أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ازهر عبدالله طوالبه - الكريسماس: الصراع الموسميّ














المزيد.....

الكريسماس: الصراع الموسميّ


ازهر عبدالله طوالبه

الحوار المتمدن-العدد: 8565 - 2025 / 12 / 23 - 04:52
المحور: المجتمع المدني
    


يحلّ الكريسماس كلّ عام، ومعه يعود الجدل ذاته تقريبًا، كأنّ المجتمعات لم تحسم موقفها بعد من سؤالٍ أعمق من العيد نفسه: كيف نتعامل مع الاختلاف الديني والثقافي في الفضاء العام؟ فالكريسماس، وإن كان في أصله مناسبة دينيّة مسيحيّة مرتبطة بميلاد السيّد المسيح، إلّا أنّ حضوره الاجتماعي والإعلامي الواسع جعله يتجاوز الإطار الطقوسيّ الضيّق، ليصبح حدثًا عامًا تُستدعى حوله مواقف متباينة، أحيانًا متناقضة، وأحيانًا متشنّجة.

أوّل ما يُثار في كلّ موسم هو مسألة التهنئة والمشاركة الرمزيّة. هذا النقاش، الذي يبدو بسيطًا في ظاهره، يتحوّل بسرعة إلى ساحة استقطابٍ حادّ. فهناك من يتعامل معه من زاويةٍ فقهيّة صارمة، تُسقِط الأحكام العقديّة على السلوك الاجتماعي اليوميّ، وهناك من ينظر إليه بوصفه فعلًا إنسانيًّا لا يتجاوز حدود المجاملة والاعتراف المتبادل. الإشكال هنا لا يكمن في تعدّد الآراء بحدّ ذاته، بل في تحويل الرأي إلى معيار للفرز الأخلاقيّ، وكأنّ المجتمع لا يحتمل أكثر من تأويل واحد للسلوك العام.

ثمّ يأتي الجدل المتعلّق بـ«علمنة» الكريسماس أو تفريغه من مضمونه الروحيّ. فمشاهد الزينة، وحملات التسويق، والمظاهر الاحتفاليّة الصاخبة، تدفع البعض إلى القول إنّ العيد لم يعد دينيًّا، بل استهلاكيًّا بحتًا. وهذا الطرح، وإن كان يحمل قدرًا من الحقيقة، إلّا أنّه يغفل أنّ هذه الظاهرة ليست استثناءً خاصًّا بالكريسماس، بل هي جزء من تحوّل عالميّ طال معظم الأعياد الدينيّة -وغير الدينيّة حتى-، حيث أُعيد إنتاجها ضمن منطق السوق والإعلان، دون أن يعني ذلك بالضرورة اختفاء المعنى الروحيّ عند المؤمنين أنفسهم.

في المقابل، يظهر خطاب آخر أكثر حدّة، يرى في مظاهر الكريسماس خطرًا على الهُويّة، أو اختراقًا ثقافيًّا، أو تطبيعًا غير واعٍ مع «الآخر». هذا الخطاب غالبًا ما يُضخّم الرمزيّات، ويحمّلها ما لا تحتمل، متجاهلًا أنّ الهُويّات لا تُصان بالمنع والإقصاء، بل بالتماسك الداخليّ، وبالقدرة على التمييز بين القناعة الدينيّة الفرديّة وبين مقتضيات العيش المشترك في مجتمعٍ متعدّد. فوجود مناسبة دينيّة في الفضاء العام لا ينتقص من إيمان أحد، ما دام الإيمان ذاته قائمًا على الاختيار لا على العزلة.

ويُضاف إلى ذلك بُعد سياسيّ واجتماعيّ خفيّ يتكرّر كلّ عام: إذ تُستثمر هذه النقاشات أحيانًا لصرف الانتباه عن قضايا أكثر إلحاحًا، أو لإعادة إنتاج الاستقطاب الأخلاقيّ بدل معالجة الأزمات الحقيقيّة. فيتحوّل الكريسماس من مناسبة دينيّة إلى «مؤشّر ولاء»، يُقاس به الناس، وتُعلّق عليه أحكام جاهزة، دون أيّ اعتبار لتعقيد السياق الاجتماعيّ أو تنوّع الدوافع الفرديّة.

في جوهره، لا يفرض الكريسماس على المُجتمعات أكثر ممّا تفرضه أيّ مناسبة دينيّة أخرى في بيئة متعدّدة: سؤال الاحترام، وحدود المشاركة، ومعنى الحيّز العام. والخلل لا يظهر حين نختلف حول هذه الأسئلة، بل حين نعجز عن إدارتها بعقلٍ بارد، فنستبدل النقاش بالتخوين، والتنوّع بالتصنيف، والعيش المشترك بالخوف المتبادل.

لهذا، فإنّ ما يُثار حول الكريسماس كلّ عام لا يكشف شيئًا جديدًا عن العيد بقدر ما يكشف عنّا نحن: عن قلقنا من الاختلاف، وعن ارتباكنا بين الدينيّ والاجتماعيّ، وعن حاجتنا المستمرّة إلى إعادة تعريف العلاقة بين الإيمان والفضاء العام. وربّما يكون الدرس الأهمّ هنا أنّ الأعياد، مهما اختلفت مرجعيّاتها، لا تختبر عقائد الناس بقدر ما تختبر نضجهم الاجتماعيّ، وقدرتهم على أن يختلفوا دون أن يتحوّل الاختلاف إلى قطيعة.



#ازهر_عبدالله_طوالبه (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القرار الأميركي تجاه المنطقة: هندسة ما بعد الحرب وضبط حضور ا ...
- ممداني وترامب: من التراشُق إلى التفاهُم.
- قرار مجس الأمن (2803): تثبيت الواقِع وتغييب الدّولة الفلسطين ...
- كيف تنظر إسرائيل لزيارة محمد بن سلمان إلى البيت الأبيض
- قراءة قانونيّة لتقرير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان
- نيويورك تُغيّر وجهها: فوز ممداني وارتجاج مراكز النّفوذ الأمي ...
- الدفاع عن ممداني ليسَ دفاعاً عن شخصٍ بعينه
- خطاب ترامب في الكنيست: حين يتحوّل الألم الإنسانيّ إلى رصيدٍ ...
- قمةٌ سؤالها الأبرز: من صغر ومن كبر؟!
- جائزة نوبل والمعايير الغائبة.
- بعد خطة ترامب، إلى أين يُسيّر الشرق الأوسط.
- وساطَة أردوغان: عودةٌ محفوفة بالنّار.
- رد جماس: تحويل مُعادلة الضغط إلى فُرصة
- غزة من قضية محليّة إلى معركة عالمية.
- غياب تونس وإيران عن التّصويت: دلالات تتجاوز الصّمت
- حين يُصبح قتل المُفاوض هدفًا استراتيجيًّا اسرائيليًّا.
- حينما تتقدَّم إسبانيا ونتأخَّر نحنُ.
- الاستقالات الهولنديّة وصمت الحكومات العربيّة.
- إسرائيل الكُبرى: المشروع الأخطر على وجود دول الطوق.
- في مواجَهة الاحتلالِ الصهيونيّ: نحو مشروع تحرُّر جديد للمِنط ...


المزيد.....




- القضاء التونسي يرفض الإفراج عن الناشطة المناهضة للعنصرية سعد ...
- في سوريا الجديدة.. سجون الأسد تكتظ من جديد بمعتقلين وتعذيب و ...
- مئات المغاربة يتظاهرون رفضا للتطبيع مع إسرائيل وتضامنا مع فل ...
- فصائل فلسطينية تندد بقرار السلطة قطع رواتب عائلات الشهداء وا ...
- فصائل فلسطينية تدين قرار السلطة قطع رواتب الشهداء والأسرى
- حياة معلقة للاجئين أفغان على الحدود الإيرانية في انتظار العب ...
- الداخلية: اعتقال 4 مطلوبين دوليين وضبط 200 ألف حبة كبتاجون ب ...
- نطاق المجاعة ينحسر في غزة لكن شبح الجوع يهدد مستقبل القطاع
- ترامب يطارد المهاجرين بتمويل ضخم ومداهمات مثيرة للجدل
- 10 إصابات في الضفة والقدس.. والاحتلال يدشن -سياسة الإعدام ال ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ازهر عبدالله طوالبه - الكريسماس: الصراع الموسميّ