ازهر عبدالله طوالبه
الحوار المتمدن-العدد: 8570 - 2025 / 12 / 28 - 12:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليس الاعتراف بما يُسمّى «أرض الصومال» مجرّد خطوة دبلوماسية عابرة، ولا يمكن قراءته بوصفه انفتاحًا بريئًا على كيان ناشئ، كما يحلو لبعضهم أن يقدّمه. فالمسألة أعمق من مجرّد اعتراف، وأخطر من أن تُختزل في إطار “علاقات خارجية” أو “تعاون إقليمي”. ما يجري في الحقيقة هو اختبار جديد لمعادلات القوة، ولقدرة النظام الدولي على التعايش مع تفكيك الدول قطعةً قطعة، طالما أن التفكيك يخدم مصالح اللاعبين الكبار.
الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» لا ينطلق من تعاطف مع حق تقرير المصير، ولا من حرص على استقرار القرن الإفريقي، بل من حسابات باردة ترى في هذه الرقعة الجغرافية موقعًا استثنائيًا يطل على أحد أهم شرايين العالم: البحر الأحمر وباب المندب. هناك، حيث تمر التجارة العالمية، وتُقاس موازين النفوذ، تصبح الجغرافيا أهم من الشرعية، والموقع أهم من القانون.
في هذا السياق، لا تبدو “أرض الصومال” سوى فرصة جاهزة: كيان هش، خارج الإجماع الدولي، يبحث عن اعتراف بأي ثمن، ويمكن توظيفه دون كلفة سياسية تُذكر. وهو نموذج مثالي لمنطق تفكيك الدول من الداخل، لا عبر الحروب المباشرة، بل عبر الاعترافات الانتقائية، والتعامل مع الأمر الواقع وكأنه قدر لا يُردّ.
الأخطر في هذا المسار أنه يعيد تعريف مفهوم السيادة ذاته. لم تعد السيادة نتاج وحدة الأرض والإجماع الوطني، بل صارت ورقة تفاوض، تُمنح أو تُسحب تبعًا لمعادلات القوة. وهنا تكمن الخطورة الحقيقية: حين يصبح الاعتراف مكافأة للانقسام، لا عقوبة له، نكون قد فتحنا الباب واسعًا أمام تعميم التجربة في أماكن أخرى، عربية وإفريقية على السواء.
ولا يمكن فصل هذا كله عن السياق الإقليمي الأوسع. فالبحر الأحمر اليوم ليس مجرد ممر مائي، بل ساحة صراع مفتوحة بين قوى إقليمية ودولية، وكل موطئ قدم فيه يُحسب بدقة. ومن هذا المنظور، فإن الخطوة الإسرائيلية تحمل رسالة واضحة: من يملك القدرة على التموضع، يملك حق إعادة رسم الخرائط، حتى لو كان ذلك على حساب استقرار دول بأكملها.
المفارقة المؤلمة أن هذا يحدث في ظل صمت عربي وإفريقي لافت، وكأن تفكك الأطراف لم يعد مصدر قلق، أو كأن الجميع بات منشغلًا بأزماته الداخلية إلى حد فقدان القدرة على رؤية الصورة الكبرى. وهنا تكمن الخطورة الأكبر: أن يصبح العبث بالجغرافيا أمرًا اعتياديًا، لا يثير سوى بيانات خجولة سرعان ما تُنسى.
في النهاية، لا يتعلق الأمر بـ«أرض الصومال» وحدها، بل بسابقة سياسية خطيرة. سابقة تقول إن من يملك القوة يستطيع أن يمنح الشرعية، ومن يفتقدها يُترك لمصيره. وحين تُدار السياسة بهذه القاعدة، فإن الخريطة القادمة للمنطقة لن تُرسم بالحبر، بل بالتصدّعات.
#ازهر_عبدالله_طوالبه (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟