أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ازهر عبدالله طوالبه - قراءة قانونيّة لتقرير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان















المزيد.....

قراءة قانونيّة لتقرير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان


ازهر عبدالله طوالبه

الحوار المتمدن-العدد: 8525 - 2025 / 11 / 13 - 02:48
المحور: حقوق الانسان
    


لم يعد الاغتصاب في زمن الحروب فعلًا شاذًا يقع في الظلال، بل تحوّل في العديد من النزاعات الحديثة إلى أداةٍ ممنهجةٍ تهدف إلى تحقيق غاياتٍ سياسية وعسكرية. هذا ما يثبته بوضوح تقرير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، الذي وثّق شهادات لمعتقلين ومعتقلات فلسطينيين تعرّضوا لتعذيبٍ جسديّ وجنسيّ على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، في واحدة من أبشع صور انتهاك الكرامة الإنسانية التي عرفها القانون الدولي في العصر الحديث.

من خلال قراءة متأنية للتقرير، تتّضح ملامح جريمةٍ مركّبة تتجاوز البعد الإنساني لتصل إلى صميم المساءلة الجنائية الدولية. فالأفعال الموثّقة فيه، والتي تشمل الاغتصاب، والتعرية القسرية، والاعتداءات الجنسيّة والتعذيب النفسي، تُعدّ بموجب أحكام القانون الدولي الإنساني "جرائم حرب" و"جرائم ضدّ الإنسانية".

وقد نصّت المادة السابعة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 على أنّ الاغتصاب والعنف الجنسي يشكّلان جريمة ضد الإنسانية متى ارتُكبا في إطار سياسة عامة أو على نحوٍ منهجي ضد المدنيين، كما نصّت المادة الثامنة على اعتبارها من جرائم الحرب إذا ارتكبت ضد أشخاصٍ محميين في نزاعٍ مسلّح. هذه النصوص تجد صداها المباشر في مضمون التقرير، الذي يوثّق سلسلة من الأفعال التي وقعت على نحوٍ واسعٍ ومنظّم، وبإشرافٍ مباشر من سلطاتٍ عسكريةٍ وأمنيةٍ رسمية.

إنّ تكرار الشهادات وتشابه أنماط الاعتداءات يُسقط الادعاء بأنّ هذه الممارسات تصرّفات فردية أو أخطاء ميدانية. نحن أمام بنيةٍ متكاملةٍ من الانتهاك، تُستخدم فيها أجساد المعتقلين أدواتٍ للإذلال والإخضاع، في تجاوزٍ صريحٍ للمادة السابعة والعشرين من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي توجب احترام شرف الأشخاص وكرامتهم، وتحظر المساس بحريتهم الجسدية أو الاعتداء على عِرضهم تحت أيّ ذريعة. إنّ التقرير يقدّم أدلةً على أنَّ الاغتصاب قد استُخدم كوسيلةٍ للتعذيب والتحقيق وكسر الإرادة السياسية، وهو ما يرتقي إلى مستوى "الاغتصاب كسلاح حرب"، كما جرى توصيفه في فقه القضاء الدولي في قضيّتَي رواندا و"يوغسلافيا".

تنبع خطورة هذه الممارسات من كونها تمسّ القواعد الآمرة في القانون الدولي، وهي تلك التي لا يجوز الخروج عليها أو تقييدها بأيّ مبرّرٍ أو ظرفٍ استثنائي. فحظر التعذيب والعنف الجنسي قاعدةٌ مطلقة نصّت عليها "اتفاقية مناهضة التعذيب" لعام 1984، التي تُلزم الدول الأطراف بمنع التعذيب في جميع الحالات دون استثناء. كما يترتّب على مخالفة هذه القاعدة تفعيل مبدأ "الولاية القضائية العالمية"، الذي يُجيز لأيّ دولةٍ طرف في الاتفاقية أن تحاكم مرتكبي هذه الجرائم حتى لو لم تُرتكب على أراضيها، ما يجعل مسؤولية المجتمع الدولي مسؤولية مباشرة وغير قابلة للتنصّل.

إنّ استخدام الاغتصاب كوسيلة إذلالٍ سياسيّ هو جريمة لا تمسّ الأفراد وحدهم، بل تضرب في عمق الجماعة الوطنية التي ينتمون إليها. ففي سجون الاحتلال، يصبح الجسد الفلسطيني ساحةً إضافية للحرب، يُراد بها تفكيك المعنى الجمعي للكرامة والانتماء. وهذه الممارسة تندرج قانونًا ضمن أعمال الإبادة الجزئية التي تهدف إلى تدمير جماعةٍ قوميةٍ أو إثنيةٍ من الداخل، وفق المادة السادسة من "نظام روما الأساسي". وهو توصيفٌ يكتسب مشروعيته من طبيعة الجرائم الواردة في التقرير، إذ يتضح أنّها ليست معزولةً أو ناتجة عن فوضى ميدانية، بل نُفّذت في إطار توجيهاتٍ أمنيةٍ منظّمة، وبغطاءٍ سياسيٍّ وإعلاميٍّ واضح.

ومن الزاوية الإجرائية، يشكّل هذا التقرير وثيقةً ذات قيمةٍ قانونيةٍ يمكن الاستناد إليها أمام المحكمة الجنائية الدولية، بما أنه قائم على منهجية توثيقٍ دقيقةٍ جمعت بين الشهادات المباشرة والتحليل الحقوقيّ. وبالنظر إلى أنّ دولة فلسطين طرفٌ في نظام روما الأساسي منذ عام 2015، فإنّ هذا التقرير يوفّر أرضيةً قانونية لإحالة الملفّ رسميًا إلى المدعي العام في لاهاي، مع المطالبة بالتحقيق في المسؤولية الجنائية الفردية للجنود، والضباط، وصانعي القرار الذين أداروا أو سكتوا عن هذه الانتهاكات. فالمسؤولية في القانون الدولي لا تقتصر على الفاعل المباشر، بل تمتد إلى كلّ من أمر أو سمح أو امتنع عن منع وقوع الجريمة رغم علمه بها.

ولا يمكن إغفال البعد السياسي لهذا الملفّ، إذ يفضح التقرير ازدواجية المعايير التي يتعامل بها الغرب مع قضايا حقوق الإنسان. فالدول التي سارعت إلى إنشاء لجان تحقيقٍ في جرائم أقلّ فداحة في مناطق أخرى، تلتزم اليوم صمتًا مريبًا أمام شهاداتٍ دامغةٍ توثّق جرائم اغتصابٍ وتعذيبٍ ممنهج. هذا الصمت لا يعبّر عن عجزٍ قانوني، بل عن إرادةٍ سياسيةٍ تحصّن المعتدي وتُهمّش الضحية، وتحوّل القانون الدولي إلى أداةٍ انتقائيةٍ تُطبّق حسب الهُوية لا حسب الفعل.

إنّ التقرير لا يدين الاحتلال وحده، بل يضع المنظومة الدولية أمام امتحانٍ أخلاقيٍّ وقانونيٍّ عسير. فالسكوت عن هذه الجرائم هو تواطؤٌ مع مرتكبيها، والتهاون في ملاحقتهم هو انتهاكٌ جديدٌ يُضاف إلى سجلّ الصمت الطويل. وما لم يتحرّك المجتمع الدولي نحو مساءلةٍ فعلية، ستظلّ العدالة مجرّد وعدٍ مؤجَّلٍ يُقال في المؤتمرات، بينما تُنتهك الكرامة على أرضٍ لم تعرف غير الاحتلال والخذلان.

تُظهر هذه الوثيقة أنّ العدالة ليست ترفًا أخلاقيًا، بل واجبٌ قانونيّ لا يجوز التنازل عنه. فجرائم الاغتصاب والتعذيب التي ارتُكبت بحق الأسرى الفلسطينيين لا تسقط بالتقادم، ولا يُمكن تبريرها بذريعة الأمن أو الضرورة العسكرية. وعلى المؤسسات الحقوقية الفلسطينية، بالتنسيق مع الهيئات الدولية، أن تُعدّ ملفًّا متكاملًا لإحالة هذه الوقائع إلى القضاء الدولي، وأن تُطالب بتشكيل لجنة تحقيقٍ أمميةٍ مستقلّة لجمع الأدلة وحماية الشهود، ضمانًا لعدم إفلات أحد من العقاب.

إنّ الاغتصاب حين يتحوّل إلى سياسةٍ رسميةٍ يُمارَس باسم الدولة، فإنّ الصمت حياله جريمةٌ موازية. وما وثّقه هذا التقرير لا يمسّ الفلسطينيين وحدهم، بل يمتحن ضمير القانون الدولي كلّه. فإمّا أن تنتصر العدالة لقيمها المعلَنة، أو تسقط في امتحانها الأخير أمام جسدٍ أعزلٍ انتهكت كرامته تحت رايةٍ ترفع شعار الديمقراطية.



#ازهر_عبدالله_طوالبه (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نيويورك تُغيّر وجهها: فوز ممداني وارتجاج مراكز النّفوذ الأمي ...
- الدفاع عن ممداني ليسَ دفاعاً عن شخصٍ بعينه
- خطاب ترامب في الكنيست: حين يتحوّل الألم الإنسانيّ إلى رصيدٍ ...
- قمةٌ سؤالها الأبرز: من صغر ومن كبر؟!
- جائزة نوبل والمعايير الغائبة.
- بعد خطة ترامب، إلى أين يُسيّر الشرق الأوسط.
- وساطَة أردوغان: عودةٌ محفوفة بالنّار.
- رد جماس: تحويل مُعادلة الضغط إلى فُرصة
- غزة من قضية محليّة إلى معركة عالمية.
- غياب تونس وإيران عن التّصويت: دلالات تتجاوز الصّمت
- حين يُصبح قتل المُفاوض هدفًا استراتيجيًّا اسرائيليًّا.
- حينما تتقدَّم إسبانيا ونتأخَّر نحنُ.
- الاستقالات الهولنديّة وصمت الحكومات العربيّة.
- إسرائيل الكُبرى: المشروع الأخطر على وجود دول الطوق.
- في مواجَهة الاحتلالِ الصهيونيّ: نحو مشروع تحرُّر جديد للمِنط ...
- حين تصبح التكنولوجيا شريكًا في الجريمة: مايكروسوفت، إسرائيل، ...
- في قلب الصراع: إيران بين الضّغط الأميركيّ وخيارات القوّة.
- الأردن بينَ النيران، لكنّها لن تلتَهِمهُ.
- إسرائيل كقاعدة استعماريّة وأداة للهيمنة.
- رسالة للأشقّاء السوريين.


المزيد.....




- الأمم المتحدة تحذر من خطر الجوع في 16 دولة
- الأمم المتحدة تحذر من خطر الجوع في 16 دولة
- الأمم المتحدة تعتمد مشروع قرار بالأغلبية حول السيادة الدائمة ...
- بينها 4 دول عربية.. تقرير أممي يحذر: خطر المجاعة يهدد ملايين ...
- -القمة الإنسانية لأجل غزة- بإسطنبول تدعو لإنشاء مركز دولي لإ ...
- -القمة الإنسانية لأجل غزة- بإسطنبول تدعو لإنشاء مركز دولي لإ ...
- بيان شديد اللهجة من لجنة حقوق الإنسان الإيرانية ضد الاتهامات ...
- لازاريني يدعو لتمكين -الأونروا- من دعم غزة.. -لدينا الخبرة و ...
- سوريا.. القبض على متورط بجرائم حرب إبان النظام المخلوع
- الأونروا: 90 % من سكان قطاع غزة يعانون من سوء التغذية


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ازهر عبدالله طوالبه - قراءة قانونيّة لتقرير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان