ناضل حسنين
الكاتب الصحفي
(Nadel Hasanain)
الحوار المتمدن-العدد: 8524 - 2025 / 11 / 12 - 14:14
المحور:
القضية الفلسطينية
ما أشبه اليوم بالأمس، كأن الأرض تدور لتسقط في الحفرة ذاتها كل مرة. هناك أناس يظنون أن التاريخ مجرد جدار مائل يمكن الاتكاء عليه إلى الأبد. يمدون خيامهم على تراب الآخرين، يزرعون الأسلاك، ويقولون: هذه أرضنا منذ بدء الخليقة. ومن لم تعجبه القسمة، فليخرج من النص، من الخريطة، من الحياة كلها.
هؤلاء ليسوا كل المستوطنين، بل تلك الفئة التي ابتلعت مرآتها، فلم تعد ترى سوى ظلها. يتصرفون كما لو أن الفاشية لم تُدفن مع رمادها في أوروبا، بل هاجرت جنوبًا بثوب ديني. الفكرة واحدة: الأرض لنا، والآخر مأزق يجب تخطيه. قبل حرق البيوت، يحرقون فكرة أن لصاحبها وجهاً وبستاناً وأطفالاً ينتظرونه على العشاء.
كل عقيدة شمولية تبدأ بالكلمة. بالكلمة يختصرون الإنسان إلى "مخرب"، والأرض إلى "وعد"، والقرية إلى "مشكلة أمنية". كل وحشية تحتاج إلى قاموسها الخاص. وعندما تتعفن اللغة، يصبح الحريق مجرد خبر عابر في شريطٍ إخباري.
ما يجري اليوم ليس صراعاً بين خصمين، بل مشروع استبدال طويل النفس: شجرة مكان شجرة، بيت مكان بيت، رواية مكان رواية. المستوطنة تبدأ كوخاً من الصفيح وتنتهي بخريطة جديدة. ثم تدعي الدولة إنها لم تراها، أو إنها رأتها من زاوية قانونية. في النهاية، الكل ينام مطمئن الضمير، حتى الضمير نفسه.
لقد تحولت الفكرة من إيمان إلى سيف، ومن وعدٍ إلى جدار. المستوطن صار دولة، والجندي صار حاجباً عند باب العقيدة. القانون هناك لا يزن الناس، بل يزن نياتهم. كلما ازداد الإيمان قسوة، تقلص الإنسان أكثر، حتى يتلاشى اسمه في التقارير.
أيها التاريخ، كم مرة ستعيد عرض المشهد القديم؟ الفاشية لا تموت، إنها فقط تغيّر لهجتها. الأمس كان شعاراً قومياً، واليوم صار صلاة. وبين الصرخة والتسبيحة، يضيع الإنسان، لا لأنه ضعيف، بل لأن الجميع مشغول بتفسير معنى "الحق الإلهي" على مقاس البندقية.
ما أشبه اليوم بالأمس… فقط القتلى يتبدلون، أما اللغة فهي نفس اللغة القديمة، تلمّع القتل وتغلفه بالنية الطاهرة. والتاريخ، كما يبدو، لا يعيد نفسه إلا حين يفقد الناس ذاكرتهم، وحين يتعب العدل من الانتظار.
#ناضل_حسنين (هاشتاغ)
Nadel_Hasanain#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟