|
|
بروكسل في الفجر: فاتورة الوهم على كاهل أوروبا( كتيب)
احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية
(Ahmad Saloum)
الحوار المتمدن-العدد: 8564 - 2025 / 12 / 22 - 12:56
المحور:
الادارة و الاقتصاد
مقدمة: بروكسل 2025 – اللحظة التي انكشف فيها عبث الإمبريالية المتأخرة
انتهت قمة قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل ،يوم 19 ديسمبر 2025 باتفاق يُموّل قرضاً مشتركاً بقيمة 90 مليار يورو لأوكرانيا من ديون أوروبية جديدة، بعد فشل الخطة الأولى في استخدام الأصول الروسية المجمدة، لم يكن هذا القرار مجرد تسوية دبلوماسية عابرة، بل لحظة تاريخية كاشفة تُعلن عن أزمة عميقة في قلب الإمبريالية الغربية المتأخرة. هذا الكتيب، الذي يجمع عشر مواد صحفية معمقة، يهدف إلى كشف الوجوه المتعددة لهذه الأزمة، من عبءها الاجتماعي على المواطن الأوروبي العادي، إلى تداعياتها الاقتصادية والثقافية والبيئية، مروراً باستيقاظ الجنوب العالمي وصعود بدائل تتحدى الهيمنة الغربية. قمة بروكسل لم تكن انتصاراً، بل اعترافاً ضمنياً باستنزاف ذاتي يُثقل كاهل الشعوب الأوروبية، في سياق حرب استعمارية أمريكية بالوكالة على روسيا عبر البيدق الأوكراني في كييف، حرب أدت إلى تدمير قاطرة الاقتصاد الأوروبي – الاقتصاد الألماني – بفك ارتباطه عن شريانه الحيوي، خطوط الغاز الروسي عبر نورد ستريم ومخازن الطاقة السيبيرية.
النخبة الأمريكية الحاكمة، منذ بداية هذه الحرب الاستعمارية الجديدة في 2022، استخدمت أوكرانيا كأداة لإضعاف روسيا، لكنها في الواقع أضعفت حليفتها الأوروبية، مُجبرة القارة على قطع شريان الطاقة الروسي الرخيص الذي كان يُشغل مصانعها ويُدفئ منازلها. هذا الفك الارتباط، الذي فرضته واشنطن بدوافع هيمنة، حوّل أوروبا من قوة اقتصادية مزدهرة إلى اقتصاد يعاني الركود والتضخم، مع ارتفاع تكاليف الطاقة وإغلاق مصانع، خاصة في ألمانيا التي كانت تعتمد على الغاز الروسي لأكثر من 50% من احتياجاتها قبل الحرب. اتفاق بروكسل الجديد، الذي يُثقل الديون المشتركة، يُكمل هذا الاستنزاف، يُلقي ثقله على المواطن الأوروبي الذي يدفع الضرائب لتمويل حرب لا تنتهي، بينما تُعلن النخب انتصاراً أخلاقياً وهمياً.
هذا الكتيب يتناول عشرة مواضيع رئيسية تكشف وجوه هذه الأزمة، بدءاً من الخاسرين الصامتون – دافعي الضرائب الأوروبيين الذين يتحملون الفاتورة الاجتماعية والاقتصادية لسياسات نخبهم – مروراً بعودة الذهب كملاذ آمن لدول الجنوب مثل الصين والسعودية، واستيقاظ أفريقيا أمام فرص البريكس، ومعاناة النساء والطبقات الشعبية في أوروبا وأوكرانيا، وترنح البورصات أمام الديون الجديدة، وإبطاء الانتقال الطاقي الأوروبي، وثورة الشباب الأوروبي جيل Z، ودبلوماسية الدول المحايدة مثل تركيا والهند، والحرب الثقافية عبر الإعلام، وصولاً إلى سيناريوهات المستقبل في عالم بدون هيمنة غربية.
الخاسرون الصامتون هم قلب هذه المأساة، المواطنون الذين يدفعون من جيوبهم لدعم خارجي يطول، بينما تتراجع خدماتهم الاجتماعية. الذهب يعود ملكاً، رمزاً لفقدان الثقة في اليورو، مع تسريع الصين والسعودية مشترياتها. أفريقيا تستيقظ، ترى في البريكس بديلاً عن الشراكات الغربية المشروطة. النساء يتحملن العبء الأكبر في الطبقات الشعبية، في أوروبا وأوكرانيا. البورصات تترنح، مهددة بأزمة مالية جديدة. الطاقة الخضراء في الميزان، تُضحى بها لصالح الحرب. الشباب يثور، رفضاً لسياسات تسرق مستقبله. الدبلوماسية السرية تُزهر لدول محايدة تستفيد من الانقسام. الثقافة تصبح ساحة حرب، مع إعلام غربي يُبرر والجنوب يرد. والمستقبل يلوح بسيناريوهات تتجاوز الهيمنة.
هذه المقدمة تُمهد للكتيب الذي يُقدم تحليلاً معمقاً لهذه اللحظة، يكشف كيف أن قمة بروكسل كانت نقطة تحول، تُعلن عن نهاية وهم الهيمنة الغربية، وولادة عالم يعيد التوازن. النخب الأمريكية، التي استخدمت أوكرانيا كبيدق، أضعفت أوروبا بتدمير اقتصادها الألماني، وفك ارتباطه عن روسيا، شريكه السابق. الآن، يدفع المواطن الأوروبي الثمن، والكتيب يُسلط الضوء على هذه المأساة من عشر زوايا، ليُعيد الرواية إلى الشعوب لا النخب. بروكسل 2025 ليست انتصاراً، بل بداية صحوة، والكتيب دليل على ذلك.
……..
.
الخاسرون الصامتون: كيف يدفع دافعو الضرائب الأوروبيون ثمن قرار بروكسل في فجر 19 ديسمبر
عندما كانت بروكسل تغفو تحت ضباب شتاء كثيف، انتهت قمة قادة الاتحاد الأوروبي باتفاق يُقدم كانتصار دبلوماسي لأوكرانيا، لكنه في جوهره فاتورة جديدة ثقيلة تُلقى على كاهل المواطن الأوروبي العادي. بعد ليالٍ من المناقشات الماراثونية، تخلى القادة عن فكرة استخدام الأصول الروسية المجمدة مباشرة كضمان لقروض تعويضات، وانتهوا إلى اقتراض مشترك بقيمة 90 مليار يورو من ميزانية الاتحاد نفسه، قرض بدون فوائد يُموّل من جيوب دافعي الضرائب عبر الديون المشتركة. هذا القرار، الذي جاء في ساعات الصباح الباكر، لم يكن مجرد تسوية فنية، بل إعلان ضمني بأن الشعوب الأوروبية هي من تدفع ثمن سياسات نخبها، في حرب استنزاف طويلة لا تنتهي، تحول القارة العجوز من مهد الرفاهية إلى أرض الاستنزاف الذاتي.
دافع الضرائب الأوروبي، ذلك الإنسان الصامت الذي يستيقظ كل صباح ليعمل في مصنع أو مكتب أو حقل، هو الخاسر الحقيقي في هذه المعادلة. منذ بداية النزاع الأوكراني في 2022، أنفقت أوروبا مئات المليارات على الدعم العسكري والمالي، معظمها من ميزانيات وطنية ممولة بالضرائب والاقتراض. اتفاق الفجر الجديد يضيف عبئاً مباشراً، إذ يُموّل القرض من خلال إصدار سندات مشتركة، مما يزيد الدين العام الأوروبي ويُفرض توزيعه على الدول الأعضاء بناءً على حصصها الاقتصادية. هذا يعني أن المواطن في ألمانيا أو فرنسا أو إيطاليا سيدفع فاتورة إضافية، سواء عبر ارتفاع الضرائب أو تقليص الخدمات الاجتماعية، بينما تذهب الأموال إلى دعم خارجي يطول أمده دون أفق انتصار واضح.
في ألمانيا، قلب الاقتصاد الأوروبي، يتحمل دافع الضرائب ثمناً مراً لسياسات حكومته التي تبنت الدعم غير المحدود لأوكرانيا. الاقتصاد الألماني، الذي كان يعتمد على الغاز الروسي الرخيص لتشغيل صناعاته الثقيلة، دخل ركوداً مطولاً في 2023-2025، مع إغلاق مصانع كيميائية وتراجع الإنتاج الصناعي بنسبة تجاوزت 10%. دافع الضرائب، الذي يساهم بنحو 40% من دخله في الخزينة العامة، يرى اليوم ميزانيته الوطنية تُفرغ في قروض أوروبية مشتركة، بينما تتراجع الاستثمارات في التعليم والصحة والمعاشات. استطلاعات الرأي الأخيرة تكشف عن غضب متزايد، حيث يرفض أكثر من 60% من الألمان استمرار الدعم غير المحدود، معتبرين أنه يضر بمستقبلهم الاقتصادي. الشاب الألماني، الذي يواجه بطالة متزايدة وبيوتاً باهظة الثمن، يتساءل: لماذا ندفع نحن ثمن حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل؟
في فرنسا، حيث يبلغ الدين العام أكثر من 110% من الناتج المحلي، يصبح دافع الضرائب ضحية لسياسات خارجية تتجاوز قدرة الاقتصاد على التحمل. ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، الذي تجاوز 20% في بعض الفترات، دفع الطبقات الوسطى والفقيرة إلى الشوارع، كما في احتجاجات السترات الصفراء التي عادت بقوة في 2025. القرض المشترك الجديد يعني مزيداً من الاقتراض، مما يرفع فوائد الدين ويقلل الإنفاق على الرعاية الاجتماعية. النساء، اللواتي يشكلن غالبية العاملين في القطاعات الخدمية المتضررة، والأسر ذات الدخل المنخفض، هن الأكثر معاناة، إذ يرتفع الفقر بين الأطفال ويتراجع الدعم للتعليم والصحة. المواطن الفرنسي، الذي يدفع ضرائب عالية مقابل خدمات عامة، يشعر بالخيانة من نخبة تتحدث عن "القيم الأوروبية" بينما تفرغ الخزينة في دعم خارجي لا يعود عليه بشيء.
إيطاليا، بتاريخها من الديون المزمنة، تشهد صعوداً شعبوياً يغذيه هذا الاستنزاف. دافع الضرائب الإيطالي، الذي يعمل في قطاعات السياحة والصناعات الصغيرة، يواجه إغلاقاً لآلاف الشركات بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة، مما يزيد البطالة ويقلل الإيرادات الضريبية. القرض المشترك يعني عبئاً إضافياً على روما، التي تعاني من ديون تتجاوز 140% من الناتج، ويغذي الشعور بأن أوروبا تفرض سياسات ألمانية-فرنسية على حساب الجنوب. الشباب الإيطالي، الذي يهاجر بأعداد قياسية بحثاً عن فرص، يرى في اتفاق بروكسل دليلاً على أن النخب الأوروبية تفضل الحروب الخارجية على رفاهية شعوبها.
هؤلاء الخاسرون الصامتون ليسوا مجرد إحصاءات في تقارير اقتصادية، بل أسر تكافح يومياً، عمال يفقدون وظائفهم، شباب يفقدون الأمل في مستقبل أفضل. في بولندا وليتوانيا، الداعمتين بقوة لأوكرانيا، يدفع المواطن ثمناً اجتماعياً أيضاً، مع ارتفاع التضخم وتراجع الاستثمارات المحلية. حتى في دول محايدة نسبياً مثل المجر، يثير الاتفاق غضباً من الإنفاق المشترك الذي يُفرض عليها رغم معارضتها.
هذا الاستنزاف يكشف عن تناقض أساسي في المشروع الأوروبي: نخب تتحدث عن التضامن والقيم، بينما تفرض سياسات تدمر الرفاهية الاجتماعية التي بنتها أجيال بعد الحرب العالمية الثانية. اتفاق الفجر في بروكسل لم يكن انتصاراً، بل اعترافاً ضمنياً بالفشل في مواجهة روسيا اقتصادياً، وتحويل العبء إلى الشعوب. الصمت الذي يغلف هذه المعاناة لن يدوم، إذ بدأت الاحتجاجات تتصاعد، والأحزاب الشعبوية تكتسب قوة، مطالبة بإعادة النظر في هذه السياسات التي تحول أوروبا من قارة السلام إلى أرض الاستنزاف.
التاريخ يعلمنا أن الشعوب، عندما تُدفع إلى الحافة، تثور، وفي أوروبا اليوم، يبدأ صوت الخاسرين الصامتون في الارتفاع، يطالب بعودة إلى الرفاهية والسلام، بدلاً من حروب بالوكالة تكلف الجميع إلا القلة. اتفاق بروكسل قد يكون بداية صحوة، أو نهاية لوهم الوحدة الأوروبية كما رسمته النخب، حيث يدفع الشعب ثمن أخطاء لا يشارك في صنعها. الخاسرون الصامتون هم قلب أوروبا، وصمتهم، إذا انكسر، قد يغير وجه القارة إلى الأبد.
الذهب يعود ملكاً: كيف تسرع الصين والسعودية في شراء الذهب كرد على سابقة بروكسل
باقرار قمة بروكسل اتفاقا يُموّل قرضاً مشتركاً بقيمة 90 مليار يورو لأوكرانيا من ديون أوروبية جديدة، بعد فشل خطة استخدام الأصول الروسية المجمدة، يبرز معدن قديم كرمز لعصر جديد: الذهب. هذا المعدن الأصفر، الذي كان ملك الملوك في العصور القديمة وملاذاً آمناً في الأزمات الحديثة، يعود اليوم إلى عرشه في خزائن البنوك المركزية، خاصة في الصين والمملكة العربية السعودية، كرد هادئ لكن حاسم على سابقة أوروبية تُرى كتسييس للأموال السيادية. هذه السابقة، التي كادت تتحول إلى سرقة قانونية لأصول روسية، أعجلت بتحول استراتيجي في الجنوب العالمي، يجعل الذهب سلاحاً دفاعياً ضد نظام مالي غربي يفقد ثقته، ويُمهد لعالم متعدد الأقطاب يعتمد على أصول حقيقية لا قيم دفترية وهمية.
الذهب، ذلك الرمز الأبدي للقيمة الذاتية، يشهد في 2025 انتعاشاً غير مسبوق كاحتياطي مركزي، إذ سجلت مشتريات البنوك المركزية أرقاماً قياسية تجاوزت 1000 طن سنوياً، معظمها من دول الجنوب. الصين، العملاق الآسيوي الذي يمتلك احتياطيات أجنبية هائلة، تقود هذا التحول بزيادة حيازاتها إلى أكثر من 2200 طن، مضيفة مئات الأطنان في الأشهر الأخيرة وحدها. هذا الشراء ليس عشوائياً، بل رد مباشر على أزمة الثقة التي أثارها اتفاق بروكسل، الذي كشف عن هشاشة النظام المالي الأوروبي أمام التسييس. بكين، التي كانت تعتمد جزئياً على السندات الأوروبية والأمريكية، ترى في الذهب ملاذاً آمناً يحمي ثروتها من مخاطر التجميد أو المصادرة، خاصة مع تصاعد التوترات الجيوسياسية. الذهب، بطبيعته غير القابلة للتسييس، يصبح سلاحاً دفاعياً، يقلل الاعتماد على اليورو والدولار، ويعزز السيادة المالية في عالم يتجه نحو التعددية القطبية.
السعودية، جوهرة الصحراء النفطية، تتبع مساراً مشابهاً يجمع بين الحكمة التاريخية والحزم الاستراتيجي. الرياض، التي هددت سابقاً ببيع سندات أوروبية إذا تمت مصادرة الأصول الروسية، أسرعت في 2025 بشراء الذهب، مضيفة مئات الأطنان إلى احتياطياتها التي تجاوزت 320 طناً رسمياً، مع تقديرات غير رسمية تشير إلى أرقام أعلى. هذا التحول يعكس رؤية المملكة لعالم مالي غير مستقر، حيث أصبح اليورو عرضة للتقلبات السياسية، والدولار يعاني من ديون أمريكية متفاقمة. السعودية، بعضويتها الجديدة في البريكس، ترى في الذهب جسراً نحو نظام مالي جنوبي، يعتمد على أصول مادية لا عملات ورقية تفقد قيمتها مع طباعة لا حدود لها. هذا الشراء ليس مجرد استثمار، بل إعلان استقلالية، يحمي ثروة المملكة النفطية من مخاطر غربية، ويُعزز شراكاتها مع الصين وروسيا في إطار أوبك+ والبريكس.
هذان العملاقان، الصين والسعودية، ليسا وحدهما في هذا السباق نحو الذهب. دول البريكس الأخرى، مثل الهند وروسيا وجنوب أفريقيا، سجلت مشتريات قياسية، مما رفع إجمالي حيازات الكتلة إلى آلاف الأطنان، مقابل تراجع نسبي في الاحتياطيات الذهبية الغربية. هذا التحول يعكس أزمة ثقة عميقة في النظام المالي الغربي، الذي بني على الدولار واليورو كعملات احتياطي، لكنه اليوم يواجه تسييساً يجعله عرضة للانهيار. اتفاق بروكسل، الذي فشل في استخدام الأصول الروسية مباشرة وانتهى باقتراض مشترك يزيد الديون الأوروبية، أعجل بهذا السباق، إذ أدركت دول الجنوب أن أصولها في الغرب لم تعد آمنة. الذهب، ببريقه الأبدي، يصبح رمزاً للعودة إلى القيم الحقيقية، بعيداً عن الوهم المالي الذي يسيطر على وول ستريت ولندن.
التداعيات لهذا التحول تمتد إلى ما هو أبعد من الخزائن المركزية، فهي تعيد رسم خريطة القوة الاقتصادية العالمية. ضعف اليورو، الذي انخفض قيمته أمام الدولار في أعقاب القمة، يعكس فقدان الثقة، مما يدفع المستثمرين نحو الذهب كملاذ آمن، رافعاً أسعاره إلى مستويات قياسية تجاوزت 2500 دولار للأونصة في 2025. الصين والسعودية، بمشترياتهما المكثفة، لا يحميان ثروتهما فحسب، بل يُضعفان الهيمنة الغربية، إذ يقللان الطلب على السندات الأوروبية والأمريكية، مما يرفع فوائد الدين ويعمق الركود في الغرب. هذا الرد الهادئ، الذي يجمع بين الصبر الآسيوي والحكمة الصحراوية، يُعجل بولادة نظام مالي جنوبي، يعتمد على الذهب كأساس لعملة بريكس مستقبلية، أو سلة عملات مدعومة بأصول مادية.
في هذا العصر المتحول، يعود الذهب ملكاً، ليس كزينة قديمة، بل كسلاح حديث في حرب اقتصادية صامتة. الصين والسعودية، بتحركهما الاستراتيجي، لا يدافعان عن ثروتهما فحسب، بل يبنيان عالماً جديداً يرفض التسييس المالي، ويعيد القيمة إلى ما هو حقيقي ودائم. سابقة بروكسل، التي أرادت عقاب روسيا، أعجلت باستيقاظ الجنوب، وجعلت الذهب رمزاً لسيادة جديدة، تُمهد لعصر يتجاوز فيه الشرق والجنوب هيمنة غربية تتآكل تحت وزن أخطائها. الذهب يلمع اليوم في خزائن بكين والرياض، إيذاناً بفجر اقتصادي يبني على الواقع لا الوهم، وعلى الاستقلال لا التبعية.
أفريقيا تستيقظ: فرص البريكس في القارة السمراء بعد تخلي الغرب عن حياده المالي
حيث تشرق الشمس على أراضٍ غنية بالموارد ومليئة بالأمل، في طبقات القارة السمراء يحدث تحول تاريخي يُعيد رسم خريطة التنمية العالمية. قمة بروكسل في 19 ديسمبر 2025، التي انتهت باتفاق اقتراض مشترك أوروبي بقيمة 90 مليار يورو لدعم أوكرانيا بعد فشل خطة استخدام الأصول الروسية، لم تكن مجرد قرار مالي، بل لحظة كشفت عن تخلي الغرب عن حياده المالي، وفتحت أبواباً واسعة لفرص البريكس في أفريقيا. هذه السابقة، التي تُرى كتسييس للأموال السيادية، أعجلت باستيقاظ القارة، التي ترى في البريكس بديلاً عن شراكات غربية مشروطة ومستغلة، وفرصة لبناء تنمية ذاتية ترتكز على الاحترام المتبادل لا النهب المقنع.
أفريقيا، مهد الحضارة الإنسانية وخزان الموارد العالمي، عانت لقرون من استعمار غربي حوّل ثرواتها إلى رفاهية أوروبية، تاركاً إرثاً من الفقر والتبعية. اليوم، مع اتفاق بروكسل الذي يكشف عن هشاشة النظام المالي الغربي، تستيقظ القارة على فرص جديدة تقدمها البريكس، الكتلة التي توسعت في 2025 لتشمل دولاً أفريقية مثل مصر وإثيوبيا. هذا التوسع ليس صدفة، بل رد على سياسات غربية تفرض شروطاً قاسية عبر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، مقابل قروض تُغرق الدول في الديون. البريكس، بقيادة الصين وروسيا وجنوب أفريقيا، يقدم نموذجاً مختلفاً: استثمارات بدون شروط سياسية، تركز على البنية التحتية والإنتاج الحقيقي، مما يحول أفريقيا من مصدر مواد خام إلى شريك صناعي.
في إثيوبيا، التي انضمت إلى البريكس حديثاً، تبرز فرص التحول بوضوح. السد العالي النهضة، رمز السيادة الأفريقية، يشهد دعماً صينياً هائلاً في التمويل والتكنولوجيا، مقابل شراكات غربية مشروطة أدت إلى توترات. اتفاق بروكسل يُعجل بتوجه أديس أبابا نحو البريكس، حيث يجد القادة الأفارقة في بنك التنمية الجديد بديلاً عن القروض الغربية التي تفرض خصخصة وتقشفاً. هذا الدعم يبني طرقاً وسككاً حديدية تربط إثيوبيا بجيرانها، محولاً البلاد إلى مركز لوجستي إقليمي، ومُعززاً نمواً يتجاوز 7% سنوياً.
نيجيريا، عملاق أفريقيا السكاني، ترى في البريكس فرصة لتنويع اقتصادها النفطي. لاغوس، المدينة النابضة، تشهد استثمارات صينية في الطاقة المتجددة والتكنولوجيا، مقابل تراجع غربي يركز على استخراج النفط دون تنمية محلية. سابقة بروكسل تدفع أبوجا نحو تعزيز الشراكات مع روسيا في الأسمدة والزراعة، ومع الهند في الدواء، مما يقلل الاعتماد على الواردات الغربية الباهظة. كينيا، بدورها، تستفيد من مشاريع صينية في ميناء مومباسا وخطوط السكك، تحولها إلى بوابة تجارية لشرق أفريقيا، بعيداً عن شروط غربية تفرض إصلاحات سياسية مقابل المساعدات.
جنوب أفريقيا، العضو المؤسس في البريكس، تقود هذا الاستيقاظ بقوة، إذ ترى في اتفاق بروكسل تأكيداً لرفضها السابق للسياسات الغربية. جوهانسبرغ وكيب تاون تشهدان نمواً في الاستثمارات الروسية في التعدين والصينية في السيارات الكهربائية، مما يعزز الإنتاج المحلي ويقلل البطالة. القادة الأفارقة، في قمم الاتحاد الأفريقي، يتحدثون اليوم عن "شراكة متساوية" مع البريكس، مقابل "شروط استعمارية جديدة" من الغرب.
هذا الاستيقاظ ليس اقتصادياً فحسب، بل سياسياً وثقافياً، إذ يعيد أفريقيا كرامتها بعد قرون من النهب. اتفاق بروكسل، الذي كشف عن ضعف أوروبي يلجأ إلى الاقتراض المشترك بعد فشل النهب، يُعجل بتحول يجعل البريكس شريكاً مفضلاً، يبني بدون شروط، ويحترم السيادة. أفريقيا تستيقظ، ليس غضباً، بل أملاً، نحو تنمية ذاتية ترتكز على مواردها وشعوبها، في عالم يتجاوز فيه الجنوب هيمنة غربية تتآكل. القارة السمراء، مهد البشرية، تُولد من جديد، مدعومة بشركاء يرون فيها مستقبلاً مشتركاً، لا مستعمرة للنهب. الاستيقاظ بدأ، والمستقبل أفريقي.
النساء والحرب الاقتصادية: كيف تتحمل الطبقات الشعبية في أوروبا وأوكرانيا عبء الاستنزاف
النساء تتحمل غالباً عبء الحياة اليومية والرعاية الأسرية، يبرز وجه آخر للحرب الاقتصادية التي أعقبت قمة بروكسل في 19 ديسمبر 2025. هذا الاتفاق، الذي انتهى باقتراض مشترك أوروبي بقيمة 90 مليار يورو لدعم أوكرانيا بعد فشل خطة استخدام الأصول الروسية، لم يكن مجرد قرار مالي، بل إعلان استنزاف يقع ثقله الأكبر على كاهل الطبقات الشعبية، وخاصة النساء اللواتي يشكلن غالبية العاملين في القطاعات الأكثر تضرراً. في هذه المادة، نغوص في أعماق هذه المأساة الاجتماعية، لنكشف كيف أن سياسات النخب السياسية تحول الحرب البعيدة إلى معركة يومية في المطابخ والمستشفيات والمدارس، تدفعها النساء والأسر الفقيرة من دمائهم وأحلامهم، في تناقض صارخ مع خطاب "القيم الأوروبية" الذي يتشدق به القادة.
النساء، تلك الحاملات الصامتات للمجتمع، هن الأكثر تضرراً من الاستنزاف الاقتصادي الذي فرضته العقوبات والدعم غير المحدود لأوكرانيا. في أوروبا، حيث يشكلن نحو 70% من العاملين في قطاعات الرعاية الصحية والتعليم والخدمات، يواجهن ارتفاع التضخم الذي تجاوز 10% في بعض الدول، وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء بنسبة 20-30%. اتفاق بروكسل الجديد، الذي يزيد الديون المشتركة، يعني مزيداً من التقشف، تقليص الإنفاق الاجتماعي، وارتفاع الضرائب غير المباشرة، مما يضرب الطبقات الشعبية في الصميم. الأم العاملة في مدريد أو برلين، التي تكافح لدفع فواتير التدفئة، تجد نفسها تختار بين إطعام أطفالها أو تدفئة المنزل، في شتاء يصبح أقسى بسبب قرارات نخبوية تتحدث عن "التضامن" بينما تفرغ الخزينة في حرب بعيدة.
في أوكرانيا، حيث يتحمل الشعب عبء النزاع المباشر، تكون النساء الضحية الأولى للاستنزاف الاقتصادي الذي يغذيه الدعم الغربي. مئات المليارات التي أنفقت منذ 2022 لم تُترجم إلى انتصار، بل إلى اقتصاد منهار، مع انكماش بنسبة 30% في البداية واستمرار الاعتماد على المساعدات. النساء، اللواتي يشكلن غالبية النازحين والأرامل، يواجهن بطالة متفاقمة وفقراً يدفع الأطفال إلى العمل أو التسرب من المدارس. القرض الأوروبي الجديد، الذي يُقدم كإنقاذ، يأتي مشروطاً بإصلاحات تقشفية تقلل الدعم الاجتماعي، مما يزيد عبء الرعاية على النساء اللواتي يعملن ساعات إضافية في وظائف غير رسمية لإعالة أسرهن. في كييف وخاركيف، تروي قصص النساء عن أطفال ينامون جوعى، وأمهات يبيعن ممتلكاتهن لشراء الدواء، في حرب اقتصادية تحول الحياة اليومية إلى معركة بقاء.
هذا العبء الجندري ليس صدفة، بل نتيجة نظام رأسمالي إمبريالي يضرب الطبقات الشعبية أولاً، ويجعل النساء الدرع الأول أمام الأزمات. في أوروبا، ترتفع البطالة بين النساء في القطاعات الخدمية، مع إغلاق شركات صغيرة بسبب ارتفاع التكاليف، وتقليص الإجازات الأمومة والدعم للأسر. الطبقات الشعبية، التي تشكل النساء غالبيتها في الوظائف منخفضة الأجر، تدفع ثمن سياسات خارجية تُفرض من فوق، بينما تتحدث النخب عن "الدفاع عن الحرية". في أوكرانيا، يصبحن النساء رمزاً للصمود، لكنهن أيضاً ضحايا لاستنزاف يطول، حيث يغادر الرجال الجبهة أو يموتون، تاركين الأعباء على كاهل الأمهات والزوجات.
التناقض الصارخ يكمن في أن هذه الحرب الاقتصادية، التي تُبرر باسم "القيم الإنسانية"، تدمر الإنسانية في الداخل. اتفاق بروكسل، الذي جاء بعد فشل النهب المباشر، يزيد الديون ويقلل الرفاهية، مما يعمق الفجوة بين النخب والشعوب. النساء في الطبقات الشعبية، سواء في قرية بولندية أو مدينة أوكرانية، يصبحن الخاسرات الحقيقيات، يتحملن عبء الرعاية والعمل والقلق، في صمت يبدأ في التحول إلى صوت احتجاج. هذا الصوت، إذا ارتفع، قد يغير مسار أوروبا، مطالبًا بسلام يحمي الرفاهية لا يدمرها، وعدالة اجتماعية تُعيد الكرامة لمن يحملن المجتمع على كاهلهن.
التاريخ يشهد على أن النساء، عندما يُدفعن إلى الحافة، يقدن التغيير، وفي أوروبا وأوكرانيا اليوم، يبدأ هذا التغيير في التبلور، مع احتجاجات تندد بالاستنزاف وتطالب بإعادة ترتيب الأولويات. الحرب الاقتصادية ليست بعيدة، بل في كل منزل، و النساء هن من يدفعن ثمنها يومياً، في صمت يحمل في طياته قوة ثورية قد تغير وجه القارة. الطبقات الشعبية، بقلبها النسائي، هي الضمير الحي لأوروبا، وصمتها، إذا انكسر، قد يكون بداية عصر جديد يضع الإنسان قبل الحروب.
البورصات تترنح: كيف يهدد اتفاق بروكسل استقرار الأسواق المالية العالمية
نبضات الأسواق المالية تتسارع كقلب مريض يعاني من الإرهاق، ألقت قمة بروكسل في 19 ديسمبر 2025 بظلالها الثقيلة على استقرار العالم المالي. هذا الاتفاق، الذي انتهى باقتراض مشترك أوروبي بقيمة 90 مليار يورو لدعم أوكرانيا بعد فشل خطة استخدام الأصول الروسية المجمدة، لم يكن مجرد تسوية دبلوماسية، بل زلزال اقتصادي يهز أركان البورصات، يكشف عن هشاشة نظام رأسمالي يعتمد على ديون متراكمة وقيم دفترية وهمية. في هذه المادة، نستعرض كيف أن هذا القرار يُعجل بتقلبات الأسواق، يرفع مخاطر الفقاعات، ويُمهد لأزمة مالية عالمية جديدة، تحول الأسواق من محرك نمو إلى بركان يهدد بثوران يبتلع الرفاهية الغربية برمتها.
البورصات، تلك القلاع الزجاجية للرأسمالية الحديثة، بدأت تترنح فور إعلان الاتفاق في ساعات الفجر. مؤشر داكس الألماني انخفض بنسبة 2% في الأيام الأولى، وكاك 40 الفرنسي تبعه بتراجع مشابه، بينما شهد يورو ستوكس 50 تقلبات حادة تعكس قلق المستثمرين من زيادة الديون الأوروبية المشتركة. هذا الترنح ليس عابراً، بل إشارة إلى أزمة ثقة عميقة، إذ يرى السوق في الاقتراض المشترك عبئاً إضافياً على اقتصادات أوروبية تعاني أصلاً من ركود مطول وتضخم مستمر. اتفاق بروكسل، الذي جاء بعد فشل النهب المباشر للأصول الروسية، يعني مزيداً من الإصدارات السندية، مما يرفع فوائد الدين ويقلل جاذبية الأصول الأوروبية، في وقت يبحث فيه المستثمرون عن ملاذات آمنة بعيداً عن تقلبات سياسية.
التقلبات التي شهدتها الأسواق بعد القمة تكشف عن بنية هشة تعتمد على الديون لا الإنتاج الحقيقي. في وول ستريت، حيث يسيطر مؤشر إس أند بي 500 على نبض الاقتصاد الأمريكي، انخفضت الأسهم الأوروبية المدرجة، مع تراجع شركات الطاقة والصناعات الثقيلة التي تعتمد على أوروبا كسوق رئيسية. المستثمرون، الذين يخشون من انتشار الركود الأوروبي إلى الولايات المتحدة، بدأوا في بيع السندات الأوروبية، مما رفع العوائد وأثار مخاوف من فقاعة ديون جديدة. هذا القلق ليس مبالغاً، إذ يبلغ الدين العام الأوروبي أكثر من 100% من الناتج المحلي في دول كبرى، والاقتراض الجديد يُضاف إلى فاتورة تُدفع من جيوب المستقبل، في نظام يعتمد على طباعة نقود وهمية للحفاظ على الوهم.
في لندن، التي انفصلت عن الاتحاد لكنها مرتبطة به اقتصادياً، شهد مؤشر فاينانشيال تايمز 100 تراجعاً حاداً، مع مخاوف من أن الركود الأوروبي ينتقل عبر القناة. البورصات الأوروبية، التي تعتمد على الاستقرار السياسي، تواجه اليوم تقلبات تعكس فقدان الثقة في قدرة النخب على إدارة الأزمات. اتفاق بروكسل، الذي يُقدم كتضامن، يُرى في الأسواق كيأس، إذ يلجأ الاتحاد إلى الاقتراض بعد فشل في مواجهة روسيا اقتصادياً، مما يرفع مخاطر التخلف عن السداد في دول مثل إيطاليا أو اليونان. هذه المخاطر تُترجم إلى بيع جماعي للأسهم، وارتفاع أسعار الذهب والعملات البديلة، إيذاناً بتحول عالمي نحو ملاذات آمنة بعيداً عن اليورو والدولار.
الأسواق المالية، تلك المرآة المشوهة للرأسمالية، تكشف اليوم عن وجهها الحقيقي: نظام يعتمد على الديون والمضاربات، لا الإنتاج الحقيقي. اتفاق بروكسل يُعجل بفقاعات جديدة، إذ يزيد الإنفاق العسكري والدعم الخارجي من العجز، مما يرفع التضخم ويقلل الاستثمار في القطاعات المنتجة. في فرانكفورت، حيث يقع مقر البنك المركزي الأوروبي، يحذر الخبراء من أن رفع الفوائد لمواجهة التضخم قد يؤدي إلى ركود حاد، مع إفلاس محتمل لشركات صغيرة وتراجع الاستهلاك. هذا الترنح ينتقل إلى الأسواق العالمية، حيث يرى المستثمرون في آسيا وأمريكا اللاتينية فرصة للابتعاد عن أصول أوروبية غير مستقرة.
التداعيات تمتد إلى ما هو أبعد من الأرقام، فهي تهدد الاستقرار الاجتماعي الذي بنته أوروبا بعد الحرب العالمية. البورصات، التي تترنح اليوم، تعكس أزمة ثقة في النخب التي تفرض سياسات خارجية تدمر الداخل، وتجعل من الأسواق بركاناً يهدد بثوران يبتلع المدخرات والمعاشات. اتفاق بروكسل، الذي جاء كتسوية بعد فشل، يُعجل بهذا الثوران، إذ يزيد الديون ويقلل الثقة، مما يفتح الباب لأزمة مالية عالمية جديدة تشبه 2008، لكنها أعمق بسبب الديون المتراكمة والانقسامات الجيوسياسية.
في هذا العصر المتقلب، تترنح البورصات كرمز لنظام رأسمالي يفقد توازنه، يعتمد على ديون لا حدود لها للحفاظ على وهم النمو. اتفاق بروكسل ليس انتصاراً، بل إشارة إلى أزمة بنيوية، تهدد بانهيار يبدأ من تقلبات الأسهم وينتهي بتفكك اجتماعي. الأسواق، التي كانت محرك الازدهار، أصبحت اليوم مرآة للانهيار الذاتي، ودرساً قاسياً لنخب تتجاهل الواقع. الترنح مستمر، والثوران قادم، إذا لم يتغير المسار. العالم المالي يترنح، والمستقبل ينتظر من يُعيد التوازن قبل فوات الأوان.
الطاقة الخضراء في الميزان: كيف أضرت العقوبات على روسيا بالانتقال البيئي الأوروبي
تتغنى قارة أوروبا بطموحاتها الخضراء وتُعلن نفسها رائدة في مكافحة التغير المناخي، يبرز تناقض صارخ يهدد بإجهاض أحلامها البيئية. قمة بروكسل في 19 ديسمبر 2025، التي انتهت باتفاق اقتراض مشترك بقيمة 90 مليار يورو لدعم أوكرانيا بعد فشل خطة استخدام الأصول الروسية، لم تكن مجرد قرار مالي، بل ضربة قاسية للانتقال الطاقي الأوروبي، الذي يُقدم كرمز للتقدم الحديث. العقوبات على روسيا، التي قطعت إمدادات الغاز الرخيص، أجبرت أوروبا على العودة إلى الفحم والوقود الأحفوري، مما يبطئ أهدافها المناخية ويكشف عن هشاشة سياساتها البيئية أمام الضرورات الجيوسياسية. في هذه المادة، نستعرض كيف أن هذه العقوبات، التي تُبرر باسم الحرية، تحول أوروبا من قائدة خضراء إلى متخلفة بيئية، في تناقض يعكس أزمة إمبريالية تدمر البيئة باسم الدفاع عنها.
الانتقال الطاقي الأوروبي، ذلك الطموح النبيل الذي رسمته اتفاقية باريس وصفقة الخضراء الأوروبية، كان يهدف إلى جعل القارة محايدة كربونياً بحلول 2050، مع استثمارات هائلة في الطاقة المتجددة والكفاءة الطاقية. لكن العقوبات على روسيا، التي بدأت في 2022 وقُويت في السنوات اللاحقة، قلب هذا الطموح رأساً على عقب. روسيا، التي كانت توفر نحو 40% من غاز أوروبا بأسعار منخفضة وانبعاثات نسبية أقل مقارنة بالفحم، أصبحت محظورة، مما أجبر أوروبا على استيراد غاز مسال أمريكي وقطري بتكاليف أعلى وانبعاثات أكبر بسبب النقل. اتفاق بروكسل الجديد، الذي يزيد الإنفاق العسكري والدعم الخارجي، يعمق هذا التناقض، إذ يقلل الاستثمارات في الطاقة الخضراء لصالح ميزانيات دفاعية، مما يبطئ التحول الذي كان يُعتبر أولوية قارية.
في ألمانيا، رائدة الطاقة المتجددة، يتجلى التناقض بوضوح مؤلم. برلين، التي أغلقت محطاتها النووية في 2023 باسم البيئة، عادت إلى الفحم لتعويض نقص الغاز الروسي، مما رفع انبعاثات الكربون بنسبة 10% في بعض السنوات. المصانع الثقيلة، التي كانت تتحول إلى الهيدروجين الأخضر، تواجه اليوم تكاليف طاقة فلكية، مما يؤجل مشاريع الطاقة الشمسية والرياح. اتفاق بروكسل يزيد الضغط، إذ يُموّل من ديون مشتركة تقلل الإنفاق على الصفقة الخضراء، التي كانت تستهدف 1 تريليون يورو بحلول 2030. هذا التراجع ليس مؤقتاً، بل بنيوي، يعكس كيف أن السياسات الجيوسياسية تُقدم على الأهداف البيئية، تحول أوروبا من نموذج خضراء إلى مستهلكة للوقود الأحفوري.
فرنسا، بتراثها النووي، تواجه تناقضاً مشابهاً. باريس، التي تعتمد على الطاقة النووية لـ70% من كهربائها، شهدت ارتفاعاً في استيراد الغاز المسال، مما يزيد انبعاثات النقل ويبطئ مشاريع الطاقة المتجددة في المناطق الريفية. القرض الأوروبي الجديد يعمق هذا الإبطاء، إذ يُفرض تقشفاً يقلل الدعم للطاقة الشمسية والرياح، في وقت يحتاج فيه الانتقال إلى استثمارات هائلة. التناقض يكمن في أن أوروبا، التي تُدين روسيا بيئياً، تعود إلى الفحم الأسود لتعويض نقص الغاز، مما يرفع انبعاثاتها الكلية ويُجهض أهداف اتفاقية باريس.
في دول الشمال مثل السويد والدنمارك، رائدات الرياح، يبطئ الاستنزاف التقدم، إذ يرتفع استيراد الوقود الأحفوري لتعويض النقص، مما يقلل الاستثمارات في الشبكات الذكية. حتى في إسبانيا والبرتغال، حيث الشمس وفيرة، يؤجل الركود مشاريع الطاقة الشمسية الكبرى. اتفاق بروكسل، الذي يُموّل من ديون مشتركة، يعكس أولويات معكوسة: الحرب الجيوسياسية قبل البيئة، مما يجعل الانتقال الطاقي ضحية لسياسات خارجية تدمر الكوكب باسم الدفاع عنه.
هذا التناقض يكشف عن أزمة أعمق في الرأسمالية الإمبريالية، التي تُقدم الطاقة الخضراء كشعار، لكنها تُضحي بها عندما تتعارض مع الهيمنة. العقوبات على روسيا، التي أضرت بالانتقال البيئي، تُعجل بتراجع أوروبي أمام البريكس، التي تقدم نموذجاً مختلفاً: الصين تقود في الطاقة المتجددة، وروسيا توفر موارد بكفاءة، مما يجعل الجنوب رائداً بيئياً مستقبلياً. أوروبا، بقرارها في بروكسل، تُبطئ انتقالها الخاص، وتُعجل بفقدان ريادتها البيئية، في تناقض يهدد الكوكب برمته.
الطاقة الخضراء، ذلك الحلم الأوروبي النبيل، أصبحت اليوم في الميزان، تترنح تحت وطأة قرارات سياسية تُقدم الحرب على المناخ. اتفاق بروكسل ليس انتصاراً، بل إدانة لنخب تتحدث عن المستقبل بينما تدمره، ودرس قاسٍ يذكرنا بأن البيئة لا تُحمى بالشعارات، بل بالسياسات المتسقة. أوروبا، التي أرادت قيادة العالم الخضراء، تواجه اليوم خطر التراجع، إذا استمرت في تضحية المناخ باسم الجيوسياسيا. الطاقة الخضراء في الميزان، والمستقبل ينتظر قراراً يُعيد التوازن قبل فوات الأوان.
الشباب الأوروبي يثور: جيل زد ورفضه لسياسات النخب في دعم الحرب
في شوارع برلين وباريس ومدريد ووارسو، حيث يجتمع الشباب الأوروبي في مظاهرات تتزايد يوماً بعد يوم، يبرز صوت جديد يهز أركان النخب السياسية التي تحكم القارة العجوز. جيل Z، ذلك الجيل الذي ولد في عصر الإنترنت والعولمة، يرفض بقوة سياسات الدعم غير المحدود لأوكرانيا، الذي توج باتفاق بروكسل في 19 ديسمبر 2025 باقتراض مشترك بقيمة 90 مليار يورو من ديون أوروبية جديدة. هذا الرفض ليس مجرد غضب عابر، بل ثورة جيلية تكشف عن انفصال عميق بين النخب التي تتحدث باسم "القيم الأوروبية" والشباب الذي يدفع ثمن هذه السياسات من مستقبله، في احتجاجات تُعيد إلى الأذهان روح الستينيات، لكنها تحمل طابعاً رقمياً ووجودياً يهدد بتغيير وجه أوروبا السياسي.
جيل Z الأوروبي، الذي يشكل نحو 20% من السكان ويتميز بوعي بيئي واجتماعي عميق، يرى في دعم الحرب الاقتصادية على روسيا عبئاً لا يُطاق يُفرض عليه دون استشارته. استطلاعات الرأي في 2025 تكشف عن تراجع حاد في الدعم للسياسات الخارجية بين الشباب تحت 30 عاماً، حيث يرفض أكثر من 65% في دول مثل ألمانيا وفرنسا استمرار الإنفاق العسكري والدعم المالي، معتبرين أنه يسرق مستقبلهم. اتفاق بروكسل، الذي يزيد الديون المشتركة، يُرى كدليل على أن النخب تفضل الحروب البعيدة على حل المشكلات الداخلية: البطالة الشبابية التي تتجاوز 15% في بعض الدول، أزمة السكن، والتغير المناخي الذي يهدد كوكبهم. هذا الجيل، الذي نشأ على وسائل التواصل الاجتماعي، ينظم احتجاجاته رقمياً، يشارك قصصاً عن فواتير طاقة باهظة ووظائف غير مستقرة، ويربط بين الاستنزاف الاقتصادي والحرب، مطالبًا بسلام يحمي رفاهيته لا يدمرها.
في برلين، حيث يجتمع الشباب في ميادين المدينة تحت شعارات "لا للحرب بالوكالة"، يعبر جيل Z عن غضبه من سياسات حكومة ميرز التي تبنت الدعم غير المحدود، مما أدى إلى ركود اقتصادي يضرب الشباب أولاً. الجامعات الألمانية تشهد إضرابات ومناظرات، حيث يتهم الطلاب النخب بتجاهل أولوياتهم: التعليم المجاني، الوظائف الخضراء، والسكن بأسعار معقولة. في باريس، عادت روح السترات الصفراء بين الشباب، الذين يحتجون على ارتفاع التكاليف وتراجع الخدمات الاجتماعية، رابطين بين اتفاق بروكسل والتقشف الذي يُفرض عليهم. الشاب الفرنسي، الذي يواجه بطالة وديوناً تعليمية، يرى في الدعم لأوكرانيا سرقة لمستقبله، ويطالب بإعادة توجيه الأموال نحو الداخل.
مدريد وروما تشهدان احتجاجات مشابهة، حيث يرفض الشباب الإيطالي والإسباني سياسات تُفرض من بروكسل، معتبرين أن الديون المشتركة عبء على أجيالهم. في وارسو، حتى بين الشباب البولندي الداعم تقليدياً لأوكرانيا، يبرز صوت يطالب بتوازن، إذ يعاني الشباب من ارتفاع الأسعار وتراجع الفرص. جيل Z، الذي يتواصل عبر تيك توك وإنستغرام، يبني حركة عابرة للحدود، يشارك فيديوهات عن الفقر المتزايد والقلق المناخي، ويربط بين الإنفاق العسكري والأزمات الداخلية.
هذا الرفض الجيلي يكشف عن أزمة تمثيل ديمقراطي عميقة، حيث تتحدث النخب باسم "أوروبا الموحدة" بينما تتجاهل صوت جيل يمثل المستقبل. اتفاق بروكسل، الذي جاء كتسوية بعد فشل، يُعمق هذا الانفصال، إذ يزيد الديون ويقلل الاستثمارات في التعليم والوظائف الشبابية. جيل Z، الذي يرفض الروايات التقليدية، يبني بدائل: حركات بيئية، حملات رقمية، وأحزاب جديدة تطالب بسلام وعدالة اجتماعية. هذا الثورة ليست عنيفة، بل فكرية وثقافية، تهدد بتغيير الخريطة السياسية، مع صعود أحزاب شعبوية يسارية ويمينية تستغل غضب الشباب.
الشباب الأوروبي يثور، ليس غضباً أعمى، بل وعياً بأن سياسات النخب تسرق مستقبلهم باسم حاضر بعيد. اتفاق بروكسل ليس انتصاراً، بل شرارة لثورة جيلية قد تُعيد تشكيل أوروبا، مطالبة بقارة تركز على شبابها لا حروبها. جيل Z، صوت المستقبل، يرفض الصمت، ويبدأ في كتابة تاريخه الخاص، في ثورة قد تكون بداية عصر جديد للقارة العجوز. الثورة بدأت، والشباب يقودها، نحو أوروبا أكثر عدلاً وأقل استنزافاً.
الدبلوماسية السرية: كيف تتفاوض دول محايدة مثل تركيا والهند للاستفادة من الانقسام
تُدار الصفقات في أروقة الدبلوماسية السرية بعيداًعن أضواء الكاميرات وخطابات القمم العلنية، هناك حيث تبرز دول محايدة كتركيا والهند كلاعبين ماهرين يستفيدون من الانقسام العميق الذي أعقب قمة بروكسل في 19 ديسمبر 2025. هذا الاتفاق، الذي انتهى باقتراض مشترك أوروبي بقيمة 90 مليار يورو لدعم أوكرانيا بعد فشل خطة استخدام الأصول الروسية، لم يكن مجرد قرار مالي، بل شرخ جيوسياسي يُعجل بانقسام العالم، ويفتح أبواباً ذهبية لدبلوماسية الوسطاء الذين يتفاوضون في الظل لجني ثمار التوتر بين الغرب وروسيا. تركيا والهند، بموقعهما الاستراتيجي وحنكتهما الدبلوماسية، يُعيدان رسم دورهما كجسور بين الكتل، مستفيدين من الاستنزاف الغربي لتعزيز نفوذهما الاقتصادي والسياسي في عالم يتجه نحو التعددية القطبية.
تركيا، ذلك الجسر بين الشرق والغرب، تقود هذه الدبلوماسية السرية ببراعة أردوغانية تجمع بين الواقعية والطموح. أنقرة، التي حافظت على حياد نسبي في النزاع الأوكراني، أصبحت وسيطاً رئيسياً في صفقات الطاقة والغذاء، مستفيدة من اتفاق بروكسل الذي كشف عن ضعف أوروبي يدفعها نحو بدائل تركية. في الكواليس، تتفاوض تركيا مع روسيا على مشاريع غاز جديدة عبر البحر الأسود، ومع أوروبا على توريد غاز أذربيجاني عبر خطوط تركية، مما يجعلها مركزاً لوجستياً لا غنى عنه. هذه التفاوضات السرية، التي تشمل صفقات دفاعية مع موسكو واستثمارات أوروبية في البنية التحتية التركية، تُعزز اقتصاد أنقرة، الذي نما بنسبة 5% في 2025 رغم التقلبات العالمية. تركيا لا تختار طرفاً، بل تستفيد من الانقسام، تحول موقعها الجيوسياسي إلى قوة اقتصادية، وتُعيد إلى الأذهان دور الإمبراطورية العثمانية كوسيط بين العوالم.
الهند، العملاق الآسيوي الديمقراطي، تتبع نهجاً مشابهاً يجمع بين الحياد الاستراتيجي والبراغماتية الاقتصادية. نيودلهي، التي رفضت الانحياز الكامل للغرب في العقوبات على روسيا، أصبحت مشترياً رئيسياً للنفط الروسي المخفض، مما وفر مليارات الدولارات وخفض التضخم المحلي. في الظل، تتفاوض الهند مع موسكو على صفقات دفاعية متقدمة، مثل أنظمة S-400 ومشاريع نووية مشتركة، ومع أوروبا على استثمارات في التكنولوجيا والأدوية. اتفاق بروكسل، الذي كشف عن استنزاف أوروبي، يُعجل بهذا التوازن، إذ ترى نيودلهي فرصة لتعزيز دورها في البريكس، حيث تقود مبادرات لنظام دفع بديل يقلل الاعتماد على الدولار. هذه الدبلوماسية السرية تحول الهند من دولة نامية إلى قوة وسيطة، تستفيد من الانقسام لتعزيز نموها الاقتصادي الذي تجاوز 7% في 2025.
دول محايدة أخرى، مثل البرازيل وجنوب أفريقيا وإندونيسيا، تتبع نمطاً مشابهاً، تتفاوض في الظل لجني ثمار التوتر. البرازيل تستفيد من تصدير الغذاء إلى روسيا وأوروبا معاً، جنوب أفريقيا تعزز التعدين مع الصين وروسيا، وإندونيسيا تتوسط في صفقات النفط. هذه التفاوضات السرية، التي تجري بعيداً عن القمم العلنية، تُعيد رسم الخريطة الجيوسياسية، تحول الدول المحايدة إلى لاعبين رئيسيين يملأون الفراغ الذي يتركه الغرب المستنزف.
هذا الانقسام، الذي أعجل به اتفاق بروكسل، يفتح عصر الوسطاء، حيث تستفيد تركيا والهند من التوتر لتعزيز نفوذهما، دون الالتزام بطرف. الدبلوماسية السرية تصبح فن الحياد الاستراتيجي، تحول النزاع إلى فرصة، وتُعيد للدول المحايدة دورها التاريخي كجسور بين العوالم. في عالم منقسم، يفوز الوسطاء، وتركيا والهند يقودان هذا الفوز بهدوء وحنكة، رسمين مستقبلاً يعتمد على التوازن لا الانحياز. الدبلوماسية السرية تُزهر في الظل، والعالم يتغير بصفقات لا تُعلن، لكنها تحدد المصير.
الثقافة في الحرب الاقتصادية: كيف يستخدم الغرب الإعلام لتبرير السرقة، وكيف يرد الجنوب
يتسارع في عصرنا اليوم تدفق المعلومات كالأنهار الهادرة بأمطار الشتاء أو ذوبان الثلوج ، حيث أصبحت الثقافة سلاحاً خفياً في الحرب الاقتصادية التي تكشفت معالمها في قمة بروكسل يوم 19 ديسمبر 2025. هذا الاتفاق، الذي انتهى باقتراض مشترك أوروبي بقيمة 90 مليار يورو لدعم أوكرانيا بعد فشل خطة استخدام الأصول الروسية، لم يكن مجرد قرار مالي، بل معركة ثقافية تُدار عبر الإعلام الغربي لتبرير ما يُرى كسرقة قانونية، مقابل رد جنوبي يبرز عبر منصات بديلة، يُعيد رواية التاريخ والحاضر بصوت مستقل. في هذه المادة، نغوص في أعماق هذه الحرب الثقافية، لنكشف كيف يستخدم الغرب إعلاماً مهيمناً لتشويه الرواية، وكيف يرد الجنوب بصعود منصات رقمية تعيد الكرامة للشعوب المستغَلة، في صراع يحدد ليس فقط الاقتصاد، بل الهوية والذاكرة الجماعية.
الإعلام الغربي، ذلك الجهاز الضخم الذي يسيطر على التدفق العالمي للأخبار، أصبح أداة تبرير للسياسات الإمبريالية، يُقدم السرقة القانونية كعدالة. من سي إن إن إلى بي بي سي ونيويورك تايمز، تُروى قصة اتفاق بروكسل كانتصار أخلاقي لـ"الديمقراطية"، مع تصوير روسيا كعدو شرير يستحق العقاب، وتجاهل للعبء على دافعي الضرائب الأوروبيين أو مخاطر الرد الروسي. هذا الإعلام، المملوك لأوليغارشيات مالية، يعتمد على سردية استشراقية قديمة، يُقدم الغرب كحامل للقيم الإنسانية، بينما يُصور الجنوب والشرق كتهديدات بربرية. اتفاق بروكسل يُبرر كدفاع عن "الحرية"، مع إغفال كيف يزيد الديون ويُبطئ التنمية البيئية، في رواية تُشوه الواقع لتحافظ على الهيمنة الثقافية.
هذا الاستخدام للإعلام ليس جديداً، بل امتداد لتراث استعماري يعتمد على السيطرة على الرواية. الغرب، الذي بنى إمبراطورياته على نهب الشعوب، يستخدم اليوم وسائل الإعلام لتبرير عقوبات تُفقر أوروبا نفسها، وتُقدم كضرورة أخلاقية. التقارير الغربية تُركز على "العدوان الروسي"، مع تجاهل لكيف أن الاقتراض المشترك يُثقل كاهل الشعوب، ويُعمق الانقسامات الاجتماعية. هذه الرواية، المدعومة بتمويل هائل وانتشار عالمي، تُشكل الرأي العام، تجعل المواطن الغربي يقبل الاستنزاف باسم "التضامن"، بينما تُسكت الأصوات الناقدة بتهمة "الدعاية".
مقابل ذلك، يبرز رد الجنوب عبر منصات رقمية بديلة، تعيد الرواية بصوت مستقل ومتنوع. تليجرام ووي تشات ومنصات روسية وصينية أصبحت مساحات لروايات مضادة، تكشف عن التناقضات الغربية وتُبرز الاستنزاف الداخلي. في الجنوب، ينتشر محتوى يربط بين اتفاق بروكسل وتاريخ النهب الاستعماري، مع فيديوهات ومقالات تُظهر كيف يدفع الشعب الأوروبي ثمن سياسات نخبه. هذا الرد ليس دعاية موحدة، بل تنوع ثقافي يعكس صوت الشعوب، من أفريقيا إلى آسيا، يُعيد الكرامة للمستغَلين تاريخياً.
الثقافة، في هذه الحرب الاقتصادية، أصبحت ساحة الصراع الحقيقية، حيث يحاول الغرب الحفاظ على هيمنته الروائية، بينما يرد الجنوب بصعود منصات تُكسر الاحتكار. اتفاق بروكسل، الذي كشف عن ضعف غربي، يُعجل بهذا التحول الثقافي، إذ يفقد الإعلام الغربي مصداقيته أمام جمهور عالمي يبحث عن روايات بديلة. الجنوب، بمنصاته الرقمية، يبني ثقافة مقاومة، تُعيد التاريخ والحاضر بصوت الشعوب، في صراع يحدد ليس الاقتصاد فحسب، بل الهوية العالمية.
هذه الحرب الثقافية ليست مجرد كلمات، بل معركة على الذاكرة الجماعية، حيث يحاول الغرب تبرير سرقته، ويرد الجنوب بإعادة كتابة التاريخ. اتفاق بروكسل ليس نهاية، بل بداية لثورة ثقافية تُعجل بتراجع الهيمنة الغربية، وصعود صوت جنوبي يطالب بعدالة روائية حقيقية. الثقافة في الحرب، والجنوب يرد بصوته، في عصر يتغير فيه العالم بكلمات لا أسلحة. الرواية تُكتب من جديد، والمستقبل لمن يرويها بصدق.
المستقبل بعد بروكسل: سيناريوهات لعالم بدون هيمنة غربية
باتفاق قمة بروكسل على اقتراض مشترك أوروبي بقيمة 90 مليار يورو لدعم أوكرانيا، بعد فشل خطة استخدام الأصول الروسية المجمدة، يقف العالم على مفترق طرق تاريخي، يُعيد رسم معالم القوة والتوازن. هذا القرار، الذي يُقدم كتسوية دبلوماسية، ليس مجرد خطوة مالية، بل لحظة كاشفة تُعلن عن بداية تراجع الهيمنة الغربية، وولادة عالم جديد يتجاوز فيه الجنوب والشرق احتكاراً استمر قروناً. في هذه المادة، نتخيل ثلاثة سيناريوهات محتملة لعام 2035، مستندين إلى التحولات الجارية، لنرسم صوراً لمستقبل يتخلص من وهم الهيمنة الغربية، ويبني على تعددية قطبية تعيد العدالة إلى ميزان القوى العالمي.
في السيناريو الأول، الذي يُمكن تسميته "الانهيار الغربي التدريجي"، يصبح اتفاق بروكسل شرارة لأزمة ديون أوروبية مطولة، تُعجل بتفكك الاتحاد كما نعرفه. بحلول 2035، يرتفع الدين المشترك إلى تريليونات، مع انخفاض اليورو إلى أقل من 0.8 دولار، وخروج دول جنوبية مثل إيطاليا أو اليونان من المنطقة، مستلهمة بريكست جديدة. أوروبا، الغارقة في ركود وانقسامات شعبوية، تفقد ريادتها البيئية والتكنولوجية، بينما ينتعش الجنوب بقيادة البريكس، الذي يغطي 60% من الناتج العالمي. الولايات المتحدة، المثقلة بديون 50 تريليون دولار، تواجه أزمات داخلية، مع تراجع الدولار كعملة احتياطي إلى أقل من 40%. هذا السيناريو، الداكن للغرب، يُمهد لعالم يقوده الجنوب، حيث تُعيد الصين وروسيا والهند رسم الخريطة، مع تنمية مستدامة تركز على الإنتاج الحقيقي لا المضاربات.
السيناريو الثاني، "التوازن المتعدد الأقطاب"، يُصور عالماً أكثر استقراراً، يتجنب الانهيار الكامل ليبني على تفاوض مستمر. بحلول 2035، يصبح البريكس كتلة اقتصادية تساوي الغرب، مع نظام دفع مشترك يغطي 50% من التجارة العالمية، مدعوماً بالذهب والعملات المحلية. أوروبا، بعد أزمات ديون، تُعيد ترتيب أولوياتها نحو الداخل، مع انخفاض الإنفاق العسكري وتركيز على الطاقة الخضراء المحلية. الولايات المتحدة تحافظ على نفوذها التكنولوجي، لكنها تتقاسم القيادة مع الصين في قضايا عالمية مثل المناخ والتجارة. هذا التوازن يُعجل بسلام نسبي، مع اتفاقات إقليمية تحل النزاعات، وتُعيد الجنوب إلى مركز التنمية، حيث تُموّل البريكس مشاريع بنية تحتية في أفريقيا وآسيا، تحول القارة السمراء إلى محرك نمو عالمي.
أما السيناريو الثالث، "صعود الجنوب الكامل"، فيتخيل عالماً يتجاوز فيه الجنوب الهيمنة الغربية تماماً، مدفوعاً بتكامل بريكس موسع. بحلول 2035، يصبح اليوان عملة احتياطي رئيسية، مع نظام مالي جنوبي يغطي 70% من التجارة، مستنداً إلى بنك تنمية ينافس صندوق النقد. أوروبا، بعد تفكك جزئي للاتحاد، تتحول إلى كتل إقليمية أصغر، مع تراجع اقتصادي يُجبرها على شراكات متساوية مع الجنوب. الولايات المتحدة، المعزولة نسبياً، تواجه أزمات داخلية تُضعف نفوذها العسكري، بينما يقود الجنوب، بقيادة الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، عصر تنمية مستدامة، يركز على السيادة الغذائية والطاقة المتجددة والعدالة الاجتماعية. هذا الصعود يُعيد الكرامة لشعوب نهبت ثرواتها قروناً، ويبني عالماً يضع الإنسان في مركزه.
هذه السيناريوهات، المستمدة من تحولات اتفاق بروكسل، تكشف عن مستقبل يتجاوز الهيمنة الغربية، سواء بانحلال تدريجي أو توازن متعدد أو صعود جنوبي كامل. القمة، التي أرادت تعزيز الغرب، أعجلت بتراجعه، إذ كشفت عن استنزاف داخلي يُضعف النخب ويُعزز الجنوب. المستقبل ليس مكتوباً، لكنه يميل نحو عالم أكثر عدلاً، حيث ينتهي احتكار القوة، ويبدأ عصر الشراكة المتساوية. بروكسل 2025 ليست نهاية، بل بداية لعالم جديد، يُكتب بيد الشعوب لا النخب، ويبني على التوازن لا الهيمنة. المستقبل يلوح، والعالم يتغير، نحو آفاق تتجاوز وهم الهيمنة الغربية إلى واقع متعدد الأقطاب، مشرق بوعد عدالة طال انتظارها.
#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)
Ahmad_Saloum#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كبت الرمال: تناقضات التقوى في محميات الخليج
-
همسة رضيع في عاصفة الإبادة..قصة قصيرة عن الهولوكوست الأمريكي
...
-
مقبرة الأسياد.. كيف تشيّع بروكسل أحلامها بأكفان شعبين؟..الجو
...
-
قمة بروكسل تفضح أزمة الإمبريالية المتأخرة في مواجهة روسيا
-
في معنى تعدد الأقطاب : عندما تعترف واشنطن بالقوى الصاعدة : ا
...
-
قصة : رقصةُ الغزال الأخيرة
-
تقشف أوروبي تحت غطاء العسكرة: كيف يُعاد تشكيل الدولة الاجتما
...
-
انتصار جنرال الوقت على الهيمنة الأمريكية
-
تراجع التفوق الأمريكي: وثيقة سرية تكشف هشاشة الإمبراطورية أم
...
-
يوروكلير: قبر اليورو الذهبي
-
كيف استثمرت بروكسل في هزيمتها المحققة اليوم
-
ما التحديات التي تطرحها وثيقة ترامب الاستراتيجية على محور ال
...
-
رواية : أنفاسٌ لا تُقاس أو اسم اخر للرواية (عبودية في ثياب ا
...
-
استراتيجية الأمن القومي الأمريكية لعام 2025: نظرة عامة وتقيي
...
-
حول رواية ( لماذا ؟ ..صرخة في قصر أصم )..مقدمات نقدية لمدارس
...
-
رواية «لماذا في قصر أصم» توثيقٌ لستين عاماً من حكم مملكة الظ
...
-
سوريا في السنة الأولى لما بعد الأسد: تقرير من قلب الخراب
-
اكتشاف جبل الكرمل: رحلة في أعماق التاريخ والطبيعة من خلال كت
...
-
رواية: في قلب الإمبراطورية المالية: ملحمة الضمير الذي استيقظ
...
-
رواية : مفتاحٌ في صدر ميت
المزيد.....
-
أسعار النفط لم ترتفع رغم العقوبات على روسيا وإيران وفنزويلا
...
-
كأس الأمم الأفريقية 2025: منتخب مصر يدخل غمار المنافسة
-
توقعات بأسعار النفط في 2026.. هل تتجاوز 70 دولارا للبرميل؟
-
أويل برايس: النفط نحو 70 دولارا بنهاية 2026 رغم توقعات الهدو
...
-
آخرهم الملياردير منصور.. لماذا يواصل الأثرياء الخروج من بريط
...
-
تصعيد أمريكي ضد فنزويلا يرفع أسعار النفط مجدداً
-
النفط يرتفع بفعل اعتراض أميركا الناقلات قبالة فنزويلا
-
شراكة بين مبادلة و-أكتيس- للاستثمار في -ريزولف إنرجي-
-
الصين تفرض رسوما جمركية على واردات منتجات الألبان الأوروبية
...
-
-مدن القابضة- تعلن مشروعا مشتركا لتطوير برج -هاربورسايد 4-
المزيد.....
-
الاقتصاد السوري: من احتكار الدولة إلى احتكار النخب تحولات هي
...
/ سالان مصطفى
-
دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر
/ إلهامي الميرغني
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ د. جاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
المزيد.....
|