محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8570 - 2025 / 12 / 28 - 16:44
المحور:
القضية الفلسطينية
"فَقَالَ لَهُمْ: لَكِنِ الآنَ مَنْ لَهُ كِيسٌ فَلْيَأْخُذْهُ، وَمِزْوَدٌ كَذلِكَ. وَمَنْ لَيْسَ لَهُ، فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ وَيَشْتَرِ سَيْفاً."
إنجيل لوقا 22:36
في كل مرة يُعاد فيها هذا القول إلى الذاكرة، يعود معه سؤال فلسطين:
هل هناك شعب على هذه الأرض اضطرَّ أن يبيع ثوبه أكثر من الشعب الفلسطيني، ومع ذلك لم يجد سيفاً يحميه ولا عدالة تُنصفه؟
منذ سبعة عقود وأكثر، يعيش الفلسطيني على حافة الحياة، بين احتلال يضيّق الخناق، وعالمٍ يكتفي ببياناتٍ لا تُطعم طفلاً ولا تعيد بيتاً مهدوماً.
السياسيون يتحدثون عن "حلول" و"مفاوضات"، بينما أطفال غزة يحفظون أسماء الطائرات أكثر من أسماء الألعاب.
والضفة الغربية تستيقظ كل يوم على اعتقالاتٍ جديدة، وجدرانٍ أعلى من القدرة على الحلم.
القول المسيحي القديم لا يُقرأ هنا بمعناه الحرفي، بل كصرخة زمنية:
كيف لشعب يُسلبُ حقه في الأرض، والسماء فوقه لا تهدأ، أن يُطلب منه الصمت؟
كيف تُدان مقاومته، بينما لا يُدان من يصادر أرضه ويهدم بيوته ويقتلع جذور زيتونه؟
في فلسطين، الثوب لم يعد مجرّد قطعة قماش، بل رمزاً للكرامة.
ومع ذلك يجد الفلسطيني نفسه كل يوم مضطراً لبيع شيء من ذاته كي يبقى.
يبيع راحته، نومه، أمنه، مستقبله، وفي كثيرٍ من الأحيان… يبيع دموعه بصمت كي لا يُثقل على الآخرين.
ومع ذلك لم يشترِ سيفاً.
لم يشترِ إلا صموده.
سلاحه الحقيقي لم يكن الحديد، بل القدرة على النهوض كلما سقطت مدينة، وكلما ودّعت أمّ ولدها.
العالم يطالب الفلسطيني بسلامٍ لا يُشبه السلام، وباستسلامٍ يُسمّونه "حلّاً سياسياً".
لكن الحقيقة واضحة:
السلام الحقيقي لا يحتاج إلى بيع أثواب الناس، بل إلى إعادة ما فقدوه… أرضاً، وبيوتاً، وحياة.
إن فلسطين اليوم ليست عنواناً في نشرة الأخبار، بل امتحانٌ أخلاقي طويل.
ومن المؤلم أن العالم يرسب فيه كل يوم.
يبقى القول القديم شاهداً على زمنٍ لم ينتهِ:
فلسطين لا تبحث عن سيفٍ يجرح، بل عن حقٍّ يحمي.
وعن عالمٍ لا يطالبها ببيع آخر ما تبقّى، مقابل وعدٍ لا يتحقق.
محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟