أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد علي محيي الدين - فـتاوى للإيجار- قصيدة عراقية تفضح فقه الذبح على الهوية














المزيد.....

فـتاوى للإيجار- قصيدة عراقية تفضح فقه الذبح على الهوية


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8571 - 2025 / 12 / 29 - 14:01
المحور: الادب والفن
    


موفق محمد يضع مشرط الشعر على جراح وطن مفخخ باسم الدين
في قصيدة شديدة الألم والصدق، اختار الشاعر العراقي موفق محمد أن يصوغ مرثيته للعراق المعاصر تحت عنوان صادم: "فتاوى للإيجار". وهو عنوان لا يخفي شيئًا، بل يفضح كل شيء. ففي زمن تحوّل فيه الدين إلى غطاء للذبح، والفتوى إلى عقد إيجار للقتل، يختار موفق محمد أن يكتب الشعر لا ليُجمّل، بل ليُدين.
القصيدة، التي نُشرت ضمن ديوانه "أناشيد ضد الريح"، تُعد من أبرز النصوص الشعرية التي واجهت مباشرةً ما عاشه العراق من عنف طائفي، وفتاوى عابرة للحدود، ومليشيات تتقن فقه الذبح أكثر مما تتقن فقه الحياة.
"رواه القرضاوي"... والسخرية السوداء
يفتتح الشاعر نصه بنداء ساخر يحاكي الحديث النبوي، لكنّه مقلوب ومروّع:
من رأى منكم عراقياً فليذبحه بيده،
فإن لم يستطع فبمدفع هاون،
وإن لم يستطع فبسيارة مفخخة،
وذلك أضعف الإيمان
رواه القرضاوي...
هذه السخرية السوداء ليست إلا مرآة لواقع قاسٍ، حيث خُطّت فتاوى القتل بمداد السياسة، وسُفكت دماء الأبرياء باسم "الاجتهاد الديني". فالشاعر لا يكتفي بإدانة الجريمة، بل يفضح البنية الفكرية التي جعلتها ممكنة، ويحمّل "الفتوى" مسؤولية مباشرة عن أنهار الدم في المدن العراقية.
العراقي: حفيد أيوب... ولكن مذبوح
في مقطع بالغ التأثير، يكتب الشاعر:
فلقد خلق الله العراقيين من طينة أيوب،
مازجاً معها علم آدم وحلم إبراهيم...
لكنّ هذا العراقي، الذي صُنع من صبر الأنبياء وحكمة الخليقة، تحوّل في زمن الموت المجاني إلى مجرد "هدف" في نشرة الأخبار، أو جثة بلا ملامح في سوق مزدحم.
رثاء يومي واحتفاء بالدم
مشهد مفزع يصوّره الشاعر:

ونحن نكنس لحم أبنائنا في الطرقات
فكومٌ هنا وكومٌ هناك
ودمٌ يرى، يحاورُ لحمَ صاحبه، ويصعدُ للسماء...
بهذه اللغة التي تمزج الشعر بالتوثيق، يُدخل موفق محمد قارئه إلى مشاهد عاشها العراقيون منذ سنوات: مفخخات، ركام، أشلاء، وبكاء لا يجد ما يبكيه. يصير الدم مراسلاً ميدانيًا، يصعد إلى السماء وهو يسرد ما جرى.
الدين حين يصير سكينًا
يواصل الشاعر نقده الجريء للذين حوّلوا الفقه إلى أداة قتل:
فبدمائها تتقربون إلى السماء
فأذبحوا فإن الذبحَ ينهى عن الفحشاء والمنكر!
وكونوا قوامين على أعراس الذبح...
وهنا يبلغ التهكم ذروته. فالصلاة تتحوّل إلى "صلاة ذبح"، والطهارة تُنال بماء الدم، والمؤمن يُقيم "صلاة جنازة" على جسد الوطن، لا على جسد ميت بعينه. يسائل الشاعر صمت رجال الدين الذين باركوا المذابح، والذين وقفوا على منابر الخراب يهللون، بينما كانت الجثث تُصلّى عليها مرتين: مرة بالرصاص، ومرة بالفتوى.
نهاية القصيدة... ونهاية مفتوحة
رغم كل هذا النزيف، لا يفقد الشاعر إيمانه بالعراق:
إن العراقَ أبو المصائبِ منذُ بدء الخلقِ
لم يأنسْ بنهريه
ولم يأمن من الخوف
ولم يطعم جياعه
لكنه وطنٌ وجذرُ
ونصبرُ
ونبقى نضمدُ جرحَ العراق
ونشدُ أزرَ بنيه...
إنه نداء للبقاء رغم الخراب، وللحب رغم الدم، وللمقاومة رغم كل "فتاوى الإيجار" التي استأجرت الجلادين وأعفتهم من ضريبة الإنسانية.
"ان قصيدة فتاوى للإيجار" ليست نصًا أدبيًا فحسب، بل شهادة شعرية على زمن استُبيح فيه الإنسان باسم الدين، وتحوّلت فيه الفتوى إلى رخصة للقتل. وهي في الوقت ذاته، صرخة مقاومة من شاعر رفض أن يهادن، واختار أن يكون صوتًا للضحية لا للجلاد.
بهذا النص، يضيف موفق محمد إلى الشعر العراقي فصلًا جديدًا، يتقاطع فيه الوجع مع الجرأة، والمرارة مع الجمال، والنص مع التاريخ.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زينب البياتي صعلكة الشعر على أكتاف الرماد
- عبد الحسين الجنابي شاعرٌ يسقي القوافي من جدول الفصحى
- القاص والروائي علي غازي غواية القصّ بعيون ناقدة
- عماد الحاج حسن باحث ينقّب في تراب المعنى ويجلو غبار النسيان
- علي أبو بكر شاعر العبور من الجمر إلى الغيم
- محمد كاظم جواد شاعر يغمس ريشته في دهشة الطفولة وحنين الإنسان
- علي تاج الدين شاعر الأسطورة والمجازات العالية
- عبود المهنا الناقد الذي نسج المسرح بالفكر، وقرأ الجسد بعيون ...
- كامل الدليمي رجلٌ عبرَ الحياة بين القصيدة والقلق
- علي عبد الأمير عجام الشاعر الذي سكنه الإعلام، والناقد الذي أ ...
- علاء مظلوم... الشاعر الذي أنصتَ لجلنار الوجود
- عباس بغدادي قلم الحلة المتفرد بين دفء التراث ونبض الحداثة
- علاء الكتبي رجل الذاكرة الحيّة، وسادن الثقافة في مدن الفرات
- عباس السلامي: غيم القصيدة وظلال الذات
- صلاح عباس العين التي أرّخت الجمال، والريشة التي كتبت بالنقد ...
- جواد كاظم محسن رحّالة في دروب الذاكرة والتراث
- زهير الجبوري ناقد يلتقط تحولات النص وتقلّبات العصر
- صباح شاكر العكام... سارد الذاكرة وراوي التمردات الصغيرة
- شاكر هادي غضب فنان الحروف، وباحث الذاكرة الشعبية
- محمد عبد الجليل شعابث سادن الذاكرة الشعبية وباحث الضوء الخاف ...


المزيد.....




- أحدثت بجمالها ثورة جنسية في عالم السينما.. وفاة بريجيت باردو ...
- عودة هيفاء وهبي للغناء في مصر بحكم قضائي.. والفنانة اللبناني ...
- الأمثال الشعبية بميزان العصر: لماذا تَخلُد -حكمة الأجداد- وت ...
- بريجيت باردو .. فرنسا تفقد أيقونة سينمائية متفردة رغم الجدل ...
- وفاة أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو، فماذا نعرف عنها؟ ...
- الجزيرة 360 تفوز بجائزة أفضل فيلم وثائقي قصير بمهرجان في الس ...
- التعليم فوق الجميع.. خط الدفاع في مواجهة النزاعات وأزمة التم ...
- -ناشئة الشوق- للشاعر فتح الله.. كلاسيكية الإيقاع وحداثة التع ...
- وفاة أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاما
- وفاة أيقونة السينما الفرنسية.. بريجيت باردو


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد علي محيي الدين - فـتاوى للإيجار- قصيدة عراقية تفضح فقه الذبح على الهوية