أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - ناضل حسنين - غاز السياسة: صفقة الغاز الإسرائيلي مع مصر














المزيد.....

غاز السياسة: صفقة الغاز الإسرائيلي مع مصر


ناضل حسنين
الكاتب الصحفي

(Nadel Hasanain)


الحوار المتمدن-العدد: 8560 - 2025 / 12 / 18 - 10:48
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


ما إن أعلنت إسرائيل أمس عن موافقتها على إبرام صفقة غاز مع مصر، حتى انفجرت الأسئلة قبل الأرقام، والشكوك قبل التفاصيل. في منطقتنا، لا ينظر إلى الغاز بوصفه مادة طاقة فحسب، بل باعتباره أداة نفوذ، ومفتاح قرار، وأحيانًا وسيلة ضغط مغلفة بعقود طويلة الأمد.
وحين يكون الطرف الإسرائيلي حاضرًا، تتضاعف الريبة تلقائيًا، ويقرأ أي اتفاق معه بعين الشك، لا سيما في ظل حرب غزة وما خلفته من غضب شعبي عربي عارم، واتهامات لمصر بالتخاذل أو التهاون.
لكن هل صفقة الغاز هذه انتصار إسرائيلي خالص؟ أم مقامرة مصرية محسوبة؟ أم أن الأمر أعقد من ثنائية "مستفيد وخاسر"؟
تاريخيًا، لم تكن مصر دولة فقيرة بالغاز. في عهد مبارك، ثم خلال فترة محمد مرسي، كانت القاهرة تصدر الغاز إلى إسرائيل، وسط غضب شعبي واسع، بلغ حد تفجير خط العريش–عسقلان مرارًا بعد عام 2011. التحول من دولة مصدرة إلى دولة مستوردة لم يكن نتاج نفاد المورد، بل نتيجة سوء إدارته، ارتفاع استهلاك محلي مدعوم، وتراجع استثمارات الطاقة في سنوات الاضطراب السياسي. وحين تم اكتشاف حقل "ظهر" العملاق، احتاج الأمر سنوات لسد الفجوة، فكان الاستيراد حلًا مؤقتًا تحول لاحقًا إلى استراتيجية أوسع.
من هنا، لا تنظر مصر إلى الغاز الإسرائيلي على أنه بديل اضطراري للاستهلاك المحلي فقط، بل كمادة خام توظّفها ضمن طموح أكبر: التحول إلى مركز إقليمي لتسييل وتصدير الغاز. تمتلك مصر ما لا تملكه إسرائيل ولا قبرص: محطتي إسالة عاملتين في إدكو ودمياط، بنيتا منذ سنوات وبقيتا تعملان دون طاقتهما القصوى. الغاز الإسرائيلي، المنقول بأنابيب أقل كلفة من الغاز المسال، يملأ هذه المحطات، ليُعاد تصديره إلى أوروبا بأسعار أعلى، خاصة في ظل بحث القارة العجوز عن بدائل للغاز الروسي.
من هذا المنظور، لا تبدو مصر زبونًا تابعًا بقدر ما تبدو وسيطًا لا غنى عنه. إسرائيل تملك الغاز، لكنها لا تملك طريقًا سريعًا ومجديًا إلى أوروبا من دون البنية التحتية المصرية. وأوروبا تريد الغاز، لكنها لا تملك ترف انتظار مشاريع أنابيب جديدة قد تستغرق عقدًا من الزمن. هكذا تتحول مصر إلى عقدة عبور، وتتحول الأنابيب إلى شبكة مصالح متبادلة.
ومع ذلك، يبقى السؤال السيادي حاضرًا بإلحاح: هل يضع هذا الاعتماد مصر في موقع ضعف؟ نظريًا، نعم. أي اعتماد على مصدر خارجي لمادة استراتيجية يحمل في طياته عنصر ضغط محتمل. إسرائيل، تقنيًا، قادرة على تقليص الإمدادات أو وقفها. لكن السياسة لا تدار بالنظريات وحدها. استخدام الغاز كسلاح ضغط سيكون مكلفًا لإسرائيل بقدر ما هو مكلف لمصر: ضربة لمصداقية إسرائيل كمورد، توتر مع أوروبا والولايات المتحدة، وتسريع مصري قسري للبحث عن بدائل.
الأكثر دلالة هو أن إسرائيل نفسها لم تهرول نحو الصفقة بحماسة مطلقة. ترددها، ثم موافقتها تحت ضغط أمريكي في عهد ترامب، يكشف أن الاتفاق ليس ثمرة تفوق إسرائيلي مطلق، بل جزء من هندسة إقليمية أوسع، تسعى فيها واشنطن إلى إعادة رسم خريطة الطاقة وتقليص نفوذ منافسين آخرين.
يبقى البعد السياسي الأكثر حساسية: توقيت الصفقة في ظل حرب غزة. هنا تتقاطع الطاقة بالأخلاق، والاقتصاد بالوجدان الشعبي. كثيرون يرون في أي تعاون مع إسرائيل، مهما كان تقنيًا، تبييضًا لسلوكها العسكري، أو مكافأة مجانية لها. هذا الشعور مفهوم، لكنه لا يغير حقيقة أن الدول، حتى في أكثر اللحظات توترًا، تدير مصالحها بعقل بارد، لا بشعارات ساخنة.
الخطر الحقيقي لا يكمن في الصفقة نفسها، بل في أن تتحول من أداة مرحلية إلى اعتماد طويل الأمد، دون تنويع حقيقي للمصادر ودون سقف زمني واضح. عندها فقط، يمكن للغاز أن يتحول من فرصة اقتصادية إلى قيد سياسي.
في النهاية، ليست صفقة الغاز قصة أبيض وأسود. هي مساحة رمادية واسعة، تتداخل فيها البراغماتية المصرية مع الطموح الإسرائيلي، والضغط الأمريكي مع الحاجة الأوروبية، وغضب الشارع مع حسابات الدولة. والسؤال الذي يجب أن يطرح ليس: من انتصر اليوم؟ بل: من سيحسن إدارة الكلفة غدًا؟



#ناضل_حسنين (هاشتاغ)       Nadel_Hasanain#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا لا يحترمون آلامنا..!
- يوروفيجن وإسرائيل: صوت الميكروفون وصمت الضمير
- القائمة المشتركة في الكنيست: حلم الوحدة العربية بين المد وال ...
- مقتل ياسر أبو شباب وبقاء الظاهرة
- فاشية التلال..!
- صوت ممداني يطرق جدران الدولة العميقة
- الحكومة الإسرائيلية على حافة السقوط
- هكذا يتبخر التضامن العالمي مع غزة
- نتيجة الحرب تقاس بحجم الخسارة
- حين تتحول جائزة نوبل إلى تهمة
- حتى التنهيدة باتت جريمة أمنية
- قراءة بعيون فلسطينية لخطة ترامب لوقف الحرب
- كولومبيا تصرخ... والعرب يبتلعون ألسنتهم
- عقوبات المستوطنين: تبرئة الدولة وتجاهل جوهر المشكلة
- مثقفون بسقف واطئ
- أهو دعاء أم عتاب لطيف؟
- العالم العربي: طفل تصفعه اسرائيل متى غضبت
- الحضارة بين الإنتاج والحضانة
- أمة بلا سؤال.. أمة بلا مستقبل
- كيف يصوت الناخب العربي في إسرائيل ولماذا؟


المزيد.....




- أول تعليق من داعش على هجوم سيدني: -مصدر فخر-
- قيود بلاستيكية على يد دمية -الطفل يسوع- في مشهد الميلاد تثير ...
- انفعال مسن مصري على سيدة في مترو القاهرة بسبب طريقة جلوسها ي ...
- الثلوج تغطي مرتفعات تبوك وحائل في السعودية
- كيف حوّل مراهق أمريكي تصميم حامل عبوات إلى ربح بـ300 ألف دول ...
- نتنياهو يصدق على أكبر اتفاق تجاري بين مصر وإسرائيل، ما القصة ...
- تجدد أزمة تجنيد الحريديم: صدامات في القدس وإصابات في صفوف ال ...
- فيديو - رغم وقف إطلاق النار.. تزايد حالات تشوه الأجنة والموا ...
- نشر صواريخ -أوريشنيك- الفرط صوتية في بيلاروس.. ماذا نعرف عن ...
- أكثر من 420 مليون يتكلمون العربية… لكن هل يستطيعون قول كل شي ...


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - ناضل حسنين - غاز السياسة: صفقة الغاز الإسرائيلي مع مصر