أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ازهر عبدالله طوالبه - نيويورك تُغيّر وجهها: فوز ممداني وارتجاج مراكز النّفوذ الأميركيّة














المزيد.....

نيويورك تُغيّر وجهها: فوز ممداني وارتجاج مراكز النّفوذ الأميركيّة


ازهر عبدالله طوالبه

الحوار المتمدن-العدد: 8517 - 2025 / 11 / 5 - 15:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في مشهدٍ سياسيٍّ لم تألفه الولايات المتحدة منذ عقود، تقدّم زهران ممداني إلى المنصّة، ليُعلن فوزًا بدا، في حقيقته، أكثر من مجرّد انتقالٍ في المناصب. كان الحدثُ، بمعناه الأوسع، انقلابًا على تقاليد السلطة الأمريكية، وعلى أباطرة السياسة والمال الذين صنعوا لأنفسهم جدارًا منيعًا يمنع المختلفين عن الصعود إلى واجهة القرار. لقد جاء فوزه صاعقًا لمن اعتادوا أن تكون المناصب العليا حكرًا على أبناء النّخب المالية والسياسية، لا على ابن مهاجرٍ إفريقيّ الأصل، مسلمٍ، اشتراكيّ الميول، جاهر بموقفه دون تردّد أو مداراة.

هذا النصر لم يكن مجرّد مفاجأةٍ انتخابيّة، بل كان زلزالًا سياسيًا أعاد توزيع موازين القوّة في الداخل الأمريكي. فممداني، بخلفيّته الفكريّة والطبقية، لا يُمثّل استمرارًا للمنظومة، بل تمرُّدًا عليها. إنّ وصوله إلى سدّة بلدية نيويورك — المدينة التي طالما وُصفت بأنها عاصمة المال العالميّ، وموئل الطبقة الليبرالية الثرية — يعني أن الصوت القادم من الشارع الشعبيّ، من المهاجرين، من العمال وصغار الكسبة، قد نجح أخيرًا في اختراق حصون المال والنفوذ. وهو بهذا المعنى، لم ينتصر على منافسيه في الصندوق فحسب، بل على منظومةٍ سياسيةٍ متجذّرة، طالما احتكرت السلطة تحت عناوين الواقعية والإجماع.

خطاب النصر الذي قدّمه ممداني كان صريحًا في تحدّيه لهذه المنظومة. لم يُخفِ موقفه، ولم يسعَ إلى طمأنة الأسواق أو كسب رضا وول ستريت. على العكس، بدا واثقًا وهو يقول: "أنا مسلم، أنا اشتراكي ديمقراطي، وأرفض الاعتذار عن هذا". كانت عبارته هذه بمثابة إعلان استقلال سياسيّ عن طبقةٍ اعتادت أن تصوغ الخطابات على مقاس المستثمرين لا المواطنين. لقد وضع نفسه، منذ اللحظة الأولى، في صفّ الطبقات المهمّشة، في مواجهة أباطرة المال الذين يرون في أيّ صوتٍ شعبيٍّ خطرًا على توازناتهم.

وقد بدا واضحًا أنّ هذا الفوز، بكل ما يحمله من رمزيةٍ سياسية، سيكون له أثرٌ مباشر على مسار السياسة الداخلية في الولايات المتحدة. فصعود ممداني في قلب أكبر مدينة أميركية يعني أنّ "الخطاب اليساريّ الاجتماعيّ" لم يعُد ترفًا فكريًا، بل أصبح خيارًا سياسيًا قابلًا للتحقّق. وهو ما يُثير قلق القوى التقليدية في الحزبين الكبيرين، إذ يشير إلى تصدّعٍ في منظومة الولاءات القديمة، وعودةِ النزعة الشعبوية التقدمية التي تُذكّر بأيام برني ساندرز وبدايات الموجة الاشتراكية الجديدة.

أما أباطرة المال والإعلام الذين واجهوه بهجماتٍ، بعضها مُبطّن وبعضها مُعلَن، طوال حملته، فقد تلقّوا النتيجة كصفعةٍ مزدوجة: الأولى لأنّهم خسروا المعركة رغم كلّ ما أنفقوه، والثانية لأنّ فوزه كشف حدود سطوتهم في زمنٍ بدأت فيه الجماهير تفقد ثقتها في لغة المصالح الكبرى. لقد أرادوا أن يُسقطوه بتخويف الناس من أفكاره، فإذا بالنّاس يصعدون به ليُصبحَ رمزًا لأملٍ جديدٍ في مدينةٍ كانت تُختزل طويلًا في صورة الأبراج والمصارف.

سياسيًا، يحمل فوز ممداني رسالة تتجاوز نيويورك. فإعادة الاعتبار للمهاجر، ولصاحب الصوت المُختلِف، وللتيارات اليسارية التي كانت تُقصى تحت ذريعة "الخيال السياسي"، يعني أن بنية الحكم الأميركي بدأت تعرف أولى علامات التحوّل. ليس في الأشخاص فحسب، بل في المفاهيم التي تحكم العلاقة بين السلطة والمجتمع. لقد نجح في إحداث شرخٍ داخل الخطاب الأميركي التقليديّ الذي لطالما قسّم الناس إلى فئتين: من يُحكمون، ومن يُدارون.

ولعلّ أكثر ما يُخيف خصومه أنّ فوزه لم يكن طارئًا أو صدفةً انتخابية، بل نتاج وعيٍ جماهيريّ متنامٍ يرفض استمرار احتكار القرار بيد قلّةٍ ثريّة. هذا الوعي هو التحدّي الحقيقي أمام أباطرة المال والسياسة، لأنّه يُهدّد الأساس الذي قامت عليه الديمقراطية الأميركية الحديثة: ديمقراطيةٌ تُدار برأس المال وتُزيَّن بالخطاب. أما الآن، فقد أصبح للناس، فعلًا، من يُمثّلهم، لا من يتحدّث باسمهم.

إنّ فوز زهران ممداني هو، في جوهره، انقلابٌ ناعم على نظامٍ سياسيٍّ طال عمره. فبعد عقودٍ من "الوسطية الموجَّهة"و"الإصلاح المحسوب"، جاء صوته ليقول إنّ المدينة يمكن أن تُدار بالعقل والضمير لا بالصفقات. وربّما لهذا السبب تحديدًا، كان خطاب النصر عنده بيانًا أخلاقيًا بقدر ما كان خطابًا سياسيًا، يذكّر الأميركيين أنّ الديمقراطية ليست امتيازًا للنخبة، بل حقًّا للجموع التي أنهكها الجوع واللامساواة.

وبينما تتوجّس النخبة من هذا القادم الجديد، فإنّ صدى فوزه يمتدّ أبعد من نيويورك: إلى الكونغرس، إلى الحزبين الكبيرين، إلى غرف التمويل ومراكز القرار. لقد دخلت أميركا – عبر بوابة ممداني – مرحلة مراجعةٍ عميقةٍ لما تعنيه السلطة حقًّا، ولمن تُمنح، وكيف تُمارس. وفي هذا كله، يكمن جوهر النصر الحقيقي: أنّه لم يهزم خصومه في السياسة فقط، بل هزم الفكرة التي كانت تُسوّق منذ عقودٍ بأنّ المال هو الذي يقرّر من يحكم.



#ازهر_عبدالله_طوالبه (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدفاع عن ممداني ليسَ دفاعاً عن شخصٍ بعينه
- خطاب ترامب في الكنيست: حين يتحوّل الألم الإنسانيّ إلى رصيدٍ ...
- قمةٌ سؤالها الأبرز: من صغر ومن كبر؟!
- جائزة نوبل والمعايير الغائبة.
- بعد خطة ترامب، إلى أين يُسيّر الشرق الأوسط.
- وساطَة أردوغان: عودةٌ محفوفة بالنّار.
- رد جماس: تحويل مُعادلة الضغط إلى فُرصة
- غزة من قضية محليّة إلى معركة عالمية.
- غياب تونس وإيران عن التّصويت: دلالات تتجاوز الصّمت
- حين يُصبح قتل المُفاوض هدفًا استراتيجيًّا اسرائيليًّا.
- حينما تتقدَّم إسبانيا ونتأخَّر نحنُ.
- الاستقالات الهولنديّة وصمت الحكومات العربيّة.
- إسرائيل الكُبرى: المشروع الأخطر على وجود دول الطوق.
- في مواجَهة الاحتلالِ الصهيونيّ: نحو مشروع تحرُّر جديد للمِنط ...
- حين تصبح التكنولوجيا شريكًا في الجريمة: مايكروسوفت، إسرائيل، ...
- في قلب الصراع: إيران بين الضّغط الأميركيّ وخيارات القوّة.
- الأردن بينَ النيران، لكنّها لن تلتَهِمهُ.
- إسرائيل كقاعدة استعماريّة وأداة للهيمنة.
- رسالة للأشقّاء السوريين.
- الصراع في سوريا المنطقة: صفقاتٌ خفيّة وتحدّيات مصيريّة.


المزيد.....




- الشارقة الأولى عربيًا.. إليك ترتيب المدن الأكثر ازدحاما بالع ...
- وزير الدفاع الإٍسرائيلي يأمر بتحويل المنطقة المحاذية للحدود ...
- فيديو- كيف استقبل الشارع الإسرائيلي فوز ممداني برئاسة بلدية ...
- البرهان يتوعد: -الحملة التي تقودها دول البغي والاستكبار ضدنا ...
- مصادر: قاعدة أمريكية بدمشق ... ما علاقتها بإسرائيل؟
- إسرائيل تعلن الحدود مع مصر منطقة عسكرية مغلقة لمواجهة -تهريب ...
- ليبيا: معرض -دواية- يجمع التراث العربي بروح الحداثة عبر فن ا ...
- تحرش جنسي برئيسة المكسيك أمام عدسات الكاميرا
- الغابات والتمويل والطموحات... ما هي رهانات مؤتمر المناخ -كوب ...
- عام على انتخاب ترامب.. أفريقيا بين الرسوم الجمركية وتراجع ال ...


المزيد.....

- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ازهر عبدالله طوالبه - نيويورك تُغيّر وجهها: فوز ممداني وارتجاج مراكز النّفوذ الأميركيّة