أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناضل حسنين - يوروفيجن وإسرائيل: صوت الميكروفون وصمت الضمير














المزيد.....

يوروفيجن وإسرائيل: صوت الميكروفون وصمت الضمير


ناضل حسنين
الكاتب الصحفي

(Nadel Hasanain)


الحوار المتمدن-العدد: 8555 - 2025 / 12 / 13 - 12:28
المحور: الادب والفن
    


منذ سنوات، تحولت مسابقة الأغاني الأوروبية "يوروفيجن" من مهرجان موسيقي إلى ملعبٍ سياسي تلمع فيه الدول صورتها كما تلمع المطربات أحمر شفاههن قبل البث المباشر. لا أحد هناك يغني… الجميع يطبقون بياناً سياسياً على إيقاع الكتروني مشرق.
في كل عام تخرج إسرائيل إلى المسرح بوجهٍ مفعم بالثقة، ترتدي الابتسامة نفسها التي ترتديها أمام كاميرات مجلس حقوق الإنسان، وتغني للعالم أن "كل شيء بخير"، بينما الدخان لم يزل يتصاعد من غزة، والبيوت ترن أجراسها تحت الركام.
ينتصر الصوت الإسرائيلي مرة تلو أخرى، ويحصد المراتب العليا كأن أوروبا فقدت ذاكرتها الجماعية. لا أحد يسأل: أين هم نجوم الغناء الإسرائيليون عالمياً؟ لا أحد يرى أن هذا النجاح الموسمي لا يثمر نجماً واحداً في فضاء البوب والعالم. المسابقة ترفع إسرائيل وتترك فنانها يسقط في النسيان. فالمغني يؤدي مهمة سياسية لا أغنية. إنه ممثل البعثة الثقافية لحكومةٍ تؤمن أن الميكروفون مثل المندوب الدبلوماسي، وكل درجة تصويتٍ بمنزلة اعترافٍ دولي جديد.
لكن أوروبا هذه المرة لم تصفق طويلاً. فمع الحرب على غزة انفجر الصمت، وخرج الفنانون من مقاعد التحكيم ليرفعوا الجوائز كما تُرفع الأعلام البيضاء. الفائز السويسري نيمو ميتلر أعاد جائزته وقال: "القيم لم تعد تغني هنا". والآيرلندي تشارلي ماكغيتيغان، صاحب الأغنية التي حملت جائزة 1994، قال إنه سيعيد جائزته هو أيضاً. تخيل أن تتحول الجائزة، التي كانت رمزاً للانتصار، إلى دليل إدانة أخلاقية! لم يكن الاحتجاج غنائياً بل وجودياً؛ كأن الفن نفسه ضاق ذرعاً بهذا الاستعمال السياسي المبتذل.
ثم بدأت الانسحابات تتوالى مثل نغمات حزينة: إسبانيا، هولندا، أيرلندا، سلوفينيا... بل حتى دول الشمال الباردة احمرت وجوهها قليلاً من الخجل. آيسلندا وبلجيكا والسويد وفنلندا قالت إنها "تراجع الموقف". مراجعة الموقف! يا لها من جملة أوروبية تختلف فيها النتيجة حسب الطقس لا الضمير. المسابقة التي كانت تقام تحت شعار "الوحدة في التنوع"، تحولت إلى "الانقسام في الحيرة"، والجمهور يتساءل: هل ما نسمعه أغنية أم بيان سياسي بصوت جميل؟
لكن الغناء ظل مستمراً، والاتحاد الأوروبي للبث وجد العلاج المناسب: لا مواجهة، بل تعديل تقني. قلصوا عدد الأصوات، وأعادوا لجان التحكيم، وحرموا الحملات الدعائية الحكومية. لم يدركوا أن المسألة ليست في نظام التصويت، بل في قلب المسابقة نفسها. فحين تكون المشاركة الإسرائيلية هي الجرح، لا ينفع تغيير الضمادة.
وراء الكواليس، هناك أحاديث عن ضغوط دبلوماسية وابتسامات هاتفية بين تل ابيب وبعض عواصم أوروبا. الصحافة تكتب والاتحاد يصمت، وكأن الصمت الأوروبي هو اللغة الرسمية للمهرجان. الجميع يعرف، ولا أحد يريد أن يفسد "الاحتفال". فالموسيقى، في مفهومهم، ليست لغة الروح... بل لغة العلاقات العامة.
أما "اللغز" الإسرائيلي في الفوز المتكرر، فليست له معجزة فنية ولا موسيقية. السر في التنظيم والدعاية: جيوش إلكترونية، حملات تصويت، جاليات تتحول إلى كتائب ضغط عبر الإنترنت. تصويتٌ عالمي جديد يتيح لـ"بقية دول العالم" المشاركة في الاختيار، لكن من قال إن العالم يعرف ماذا يسمع؟ هكذا يتحول التصويت إلى فعل تعاطف، لا إلى تقدير فني. يفوز الموقف، وتُهزم الموسيقى.
ورغم ذلك، لا يخرج من كل هذا الضجيج نجم إسرائيلي واحد معروف عالمياً. لأن مسابقة "يوروفيجن" لا تنجب فنانين، بل تنجب "لحظات" إعلامية. المسابقة تكافئ الأغنية الخفيفة السريعة الزوال، مثل إعلان تجاري ناجح ثم منسي. فبعد الفوز، يطوى المغني كما تطوى اللافتة، ويعاد تخزينها بانتظار العام القادم. الدعم كله وطني ومؤقت، لأن الهدف ليس في النغمة بل في الصورة: أن تظهر إسرائيل على الشاشة الأوروبية وكأنها جزء طبيعي من العائلة البيضاء المتمدنة. الفوز هنا ليس انتصار أغنية، بل انتصار هوية مصطنعة.
وفي النهاية تبقى الأغاني مثل فقاعات الصابون: تلمع في الضوء قليلاً قبل أن تتلاشى. لا أحد يتذكرها بعد أسبوع، ولا أحد يرددها. أما السؤال الذي يبقى معلقاً في الهواء، بين المسرح والمعركة، فهو: هل يوروفيجن مسابقة غناء؟ أم مؤتمر صحفي للهوية السياسية، يعزف موسيقى الخلفية بينما ترسم خريطة العالم من جديد؟



#ناضل_حسنين (هاشتاغ)       Nadel_Hasanain#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القائمة المشتركة في الكنيست: حلم الوحدة العربية بين المد وال ...
- مقتل ياسر أبو شباب وبقاء الظاهرة
- فاشية التلال..!
- صوت ممداني يطرق جدران الدولة العميقة
- الحكومة الإسرائيلية على حافة السقوط
- هكذا يتبخر التضامن العالمي مع غزة
- نتيجة الحرب تقاس بحجم الخسارة
- حين تتحول جائزة نوبل إلى تهمة
- حتى التنهيدة باتت جريمة أمنية
- قراءة بعيون فلسطينية لخطة ترامب لوقف الحرب
- كولومبيا تصرخ... والعرب يبتلعون ألسنتهم
- عقوبات المستوطنين: تبرئة الدولة وتجاهل جوهر المشكلة
- مثقفون بسقف واطئ
- أهو دعاء أم عتاب لطيف؟
- العالم العربي: طفل تصفعه اسرائيل متى غضبت
- الحضارة بين الإنتاج والحضانة
- أمة بلا سؤال.. أمة بلا مستقبل
- كيف يصوت الناخب العربي في إسرائيل ولماذا؟
- راحة الإعتراف أمام الغرباء..
- نسير إلى الأمام وعيوننا نحو الخلف


المزيد.....




- -إحدى أعظم ألغاز الأدب-.. دراسة تستكشف سر وفاة جين أوستن عام ...
- مدير الإدارة الفنية لمجلس وزراء الإعلام العرب: ضرورة الحفاظ ...
- متحف -غريفان- بباريس.. 250 تمثالا شمعيا لإضاءة صفحات التاريخ ...
- الممثل الأمريكي ديك فان دايك يكمل عامه الـ100 ويأمل في حياة ...
- 2025 بين الخوف والإثارة.. أبرز أفلام الرعب لهذا العام
- -سيتضح كل شيء في الوقت المناسب-.. هل تيموثي شالاميه هو مغني ...
- أهلًا بكم في المسرحية الإعلامية الكبرى
- الأفلام الفائزة بجوائز الدورة الـ5 من مهرجان -البحر الأحمر ا ...
- مهرجان -البحر الأحمر السينمائي- يكرم أنتوني هوبكنز وإدريس إل ...
- الفيلم الكوري -مجنونة جدا-.. لعنة منتصف الليل تكشف الحقائق ا ...


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناضل حسنين - يوروفيجن وإسرائيل: صوت الميكروفون وصمت الضمير