أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ازهر عبدالله طوالبه - الاستقالات الهولنديّة وصمت الحكومات العربيّة.














المزيد.....

الاستقالات الهولنديّة وصمت الحكومات العربيّة.


ازهر عبدالله طوالبه

الحوار المتمدن-العدد: 8446 - 2025 / 8 / 26 - 04:49
المحور: القضية الفلسطينية
    


الاستقالة التي قدّمها عدد من أعضاء الحكومة الهولندية على خلفيّة حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ الفلسطينيين، تُمثّل حدثًا سياسيًا لافتًا، لا لكونِها ستُغيّر مسارَ الحرب أو تفرض تحوّلًا جذريًّا في موازينِ القِوى، بل لأنَّها تطرح سؤال المسؤوليّة السياسية بشكلٍ مُباشر: ماذا يعني أن تكونَ في موقعِ القرار، بينما تُرتكَب جريمة بهذا الحجم؟

السياسةُ في جوهرِها ليست إدارة المصالح فقط، بل أيضًا إدارة التّبعات. الوزير أو المسؤول ليس فردًا حُرًّا، بل هو ممثلٌ رسمي، ووجوده في السُلطة يعني شراكة سياسية في كُلّ قرارٍ أو صمت يُنتج. لهذا وجَدَ الوزراء الهولنديّون أنفسهم أمامَ مُعادلةٍ واضحة: البقاء في مواقعهم يعني القبولَ الضمنيّ ب"الإبادة"، والاستقالة تعني التنصُّل من هذه الشراكة. لقد اختاروا الخيار الثاني، ليس حبًا في الفلسطينيين، بل حفاظًا على نقاءِ موقعهم السياسيّ أمام ناخبيهم وأمام التاريخ.

هذا ما يُسمّى في العلوم السياسية "المسؤولية التضامُنية للحكومة"؛ أي أنّ الحكومةَ ككل تُحاسَب على القرارات والسياسات، حتى لو لم يوافق عليها بعض أعضائها. ومن هنا تصبح الاستقالة أداة سياسية لحماية الذّات من التورُّط في خطّ رسميٍّ مُلطّخ بالدَّم. الاستقالة هنا ليست فعلًا أخلاقيًا مجرّدًا، بل فعل سياسيّ يحمي الموقف، ويترك أثرًا في المُعادلة الداخليّة، وربما يفتح الطريق أمام مساءلةٍ أوسع داخل البرلمان أو في الرأي العام.

على النقيض من ذلك، يظهر الموقِف العربي وكأنَّهُ مُفكّك ومُنعدِم الوزن السياسيّ. فالحكوماتُ العربيّة، التي يُفترَض أنّها معنية مباشرة بالقضيّة الفلسطينيّة، بحُكمِ القُرب الجُغرافيّ والتاريخيّ، لم تُمارِس "الحدّ الأدنى" من آلياتِ المسؤوليّة السياسيّة. لم نرَ استقالة، ولا حتى مُساءلة داخليّة، بل مّجرّد بياناتٍ باهتة أو صمت مُطبق. وهذا يعني، أنَّ الأنظمةَ العربيّة لا تنظُر إلى السُلطة باعتبارها موقع مسؤوليّة، بل باعتبارها ملكيّة خاصة مُنفصِلة عن الشّعب والتّاريخ.

سياسيًا، هذا الصّمت يُترجَم إلى نتيجةٍ أخطر: تثبيت إسرائيل كلاعبٍ (بل سيّد اللُّعبة) طبيعيّ في المنطقة، وتفريغ الموقف العربيّ من أيّ قُدرةٍ على الفعل. بينما الاستقالات الأوروبية –حتى لو كانت رمزيّة– تضع ضغطًا على الحكوماتِ الغربيّة وتجبرها على إعادة حساباتها، فإن غياب أيّ فعلٍ عربيّ يجعل إسرائيل أكثر اطمئنانًا إلى أنَّ محيطها لن يُشكّل عائقًا سياسيًا أمام استمرار الحرب.

الدرس هنا ليس في مقارنة "ضمير" أوروبا بـ"صمت" العرب، بل في فهمِ كيف تتعامل النُّخب السياسيّة الغربيّة مع المسؤولية بوصفِها عبئًا يفرض الفعل، بينما تتعامل النُّخب العربيّة مع المسؤوليّة بوصفها لا تعني سوى حماية الكُرسي. الفارق بين الاستقالة في أوروبا والجُمود في العالم العربي هو الفارق بين نظامٍ سياسيٍّ يقوم على المُساءلة والتناوب، ونظام سياسي يقوم على التمسُّك الدائم بالسُّلطة دون تبعات.

الخُلاصة: الحدث الهولندي يُذكّر بأنَّ السياسة، في صيغتها الحديثة، تقوم على استعدادِ المسؤول لدفعِ ثمن موقفه، ولو بالاستقالة. أمّا في العالمِ العربيّ، فلا وجودَ لهذا المفهوم؛ هناك فقط سًلطة تعيش فوق كُلّ الحِسابات، ولا ترى نفسها مُلزمة لا أمام شعبها ولا أمام جيرانها ولا حتى أمامَ التاريخ.



#ازهر_عبدالله_طوالبه (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إسرائيل الكُبرى: المشروع الأخطر على وجود دول الطوق.
- في مواجَهة الاحتلالِ الصهيونيّ: نحو مشروع تحرُّر جديد للمِنط ...
- حين تصبح التكنولوجيا شريكًا في الجريمة: مايكروسوفت، إسرائيل، ...
- في قلب الصراع: إيران بين الضّغط الأميركيّ وخيارات القوّة.
- الأردن بينَ النيران، لكنّها لن تلتَهِمهُ.
- إسرائيل كقاعدة استعماريّة وأداة للهيمنة.
- رسالة للأشقّاء السوريين.
- الصراع في سوريا المنطقة: صفقاتٌ خفيّة وتحدّيات مصيريّة.
- الهيمنة الغربيّة على حوض المحيط الهندي: قراءة تاريخية وتحليل ...
- برغماتيّة ترامب وموالاته للحركة الصهيونيّة.
- علينا أن نّفكّر بمنطق.
- ماذا علينا أن نفعل بعد صرخَة -آرون-.
- لنُراهن على ذاتنا، ولنتوقّف عن تقديس أداة الفُرس.
- المُقاومة وتصريحات وزراء الخارجيّة العَرب..
- فرحةٌ للوطَن ومِن ثمّ لنا.
- معمعة التخبُّط والمتاهات: الكيان الصهيونيّ أنموجًا.
- خذلناهم، لكنّهم سينتَصرون، وسيعيدون رسم خريطة العالَم.
- مِن جريمةٍ إلى أُخرى.
- صراع الذكاء الصناعيّ والغباء البشريّ
- الشهادات العلميّة للمُجتمع، والعلم لمن أراد.


المزيد.....




- ميلانيا ترامب تكشف عن -قناة اتصال مفتوحة- مع بوتين بشأن أطفا ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه تحذيرا إن احتفظت حماس بالسيطرة على غزة ...
- الترويكا الأوروبية تعلن عزمها على -إحياء- المفاوضات النووية ...
- بعد منشورات عن تشارلي كيرك.. موجة فصل وعقوبات في الجامعات ال ...
- -مخطط تفجيرات- خلال ذكرى نصر الله.. والأمن اللبناني يعلن: فك ...
- ترامب يقود -قمة غزة- في شرم الشيخ الأسبوع المقبل
- الحكومة المغربية تجدد استعدادها للحوار مع شباب حركة -جيل زد2 ...
- البيت الأبيض: لجنة نوبل تعطي الأولوية للسياسة على حساب السلا ...
- ملك المغرب يدعو إلى إصلاحات سريعة لتوفير الوظائف وتنمية المن ...
- بالصور.. غزة مدينة مدمرة ومنكوبة بعد انسحاب جيش الاحتلال منه ...


المزيد.....

- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ازهر عبدالله طوالبه - الاستقالات الهولنديّة وصمت الحكومات العربيّة.