أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ازهر عبدالله طوالبه - قرار مجس الأمن (2803): تثبيت الواقِع وتغييب الدّولة الفلسطينيّة.














المزيد.....

قرار مجس الأمن (2803): تثبيت الواقِع وتغييب الدّولة الفلسطينيّة.


ازهر عبدالله طوالبه

الحوار المتمدن-العدد: 8530 - 2025 / 11 / 18 - 16:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


جاء قرار مجلس الأمن 2803، الّذي أُعلنَ صباح اليوم، المتعلّق بغزة، بوصفه منعطفًا سياسيًا يُفترض، في ظاهر نصّه، أن يفتح بابًا نحو "مسار موثوق" لإقامة دولة فلسطينية «حين تتهيّأ الظروف». هذه العبارة الأخيرة وحدها تكشف طبيعة القرار: وعدٌ معلّق، مشروط، ومُفرَغ من الضّمانات. ومع ذلك، فإنَّ الخطر ليس في الصياغة فقط، بل في البيئة السياسيّة والأمنيّة التي يصنعها القرار، وفي الآليات التي يضعها لإدارة غزة خلال السنوات المقبلة.

من حيث المبدأ، يُقدّم القرار إطارًا دوليًا لإعادة الاستقرار إلى القطاع، عبر إنشاء قوةٍ دولية تحمل اسم "قوة الاستقرار الدولية" وتفويضها باستخدام "جميع التدابير اللازمة" لتنفيذ مهامها الأمنية. في ظاهر الأمر، يبدو ذلك خطوة لإعادة الأمن وتهيئة الإعمار. لكن، التدقيق يكشف أنَّ هذه القوّة ليست مجرد مراقب محايد؛ هي كيان ذو صلاحيات واسعة قد يصل دورها إلى فرض نفوذٍ أمنيّ مُباشِر يتجاوز قدرة الفلسطينيين على التحكُّم في شؤونهم اليوميّة. وهُنا، تبرز أولى الإشكاليات: غياب الضوابط الدقيقة، والغموض في قواعد عمل هذه القوة، وطبيعة الدول المشاركة فيها، وصلاحياتها في الاشتباك، كلها عوامل تجعل وجودها أقرب إلى وصايةٍ أمنيّة لا إلى مساعدةٍ انتقاليّة.

هذا الغموض يمتد إلى البنية الإداريّة المُقترحة للمرحلة القادمة. فالقرار يمنح "مجلس السلام" صلاحيات واسعة لإدارة قطاع غزة حتى عام 2027، وهو مجلس دولي لا يعبّر بالكامل عن الإرادة الفلسطينية، ولا يخضع لرقابة مؤسسات فلسطينية قائمة. ومع أن القرار يربط دوره بمرحلة انتقالية، فإن طبيعة هذه المرحلة – من يحددها وكيف تُختتم – تبقى أسئلة مفتوحة. كذلك، فإنّ اشتراط الإصلاحات داخل السلطة الفلسطينية كمدخل لاستعادة دورها في غزة يجعل هذه العودة مرهونة باعتبارات دولية، لا بقرار فلسطيني خالص.

أكثر بنود القرار إثارة للجدل هو الدعوة الصريحة لنزع السلاح من الفصائل الفلسطينية، وفي مقدّمتها حماس. هذا البند، كما تراه القوى الفلسطينية الرافضة للقرار، ليس خطوة لإعادة تنظيم الأمن، بل محاولة لتجريد الشعب الفلسطيني من أحد مكونات قوّته السياسية والعسكرية في مواجهة الاحتلال، وتهديد مباشر لدور المقاومة في صياغة مُستقبل القضيّة. إنَّ نزع السلاح، تحت مظلة قوةٍ دولية، قد يتحول إلى أداة لفرض توازنات جديدة تُهمّش فصائل المقاومة وتفتح الباب لإعادة هندسة الحياة السياسية في القطاع على نحو يخدم القوى الدولية أكثر مما يخدم الفلسطينيين.

ويضاف إلى ذلك أنّ القرار يضع ثقله في غزة، بينما يترك الضفة الغربية خارج المعادلة تمامًا. هذا الانفصال في المُعالجة قد يكرّس، موضوعيًا، حالة الانقسام الجغرافي والسياسي، ويخلق مسارين مختلفين للحكم والتحول السياسي بين غزة والضفة، الأمر الذي يهدد وحدة المشروع الوطني الفلسطيني ويضعفه بدل أن يعززه. كما أنَّ التركيز الدولي على غزة وحدها قد يجعل من القطاع ساحة نفوذ دولي، بينما تبقى الضفة رهينة الوقائع التي يفرضها الاحتلال على الأرض.

أما في الجانب الاقتصادي، فالقرار يروّج لإطلاق عملية إعادة إعمار واسعة، وهذا مطلب إنساني ملح. لكن، إعادة الإعمار في مثل هذه الأوضاع ليست عملية محايدة. فهي غالبًا ما ترتبط بشروطٍ سياسيّة، وبتدخلاتٍ في تحديد أولويات المشاريع، وبنفوذ للدول المانحة على توجهات الاقتصاد المحلي. وبالتالي، فإنَّ وضع صندوق إعادة الإعمار تحت إدارة دولية يفتح الباب أمام أن تتحول عملية البناء إلى أداة نفوذ، لا إلى مشروع سيادي فلسطيني مستقل.

وفي السياق ذاته، لا يمكن فصل هذا القرار عن صراع النفوذ الدولي في المنطقة. فالولايات المتحدة تبدو اللاعب الأكثر حضورًا في صياغته وتوجيهه، بينما أبدت روسيا والصين ودول أخرى انتقادات واضحة لهيكليته، خصوصًا لجهة حجم التمثيل الدولي في "مجلس السلام" وصلاحيات القوة الدولية. هذا يعني أنَّ غزة قد تتحول في المرحلة المقبلة إلى ساحة تنافس بين القوى الكبرى، لا مجرد منطقة بحاجة إلى إعادة إعمار واستقرار.

وفي ظل هذه التفاصيل، يبرز السؤال الأهم: ماذا يحدث بعد 2027؟ القرار لا يقدّم ضمانات واضحة لخروج القوة الدولية، ولا يحدد آلية تُسلّم فيها الإدارة انتقالًا إلى سلطة فلسطينية ذات سيادة. كل شيء مرهون بـ "تهيئة الظروف"، وهي عبارة مرنة وقابلة للتأويل، تجعل مستقبل الدولة الفلسطينية مرتبطًا ليس بإرادة الفلسطينيين، بل بإرادة المجتمع الدولي وموازين القوى الإقليمية.

من هنا، يمكن القول إنَّ جوهر المشكلة يكمن في أنّ القرار، رغم ما يقدّمه من إطار نظري لمسار دولة فلسطينية، يضع هذه الدولة في موقع المشروط والمؤجل، لا المنجز. فالدولة لن تقوم إلا عندما “تتهيّأ الظروف”، وهذه الظروف يحددها –فعليًا– اللاعبون الدوليون، لا الفلسطينيون أنفسهم.


في المُحصّلة، يبدو القرار مزيجًا من الوعود السياسية والأجندات الأمنية والانتقالية التي قد تسهم في إعادة تهدئة غزة وترميمها، لكنها تحمل في جوهرها ملامح وصاية دولية، وتُبقي فكرة الدولة الفلسطينية في دائرة الاحتمال المؤجّل. إنَّه قرار لا يفتح الباب بالكامل للفلسطينيين؛ بل يلمّح إلى الدولة، لكنّه، لا يضمنها؛ ويعد بالمسار، لكنه يشترط الطريق.

وما لم تتبلور رؤية فلسطينية موحدة قادرة على إدارة اللحظة والتفاوض على تفاصيل المرحلة المقبلة، فإنَّ الخطر قائم بأن يتحول هذا القرار إلى مرحلة أخرى من "الإدارة من الخارج"، لا إلى خطوة على طريق التحرر والاستقلال



#ازهر_عبدالله_طوالبه (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف تنظر إسرائيل لزيارة محمد بن سلمان إلى البيت الأبيض
- قراءة قانونيّة لتقرير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان
- نيويورك تُغيّر وجهها: فوز ممداني وارتجاج مراكز النّفوذ الأمي ...
- الدفاع عن ممداني ليسَ دفاعاً عن شخصٍ بعينه
- خطاب ترامب في الكنيست: حين يتحوّل الألم الإنسانيّ إلى رصيدٍ ...
- قمةٌ سؤالها الأبرز: من صغر ومن كبر؟!
- جائزة نوبل والمعايير الغائبة.
- بعد خطة ترامب، إلى أين يُسيّر الشرق الأوسط.
- وساطَة أردوغان: عودةٌ محفوفة بالنّار.
- رد جماس: تحويل مُعادلة الضغط إلى فُرصة
- غزة من قضية محليّة إلى معركة عالمية.
- غياب تونس وإيران عن التّصويت: دلالات تتجاوز الصّمت
- حين يُصبح قتل المُفاوض هدفًا استراتيجيًّا اسرائيليًّا.
- حينما تتقدَّم إسبانيا ونتأخَّر نحنُ.
- الاستقالات الهولنديّة وصمت الحكومات العربيّة.
- إسرائيل الكُبرى: المشروع الأخطر على وجود دول الطوق.
- في مواجَهة الاحتلالِ الصهيونيّ: نحو مشروع تحرُّر جديد للمِنط ...
- حين تصبح التكنولوجيا شريكًا في الجريمة: مايكروسوفت، إسرائيل، ...
- في قلب الصراع: إيران بين الضّغط الأميركيّ وخيارات القوّة.
- الأردن بينَ النيران، لكنّها لن تلتَهِمهُ.


المزيد.....




- الحكم بالسجن على المعتدى على أريانا غراندي في عرض -Wicked- ب ...
- مصر.. تامر حسني يخضع لعمل جراحي استأصل جزءًا من كليته
- الكويت.. الداخلية تعلن ضبط شبكة متورطة بستهيل استقدام عاملات ...
- الرئيس اللبناني: حزب الله بشقه العسكري انتهى.. ولاريجاني -اه ...
- مقاتلات تحلق وعزف موسيقي.. شاهد كيف استقبل ترامب ولي العهد ا ...
- لقاء ابن سلمان وترامب.. هل ستبيع أمريكا طائرات إف 35 للسعودي ...
- بعد دعوة السيسي.. مصر تبطل نتائج 19 دائرة انتخابية
- أحمد أبوزيد.. نصائح صانع المحتوى المصري للمبتدئين وما تعلمه ...
- ماذا يعني إلغاء زيارة قائد الجيش اللبناني إلى واشنطن الآن؟
- قائد الجيش اللبناني يلغي زيارة كانت مقررة للولايات المتحدة.. ...


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ازهر عبدالله طوالبه - قرار مجس الأمن (2803): تثبيت الواقِع وتغييب الدّولة الفلسطينيّة.