أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ازهر عبدالله طوالبه - خطاب ترامب في الكنيست: حين يتحوّل الألم الإنسانيّ إلى رصيدٍ سياسيّ.














المزيد.....

خطاب ترامب في الكنيست: حين يتحوّل الألم الإنسانيّ إلى رصيدٍ سياسيّ.


ازهر عبدالله طوالبه

الحوار المتمدن-العدد: 8495 - 2025 / 10 / 14 - 16:48
المحور: القضية الفلسطينية
    


لم يكن خطاب دونالد ترامب في الكنيست الإسرائيلي مجرّد مناسبة بروتوكوليّة، ولا موقفًا سياسيًّا عابرًا، بل بدا أقرب إلى مشهدٍ مسرحيّ مُتقن الإخراج، هدفه الأوّل والأخير هو الاستثمار في التّعب الإنسانيّ والأخلاقيّ الذي خلّفته حرب غزة، من أجل بناء رصيدٍ شخصيّ وسياسيّ يعيد إليه ما خسره في السنوات الأخيرة.

ترامب، الذي يُدرك، جيّدًا، لغة الصورة والرأي العام، تحدّث وكأنّه رجل المرحلة الذي خرج من بين رماد الحروب ليُقدّم نفسه منقذًا للعالم من دوّامة الدم. لم يتحدّث عن مأساة غزة باعتبارها جرحًا مفتوحًا في الجسد الإنساني، بل باعتبارها فرصةً سانحة لتظهير ذاته في هيئة رجل السلام الذي "يعرف كيف يُنهي الصراعات" ويعيد "العدالة إلى الشرق الأوسط".

من الواضح أنّ الرئيس الأميركي، بخلفيّته التجارية والسياسيّة المعروفة، لا يرى في المآسي سوى مناسباتٍ لتسويق الذات. فحين يتحدّث عن السلام، فإنّه يتحدّث عنه ك "صفقة"، وحين يتناول الحرب، فإنّه يراها ساحةً لتعديل موازين الربح والخسارة السياسيّة. ولعلّ أكثر ما يشي بذلك هو إشادة الحكومة الإسرائيلية ومعها المعارضة به بعد الخطاب، حتى إنّ أحد أبرز قادة المعارضة قال له صراحة: “ليس من العدل ألا تكون أنت الفائز بجائزة نوبل للسلام”.

هذا الثناء المتبادَل لم يكن مجرّد مجاملةٍ دبلوماسيّة؛ بل هو تعبير عن التقاء مصالحٍ عميق. فإسرائيل بحاجةٍ إلى غطاءٍ أميركيّ يُعيد إليها شرعيةً اهتزّت بعد المجازِر الإياديّة في غزة، وترامب بحاجةٍ إلى إنجازٍ رمزيّ يُرمّم صورته أمام الداخل الأميركي والعالم. كلاهما وجد في الآخر مرآةً يُعيد فيها بناء شرعيّته المفقودة.

وفي العمق، يمكن القول إنّ ترامب لم يتعامل مع حرب غزة كقضيةٍ إنسانيّة تستحق موقفًا أخلاقيًّا، بل كمنجمٍ للفرص السياسيّة. فالعالم اليوم يعيش إرهاقًا أخلاقيًّا حقيقيًّا. الناس تعبوا من صور القتل، والإعلام من تكرار النكبات، والدول من كلفة الانحيازات. في هذا السياق، يظهر ترامب ليقول: "أنا الوحيد القادر على إيقاف هذا الجنون". لكنّ ما يقوله لا يصدر عن ضميرٍ متألم، بل عن عقلٍ تجاريّ يعرف كيف يحوّل التعب الجماعي إلى رأسمالٍ سياسيّ شخصيّ.

نعم، لم يُمنَح ترامب جائزة نوبِل لهذ العام. لكن، قد تُمنَح له يومًا ما، وقد لا تُمنح. لكن، المؤكّد أنّه يعمل عليها بخطابٍ مدروس، وبمسرحٍ مكتمل العناصر: حرب دامية، إسرائيل مدينة له، ومجتمع دوليّ يبحث عن مخلّصٍ رمزيّ. وما بين هذا وذاك، يظلّ السؤال الأخلاقي معلّقًا:
هل يمكن حقًا تحويل الألم الإنساني إلى وسيلةٍ لربحٍ سياسيّ؟
ترامب يبدو مقتنعًا بذلك، والكنيست منحه تصفيقًا يُغذّي هذا الاقتناع.

في نهاية المطاف، لا يمكن فصل خطاب ترامب في الكنيست عن سياقٍ أوسع من التحوّلات الأخلاقيّة في السياسة الأميركيّة والعالميّة. فالعالم الذي اعتاد أن يرى في الولايات المتحدة مرجعًا للقيم، بات اليوم يشهد زعماءها وهم يوظّفون المأساة الإنسانيّة كوسيلةٍ للظهور الإعلاميّ أو لبناء مجدٍ انتخابيّ. وترامب، في هذا المشهد، ليس استثناءً بل تجسيدًا فاضحًا لهذه الانزياحات: رجلٌ يحوّل وجع غزة إلى سلّمٍ يصعد عليه نحو جائزة نوبل، ويجعل من الكنيست منصّةً لغسل الضمير الأميركيّ المرهق. إنها مفارقة الزمن الحديث. حيث تُستثمر دماء الأبرياء لتلميع صورة السياسيّ، ويُصنع "السلام" من رمادٍ لم يبرد بعد.



#ازهر_عبدالله_طوالبه (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قمةٌ سؤالها الأبرز: من صغر ومن كبر؟!
- جائزة نوبل والمعايير الغائبة.
- بعد خطة ترامب، إلى أين يُسيّر الشرق الأوسط.
- وساطَة أردوغان: عودةٌ محفوفة بالنّار.
- رد جماس: تحويل مُعادلة الضغط إلى فُرصة
- غزة من قضية محليّة إلى معركة عالمية.
- غياب تونس وإيران عن التّصويت: دلالات تتجاوز الصّمت
- حين يُصبح قتل المُفاوض هدفًا استراتيجيًّا اسرائيليًّا.
- حينما تتقدَّم إسبانيا ونتأخَّر نحنُ.
- الاستقالات الهولنديّة وصمت الحكومات العربيّة.
- إسرائيل الكُبرى: المشروع الأخطر على وجود دول الطوق.
- في مواجَهة الاحتلالِ الصهيونيّ: نحو مشروع تحرُّر جديد للمِنط ...
- حين تصبح التكنولوجيا شريكًا في الجريمة: مايكروسوفت، إسرائيل، ...
- في قلب الصراع: إيران بين الضّغط الأميركيّ وخيارات القوّة.
- الأردن بينَ النيران، لكنّها لن تلتَهِمهُ.
- إسرائيل كقاعدة استعماريّة وأداة للهيمنة.
- رسالة للأشقّاء السوريين.
- الصراع في سوريا المنطقة: صفقاتٌ خفيّة وتحدّيات مصيريّة.
- الهيمنة الغربيّة على حوض المحيط الهندي: قراءة تاريخية وتحليل ...
- برغماتيّة ترامب وموالاته للحركة الصهيونيّة.


المزيد.....




- بعد فرار الرئيس إلى فرنسا.. الجيش يعلن توليه على السلطة في م ...
- توقعات بموسم سياحي قياسي في شرم الشيخ بعد قمة غزة.. هذا ما ق ...
- لافروف يرد على سؤال صحفية جزائرية حول ارتكاب روسيا جرائم ضد ...
- فرار رئيس مدغشقر من البلاد بعد أسابيع من احتجاجات جيل زد
- ما نص وثيقة شرم الشيخ التي وقعها السيسي وترامب وتميم وأردوغا ...
- غزل لميلوني ونزال مصافحة ماكرون.. مواقف وطرائف ترامب في قمة ...
- وحدة النخبة في جيش مدغشقر تعلن -توليها السلطة-، والتظاهرات - ...
- إردوغان يشيد بخطة دمج -قسد- في مؤسسات الدولة: خطوة ضرورية لت ...
- اجتماع -سرّي- في مصر.. تقرير يكشف كواليس حسم اتفاق غزة بين م ...
- فيديو - مدغشقر: وحدة النخبة في الجيش تعلن تولّي السلطة بعد ف ...


المزيد.....

- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ازهر عبدالله طوالبه - خطاب ترامب في الكنيست: حين يتحوّل الألم الإنسانيّ إلى رصيدٍ سياسيّ.