أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شينوار ابراهيم - الطريق إلى الله يمرّ عبر الإنسانية














المزيد.....

الطريق إلى الله يمرّ عبر الإنسانية


شينوار ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 09:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يُولد الإنسان داخل دينٍ لم يختره كما يجد نفسه في لغةٍ ووطنٍ لم يكن له فيهما خيار. منذ اللحظة الأولى تتشكّل هويته من الخارج: اسمٌ يُمنح له ومذهبٌ يُورَّث وتقاليدُ تُفرض لكن جوهره في الأعماق أوسع من كل هذه الحدود. فالدين في أصله نداء إلى الخير والمحبة والعدالة لا إلى التفرقة والخصومة. ومتى تحوّل إلى رايةٍ تُرفع فوق الآخرين ضاع معناه الحقيقي وصار وسيلةً للصراع بدل أن يكون طريقًا للتفاهم.

الإيمان الحقيقي لا يُقاس بعدد الطقوس ولا بظاهر الشعائر بل بعمق الرحمة التي تسكن القلب. فالإنسان لا يختار دينه عند الولادة بل يكتشف إيمانه حين ينضج ويفكر بحرية. الإيمان الصادق ثمرة وعيٍ لا وراثة وقرارٌ ينبع من القلب والعقل معًا لا نتيجةَ خوفٍ أو ضغطٍ اجتماعي.

حين ننظر إلى الأديان بعيونٍ إنسانية نجدها تتلاقى في جوهرها: في الرحمة وفي الدعوة إلى الخير وفي احترام كرامة الإنسان. أما حين نحصرها في الشعارات والحدود تضيق آفاقها وتفقد رسالتها فتصبح جدارًا يفصل بدل أن تكون جسرًا يصل.

ومن أبهى تجليات هذا الفهم الإنساني الزواج بين الأديان حين يجتمع شخصان من خلفيتين مختلفتين على أساس الحب والاحترام. في مثل هذا الاتحاد لا يُجبر أحدهما الآخر على تغيير معتقده بل يُحتفى بالاختلاف بوصفه غنىً إنسانيًا لا تهديدًا. فالحب الصادق لا يحتاج إلى تطابقٍ في العقيدة بل إلى انسجامٍ في الروح والإنسانية.

في هذا السياق يُعدّ القانون المدني الذي يتيح الزواج بغضّ النظر عن الانتماء الديني خطوةً متقدمة نحو تجسيد قيم الحرية والمساواة. فهو يكرّس حق الإنسان في أن يختار شريكه بإرادته الحرة دون أن يتنازل عن إيمانه أو هويته. بهذا المعنى يصبح القانون المدني تعبيرًا واقعيًا عن فلسفة التسامح التي تنادي بها كل الأديان في جوهرها النقي.
وفي ألمانيا وهولندا مثلًا يُنظر إلى الزواج على أنه شأنٌ شخصي، فلا شيء يمنع أن يجتمع في بيتٍ واحد من ينتمي إلى هذا الدين وذاك، فالقانون المدني هناك يطبّق العدالة الإنسانية ويحفظ لكلٍّ حقوقه دون تمييز.

من الأجدر أن يُمنح الأطفال حريةَ اختيار معتقدهم حين يبلغون سنّ النضج فالإيمان حين يُفرض يفقد روحه أما حين يُختار بحرية يتحوّل إلى ضوءٍ يملأ القلب وسلامٍ يسكن الوجدان. الحرية الدينية لا تعني إنكار الدين بل احترام التجربة الفردية في البحث عن الحقيقة.

الحروب التي أُشعلت باسم الدين عبر التاريخ نزفت أرواح مئات الملايين من الناس وأظهرت كيف يمكن أن يُساء استخدام الإيمان لصالح السلطة والطمع بدل أن يكون دعوةً للخير والرحمة.

العالم اليوم لا يحتاج إلى مزيدٍ من التشدد الديني أو المظاهر الشكلية بل إلى مزيدٍ من الإنسانية. حين ندرك أن الاختلاف لا يعني العداء وأن الحقيقة لا يحتكرها أحد نكتشف أن الطريق إلى الله يمرّ عبر قلوب الناس جميعًا. ليس من المنطق أن نُكفّر من لا يتفق معنا ولا أن نحارب أو نحرّض الناس ضد بعضهم فالحقيقة أوسع من أن تُختصر في رأيٍ واحد والرحمة أعمق من أن تُقاس بالانتماء.

فالقانون والفكر والمجتمع يجب أن يصونوا كرامة الإنسان قبل أي انتماء آخر. وحين نضع الإنسان في مركز القيم ونفصل بين الدين كإيمانٍ روحي وبين السلطة التي تستعمله نقترب من جوهر الرسالة الإلهية نفسها.

الحرية الدينية ... الزواج المدني والتسامح بين المعتقدات ليست تحديًا للدين بل امتدادٌ لرحمته وعدله. فالله لا ينظر إلى ما نؤمن به بقدر ما ينظر إلى ما نصنعه من خير وما نحمله في قلوبنا من رحمةٍ وعدلٍ تجاه الآخرين.
وحين نعبر إلى الله عبر إنسانيتنا نكتشف أن وجهه يسكن في كل من أحبّ وأعطى وسامح.



#شينوار_ابراهيم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العودة إلى الفراغ
- خطوات على جدار الصيف
- الثوبُ الأخير
- المرافئ الغائبة
- موسيقى الغياب
- بكاء الصمت
- رسالة إلى السماء
- يزيدي أنا
- صلاح ناصر خضر ...
- أطفالُ الحُروب
- تشرين ... إله الجمال في الناصريّة
- آدم
- تراجيديا الابادة
- جنون الحرية
- أ---جراس قلبي
- سرداب الأمل
- دينامية المقابلة في نص -عرس الوطن - للشاعر شينوار إبراهيم
- ملحمة ( شينوارية ) ...
- قصص قصيرة جدا
- العائ--------دونَ مِنَ المَوت


المزيد.....




- الجهاد الاسلامي: الاحتلال ارتكب جريمة منظمة في غزة بعد وقف ا ...
- الكنيسة الكلدانية بمواجهة « بابليون» .. صراع النفوذ بين الصل ...
- شرطة لندن ترد على مزاعم محامٍ يهودي: توقيفه لم يكن بسبب نجمة ...
- قائد الثورة الاسلامية: فليستمر ترامب بالوهم!
- كنائس الموصل التاريخية تُفتح من جديد بعد ترميمها من دمار تنظ ...
- بسجن إسرائيلي.. إطلاق رصاص مطاطي على أسير فلسطيني طالب بمعال ...
- كيف استغل الإخوان مظلة الحريات لـ-التسلل الناعم- في أوروبا؟ ...
- خطيب الأقصى يدعو الفلسطينيين للرباط والدفاع عن المسجد
- قائد الثورة الاسلامية مخاطبا ترامب: استمر في أحلامك!
- من المشرق إلى المغرب.. حكايات الآثار الإسلامية


المزيد.....

- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شينوار ابراهيم - الطريق إلى الله يمرّ عبر الإنسانية