أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شينوار ابراهيم - فيلم «اللورد الصغير» والتحول الأخلاقي للسلطة من منظور الطفولة














المزيد.....

فيلم «اللورد الصغير» والتحول الأخلاقي للسلطة من منظور الطفولة


شينوار ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8570 - 2025 / 12 / 28 - 12:22
المحور: الادب والفن
    


في كل عام وتحديدًا في أول أيام عيد الميلاد يُعرض فيلم «اللورد الصغير» على القناة الألمانية الأولى وقد أصبح هذا العرض تقليدًا راسخًا في الذاكرة الثقافية الألمانية حيث يجتمع ملايين المشاهدين أمام الشاشات لا بدافع الحنين فقط بل بحثًا عن معنى إنساني يعيد التوازن إلى علاقة الفرد بالمجتمع. هذا التكرار السنوي منح الفيلم مكانة تتجاوز كونه عملًا سينمائيًا إلى كونه طقسًا جماعيًا يستدعي قيمًا أخلاقية أساسية في زمن تتسارع فيه الفردانية ويبهت فيه الحس التضامني.
الفيلم مأخوذ عن رواية الكاتبة فرانسيس هودجسون بورنيت التي عُرفت بقدرتها على المزج بين السرد الأدبي والبُعد الأخلاقي الإنساني. النسخة السينمائية الأشهر أُنتجت عام 1980 بإخراج جاك غولد ونجحت في نقل روح الرواية إلى الشاشة دون فقدان عمقها الرمزي. أدّى الطفل ريكي شرودر دور سيدريك ببراءة مقنعة بينما جسّد أليك غينيس شخصية الجد الأرستقراطي المتصلب بأداء يعكس صراعًا داخليًا بين السلطة والإنسانية أما كوني بوث فقدمت نموذج الأم التي تشكّل بوعيها الأخلاقي العمود الفقري للتجربة التربوية في الفيلم.
نشأ سيدريك في الولايات المتحدة في بيئة متواضعة تقوم على الصدق ... التعاون والعمل المشترك وهي بيئة أسهمت في بناء شخصية منفتحة ترى الإنسان قبل المكانة الاجتماعية. لعبت الأم دورًا محوريًا في هذا التكوين إذ لم تنظر إلى التربية باعتبارها عملية تلقين بل باعتبارها علاقة يومية تقوم على الحضور والاهتمام. امتناعها عن العمل خارج المنزل لم يكن تعبيرًا عن عزلة اجتماعية بل موقفًا أخلاقيًا نابعًا من خوفها على استقرار ابنها النفسي وعلى تماسك العلاقة الإنسانية داخل الأسرة وهو ما انعكس بوضوح على سلوك سيدريك ونظرته المتوازنة إلى العالم.
وعندما انتقل سيدريك إلى إنجلترا للعيش مع جده لم يفقد صلته بجذوره الأولى. استمر في كتابة الرسائل إلى أصدقائه في الحي البسيط وكأن هذه الرسائل كانت فعل تذكير دائم بالانتماء إلى قيم إنسانية لا تُشترى ولا تُورث. هذا التواصل لم يكن مجرد حنين إلى الماضي بل ممارسة أخلاقية واعية ترفض القطيعة مع الآخر وتؤكد أن الارتقاء الاجتماعي لا يكتمل إن لم يكن مصحوبًا بوعي إنساني.
التحول الأبرز في الفيلم يتجسد في العلاقة بين سيدريك وجده حيث يتحول الطفل إلى وسيط أخلاقي يعيد تشكيل رؤية السلطة ذاتها. اصطحاب سيدريك لجده إلى الأحياء الفقيرة لم يكن رحلة عاطفية عابرة بل مواجهة مباشرة مع واقع اجتماعي طالما بقي خارج أسوار الامتياز. هناك يتعرّف الجد على معنى العمل اليومي وعلى كرامة الناس البسطاء وعلى مسؤولية الثروة تجاه المجتمع. هذا الاحتكاك الواقعي يفتح باب التحول الداخلي ويحوّل السلطة من أداة تسلط إلى مساحة مسؤولية.
من خلال هذا المسار يؤكد الفيلم على مركزية الطفل بوصفه فاعلًا أخلاقيًا قادرًا على التأثير والتغيير لا مجرد متلقٍ للقيم. التربية السليمة ... الارتباط بالجذور الاجتماعية والقدرة على التعاطف تشكّل عناصر أساسية في بناء إنسان قادر على مقاومة القسوة والتمييز. كما يبرز الفيلم دور الأم بوصفها الحارس الأول للقيم ورفضها أن يتحول ابنها إلى رمز اجتماعي فارغ من المعنى الإنساني.
لهذا لا يمكن اختزال فيلم «اللورد الصغير» في كونه حكاية عيد ميلاد دافئة بل يجب النظر إليه كتجربة اجتماعية وإنسانية تطرح أسئلة عميقة حول التربية ... السلطة والعدالة الاجتماعية. إنه يذكّرنا بأن الرحمة ... الصدق والمسؤولية الأخلاقية تتفوّق على المال والنسب وأن الطفل حين يُربّى على الإنسانية يصبح قادرًا على إعادة تشكيل العالم المحيط به ولو بخطوات صغيرة لكنها صادقة.



#شينوار_ابراهيم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأخوين غريم (Jacob Grimm وWilhelm Grimm): السحر الأدبي واله ...
- ظل الأنفاس
- ظلّ حضنك… وأنا
- بوح التراب
- الموسيقى الكوردية: صدى الجبال وحضارة الصوت
- الوعي وصدى الكون في داخلي
- الطريق إلى الله يمرّ عبر الإنسانية
- العودة إلى الفراغ
- خطوات على جدار الصيف
- الثوبُ الأخير
- المرافئ الغائبة
- موسيقى الغياب
- بكاء الصمت
- رسالة إلى السماء
- يزيدي أنا
- صلاح ناصر خضر ...
- أطفالُ الحُروب
- تشرين ... إله الجمال في الناصريّة
- آدم
- تراجيديا الابادة


المزيد.....




- -ناشئة الشوق- للشاعر فتح الله.. كلاسيكية الإيقاع وحداثة التع ...
- وفاة أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاما
- وفاة أيقونة السينما الفرنسية.. بريجيت باردو
- من جنيف إلى الرياض: السعودية ومؤسسة سيغ تطلقان مشروعًا فنيًا ...
- وفاة بريجيت باردو أيقونة السينما الفرنسية عن 91 عاما
- تضارب الروايات بشأن الضربات الأميركية في نيجيريا
- مصر: وفاة المخرج داوود عبدالسيد.. إليكم أبرز أعماله
- الموت يغيّب -فيلسوف السينما المصرية- مخرج -الكيت كات-
- مصر تودع فيلسوف السينما وأحد أبرز مبدعيها المخرج داود عبد ال ...
- -الكوميديا تهمة تحريض-.. الاحتلال يفرج عن الفنان عامر زاهر ب ...


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شينوار ابراهيم - فيلم «اللورد الصغير» والتحول الأخلاقي للسلطة من منظور الطفولة