يشعرون باليأس يتسلل، لكنهم يقررون التمرد، يُكملون الفيلم، يجعلونه صرخة تُسمع، شهادة على الظلم الذي يُغرق الشباب في ضيق معيشي، على كيف يُدفع البعض إلى حافة اليأس، كما حدث مع الصديقة التي لم تحتمل الضغط.

الليل يطول، جان بيير يمشي في الشقة ذهابًا وإيابًا، يفكر في المستقبل، في كيف سيستمر بدون الإعانة، في الفقر الذي ينتظره، في الأحلام التي قد تذبل. لكنه يعود إلى الجهاز، يُعدل في المونتاج، يضيف مشهدًا جديدًا عن الرسالة الباردة، عن الضربة المفاجئة، يحول الألم إلى فن، اليأس إلى مقاومة. الثلج خارج النافذة يتكاثف، يغطي المدينة بستار أبيض، لكن في قلبه يبقى النار، غضب يُشعل العزيمة، أمل يرفض التلاشي.

الساعات تمر، يرقد أخيرًا، لكن النوم متقطع، أحلام عن الحافلة التي لا تتوقف، عن الفيلم الذي يُعرض أمام الجميع، عن تغيير قد يأتي. الفجر يلوح، المنبه سيرن قريبًا، الرحلة ستستمر، لكن الآن مع غضب جديد، مع عزيمة أقوى، مع قصة تُكتب ضد القطع المفاجئ، ضد الظلم الذي يُغرق الشباب في الضيق، ضد نظام يُسرق فيه الوقت والكرامة.

هكذا يبدأ الفصل الجديد، ليس بالاستسلام، بل بالتمرد، في ليلة تُقطع فيها الإعانة، لكن الروح ترفض القطع، تُبني من الألم سلاحًا، فيلمًا، قصة، شهادة خالدة على الصمود الإنساني في وجه الظلم الذي يلازم الحياة اليومية. الثلج يغطي لييج، لكن تحت الستار الأبيض، تنبض قلوب تُقاوم، تُبدع، تُحلم رغم كل شيء، تنتظر الفجر الجديد بغضب مقدس وعزيمة لا تُكسر. الرحلة مستمرة، والمعركة بدأت حقًا الآن.


2

مع بزوغ فجر جديد شاحب فوق لييج، يرن المنبه في شقة جان بيير كنداء حربي لا يرحم، يقطع نومه المتقطع المليء بكوابيس الرسالة الباردة التي تلقاها الليلة السابقة. ينهض بثقل، جسده يحمل أثر الليالي القلقة، عيناه محمرتان من التفكير الطويل في المستقبل الذي يبدو الآن مهددًا بفقر مدقع، بقطع الإعانة بعد سنتين رغم كل الجهد، رغم الرحلات الطويلة والتكوين المرهق. يرتدي معطفه بيدين مرتجفتين قليلاً، يتناول قهوة سوداء سريعة، ساخنة بما يكفي لتدفئ أصابعه المتصلبة، لكنها لا تُدفئ البرد الداخلي الذي يتسلل إلى قلبه منذ قراءة تلك السطور البيروقراطية القاسية.

يخرج إلى الشارع، الثلج الذي تساقط الليلة يغطي الأرصفة بطبقة بيضاء نقية تخفي آثار الأمس، كأن المدينة تحاول محو اليوم السابق، لكن الرسالة تبقى محفورة في ذهنه كندبة لا تُمحى. يصل إلى المحطة، يجد أصدقاءه ينتظرون، ماري بوجنتها الشاحبة، لوك بعينيه الحمراوين، إيما تحاول الابتسام رغم الثقل. يتبادلون نظرات صامتة في البداية، ثم ينفجر الحديث، يتحدثون عن الرسائل التي تلقوها جميعًا، عن كيف يُعامل جهدهم ككسل، عن السنتين التي ستنتهي فجأة، تاركة إياهم في فراغ مالي يُغرق في اليأس.

تركب الحافلة، يجلسون معًا، الرحلة تبدأ كعادتها، ساعة ذهابًا تطول إلى ساعتين بسبب الثلج والازدحام، النوافذ مغطاة ببخار التنفس، المناظر الوالونية تختفي في الضباب الأبيض. جان بيير يقول بصوت منخفض: "كيف يُمكن أن يُقطع كل شيء بعد سنتين، رغم أننا نضحي يوميًا، أربع ساعات في الطريق، تكوين يتطلب جهدًا أكبر من العمل؟" ماري ترد بدموع تكاد تسقط: "لأنهم يرون فينا أرقامًا، يُريدون توفير المال للشركات، يُجبروننا على قبول أي وظيفة، حتى لو كانت تُميت الحلم." لوك يضيف بغضب مكبوت: "وكبار السن، مثل والدك، استنزفوا أعمارهم، والآن نفس المصير لنا، قطع مفاجئ يُغرق في الفقر." إيما تُنهي: "لكننا لن نستسلم، الفيلم سيكون سلاحنا، شهادتنا على هذا الظلم."

الحديث يستمر، يتحول من اليأس إلى عزيمة، يقررون إضافة مشهد جديد إلى الفيلم عن الرسالة الباردة، عن القطع المفاجئ الذي يُغرق الشاب في ضيق معيشي، عن كيف يُدفع البعض إلى حافة اليأس، كما حدث مع الصديقة التي لم تحتمل الضغط وانتحرت رغم تكوينها. يشعرون أن هذا اليوم مختلف، الغضب يُشعل فيهم نارًا جديدة، يحول الإرهاق إلى قوة، الرحلة الطويلة إلى وقود للتمرد.

مع اقتراب فليمال، يزداد الحماس، يتحدثون عن كيف سيُسرعون في إكمال الفيلم، ربما يُعرضونه في تجمع نقابي، أو يُرسلونه إلى المحكمة الدستورية كدليل على "الدراما الاجتماعية" التي يسببها الإصلاح. جان بيير يقول: "هذا الفيلم ليس عنا فقط، بل عن الآلاف الذين يُقطع عنهم كل شيء فجأة، عن الشباب الذين يُغرقون في الضيق، عن نظام يُسرق فيه الحقوق المكتسبة لصالح الثراء." ماري تضيف: "وسنُظهر كيف أن الجهد في التكوين أقسى، معلومات جديدة يوميًا، لا راحة، لا تعود كالعمل."

يصلون إلى المركز، ينزلون، يمشون بخطى أسرع رغم الثلج، يدخلون القاعة بدفء جديد، غضب يُحول إلى إبداع، يجلسون أمام الشاشات، يبدأون اليوم بتصميم أقوى، يضيفون المشهد الجديد عن القطع المفاجئ، عن الرسالة التي تُدمر الأحلام، عن اليأس الذي يتسلل كالثلج تحت الأبواب.

اليوم يتقدم، التركيز أعمق، الإبداع أشد، يشعرون أن هذا الغضب يُعطيهم قوة، يحول الرسالة الباردة إلى وقود للفيلم، إلى صرخة تُسمع. مع نهاية الصباح، يعرضون الإضافات الجديدة، المدرب يشيد بها، يقول إنها أعمق، أكثر صدقًا، شهادة حية على الواقع. يستمرون، يبنون، يُقاومون، في قاعة تُصبح حصنًا ضد الظلم، حيث يتحول القطع المفاجئ إلى بداية تمرد أكبر.

هكذا يبدأ اليوم الجديد بعد الرسالة، ليس بالاستسلام، بل بالغضب المقدس، في رحلة تستمر رغم كل شيء، في قلوب ترفض القطع، تُبدع من الألم سلاحًا، فيلمًا يُشهد على الظلم، على الشباب الذين يُغرقون في الضيق، لكن يظلون يسبحون نحو الضوء، يومًا بيوم، مشهدًا بمشهد. الثلج يغطي الطريق، لكن النار داخلية، تُذيب البرد، تُشعل العزيمة، تنتظر الغد بقوة أكبر.

3

مع اقتراب نهاية اليوم في فليمال مرة أخرى، يبدأ الظلام في الانتشار كحبر أسود يتسرب على صفحة السماء الوالونية، يغلف المركز بستار ثقيل يحمل في طياته أسرار الإرهاق والغضب المكبوت الذي ولد من الرسالة الباردة. جان بيير يرفع رأسه من الشاشة، يرى المونتاج الجديد مكتملاً جزئيًا، المشهد الذي أضافوه عن القطع المفاجئ ينبض بالألم الحي، رسالة تظهر على الشاشة كضربة مفاجئة، وجه البطل يتغير من الأمل إلى اليأس، موسيقى حزينة تُعزف كخلفية للضيق المعيشي الذي ينتظر الجميع. يشعر بثقل اليوم، لكن هذا الثقل مختلف الآن، محمل بغضب يُحول الإرهاق إلى قوة، الرسالة البيروقراطية إلى وقود للتمرد.

ماري تُغلق دفترها بيدين أكثر ثباتًا مما كانتا عليه صباحًا، حوارها الجديد يتردد في ذهنها كصرخة مدوية، كلمات عن الشاب الذي يُقطع عنه كل شيء فجأة، يُغرق في فراغ مالي يُدفع به إلى حافة اليأس، عن كيف يُعامل الجهد اليومي ككسل، رغم الرحلات الطويلة والتكوين المرهق الذي يتطلب معلومات جديدة يوميًا لا تُعطي راحة. لوك يُنهي رسوماته الأخيرة، خطوط جريئة تُشكل وجهًا يتغير عند تلقي الرسالة، ظلال تطول كاليأس الذي يتسلل، يقول بصوت يحمل عزيمة جديدة: "هذا المشهد سيُدمي القلوب، سيُظهر كيف يُسرق المستقبل فجأة." إيما تُطفئ الكاميرا، لقطاتها الجديدة تُكمل الشهادة، صور للوجوه المتغيرة، للأيدي المرتجفة، تبني أرشيفًا من الألم الذي يُحول إلى فن.

المدرب يجمع الجميع لعرض نهائي، يعرضون الإضافات الجديدة، المونتاج يتدفق على الشاشة الكبيرة، الرسالة تظهر، الصمت يسود القاعة، ثم ينفجر التصفيق، المدرب يقول بصوت عميق: "هذا ليس فيلمًا عاديًا، بل صرخة حية، شهادة على الظلم الذي يُغرق الشباب في الضيق، على القطع المفاجئ الذي يُدفع به البعض إلى حافة لا رجعة منها." يناقشون ساعة إضافية، يعدلون، يضيفون، يشعرون أن هذا الغضب ولد شيئًا أقوى، فيلمًا يُصبح سلاحًا، صوتًا للآلاف الذين يُقطع عنهم كل شيء رغم جهدهم، رغم الرحلات والتضحيات.

مع نهاية اليوم، يجمعون أغراضهم ببطء، يودعون المدرب بكلمات تحمل وعدًا بالإكمال، يخرجون إلى الشارع حيث الثلج يتكاثف، يغطي الأرض بطبقة أكثر سمكًا، الريح تُعصف بمعاطفهم كأنها تُحاول إطفاء النار الداخلية. يمشون نحو المحطة، خطواتهم أثقل لكن أكثر ثباتًا، يتحدثون عن كيف سيُرسلون الفيلم إلى النقابات، إلى الاستئناف في المحكمة الدستورية، ربما يُصبح دليلاً على "الدراما الاجتماعية" التي يسببها الإصلاح، على كيف يُغرق القطع المفاجئ الشباب في ضيق لا يحتمله البعض.

الحافلة تأتي، يركبون، يجلسون، الرحلة العكسية تبدأ، ساعتين إيابًا في الظلام، الثلج يتساقط على النوافذ، يُغطي المناظر كستار يُخفي العالم الخارجي. جان بيير يقول: "هذا القطع ليس نهاية، بل بداية، سنُكمل الفيلم، سنُظهر العالم كيف يُسرق الحلم." ماري ترد: "ونُظهر كيف يُدفع الشاب إلى اليأس، كما حدث مع الصديقة التي لم تحتمل." لوك يضيف: "وسنُكرسه لكبار السن، لمن استنزفوا أعمارهم دون مقابل." إيما تُنهي: "الفيلم سيكون صوتنا، صرخة تُسمع رغم الثلج والظلام."

الحديث يستمر، يتحول الغضب إلى خطة، يقررون اجتماعًا إضافيًا في عطلة نهاية الأسبوع، يُسرعون في الإكمال، يُرسلونه إلى الجميع. مع اقتراب لييج، يزداد الثلج، المدينة تلوح بأنوارها الشاحبة، ينزلون، يودعون بعضهم بـ"إلى الغد، مع المزيد من التمرد"، يتفرقون في الشوارع المغطاة بالأبيض.

جان بيير يعود إلى الشقة، يُشعل الضوء، يفتح الجهاز، يُعدل في المونتاج مرة أخرى، يضيف لمسات جديدة مستوحاة من الغضب، يشعر أن هذا اليوم كان تحولًا، القطع المفاجئ لم يُنهِ الحلم، بل أشعله. يرقد متأخرًا، النوم يأتي هذه المرة أعمق، أحلام عن الفيلم يُعرض، عن تغيير يأتي، عن صمود ينتصر.

هكذا يتقدم اليوم بعد الرسالة، فصل من الغضب الذي يُحول إلى إبداع، في رحلة تستمر رغم القطع، في قلوب تُقاوم الغرق في الضيق، تُبني من اليأس سلاحًا، فيلمًا يُشهد على الظلم، على الشباب الذين يُدفعون إلى الحافة، لكن يظلون يسبحون نحو النور، يومًا بيوم، مشهدًا بمشهد. الثلج يغطي المدينة، لكن النار داخلية، تُذيب البرد، تُشعل التمرد، تنتظر الغد بعزيمة أقوى، بأمل ينبض رغم كل الظلام. القصة تستمر، والمعركة تشتعل.


4

مع مرور الأيام في فليمال، يصبح الغضب الذي ولد من الرسالة الباردة نارًا ثابتة تُضيء الطريق الطويل، يحول الإرهاق اليومي إلى وقود لا ينفد، والرحلة الطويلة إلى مسيرة تمرد صامتة. جان بيير يستيقظ كل صباح بثقل أقل، المنبه يرن كنداء لمعركة جديدة، يرتدي معطفه، يتناول قهوته السوداء، يخرج إلى الثلج الذي يغطي لييج كستار أبيض يُخفي جراح المدينة، لكنه لا يُخفي النار الداخلية التي تشتعل في قلبه منذ تلك الليلة. يلتقي بأصدقائه في المحطة، ماري ولوك وإيما، وجوههم تحمل أثر الليالي القلقة، لكن عيونهم تلمع بعزيمة أقوى، كأن الرسالة التي هددت أحلامهم قد أيقظت فيهم قوة خفية كانت نائمة.

الحافلة تأخذهم مرة أخرى، الرحلة تطول كعادتها، ساعة ذهابًا تتحول إلى ساعتين بسبب الثلج والازدحام، لكنهم يتحدثون الآن عن خطط أكبر، عن كيف سيُكملون الفيلم بسرعة، يُعرضونه في تجمعات نقابية، يُرسلونه إلى المحكمة الدستورية كدليل حي على الظلم، على كيف يُغرق القطع المفاجئ الشباب في ضيق معيشي يُدفع به البعض إلى حافة اليأس. جان بيير يقول بصوت يحمل هدوء الغضب المسيطر: "الفيلم لن يكون مجرد قصة، بل سلاح، سنُظهر كيف يُسرق المستقبل فجأة، كيف يُعامل الجهد ككسل رغم الرحلات والتكوين." ماري ترد، صوتها أقوى الآن: "وسنُكرسه لمن لم يحتملوا الضغط، للصديقة التي رحلت، لكل من يُغرق في الفراغ." لوك يضيف: "ولكبار السن، لمن استنزفوا أعمارهم دون مقابل، سنُظهر أن التاريخ يعيد نفسه." إيما تُنهي: "الفيلم سيكون صوتنا، صرخة تُسمع رغم الثلج والصمت."

يصلون إلى المركز، يدخلون القاعة بدفء يولد من العزيمة، يجلسون أمام الشاشات، يبدأون اليوم بتركيز أعمق، يضيفون مشاهد جديدة مستوحاة من الغضب، عن الشاب الذي يتلقى الرسالة في ليلة باردة، عن كيف يتحول الأمل إلى يأس، عن الضيق الذي يتسلل كالثلج تحت الأبواب. جان بيير يقطع المشاهد بيد أكثر ثباتًا، يرى الفيلم ينمو ككائن حي ينبض بالألم الحقيقي، يحول الرسالة البيروقراطية إلى مشهد درامي يُدمي القلوب. ماري تكتب حوارًا أعمق، كلمات تُعبر عن الغضب المشترك، عن الشباب الذي يُجبر على الرحلة الطويلة ليبقى أحياء، ثم يُقطع عنه كل شيء فجأة. لوك يرسم بجرأة أكبر، خطوط تُشكل وجوهًا متغيرة، ظلال تطول كاليأس، إيما تلتقط لقطات جديدة، صور للقاعة كرمز للملاذ، للتمرد الذي يولد من الإرهاق.

اليوم يتقدم بإيقاع أسرع، التركيز يزداد، يتبادلون الأفكار كأخوة في معركة، يساعدون بعضهم، يعدلون، يبنون معًا شيئًا يفوق الفردي، فيلمًا يُصبح شهادة حية على الظلم، على كيف يُغرق القطع المفاجئ الشباب في فراغ مالي، على الضيق الذي يُدفع به البعض إلى حافة لا رجعة. المدرب يشيد بهم، يقول إن هذا الغضب ولد فنًا أعمق، صرخة تُسمع، يشجعهم على الإكمال بسرعة، ربما يُعرض في تجمعات، يُرسل إلى النقابات.

مع اقتراب الظهيرة، يخرجون لاستراحة، يجلسون في الساحة، الثلج يتساقط خفيفًا، يتحدثون عن خطط نهاية الأسبوع، اجتماع إضافي للإكمال، عن كيف سيُرسلون الفيلم إلى FGTB، إلى الاستئناف في المحكمة، دليل على "الدراما الاجتماعية" التي يسببها الإصلاح. جان بيير يقول: "إذا علقوا الإصلاح، سيكون انتصارًا، لكن حتى لو لم يفعلوا، الفيلم سيبقى، صوتنا لن يُقطع." ماري ترد: "ونُظهر كيف يُدفع الشاب إلى اليأس، كيف يُغرق في الضيق دون رحمة." لوك يضيف: "سنُكرسه لمن رحلوا تحت الضغط، لمن لم يحتملوا." إيما تُنهي: "الفيلم سيكون بداية، ليس نهاية."

يعودون إلى القاعة، يستمر الجهد، يُكملون المشاهد، يعرضون تقدمًا، يناقشون، يشعرون أن الغضب يُعطيهم قوة خارقة، يحول الإرهاق إلى إبداع لا ينتهي. مع نهاية اليوم، يجمعون أغراضهم، يودعون المدرب بوعد بالإكمال، يخرجون إلى الشارع، الثلج أكثر كثافة الآن، يغطي الأرض بطبقة سميكة، الريح تُعصف، لكن خطواتهم أثبت، يمشون نحو المحطة، يتحدثون عن الاجتماع القادم، عن كيف سيُسرعون، يُنهون الفيلم قبل نهاية الشهر.

الحافلة تأتي، يركبون، الرحلة العكسية تبدأ، ساعتين في الظلام، الثلج يتساقط على النوافذ، يُغطي العالم كستار، لكن الحديث يستمر، خطط، أفكار، عزيمة. مع اقتراب لييج، يودعون بعضهم بـ"إلى الاجتماع، مع المزيد من الصمود"، يتفرقون في الشوارع البيضاء.

جان بيير يعود إلى الشقة، يُشعل الضوء، يفتح الجهاز، يُعدل في الفيلم، يضيف لمسات جديدة، يشعر أن الغضب يُولد شيئًا أكبر، فيلمًا يُصبح صوت جيل، شهادة على الظلم الذي يُغرق في الضيق، لكن يُولد منه تمرد. يرقد متأخرًا، النوم يأتي أعمق، أحلام عن الفيلم يُعرض، عن تغيير يأتي، عن صمود ينتصر رغم كل القطع.

هكذا يتقدم التمرد بعد الرسالة، أيام من الغضب الذي يُحول إلى إبداع، في رحلة تستمر رغم الثلج، في قلوب تُقاوم الغرق، تُبني من اليأس سلاحًا أقوى، فيلمًا يُشهد على الظلم، على الشباب الذين يُدفعون إلى الحافة، لكن يظلون يسبحون، يُبدعون، يُقاومون، يومًا بيوم، مشهدًا بمشهد. الشتاء قاسٍ، لكن النار داخلية، تُذيب البرد، تُشعل الطريق، تنتظر النصر أو الاستمرار، بأمل ينبض أقوى رغم كل الظلام. القصة تتقدم، والمعركة تشتعل أكثر.

.5

مع مرور الأيام في فليمال، يتحول الغضب الذي أشعلته الرسالة الباردة إلى لهب ثابت يُنير الطريق الطويل، يحول الإرهاق اليومي إلى طاقة لا تنضب، والرحلة الطويلة إلى مسيرة تمرد هادئة تُكتب يوميًا بأيدي الشباب الذين رفضوا الاستسلام. جان بيير يستيقظ كل صباح بعزيمة أقوى، المنبه يرن كنداء ليوم جديد من المقاومة، يرتدي معطفه الثقيل، يتناول قهوته السوداء التي أصبحت طقسًا يُعيد له التركيز، يخرج إلى الثلج الذي يغطي شوارع أنجي كأنه يُمحو آثار الأمس ليبدأ صفحة جديدة، صفحة مليئة بمشاهد الفيلم الذي ينمو ككائن حي ينبض بألمهم وأملهم.

يلتقي بأصدقائه في المحطة، ماري بابتسامتها التي أصبحت أكثر ثباتًا رغم القلق، لوك بحقيبته المليئة بدفاتر رسومات جديدة، إيما بكاميراتها الصغيرة جاهزة لالتقاط لحظات التمرد. يتبادلون تحية سريعة، لكن الحديث يبدأ فورًا عن التقدم في الفيلم، عن المشهد الجديد الذي أضافوه أمس عن اليأس الذي يتسلل بعد الرسالة، عن كيف سيُكملون اليوم إضافات تُظهر الضيق المعيشي الذي ينتظر الجميع بعد القطع المفاجئ. الحافلة تأتي، يركبون، الرحلة تبدأ كعادتها، ساعة ذهابًا تطول إلى ساعتين، الثلج يتساقط على النوافذ، يُغطي المناظر كستار يُخفي العالم الخارجي، لكنهم يتحدثون بصوت أعلى الآن، يخططون للاجتماع في عطلة نهاية الأسبوع، لإكمال الفيلم بسرعة، لإرساله إلى النقابات، إلى الاستئناف في المحكمة، دليل حي على "الدراما الاجتماعية" التي يسببها الإصلاح.

جان بيير يقول بصوت يحمل هدوء الغضب المسيطر: "اليوم سنُضيف مشهدًا عن الشاب الذي يستمر في التكوين رغم الرسالة، يُظهر كيف يُحول اليأس إلى تمرد، كيف يُبني من الضيق فنًا يُشهد على الظلم." ماري ترد بعزيمة أقوى: "وسأكتب حوارًا عن الفتاة التي تُغرق في الفراغ المالي، تتحدث عن الضغط الذي يُدفع به البعض إلى حافة لا رجعة، عن الصديقة التي رحلت تحت الضغط." لوك يضيف: "ورسوماتي ستُظهر الوجوه المتغيرة، الظلال التي تطول كاليأس، لكن في النهاية ضوء خفي يُشير إلى الصمود." إيما تُنهي: "ولقطاتي ستُكمل الأرشيف، صور للقاعة كملاذ، للأيدي المتحركة كرمز للإبداع الذي يرفض الموت."

يصلون إلى المركز، يدخلون القاعة بدفء يولد من الغضب المشترك، يجلسون أمام الشاشات، يبدأون اليوم بتركيز أعمق، يفتحون الملفات، يُضيفون المشاهد الجديدة، جان بيير يقطع بسرعة أكبر، يرى الفيلم ينمو كشجرة تقاوم الشتاء، ماري تكتب بحماس، كلمات تتدفق كأنها دماء حية، لوك يرسم بخطوط أكثر جرأة، إيما تلتقط لقطات جديدة للعمل الجماعي. اليوم يتقدم بإيقاع أسرع، التركيز يزداد، يتبادلون الأفكار كسيوف في معركة، يساعدون بعضهم، يعدلون، يبنون معًا شيئًا يُصبح أكبر منهم، فيلمًا يُشهد على الظلم، على القطع المفاجئ الذي يُغرق الشباب في الضيق، على الجهد الذي يُعامل ككسل رغم الرحلات والتكوين المرهق.

مع اقتراب الظهيرة، يخرجون لاستراحة، يجلسون في الساحة، الثلج يتساقط أكثر كثافة، يغطي الأرض بطبقة سميكة، يتحدثون عن الاجتماع القادم في عطلة نهاية الأسبوع، عن كيف سيُسرعون في الإكمال، يُنهون الفيلم قبل نهاية الشهر، يُرسلونه إلى FGTB، إلى الاستئناف، دليل على كيف يُدفع الشاب إلى اليأس، على الضيق الذي لا يحتمله البعض. جان بيير يقول: "إذا علقوا الإصلاح، سيكون انتصارًا، لكن الفيلم سيبقى، صوتنا لن يُقطع." ماري ترد: "ونُظهر كيف يُحول الغضب إلى إبداع، كيف يُبني من الرسالة الباردة قصة تُشعل القلوب." لوك يضيف: "سنُكرسه لمن رحلوا تحت الضغط، لمن استنزفوا أعمارهم." إيما تُنهي: "الفيلم سيكون بداية تغيير، صرخة تُسمع رغم الثلج."

يعودون إلى القاعة، يستمر الجهد، يُكملون المشاهد، يعرضون تقدمًا، يناقشون مع المدرب الذي يشيد بهم، يقول إن هذا الغضب ولد فنًا أعمق، صرخة ستُسمع. مع نهاية اليوم، يجمعون أغراضهم، يودعون المدرب بوعد بالإكمال، يخرجون إلى الشارع، الثلج أكثر سمكًا، الريح تُعصف، لكن خطواتهم أثبت، يمشون نحو المحطة، يتحدثون عن الاجتماع، عن كيف سيُسرعون، يُنهون قبل القرار.

الحافلة تأتي، يركبون، الرحلة العكسية تبدأ، ساعتين في الظلام، الثلج يتساقط، يُغطي العالم، لكن الحديث يستمر، خطط، أفكار، عزيمة. مع اقتراب لييج، يودعون بعضهم بـ"إلى الاجتماع، مع المزيد من الصمود"، يتفرقون في الشوارع البيضاء.

جان بيير يعود إلى الشقة، يُشعل الضوء، يفتح الجهاز، يُعدل في الفيلم، يضيف لمسات، يشعر أن الغضب يُولد قوة، فيلمًا يُصبح صوت جيل، شهادة على الظلم الذي يُغرق في الضيق، لكن يُولد منه تمرد. يرقد، النوم يأتي أعمق، أحلام عن الفيلم يُعرض، عن تغيير يأتي، عن صمود ينتصر.

هكذا تتقدم الأيام بعد الرسالة، أسابيع من الغضب الذي يُحول إلى إبداع لا ينتهي، في رحلة تستمر رغم الثلج، في قلوب تُقاوم الغرق، تُبني من اليأس سلاحًا أقوى، فيلمًا يُشهد على الظلم، على الشباب الذين يُدفعون إلى الحافة، لكن يظلون يسبحون، يُبدعون، يُقاومون، يومًا بيوم، مشهدًا بمشهد. الشتاء يشتد، لكن النار داخلية، تُذيب البرد، تُشعل الطريق، تنتظر النصر أو الاستمرار، بأمل ينبض أقوى، بقصة تُكتب ضد الظلم، تُرفض القطع، تُعلن أن الروح لا تُقهر. القصة تتقدم، والمعركة تشتعل أكثر، في قلوب تُضيء الظلام.

6

مع اقتراب نهاية الأسبوع، يجتمع جان بيير وأصدقاؤه في شقة صغيرة في أنجي، غرفة متواضعة أصبحت استوديو مؤقتًا لإكمال الفيلم، جدرانها مغطاة بملاحظات مكتوبة بخط اليد، شاشات محمولة تضيء الظلام بضوء أزرق خافت، والثلج يتساقط خارج النافذة كأنه يُحاول عزل العالم الخارجي عن هذه اللحظة المقدسة من التمرد. يجلسون حول طاولة قديمة، أكواب قهوة ساخنة بين أيديهم، أجهزتهم مفتوحة، يعملون ساعات طويلة دون توقف، الغضب الذي ولد من الرسالة الباردة يُحول إلى تركيز حاد، إلى إبداع ينبض بالحياة رغم الإرهاق الذي يتراكم في العظام.

جان بيير يقود الجلسة، يعرض التقدم الأخير في المونتاج، المشاهد تتدفق على الشاشة الكبيرة المؤقتة، الرحلة اليومية الطويلة، الانتظار في المحطات الباردة، الدروس في القاعة كملاذ، ثم الرسالة المفاجئة التي تُغرق البطل في الضيق، وجه يتغير من الأمل إلى اليأس، موسيقى حزينة تُعزف كخلفية للفراغ المالي الذي ينتظر الجميع. يشعرون جميعًا بأن هذا الفيلم أصبح أكبر منهم، شهادة حية على الظلم الذي يُسببه الإصلاح، على كيف يُقطع الإعانة فجأة رغم الجهد الهائل، رغم الرحلات الأربع ساعات يوميًا، رغم التكوين المرهق الذي يتطلب معلومات جديدة لا تُعطي راحة.

ماري تُقرأ الحوار الأخير الذي كتبته، صوتها يرتجف من العمق العاطفي، كلمات عن الشاب الذي يُغرق في الفراغ، يتحدث عن الضغط الذي يُدفع به البعض إلى حافة اليأس، عن الصديقة التي رحلت تحت الضغط المشابه، عن نظام يُسرق فيه الحلم لصالح الثراء والآلات. لوك يُظهر الرسومات النهائية، خطوط جريئة تُشكل وجوهًا متغيرة، ظلال تطول كاليأس الذي يتسلل، لكن في النهاية ضوء خفي يُشير إلى الصمود، إلى التمرد الذي يولد من الألم. إيما تُعرض اللقطات الجديدة التي التقطتها في الاجتماعات السابقة، صور للأيدي المتحركة، للعيون المركزة، أرشيف بصري يُكمل القصة، يُظهر كيف يُحول الغضب إلى فن، الضيق إلى شهادة خالدة.

يعملون ساعات طويلة، يتناوبون على الشاشة، يعدلون، يضيفون، يحذفون، يناقشون كل مشهد كأنه جزء من حياتهم، يشعرون أن الفيلم ينبض بألمهم الخاص، بغضبهم المشترك، بأملهم الذي يرفض التلاشي رغم الثلج الذي يغطي المدينة خارجًا. جان بيير يقول بصوت هادئ لكنه حازم: "هذا الفيلم لن يُغير القانون وحده، لكنه سيُظهر العالم كيف يُغرق الشباب في الضيق، كيف يُدفع البعض إلى اليأس، كيف يُسرق المستقبل فجأة." ماري ترد: "وسيُكرسه لمن رحلوا تحت الضغط، للصديقة التي لم تحتمل، لكل من استنزف عمره في بحث غير مجد." لوك يضيف: "ولكبار السن، لمن يُجبرون على الاستمرار رغم التمييز، رغم الإرهاق المزمن." إيما تُنهي: "الفيلم سيكون صوتنا، صرخة تُسمع، دليلًا نُرسله إلى المحكمة، إلى النقابات، إلى الجميع."

الليل يطول، يعملون حتى الفجر، القهوة تتجدد، الثلج يتساقط خارجًا كأنه يُحاول سجن المدينة، لكنهم داخل الشقة يبنون عالماً جديدًا، مشهدًا بمشهد، يُكملون الفيلم، يُنهون المونتاج، يضيفون العنوان: "الرحلة المقطوعة"، رمز للإعانة التي تُقطع، للحلم الذي يُجبر على التوقف، لكن القصة تستمر رغم كل شيء. مع بزوغ الفجر، يعرضون الفيلم كاملاً، يجلسون في صمت، يشاهدون المشاهد تتدفق، الرحلة الطويلة، الجهد في القاعة، الرسالة الباردة، اليأس الذي يتحول إلى تمرد، النهاية المفتوحة بضوء خفي يُشير إلى الصمود.

الدموع تسقط، ليس من الضعف، بل من العمق، من الشعور بأن هذا الفيلم أصبح جزءًا منهم، شهادة على حياتهم، على الظلم الذي يعيشونه، على الغضب الذي ولد إبداعًا. يقررون إرساله فورًا، إلى النقابات، إلى الاستئناف في المحكمة، إلى مواقع دولية، يُصبح صوتًا للآلاف الذين يُغرقون في الضيق، للشباب الذين يُدفعون إلى الحافة، لكن يرفضون السقوط.

الفجر يلوح، الثلج يتوقف قليلاً، المدينة تستيقظ ببطء، يودعون بعضهم بكلمات تحمل وعدًا بالاستمرار، يتفرقون، جان بيير يبقى وحده في الشقة، يُشاهد الفيلم مرة أخيرة، يشعر أن الرسالة الباردة لم تُنهِ شيئًا، بل أشعلت نارًا، فيلمًا ينبض بالحياة، قصة تُكتب ضد القطع، ضد الظلم، ضد الغرق في الضيق.

يرقد أخيرًا، النوم يأتي هذه المرة مليئًا بأحلام عن الفيلم يُعرض، عن صرخة تُسمع، عن تغيير يأتي، عن صمود ينتصر رغم كل الثلج والظلام. اليوم الجديد ينتظر، لكن الآن مع فيلم مكتمل، مع سلاح جديد، مع أمل ينبض أقوى، في قلوب تُقاوم، تُبدع، تُرفض الخضوع.

هكذا ينتهي الفصل من التمرد بعد الرسالة، أسابيع من الغضب الذي يُحول إلى إبداع خالد، في رحلة تستمر رغم الشتاء، في قلوب تُبني من اليأس عالماً أفضل، فيلمًا يُشهد على الظلم، على الشباب الذين يُدفعون إلى الحافة، لكن يظلون يسبحون، يُقاومون، يُنيرون الظلام بفن يرفض الموت. الثلج يغطي المدينة، لكن النار داخلية، تُذيب البرد، تُشعل الطريق، تُعلن أن القصة لم تنته، والمعركة مستمرة، بأمل ينبض أقوى، بصرخة تُسمع أخيرًا. الفيلم مكتمل، والتمرد بدأ حقًا.



#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)       Ahmad_Saloum#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في حضرة الضوء: الصين تعيد كتابة قوانين الحوسبة والقوة
- رواية - من طيرة اللوز إلى الراين - أو - ظلال الكرمل -
- نهاية الإمبراطورية الرقمية: كيف خسرت أمريكا سباق الرقائق أما ...
- دراسة أدبية نقدية معمقة لرواية -دمية بعين واحدة- لأحمد صالح ...
- حلب... عندما تَصْفَعُ المدافعُ وجهُ الماضي
- في تشريحِ خُرَافَةِ مُعَادَاةِ السَّامِيَّةِ وَتَجْنيدِهَا س ...
- بروكسل في الفجر: فاتورة الوهم على كاهل أوروبا( كتيب)
- كبت الرمال: تناقضات التقوى في محميات الخليج
- همسة رضيع في عاصفة الإبادة..قصة قصيرة عن الهولوكوست الأمريكي ...
- مقبرة الأسياد.. كيف تشيّع بروكسل أحلامها بأكفان شعبين؟..الجو ...
- قمة بروكسل تفضح أزمة الإمبريالية المتأخرة في مواجهة روسيا
- في معنى تعدد الأقطاب : عندما تعترف واشنطن بالقوى الصاعدة : ا ...
- قصة : رقصةُ الغزال الأخيرة
- تقشف أوروبي تحت غطاء العسكرة: كيف يُعاد تشكيل الدولة الاجتما ...
- انتصار جنرال الوقت على الهيمنة الأمريكية
- تراجع التفوق الأمريكي: وثيقة سرية تكشف هشاشة الإمبراطورية أم ...
- يوروكلير: قبر اليورو الذهبي
- كيف استثمرت بروكسل في هزيمتها المحققة اليوم
- ما التحديات التي تطرحها وثيقة ترامب الاستراتيجية على محور ال ...
- رواية : أنفاسٌ لا تُقاس أو اسم اخر للرواية (عبودية في ثياب ا ...


المزيد.....




- إعلان بيع وطن
- أفلام من توقيع مخرجات عربيات في سباق الأوسكار
- «محكمة جنح قصر النيل تنظر دعوى السيناريست عماد النشار ضد رئي ...
- منتدى الدوحة 2025: قادة العالم يحثون على ضرورة ترجمة الحوار ...
- بدا كأنه فيلم -وحيد في المنزل-.. شاهد كيف تمكن طفل من الإيقا ...
- -رؤى جديدة-.. فن فلسطيني يُلهم روح النضال والصمود
- رسائل فيلم ردع العدوان
- وفاة محمد بكري، الممثل والمخرج الفلسطيني المثير للجدل
- استشهاد فلسطينيين اثنين برصاص الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة
- جدل حول إزالة مقبرة أمير الشعراء وسط مخاوف على تراث القاهرة ...


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد صالح سلوم - رواية : الرحلة المقطوعة