أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - القاص والروائي علي غازي غواية القصّ بعيون ناقدة














المزيد.....

القاص والروائي علي غازي غواية القصّ بعيون ناقدة


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8565 - 2025 / 12 / 23 - 10:58
المحور: سيرة ذاتية
    


في دهاليز الحكاية القصيرة، حيث تختزل الحروف العالم وتُختصر الحياة في ومضة، يتكئ القاص والروائي علي غازي على ركيزتين لا تنفصلان: الحدس الفني والوعي السردي. هو أحد أولئك الذين لا يتكئون على ضجيج الأسماء، بل على صمت المعنى، وعلى وهج ما تُخفيه الكلمة خلف ستارها. وُلد في محافظة القادسية عام 1968، لكنه أعاد ولادته الفعلية من خلال الحرف، فكان صوته الأدبي أحد الأصوات التي لم ترفع شعاراتها، بل نسجت هويتها بحبر الصبر والمثابرة والموهبة.
منذ بداياته، انحاز علي غازي إلى القصّة، وتحديدًا القصة القصيرة جدًا، هذا الفن الذي يشبه الوميض في عتمة المعنى، والذي يتطلّب من كاتبه مهارة جراح وحس شاعر. لم يكن غازي من هواة الإطالة، بل من الذين يضربون المسامير في صلب المعنى بضربة واحدة، فيُقيمون بناءً سرديًا متماسكًا وإن كان على رقعة من كلمات.
صدرت له عدة مجموعات قصصية وروايات قصيرة، منها "فصول فيفالدي الأربعة" و"ذهبوا مع الريح" و"زوجان وحبة قمح"، غير أنَّ التفاتته العميقة لفن القصة القصيرة جدًا ظهرت جليًا في مجموعته "فصول فيفالدي الأربعة"، تلك المجموعة التي التقطتها الناقدة الدكتورة رفل حسن طه برهافة عالية، ورأت فيها تجربة مكتنزة بالإيحاءات والدلالات، تمضي بالقارئ إلى عمق الرمزية دون أن ترفع راية التصريح. تقول: "تمكنت نصوصه من استدراج المتلقي إليها وقراءتها قراءة لا تكتفي بالفهم السطحي... بل تبحر في معانيها المسافرة في الدلالات البعيدة".
ومن النماذج التي تناولتها بدراستها قصة "استسقاء"، التي تسير على نسق تصاعدي دقيق، حيث تبدأ من الصلاة طلبًا للمطر وتنتهي بغيمة لا تُمطر، وبجدبٍ لا يرحل، فيتحوّل النص من مجرّد قصة رمزية إلى تأمّل ساخر في خيبات الواقع، وجفاف الأرواح.
وفي قصة أخرى، "أبناء آدم"، يستحضر علي غازي الموروث الديني ليُسقطه على الواقع، فالعنف الأخوي الذي بدأ بقابيل وهابيل لا يزال يتكرّر، لا بخناجر الماضي فقط، بل بخناجر اليوم أيضًا. يوظّف الرمز ليكشف عن فساد النفس البشرية حين تُنزع منها الرحمة، وتُغرس فيها الأنانية حتى تغدو الحياة مجرد حلبة لتأكيد الذات بإلغاء الآخر.
وليس بعيدًا عن هذا التوجه الرمزي المكثف، كتب الدكتور جاسم خلف الياس عن مجموعة "فصول فيفالدي الأربعة" بوصفها نموذجًا لما يمكن أن تفعله القصة القصيرة جدًا عندما تتكامل أدواتها، قائلاً: "اختزل ما يُكتب في ثلاث صفحات إلى خمسة أسطر... وكثّف الحدث إلى حد لا يحتمل زيادة جملة واحدة". هكذا يتجاوز القاص حدود اللغة إلى اشتغال لغوي واعٍ يجعل الكلمة تزن ثقل المعنى لا عدد الحروف.
ولأن غازي لم يكتف بالكتابة الإبداعية، بل غاص في البعد التنظيري والنقدي، فقد أصدر كتابًا نقديًا بعنوان "نظرة من الداخل"، حلل فيه بنظرة تأملية واعية نماذج من القصة القصيرة جدًا، كاشفًا عن خبايا هذا الفن ومحددًا إشكالياته وتحوّلاته الجمالية، دون أن يدّعي امتلاك الحقيقة المطلقة، بل كتجربة شخصية متواضعة، كما أشار في تقديمه للكتاب.
وقد أشادت الناقدة فايزة زاد بهذا الكتاب، واعتبرته خطوة جادة في تحليل وتفكيك بنية هذا الفن، مشيرة إلى أنه "اختصر تاريخ نشأته وتطور أدواته... واستعرض بعض تجارب كتّابه دون انحياز أو ادعاء تفوّق".
أما الرواية لدى علي غازي، فهي امتداد لوعيه القصصي، لكنها تظل مكثّفة، قصيرة، تحمل بصمة القاص الذي لا يتخلى عن الإيجاز حتى في فضاءات الرواية. ففي روايتيه "إعدام شيوعي" و*"تسيبورا"*, نلمح عوالم تنبض بالتوتر السياسي والاجتماعي، وتمتزج فيها المعاناة الفردية بالهمّ الجمعي، وتتقاطع فيها سيرة الوطن بسيرة الذات.
رغم أن علي غازي لم يحظَ بعد بما يستحق من الأضواء، إلا أن بصمته واضحة في أفق السرد العراقي، لا سيما في مجاله الأثير: القصة القصيرة جدًا. هو من أولئك الكُتّاب الذين لا يتحدثون كثيرًا عن أنفسهم، بل يتركون نصوصهم تتحدث عنهم، وتبوح بما عايشوه من ألم وفقد وأسئلة معلّقة في هواء الوطن.
وعندما نقرأ أعماله، نشعر بأنّنا أمام كاتب يكتب كما لو كان يمشي على حدّ السكين، فلا يفرّط في الجمالية، ولا يتهاون مع الفكرة، بل ينسج من الحروف خيطًا رفيعًا يشدّ القارئ إلى الأعماق، ويتركه مشحونًا بإثارة التأمل، ومتورطًا بأسئلته الخاصة.
علي غازي ليس كاتبًا عابرًا في مسار السرد، بل هو صوت يمشي في الظل، لكن صداه أبعد من أن يُحاصر.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عماد الحاج حسن باحث ينقّب في تراب المعنى ويجلو غبار النسيان
- علي أبو بكر شاعر العبور من الجمر إلى الغيم
- محمد كاظم جواد شاعر يغمس ريشته في دهشة الطفولة وحنين الإنسان
- علي تاج الدين شاعر الأسطورة والمجازات العالية
- عبود المهنا الناقد الذي نسج المسرح بالفكر، وقرأ الجسد بعيون ...
- كامل الدليمي رجلٌ عبرَ الحياة بين القصيدة والقلق
- علي عبد الأمير عجام الشاعر الذي سكنه الإعلام، والناقد الذي أ ...
- علاء مظلوم... الشاعر الذي أنصتَ لجلنار الوجود
- عباس بغدادي قلم الحلة المتفرد بين دفء التراث ونبض الحداثة
- علاء الكتبي رجل الذاكرة الحيّة، وسادن الثقافة في مدن الفرات
- عباس السلامي: غيم القصيدة وظلال الذات
- صلاح عباس العين التي أرّخت الجمال، والريشة التي كتبت بالنقد ...
- جواد كاظم محسن رحّالة في دروب الذاكرة والتراث
- زهير الجبوري ناقد يلتقط تحولات النص وتقلّبات العصر
- صباح شاكر العكام... سارد الذاكرة وراوي التمردات الصغيرة
- شاكر هادي غضب فنان الحروف، وباحث الذاكرة الشعبية
- محمد عبد الجليل شعابث سادن الذاكرة الشعبية وباحث الضوء الخاف ...
- سعد خليل الكبيسي كاتبُ الذاكرة ومحفوظاتُ الوجدان المحلي
- يحيى الربيعي شاعر المنتهى وإشراقات الأزل
- محمد حسين حبيب صوت نقدي بصري يُضيء المسرح العربي


المزيد.....




- شبكة CBS توقف فجأة تقرير برنامج -60 دقيقة- حول من يرحلهم ترا ...
- هل تساءلت يومًا من أين يشتري البابا حذاءه؟
- طلاق صاخب.. ثنائيات انفصلت في 2025 بعد سنوات طويلة من الارتب ...
- وقف النار الهش في غزة: المرحلة الثانية وإعادة الإعمار في صلب ...
- ترامب -ينصح- مادورو: -كن حكيمًا وغادر-.. وبكين وموسكو تؤكدان ...
- غضب دانماركي وأوروبي من تعيين موفد أمريكي في غرينلاند وترامب ...
- لماذا تتجه تركيا لحظر إعلانات المراهنات وما تأثير القرار؟
- ترامب يقرر الاحتفاظ بالناقلات المصادرة وتحويل نفطها للمخزون ...
- الشمال السوري على صفيح ساخن.. حوار متعثر أم تصعيد وشيك؟
- لتحسين الهضم والنوم.. هذا أفضل وقت لتناول العشاء


المزيد.....

- كراسات شيوعية (مذكرات شيوعى ناجٍ من الفاشية.أسباب هزيمة البر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - القاص والروائي علي غازي غواية القصّ بعيون ناقدة