أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ازهر عبدالله طوالبه - القرار الأميركي تجاه المنطقة: هندسة ما بعد الحرب وضبط حضور الحركات الإسلاميّة وعلى رأسها الإخوان














المزيد.....

القرار الأميركي تجاه المنطقة: هندسة ما بعد الحرب وضبط حضور الحركات الإسلاميّة وعلى رأسها الإخوان


ازهر عبدالله طوالبه

الحوار المتمدن-العدد: 8539 - 2025 / 11 / 27 - 20:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تطرح خطوة الإدارة الأميركية نحو تصنيف جماعة الإخوان تنظيماً إرهابياً أسئلة معقّدة تتجاوز حدود الجماعة نفسها، وتمتد إلى طبيعة التفاعل بين القرار الخارجي وبُنى السياسة الداخلية في المنطقة العربية. فمن منظور تحليل سياسي مقارن، لا يمكن التعامل مع الجماعة باعتبارها كيانًا منزّهًا عن النقد أو بريئًا من الإشكالات البنيوية التي رافقت مشروعها التنظيمي والسياسي، خصوصًا في ما يتعلق بالطابع العابر للحدود وطموحات «التمكين» التي اصطدمت بواقع الدولة الوطنية. ومع ذلك، فإنّ قبول توصيف خارجي لفاعل داخلي، دون تأسيس قانوني وطني مستقل، يخلق إشكالًا يتعلق بسيادة القرار السياسي وتحديد أولويات الأمن الوطني وفق مقاربات محلية لا وفق اعتبارات قوى دولية ذات مصالح ثابتة.

من الناحية التحليلية، لا يشكّل القرار الأميركي قطيعة مع واقع قائم بقدر ما يمثّل إطارًا جديدًا لإعادة توزيع الأوزان السياسية لتنظيم كان قد شهد تآكلًا في قدرته على الفعل منذ ما بعد موجة الربيع العربي. فالجماعة تعرّضت إلى انهيار في هياكلها التنظيمية وتراجع في قاعدتها الاجتماعية وتشتّت في قياداتها بين أجنحة متنازعة في الداخل والخارج. قرارٌ كهذا يعيد فتح ملف الإخوان في لحظة كانت فيها الجماعة تفقد حضورها الواقعي، ويمنحها—ولو بصورة مفارِقة—مساحة رمزية كان أثرها قد تلاشى.

غير أنّ القراءة الأكثر عمقًا للقرار تقتضي النظر إليه كجزء من بنية المصالح الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، لا بوصفه ردّ فعل على نشاط داخلي محدود. فالولايات المتحدة تنظر إلى أمن الكيان الصهيوني باعتباره ركيزة رئيسية في سياستها الإقليمية، ومكوّناً ثابتًا لا يخضع للمساومة. وفي هذا السياق، يصبح استهداف جماعة الإخوان امتدادًا لمحاولة منهجية لتقويض أي ظاهرة اجتماعية أو فكرية أو تنظيمية يمكن أن تُفسَّر—ضمن بيئات معينة—كحاضنة غير مباشرة للمقاومة. ورغم أنّ الإخوان كتنظيم لم يشكّلوا، في معظم الدول، طرفًا مسلّحًا، فإن فروعهم وخطابهم وبعض امتداداتهم الاجتماعية ارتبطت تاريخيًا بدعمٍ معنوي أو سياسي لتيارات المقاومة، سواء من خلال البنية الاجتماعية المحافظة أو من خلال مؤسسات العمل العام التي وفّرت فضاءً للتعبئة الشعبية. وضمن هذا الفهم، يصبح القرار الأميركي جزءًا من جهد أوسع لإعادة هندسة الحقل السياسي العربي بما يحدّ من أي إمكانية لظهور روافد اجتماعية تمنح المقاومة شرعية أو بيئة حاضنة، وهو ما يخدم بصورة مباشرة استراتيجيات الحفاظ على تفوّق الكيان المحتل وحصانته الإقليمية.

وعلى مستوى البنية التنظيمية للجماعة، يستهدف القرار الأميركي الخصائص التي شكّلت تاريخيًا مصدر قوة الإخوان: شبكة عابرة للحدود، موارد مالية قادمة من الخارج، وحركة قيادية بين المراكز المختلفة للتنظيم. ومن المتوقّع أن يؤدّي تضييق هذه الحلقات إلى إضعاف القدرة على التنسيق الدولي للجماعة، وإلى دفعها نحو شكل من الانكماش التنظيمي قد يتحوّل إلى عمل مغلق أو غير علني، وهو نمط تاريخيًا ما يرتبط بارتفاع احتمالات التشدد وصعوبة الرقابة. هذا التحوّل قد يقود أيضًا إلى نشوء كيانات وطنية صغيرة متمايزة تنظيميًا عن «الجماعة الأم»، ما يعمّق التفكك الداخلي الذي بدأ بالفعل منذ سنوات.

أما على مستوى الدول العربية، فمن المحتمل أن تتنوع المقاربات تجاه القرار. فبعض الدول قد ترى في التصنيف الأميركي غطاءً لتشديد القيود على الجماعة، في حين ستسعى دول أخرى إلى الحفاظ على هامش استقلالية عبر معالجة ملف الإخوان ضمن أطر قانونية وسياسية محلية دون تبنّي كامل للتعريف الأميركي. هذا التنويع يعكس إدراكًا لمخاطر أن يتحوّل التعاطي مع الفاعلين المحليين إلى مسألة تُدار وفق توازنات دولية بدلًا من أن تُنظَّم وفق الحاجات الوطنية الخاصة بكل دولة.

أما داخل الجماعة نفسها، فمن المرجّح أن يعيد القرار إنتاج الانقسامات في بنية القيادة وخيارات المسار السياسي. فخطاب «الأستاذية» الذي شكّل الإطار العقيدي للتنظيم لم يعد قادرًا على التكيّف مع واقع سياسي تُعاد صياغته تحت ضغط الدولة الوطنية من جهة، والمجتمع الدولي من جهة أخرى. وقد تجد الجماعة نفسها أمام خيارين: إما إعادة تشكيل ذاتها كقوة سياسية محافظة ضمن المجال الوطني، وهو خيار يتطلّب تفكيكًا فعليًا للتنظيم العالمي، أو الانزلاق نحو مزيد من العمل المغلق الذي سيؤدي إلى تراجع إضافي في الشرعية الاجتماعية مع ارتفاع احتمالات الانقسام الداخلي.

في هذا الإطار، يبرز التساؤل الأهم المتعلق بالسيادة: إلى أي مدى يمكن للدول أن تدير علاقتها بفاعلين سياسيين محليين ضمن إطار قوانينها ومقتضيات أمنها الاجتماعي، دون الارتهان لتوصيف خارجي قد لا يأخذ بالاعتبار الواقع السياسي الداخلي؟ هذه المعضلة تمثّل التحدي الأكبر في المرحلة المقبلة، إذ إنّ تحويل الصراعات السياسية الداخلية إلى امتدادات مباشرة لصراعات دولية يهدّد قدرة الدولة على إدارة توازناتها، ويعيد إنتاج المجال السياسي وفق إيقاع مصالح لا تنتمي إلى المجال الوطني.

في المحصلة، لا يمثّل التصنيف الأميركي لحظة حسم في تاريخ الإخوان بقدر ما يشكّل محطة في مسار طويل من التراجع وإعادة التشكل. فمن غير المرجّح أن يؤدي القرار إلى انهيار شامل للجماعة، كما أنه لن يعيد إنتاجها كفاعل مركزي. لكنه سيقود على الأرجح إلى تحوّلها إلى تيار مجتمعي محافظ محدود التأثير، وإلى تفكك تنظيمها العالمي، وإلى بقاء أثرها الرمزي دون فعالية تنظيمية واسعة. وفي مقابل هذا الانحسار، سيظل التحدي الأكبر أمام الدول هو ضمان استقلال قرارها السياسي في إدارة هذا الملف، بحيث لا يصبح الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني معيارًا مضمَرًا يوجّه القرارات المتعلقة بفاعلين سياسيين محليين، أو يحلّ محلّ الاعتبارات الوطنية التي ينبغي أن تكون وحدها المرجعية الحاكمة.



#ازهر_عبدالله_طوالبه (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ممداني وترامب: من التراشُق إلى التفاهُم.
- قرار مجس الأمن (2803): تثبيت الواقِع وتغييب الدّولة الفلسطين ...
- كيف تنظر إسرائيل لزيارة محمد بن سلمان إلى البيت الأبيض
- قراءة قانونيّة لتقرير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان
- نيويورك تُغيّر وجهها: فوز ممداني وارتجاج مراكز النّفوذ الأمي ...
- الدفاع عن ممداني ليسَ دفاعاً عن شخصٍ بعينه
- خطاب ترامب في الكنيست: حين يتحوّل الألم الإنسانيّ إلى رصيدٍ ...
- قمةٌ سؤالها الأبرز: من صغر ومن كبر؟!
- جائزة نوبل والمعايير الغائبة.
- بعد خطة ترامب، إلى أين يُسيّر الشرق الأوسط.
- وساطَة أردوغان: عودةٌ محفوفة بالنّار.
- رد جماس: تحويل مُعادلة الضغط إلى فُرصة
- غزة من قضية محليّة إلى معركة عالمية.
- غياب تونس وإيران عن التّصويت: دلالات تتجاوز الصّمت
- حين يُصبح قتل المُفاوض هدفًا استراتيجيًّا اسرائيليًّا.
- حينما تتقدَّم إسبانيا ونتأخَّر نحنُ.
- الاستقالات الهولنديّة وصمت الحكومات العربيّة.
- إسرائيل الكُبرى: المشروع الأخطر على وجود دول الطوق.
- في مواجَهة الاحتلالِ الصهيونيّ: نحو مشروع تحرُّر جديد للمِنط ...
- حين تصبح التكنولوجيا شريكًا في الجريمة: مايكروسوفت، إسرائيل، ...


المزيد.....




- إسرائيل تستخدم طائرة عسكرية في عملية بالضفة الغربية
- -الغرفة الزجاجية- تجمع 500 مليون دينار عراقي لشراء ألف كرسي ...
- فيديو - خان يونس: أطفال ينتزعون لحظات لعب من بين الركام وسط ...
- ماكرون يطلق خدمة عسكرية تطوعية للشباب الفرنسي.. ما تفاصيل ال ...
- ماكرون يعلن إطلاق خدمة عسكرية تطوعية للشباب الفرنسي
- 55 قتيلا على الأقل في أسوأ حريق تشهده هونغ كونغ منذ عقود
- خدمة عسكرية جديدة في فرنسا... ماذا بشأن باقي الدول الأوروبية ...
- بوتين يتعهد بوقف القتال في حال انسحاب أوكرانيا من أراض تطالب ...
- الإعلام الحكومي بغزة: 535 خرقا إسرائيليا و90% من الدفاع المد ...
- مشهد -المواجهة الشاملة- مع إسرائيل يخيم على لبنان بعد عام من ...


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ازهر عبدالله طوالبه - القرار الأميركي تجاه المنطقة: هندسة ما بعد الحرب وضبط حضور الحركات الإسلاميّة وعلى رأسها الإخوان