ازهر عبدالله طوالبه
الحوار المتمدن-العدد: 8459 - 2025 / 9 / 8 - 20:04
المحور:
القضية الفلسطينية
قرار مدريد باستدعاء سفيرها من تل أبيب للتَّشاورِ لم يكن خطوةً عابرة في مسارِ العلاقاتِ الدبلوماسيّة، بل رسالة سياسيةٌ واضحة. فإسبانيا، الّتي حظرَت مرورَ الأسلحة إلى إسرائيل عبرَ موانئها وأجوائها، وقيّدَت التّعاملَ مع منتجاتِ المستوطنات، أرادَت أن تقولَ إنَّها لم تعُد مستعدة للوقوفِ موقفَ المُتفرِّج أمامَ حربٍ تتجاوز حُدود القانون الدوليّ والاعتباراتِ الإنسانيّة.
هذا القرار يتجاوز الرمزيّة الدبلوماسيّة. فهو بمثابَة إعلان أنَّ مدريد لم تعُد مستعدة للقبول بروايةِ إسرائيل المُعتادة، القائمة على قلبِ الطاولة بالحديث عن "مُعاداة الساميّة" كُلَّما وُجه إليها نقد. بل على العكس، إسبانيا تُظهِر أن التمسُّكَ بالقانون الدوليّ ورفض الإبادة لا يقلّ شرعيةً عن الدفاعِ عن ضحايا الهولوكوست.
وما يُميز الموقف الإسبانيّ أنَّهُ جاء استجابةً مباشرةً لضغطٍ شعبيٍّ واسِع، إذ امتلأت شوارعَ المُدن الإسبانيّة بمسيراتٍ تطالِب الحكومةَ بالتحرُّك الفعليّ، لا الاكتفاء بالبيانات. هذه الحيويّة بين المُجتمَع المدنيّ وصانِع القرار السياسيّ سمحَت لإسبانيا بأن تُترجِم الموقف الأخلاقيّ إلى إجراءاتٍ ملموسة.
في المُقابل، تبدو المقارنة مع المواقف العربيّة مُحبطة. فمًعظم الحكوماتِ العربيّة اكتفَت بخطابٍ سياسيٍّ عام، أو بدعواتٍ مُتكرِّرة لوقفِ إطلاق النار، من دونِ أن يًرافق ذلك خطواتٍ عمليّة كتعليق اتفاقياتٍ أو مُراجعة مسارات التّطبيع. هذا لا يعني غياب المواقف المبدئيّة أو الشعبيّة في العالمِ العربيّ. لكن، الهوّةُ بين الشارعِ العربيّ الرّافض للحَرب، والحُكومات الّتي تتحرَّك ببطء وحذر، باتت صارِخة.
المفارقة أنَّ دولةً أوروبيّة بعيدة جُغرافيًا مثل "إسبانيا" اختارَت أن تتحمَّلَ كلفةً سياسيّة واقتصادية في مواجهةِ إسرائيل، بينما لم تتمكَّن عواصم عربيّة، الأقرب إلى فلسطين والأكثر ارتباطًا بتاريخها وقضيّتها، من اتخاذِ إجراءاتٍ ذات الوزن نفسه.
ومع ذلك، لا يُمكن اختزال المشهد في لومٍ مُباشر، فلكُلِّ دولةٍ حساباتها السياسيّة والاقتصاديّة والإقليميّة. لكن، المؤكَّد أنّ الخطوةَ الإسبانيّة تضع الحكومات العربيّة أمام مرآةٍ صعبة: أن تكون إسبانيا في طليعة المواقِف العمليّة، فيما يقتصر الدَّور العربيّ على البيانات، أمرٌ يستدعي مراجعة جديّة لموقعِ القضية الفلسطينيّة في السياساتِ الرسميّة.
إسبانيا لم تغيّر وحدها وجه أوروبا، لكنّها أرسلت إشارة مُهمّة: أنَّ بإمكانِ الدُّول، إذا توفَّرت الإرادة، أن تجعل من القيم والمبادئ جزءًا من سياستها الخارجيّة. وهذه الإشارة، بقدر ما هي موجّهة إلى إسرائيل، فهي أيضًا موجّهة إلى كُلّ عواصِم العالم، بما فيها العواصم العربيّة.
#ازهر_عبدالله_طوالبه (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟