أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعد كموني - معنى الصلاة في قوله تعالى ( ما سلككم في سقَر)















المزيد.....

معنى الصلاة في قوله تعالى ( ما سلككم في سقَر)


سعد كموني
كاتب وباحث

(Saad Kammouni)


الحوار المتمدن-العدد: 8568 - 2025 / 12 / 26 - 04:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


معنى الصلاة في قوله تعالى: ﴿ما سلككم في سقر﴾
قراءة أسلوبية–دلالية في بنية السؤال والمصير
أ.د.سعد كموني

تُستدعى آية ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ۝ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾ غالبًا بوصفها نصًا قاطعًا في تقرير مصير تارك الصلاة، ويُحمَّل هذا القول حمولة فقهية عقابية لم يُنشئها السياق القرآني نفسه. غير أن هذا الاستدعاء يُغفل الطبيعة الأسلوبية للنص، ويتجاوز منطق الخطاب الذي صيغت فيه الآية، ويحوّلها من مشهد تفسيري للمصير إلى قاعدة جزائية جاهزة. والحال أن القراءة الأسلوبية–الدلالية المتماسكة للنص تكشف أن الآية لا تتحدث عن ترك شعيرة بعينها، بل عن انهيار نمط وجودي كامل، كانت الصلاة عنوانه الأول.
يبدأ النص القرآني بسؤال: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ﴾، وهو سؤال لا يُبنى على منطق المحاكمة القضائية، بل على منطق الكشف والتفسير. الفعل "سلك" في﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ﴾ لا يدل على فعل لحظي أو معزول، بل يشير إلى مسار مستمر يمتد من الانخراط الأخلاقي إلى النتيجة الوجودية النهائية. فهو يجمع بين الاختيار والاستمرار والنتيجة، ويحوّل السؤال القرآني من مجرد استفسار عن فعل معين إلى تشخيص لمسار كامل من الانحراف الأخلاقي والوجودي. ومن هذا المنظور، يظهر أن غياب الصلاة في هذا السياق ليس مجرد ترك شعيرة، بل العلامة الأولى لانقطاع الإنسان عن المسار القيمي الذي يحميه من الانحدار. السؤال، من حيث بنيته الأسلوبية، لا يسأل عن ذنب محدّد، بل عن كيفية الوصول. وهذا الاختيار الدلالي يضع المتلقي منذ البداية أمام تصور حركي للمصير: سقر ليست نتيجة فعل واحد، بل نهاية طريق.
ويأتي الجواب: ﴿قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾، بصيغة لا تقل دقة عن صيغة السؤال. فالنص لا يقول: "لم نصلِّ"، وهي صيغة تنفي فعلًا، بل يقول: "لم نكن من المصلّين"، وهي صيغة تنفي انتماءً وهوية. من الناحية الأسلوبية، يشتغل التركيب على مستويين متداخلين: استعمال "كان" بما يفيده من الثبوت والاستمرار، ثم نفيه، واستعمال "من" الدالة على الاندراج في جماعة أو نمط. وبهذا لا يكون الاعتراف إقرارًا بترك ممارسة، بل إقرارٌ بالغياب عن فئة وجودية اسمها "المصلّون".
ولا يتحدد هذا المعنى إلا بردّ الخطاب إلى طبيعته الأسلوبية ووظيفته التداولية داخل السياق الأخروي، ينبغي التنبيه، منذ البداية، إلى أن الآية لا تصدر حكمًا تشريعيًا مستقلًا، بل تنقل اعترافًا صادرًا عن أهل سقر وهم يفسّرون بأنفسهم المسار الذي انتهى بهم إلى هذا المصير. فالخطاب هنا ليس خطاب تكليف أو تقعيد فقهي، وإنما خطاب تفسيري يقوم على منطق الاعتراف بعد فوات الإمكان. وهذا الاعتراف لا يُقدَّم بوصفه سببًا وحيدًا، بل يندرج ضمن سلسلة مترابطة من العوامل التي شكّلت بنية الانهيار الأخلاقي والوجودي. ويتضح ذلك مباشرة من السياق اللاحق، حيث يُستكمل الاعتراف بقولهم: ﴿وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ۝ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ۝ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾، في نسق دلالي واحد لا يقبل التفكيك. فالآيات ترسم تدرجًا متماسكًا في الانفصال: قطيعة أولى مع الله تتجلى في الخروج من أفق الصلاة، تعقبها قطيعة مع الإنسان عبر غياب الرحمة والمسؤولية الاجتماعية، ثم قطيعة مع القيم من خلال الانغماس في الخوض العبثي، لتنتهي بقطيعة شاملة مع المعنى والمساءلة ممثلة في تكذيب يوم الدين. وبهذا، لا تكون الصلاة سبب الهلاك، بل عنوان أول لانهيار منظومة كاملة، يفسّر بعضُها بعضًا، ويكشف عن مسار وجودي لا عن زلّة شعائرية منفردة.
هنا يتحدد معنى الصلاة الذي يفرضه السياق نفسه. فالصلاة في هذا الموضع ليست شعيرة تُذكر إلى جانب إطعام المسكين والخوض والتكذيب، بل هي الشرط الذي إذا غاب، تفككت بقية الشروط. ولهذا جاءت أولًا، لا لأنها عبادة شكلية، بل لأنها تمثل موقع الإنسان من المرجعية والمعنى. الصلاة، بهذا المعنى، هي انخراط في جهة، واستقامة في أفق، وليست مجرد أداء حركي. وإذا غاب هذا الانخراط، أصبح الظلم ممكنًا، والعبث مألوفًا، وإنكار الحساب نتيجة طبيعية.
وتزداد هذه القراءة وضوحًا إذا لاحظنا أن النص لا يستعمل لغة التشريع ولا لغة الوعيد المباشر. فالآية لا تقول: «من لم يصلِّ فمصيره سقر»، بل تضع الكلام في فم أصحاب المصير أنفسهم، بوصفه تفسيرًا لاحقًا لما آلوا إليه. هذا التحويل الأسلوبي من خطاب إلهي مباشر إلى اعتراف أخروي يغيّر وظيفة الآية تغييرًا جذريًا: فهي لا تُنشئ حكمًا، بل تكشف منطق السقوط.
من هنا، يصبح الاستدلال بهذه الآية على تعذيب تارك الصلاة استدلالًا غير متماسك دلاليًا. ذلك أن النص لا يتحدث عن ترك الصلاة بوصفها شعيرة، ولا عن فرد بعينه، ولا عن حكم تعبدي، بل عن مسار شامل من الانسحاب من منظومة القيم. كما أن الصيغة المختارة («من المصلّين») تمنع ردّ المعنى إلى مجرد الأداء، وتربطه بالهوية والانتماء، لا بالحركة.
ويتعزز هذا الفهم حين نضع الآية ضمن الأفق القرآني العام في باب الحساب، حيث يُربط الجزاء بالنية، والمسار، والمآل، لا بالفعل المجتزأ. فالقرآن يصرّح بأن ما دون الشرك داخل في المشيئة، ويؤكد أن الله لا يظلم الناس شيئًا، ولا يحاسبهم بمعزل عن سياقاتهم ومساراتهم. ولو كانت الصلاة، بوصفها شعيرة، معيار الهلاك أو النجاة، لورد ذلك في نص تشريعي صريح، لا في مشهد تفسيري سردي.
إن الخطأ الشائع في قراءة هذه الآية هو الخلط بين النصوص التي تُنشئ التكليف، والنصوص التي تفسّر المصير. وآية المدثر تنتمي بوضوح إلى الصنف الثاني. إنها لا تعاقب، بل تشرح؛ لا تُدين فعلًا، بل تكشف طريقًا؛ ولا تختزل الإنسان في حركة، بل تحاكم موقعه من المعنى.
وعليه، فإن القيمة الحقيقية للآية لا تكمن في استخدامها لإخافة تارك الصلاة، بل في قدرتها على إعادة تعريف الصلاة نفسها. فالصلاة هنا ليست طقسًا معزولًا، بل قلب البنية القيمية التي تحفظ الإنسان من السقوط. وإذا غابت هذه الصلاة، لم يبق ما يمنع الانحدار، لا لأن الله يعاقب على ترك شعيرة، بل لأن الإنسان انسحب من أفق يحميه من التيه.
بهذا الفهم، تستعيد الآية عمقها القرآني، وتتحرر من القراءة الاختزالية، وتتحول من نص تخويفي إلى نص تشخيصي عميق، يسأل الإنسان لا: هل صلّيت؟ بل: في أي طريق كنت تسير؟



#سعد_كموني (هاشتاغ)       Saad_Kammouni#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة الوعي في زمن الهوية مقاربة تفكيكية
- امتحان الأخلاق بعد تحقق القوة
- صلاة الاستسقاء نقد الفكر التقليدي ومسؤولية العقل
- هل سبيل الله طريق نمشي إليه أم معنى نمشي به/ إطار مفاهيمي لل ...
- هل سبيل الله طريق نمشي إليه أم معنى نمشي به؟ من الطريق إلى ا ...
- البنية الدلالية للقدرة والابتلاء
- المنبر بين التلقين والتنوير
- النهضة الممكنة
- دينٌ بلا وصاية ، وعي بلا خوف
- أزمة الوعظ في المجتمعات العربية المعاصرة
- الرحمة مبدأ كوني شامل /قراءة أسلوبية دلالية ومقاصدية في الآي ...
- طمأنينة التفكيك الكاذبة
- الإهلاك الإلهي ناموس غير اعتباطي
- ذنوب الذين كفروا وإهلاكهم
- آللهُ يهلكنا!؟
- الأسلوب ما يجب أن يتغير راهناً
- لا شيء يستدعي الثقة
- نحن فاعل هلاكنا
- لن نستفيد من عزلتنا
- لن نأسف على شيء


المزيد.....




- إسرائيل تصف إدانة 14 دولة للاستيطان بأنها “خطأ أخلاقي” و”تمي ...
- مئات المستعمرين يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
- ترامب: نفذنا ضربات قوية ضد إرهابيي تنظيم الدولة الإسلامية في ...
- ترامب يعلن شن ضربات جوية -دامية- ضد تنظيم -الدولة الإسلامية- ...
- قصف روسي على أوكرانيا عشية عيد الميلاد.. وزيلينسكي: هذا ما ي ...
- شاهد.. البابا لاوُن يدعو للسلام في أول عيد ميلاد له كبابا في ...
- بابا الفاتيكان يوجّه انتقادًا غير مسبوق للإحتلال خلال قداس ا ...
- تركيا تعتقل 115 مشتبهاً بانتمائهم لتنظيم الدولة الإسلامية بت ...
- بابا الفاتيكان : قيام دولة فلسطينة هو الطريق الوحيد للسلام
- هل بدأ تنظيم الدولة الإسلامية بترتيب أوراقه مرة أخرى؟


المزيد.....

- رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي ... / سامي الذيب
- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعد كموني - معنى الصلاة في قوله تعالى ( ما سلككم في سقَر)