أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ناضل حسنين - السامية: من الفضاء اللغوي إلى التوظيف السياسي














المزيد.....

السامية: من الفضاء اللغوي إلى التوظيف السياسي


ناضل حسنين
الكاتب الصحفي

(Nadel Hasanain)


الحوار المتمدن-العدد: 8569 - 2025 / 12 / 27 - 12:18
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


يعد مصطلح "السامية" أحد أكثر المفاهيم إثارة للجدل في السجالات الفكرية والسياسية المعاصرة، ليس لتعقيده البنيوي، بل بسبب الانزياح الدلالي الذي طرأ عليه عبر القرون. فبينما نشأ المصطلح في أروقة البحث اللغوي الأكاديمي، انتهى به المطاف كأداة سياسية مشحونة، تُستخدم غالباً في سياقات تفتقر إلى الدقة العلمية والمنطق التاريخي.
في جوهره، لا يشير مصطلح "السامية" إلى عرق نقي أو دين محدد، بل هو تصنيف لغوي خالص. يعود الفضل في صياغة هذا المفهوم إلى المستشرق الألماني أغسطس لودفيج فون شلوتسر في عام 1781. استند شلوتسر في تسميته إلى "جدول الأمم" الوارد في سفر التكوين بالتوراة، حيث نُسبت شعوب المنطقة إلى سام بن نوح.
من الناحية العلمية، تندرج اللغات السامية ضمن عائلة أكبر تعرف بـ "اللغات الأفرو-آسيوية". وتتميز هذه العائلة بخصائص بنيوية فريدة، لعل أبرزها:
أولا: نظام الجذور الثلاثية: حيث تشتق معظم الكلمات من جذر مكون من ثلاثة أحرف صامتة.
ثانيا: الأصوات الحلقية: وجود مخارج حروف تميز هذه المجموعة عن غيرها من العائلات اللغوية كالهندو-أوروبية.
ثالثا: التشابه النحوي- تقارب كبير في قواعد الصرف وبناء الجملة بين العربية، العبرية القديمة، الآرامية، الأكادية، والكنعانية.
الإشكال الجوهري يبدأ عند الخلط بين "اليهودية" كعقيدة دينية و"السامية" كإطار لغوي. فاليهودية، شأنها شأن الإسلام والمسيحية، ديانة عالمية عابرة للأعراق واللغات. يمكن للإنسان أن يكون يهودياً وهو من أصول أوروبية (أشكناز)، أو إفريقية (فلاشا)، أو آسيوية، دون أن تربطه صلة نسب بالقبائل السامية القديمة أو أن يتحدث لغة سامية كأُم.
إن اختزال "السامية" في الجماعة اليهودية وحدها هو خطأ علمي فادح؛ فالعبرية ليست سوى فرع واحد من شجرة لغوية، تمثل العربية اليوم أضخم أغصانها وأكثرها حيوية.
لم يكتسب المصطلح صبغته السياسية الحادة إلا في القرن التاسع عشر، وتحديداً على يد الصحفي الألماني فيلهلم مار. في عام 1879، سعى "مار" إلى إيجاد مصطلح يبدو "علمياً" ليحل محل التعبير التقليدي "كراهية اليهود" (Judenhass). كان الهدف هو نقل الصراع من مربع الاختلاف الديني إلى مربع "الصراع العرقي" المتأثر بنظريات الدارونية الاجتماعية التي كانت سائدة آنذاك.
من هنا، جاء مصطلح "معاداة السامية" (Antisemitismus) كلفظ أريد به حصراً استهداف اليهود، لكنه استعار رداءً لغوياً واسعاً لا ينطبق على المقاس السياسي المطلوب. هذا التوظيف أدى إلى مفارقة منطقية كبرى: كيف يمكن اتهام شعوب تتحدث لغات سامية، كالعرب والفلسطينيين، بأنهم "معادون للسامية"؟
تتجلى ذروة التناقض عندما يستخدم هذا المصطلح ضد الفلسطينيين، الذين يعتبرون تاريخياً ولغوياً من أصلب الشعوب السامية بقاءً واتصالاً بأرضهم ولغتهم. إن اتهام العربي بمعاداة السامية يشبه اتهام الشخص بمعاداة نفسه، وهو تهافت منطقي يكشف أن المصطلح قد غادر تماماً مربعه العلمي ليصبح "وصمة سياسية" يتم التلويح بها في وجه الخصوم.
إن استعادة الدقة العلمية لمفهوم "السامية" ليست مجرد ترف فكري، بل هي ضرورة لتفكيك الاشتباك بين الحقائق اللغوية والمصالح السياسية. السامية هي إرث لغوي مشترك، والعبرية لغة سامية، واليهودية دين، أما "معاداة السامية" بصيغتها الحالية فهي نتاج أوروبي حديث تم تصميمه لسياق تاريخي معين، ولا يمكن تعميمه كمعيار للحكم على الشعوب السامية نفسها. إن احترام الحقائق التاريخية يتطلب منا التمييز بين نقد السياسات، واعتناق الأديان، والانتماء إلى العائلات اللغوية.



#ناضل_حسنين (هاشتاغ)       Nadel_Hasanain#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غاز السياسة: صفقة الغاز الإسرائيلي مع مصر
- لماذا لا يحترمون آلامنا..!
- يوروفيجن وإسرائيل: صوت الميكروفون وصمت الضمير
- القائمة المشتركة في الكنيست: حلم الوحدة العربية بين المد وال ...
- مقتل ياسر أبو شباب وبقاء الظاهرة
- فاشية التلال..!
- صوت ممداني يطرق جدران الدولة العميقة
- الحكومة الإسرائيلية على حافة السقوط
- هكذا يتبخر التضامن العالمي مع غزة
- نتيجة الحرب تقاس بحجم الخسارة
- حين تتحول جائزة نوبل إلى تهمة
- حتى التنهيدة باتت جريمة أمنية
- قراءة بعيون فلسطينية لخطة ترامب لوقف الحرب
- كولومبيا تصرخ... والعرب يبتلعون ألسنتهم
- عقوبات المستوطنين: تبرئة الدولة وتجاهل جوهر المشكلة
- مثقفون بسقف واطئ
- أهو دعاء أم عتاب لطيف؟
- العالم العربي: طفل تصفعه اسرائيل متى غضبت
- الحضارة بين الإنتاج والحضانة
- أمة بلا سؤال.. أمة بلا مستقبل


المزيد.....




- ساهم بالعديد من الاكتشافات.. عالم الآثار الجنائية هذا في مهم ...
- فيديو متداول لـ-تحطيم عناصر الأمن السوري شجرة عيد الميلاد-.. ...
- اليمن.. العليمي يعلق على استجابة السعودية لحماية المدنيين من ...
- -2025 عامٌ مات فيه الغرب، والمقبل قد يكون أسوأ- - مقال في ال ...
- غزة: غاراتٌ وقصفٌ مدفعي وأزمة وقود بالمستشفيات.. وترامب يحضر ...
- -هل يعرف أحد ما هي؟-.. ترامب يرفض اتباع خطى إسرائيل في الاعت ...
- زيلينسكي: الهجمات الروسية الأخيرة تؤكد رفض موسكو إنهاء الحرب ...
- كأس أفريقيا تنعش أسواق الرباط وتحوّلها إلى فضاءات نابضة بالح ...
- الملك تشارلز يثمن وحدة التنوع المجتمعي ببريطانيا
- بالاو توافق على استقبال مهاجرين مرحلين من الولايات المتحدة


المزيد.....

- معجم الأحاديث والآثار في الكتب والنقدية – ثلاثة أجزاء - .( د ... / صباح علي السليمان
- ترجمة كتاب Interpretation and social criticism/ Michael W ... / صباح علي السليمان
- السياق الافرادي في القران الكريم ( دار نور للنشر 2020) / صباح علي السليمان
- أريج القداح من أدب أبي وضاح ،تقديم وتنقيح ديوان أبي وضاح / ... / صباح علي السليمان
- الادباء واللغويون النقاد ( مطبوع في دار النور للنشر 2017) / صباح علي السليمان
- الإعراب التفصيلي في سورتي الإسراء والكهف (مطبوع في دار الغ ... / صباح علي السليمان
- جهود الامام ابن رجب الحنبلي اللغوية في شرح صحيح البخاري ( مط ... / صباح علي السليمان
- اللهجات العربية في كتب غريب الحديث حتى نهاية القرن الرابع ال ... / صباح علي السليمان
- محاضرات في علم الصرف ( كتاب مخطوط ) . رقم التصنيف 485/252 ف ... / صباح علي السليمان
- محاضرات في منهجية البحث والمكتبة وتحقيق المخطوطات ( كتاب مخط ... / صباح علي السليمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ناضل حسنين - السامية: من الفضاء اللغوي إلى التوظيف السياسي