أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعد كموني - ذنوب الذين كفروا وإهلاكهم















المزيد.....



ذنوب الذين كفروا وإهلاكهم


سعد كموني
كاتب وباحث

(Saad Kammouni)


الحوار المتمدن-العدد: 6794 - 2021 / 1 / 21 - 04:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قراءة تأويلية في سورة الأنفال
سعد كمّوني
‏﴿وَلَوۡ تَرَىٰۤ إِذۡ یَتَوَفَّى ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ یَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَـٰرَهُمۡ وَذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلۡحَرِیقِ ۝٥٠ ذَ ⁠لِكَ ‏بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَیۡسَ بِظَلَّـٰمࣲ لِّلۡعَبِیدِ ۝٥١ كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَفَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِ ‏ٱللَّهِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِیࣱّ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ ۝٥٢ ذَ لِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ یَكُ مُغَیِّرࣰا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا ‏عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمࣱ ۝٥٣ كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ ‏كَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِمۡ فَأَهۡلَكۡنَـٰهُم بِذُنُوبِهِمۡ وَأَغۡرَقۡنَاۤ ءَالَ فِرۡعَوۡنَۚ وَكُلࣱّ كَانُوا۟ ظَـٰلِمِینَ ۝٥٤﴾ الأنفال ٥٠‏‏٥٤‏‎.‎
‏1.‏ تمهيد
طالما أن علاقتنا بالكون تحددها معرفتنا به كما يبدو لا كما هو، وبخاصة أنّه يبدو على ‏نحو ما تبَعاً لمصالحنا معه؛ فهل يمكننا أن نتجاوز الكونَ الذي كان يبدو؟ إلى كونٍ آخر مختلفِ ‏البُدوّ؟ والحال أنّ معرفتنا به كما هو، تُعدّل معرفتنا به كما يبدو؛ فنفهم علاقة الاسم بالمسمّى، ‏وعلاقةَ الكلمة بمدلولها اعتماداً على وعينا بأنّ التغيّر هو السمةُ الأبرز في مسار الموجود، ونفهم ‏أيضاً أن علاقتنا بالكون ينبغي أن تكون مرنة ومتحركة قابلة للتغيّر مع تغيّر معلوماتنا..... ‏وأعرف أن دون ذلك التعديل مصاعبَ شتّى، منها ما هو منهجيّ يتعلّقُ بآلية التفكير، ومنها ما ‏هو اجتماعيّ مردُّه إلى تماسك المجتمع حول بنيةٍ معرفيّة موروثة كما لو أنها مقدّسة، فتعيق ‏امتثالَ السلوك التفكيريّ بإزاء المتغيّرات المعرفيّة. وهذا بلا شك يجعل الكتابةَ في أيّ موضوع في ‏النصّ المقدّس مشروعاً نضالياً بعيد المدى.‏
أعتقد أن البشريّةَ تتقدّم في تحسين أدائها، و تنظيم حياتها ومواقفها المختلفة، تأسيساً على ‏هذا التجاوز؛ فالكون الذي يسكن اللغة هو كونٌ محايد في الأصل، غير أنّ اللغة بوصفها نتاجاً ‏إنسانياً تنطوي على رؤية الإنسان التي نسجتها مصالحُه مع الكون، تُمكّنُ من الفهم استناداً إلى ‏مكوِّناتها في سياقاتها الخاصة. وقد تتغيرُ مصالح الإنسان وتبقى الكلمات صرفياً على حالها، ‏ولكن أيجوز أن تبقى دلالاتها على حالها؟ ‏
وهنا تأتي عمليّة التجاوز بهدف إنشاء فهمٍ آخر أو فهومٍ أخرى، ثورةً حقيقيّةً تسهم في ‏إنجازها المعرفةُ المتجدّدة، التي ينبغي أن تؤثر في السلوك البشريّ لجهة تعديله بما يتناسب مع ‏مصالح الإنسان المستجدّة.‏
تقدّم الآيات القرآنيّةُ السابقة، رسالة إلى المتلقين لتغيير سلوكهم تأسيساً على المعرفةِ ‏الجديدة التي وصلتهم. ونعاين هذه الآيات الكريمات معاينةً خاصّة، تتوسّل التحليل اللغوي بهدف ‏الوقوف على مرجعيّة الإهلاك الإلهي بوصفه سنّةً ثابتة في علاقات الإنسان في وجوده ‏الاجتماعي والكونيّ.‏
‏2.‏ الذين كفروا في مشهد الذلّة
تطرح " لو" الشرطيّة مشروعَ حراك ذهنيّ بإزاء مشهدٍ غير مشهود، وكون فعلها "ترى"؛ ‏سيندفع المِخيالُ لإنجاز المشهدِ من العناصر المرئيّة التي يحيل عليها الفعل " ترى "، ويتمايزُ ‏المتخيِّلون فيما بينهم كل بحسب حاجته أو قدرته على التخيّل، فيختلف المشهد في الأذهان ‏باختلاف متلقّي الآية، فـ" لو ترى" توحي بأنك لن ترى، وهي هنا ليست لإظهار قصورك عن ‏الرؤية، بل لإظهار غرابة المشهد الذي يفوق إمكانات الرؤية المعهودة، فهي للتهويل والتعظيم، ‏ويقدّر النحويون والمفسرون جواباً يؤيّد ذلك، ولا يبدو فيه التمحّل لكونه لا يفارق أساليب القول ‏في لغة العرب : " لو ترى لرأيت عجباً"‏ ‏.‏
‏"الذين كفروا" غير الكافرين، هؤلاء فعلوا الكفر، أحدثوه، ومظهر فعل الكفر بوصفه حجاباً ‏مفتعلاً أحدثه مَن فعلَه بمواجهةِ عرْض معرفيّ، سيكون تصدياً عملياً لذلك العرض، قد يكون حرباً ‏على المعرفة، أو أذىً لعارضيها. ويتجلى ذلك بمحاولات حثيثةٍ من شأنها إعاقة عرضها أولاً، ‏ومقتضياتها تاليا.‏
وهؤلاء "الذين كفروا" إذْ تُعرضُ عليهم المعرفة، فذاك علامةٌ على أهليتهم لها، غير أنهم ‏كفروا؛ وهذا له أهميةٌ كبيرة في الدلالة على رتبتهم الاجتماعية، فهم في موقع اجتماعي يمكّنهم من ‏الرفض والقبول، ويكون لرفضهم وقبولهم أثر بالغٌ في المجتمع. وأنهم كفروا في الوقت الذي لا ‏يُتوقّعُ فيه هذا الفعل منهم؛ فذاك كافٍ لإرباك العرض المعرفي الجديد، وإذْ يتصدّون فسيكون ‏معهم رهطٌ من المناصرين التابعين الذين يرون فيهم المثل الأعلى، الأمر الذي من شأنه تحفيز ‏عارضي المعرفة الجديدة، لتعديل الأداء وحماية الذات في مواجهة ما يؤدّي إليه فعلُ الكفر.‏
‏"الذين كفروا" يقع عليهم الفعل "يتوفّى" المسند إلى "الملائكة"ــــــ هذا احتمال ــــــ؛ فالتوفّي ‏هنا إتمام العمر، وكما نعلم ليس الملائكة من ينهي العمرَ، بل ينهيه من بيده ملكوت كل شيء، ‏أمّا الملائكة فهم أدوات معنوية، بمثابة علامات مرسلةٍ كنايةً عن بلوغ العمر تمامَه. والمشهد ‏المكرور على مرّ الزمن، يشهدُ بأن كل بداية تفضي إلى نهاية على الأقلّ على نحوٍ ما. وعندما ‏يستوفي الكائن ذاك المدى الزمني تظهر علامات الاستيفاء، فتكون هذه العلامات رسائل بدنية أو ‏نفسية تدلّ على الحينونة التي لا مفرّ منها. ‏
وتقديمُ المفعول به على المسند إليه "الملائكة" يأتي توافقاً مع مدار الكلام ، فالذين كفروا ‏هم المعنيون في الخطاب، وليس الملائكة، فأسلوبُ التأثير بالشرط يتوخى أن ينصرفَ ذهنُ ‏المتلقي إذْ يُستدعى بـ" لو ترى"، نحوَ تخيُّلِ مشهد الذلِّ والهوان الذي يحيق بـ"الذين كفروا"، ما ‏اقتضى تقديمهم على الملائكة في حال يضربون وجوهَهم وأدبارَهم كنايةً عن المذلّة والمهانة التي ‏يلحقونها بهم، وليس المشهدُ حركيّاً، بل هو كنائيّ وقد اعتمدَ المذلّةَ والمهانةَ التي يعرفها المتلقّون، ‏فمشهدُ الوجيه مهاناً يفهمه المتلقي أكثر عندما تدفعه الكناية إلى معرفته من خلال معرفته دلالةَ ‏الضرب على الجسد.‏
ويعطف النصّ فعلاً آخر على الفعل "يضربون" المسند إلى الملائكة في حالهم بإزاء ‏‏"الذين كفروا"، ومن شأن هذا الفعل المعطوف أن يسهم في إكمال بناء المشهد المهين، ويقدَّر هذا ‏الفعل بـ "يقولون" ، فجمع "القول" إلى "الضرب" هو جمع الشعور بالخزي إلى الإحساس بالألم ما ‏يجعل مشهد الإهانة مكتملاً، فـ"الضرب" أذى جسديّ، يتحفّزُ المضروب من جرّائه للفرار أو الردّ، ‏أما "القول" فهو أذى نفسيّ يُقعدُه منقبضاً منطوياً على خزيه وذلِّه. وأنْ يكون مقول القول "ذوقوا ‏عذاب الحريق" فذاك ليكون الأمرُ"ذوقوا" إمعاناً بالهزيمة الداخليّة فيكون "الذين كفروا" هم فاعلو ‏الذوق الواقع على "عذاب الحريق" بما يكتنز من دلالة؛ إذْ يجعل العذاب مأكولاً أو مشروباً، ‏ويكون "الذين كفروا " ــــــ أيضاً ــــــ هم الذين يشعرون بأثر فعل التسخير"ذوقوا".‏
‏3.‏ العرب وعذاب الحريق
وأنّ التذوق في أصل اللغة يدل على تناول القليل القليل من الطعام أو الشراب لاختباره؛ ‏فذاك يعني أن ضرب الأبدان بما يحيل عليه من مهانة، ما هو إلا القليل القليل علامةً على ‏اختبار "عذاب الحريق"، والعرب تعرف تباريح العذاب من الحريق، و" كان عمرو بن هند يلقب ‏بالمحرّق، لانه حرق مئة من بنى تميم: تسعة وتسعون من بنى دارم، وواحد من البراجم. ومُحرّق ‏أيضا: لقب الحارث بن عمرو ملك الشام من آل جفنة، وإنما سمّي بذلك لانه أول من حرق ‏العرب في ديارهم، فهم يدعون آل محرّق. وأما قول أسود بن يعفر: ‏
ماذا أؤمل بعد آل محرّق ‏ تركوا منازلهم وبعد إياد ‏
فإنما عنى به امرأ القيس بن عمرو بن عدي اللخمى، لانه أيضا يدعى محرّقا"‏ ، كما أنهم ‏يعرفون ما حلّ بنصارى نجران من تحريق "سار إليهم ذو نواس بجنوده فجمعهم ثم دعاهم إلى ‏اليهودية وخيّرهم بينها وبين القتل، فاختاروا القتل، فخدّ لهم الأخدود، فحرق بالنار وقتل بالسيف ‏حتى قتل قريباً من عشرين ألفاً"‏ ، فعندما يخاطب النص "الذين كفروا" مبيّناً ما تفضي إليه ‏أعمالُهم، إنما هو بذلك يُنزل مصيرهم منزلةً يستطيعون معرفةَ فظاعتها من خلال معرفتهم العذاب ‏الذي يلاقيه المحرَّقون. ‏
‏ ‏
‏4.‏ ناموس الوجود والظلم
هذا الناموس الذي جعله الله للعلاقة بين الإنسان ووجوده، إن صدّقتَ أَمِنت في وجودك، ‏وإنْ كفرت به هلكت. فالنص لا يتوعد الذين كفروا، بل يبيّن المصير. فـ"الذين كفروا" لم يكفروا ‏عن جهالة، بل أبوا الالتزام بما عُرض عليهم من الناموس، وتجندوا لتعويق مساره، وتسخيف ‏دعاته، إذن؛ لم يكن الهلاك الذي يصيرون إليه إلا بما فعلوا.‏
‏﴿ذَ ⁠لِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَیۡسَ بِظَلَّـٰمࣲ لِّلۡعَبِیدِ﴾.‏
ذلك الضرب وذلك القول ليسا اعتباطيين فيكونَ ظلمٌ كبير؛ بل هما "بما قدّمت أيديكم"، ‏فالباء هنا للتعليل، ولكن السؤالَ الناشئ هنا :" ما الذي يمكن أن تقدّمه يد مَن كفر"؟ ‏
إذا فهمنا أن الكفر هو الستر الذي يخفي أو يغطي ، فإنّ الفعل كفرَ فيه من الدلالة ما ‏يزيد في ثقله النوعي، لكونه أداءً له فاعل، ما يجعل الستر سلوكاً مناقضاً، له انعكاساته المؤذية ‏في الحياة الخاصة والعامة. فالذي كفر، لم يقتصر كفره على السلوك اللفظيّ، بل يتعداه إلى ‏التصدّي الحركيّ.‏
إذن، ذلك بما قدّمت أيديكم، تعني أن هذا المآل كان مآلاً وفاق الناموس الذي ينظم ‏علاقة الإنسان بالإنسان فرداً أو جمعاً، وعلاقة الإنسان بالكون، فأي تجاهلٍ للناموس يأخذُ ‏بصاحبه في مهاوٍ سحيقة.‏
هل يمكننا أن نحسب ذلك ظلماً يلحق بـ"الذين كفروا"؟
أعتقد أنّ عدم إلحاق المهانة والعذاب بـ"الذين كفروا" هو الظلم الشديد، ذلك أنهم فعلوا ‏التعطيل لما ينبغي أن يكون عن علم ودراية؛ ما يوحي بأن المرء يمكن أن يعرف المهاوي المهلِكة ‏وما يؤدي إليها ـــــ سواء كان ذلك في المجتمع سلوكاً ذهنياً أو حركياً، أو مع الطبيعة ـــــ ولا يسلك ‏بمواجهة تلك المهاوي ما تملي عليه المعرفة التي بلغها، وإن كان لا يعرف؛ يصمُّ مسامعه، ‏ويدعو إلى عدم الامتثال للدعاة، تأسيساً على ظنّه الحسن بمكانته الرفيعة، ممعناً في التبخيس ‏والتسخيف والأذى؛ وبعد هذا لا يلقى ما يُذلّه ويهينه ويهوي به في عذاب الإبادة!! ذلك وَ "أَنَّ ٱللَّهَ ‏لَیۡسَ بِظَلَّـٰمࣲ لِّلۡعَبِیدِ". ‏
إذن، ما قدّمت أيديهم كان سبباً وجيها للهلاك بهذه الصورة المهينة، و"أَنَّ ٱللَّهَ لَیۡسَ بِظَلَّـٰمࣲ ‏لِّلۡعَبِیدِ" أيضاً هي حالٌ تؤكّد ضرورةَ ذلك المصير؛ فكونه ليس بظلّام تفيد أنّ ناموس الله لا يتغيّر ‏لفلانٍ أو فلان، فصيغةُ المبالغة "ظلّام" هنا تدفعنا إلى السؤال في علّةِ اعتمادها مع أن بدائلها ‏كثيرة، مثل "ظلوم" وهي قويّة الدلالة لكونها تكتسب قيمتها الملفوظية من كونها تدلّ على مادة ‏الظلم، ولكن النص لا يريدها، بل اعتمد صيغةَ "فعّال" لأنه يريد نفي الظلم عن الله بوصفه مهنةً ‏له، وما التأكيدُ بالباء إلا للتنصيص على النفي. وتوصيلُ أثر الصيغة إلى العبيد بواسطة اللام ‏‏"للعبيد" لتقوية العامل"ظلام"، ما يعني أن الله سبحانه ليست مهنته الظلم.‏
والذي اقتضى إيراد هذا النفي ، إنما هو ضرورةُ إزالة الوهمِ بأنّ تلك المشاهد الغريبةَ التي ‏كنّى بها عن الهلاك المهين للنخبة الاجتماعية والسياسيّة والثقافية، فيها شيءٌ من الظلم. فالكفر ‏ليس مفردةً جوفاء يتلفظُ بها أي امرئ، إنما هو فعل له آثاره المدمرة، وهو ليس سلوكاً معانداً ‏ومكابراً بلا عائداتٍ خطيرة يمكن أن يتلافى المرء مخاطره؛ بل هو عمىً إراديّ، يكون من العدل ‏أن يمضي بمن يصرُّ عليه إلى المهالك المهينة والمذلة.‏
‏5.‏ شواهد تاريحية
‏﴿كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَفَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِیࣱّ ‏شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ﴾‏
هل يعرف العرب فرعون والفراعنة؟ أم أنها معلومةٌ جديدة يلقي بها النصّ أمام العرب ‏للتأثير عليهم كي يعرفوا سنن الحضارات ؟
عندما تستهلّ الآية بـ"كاف التشبيه" ، فذاك دلالةٌ على أن العرب يعرفون الفراعنة ودأبهم. ‏فالمشابهة تعقد بين طرفين لإثبات صفةٍ في الطرف الأوّل هي في الطرفِ الثاني آكد وأشهر. ما ‏يعني أن "دأب آل فرعون" آكد دلالةً في ذهن المتلقّي.‏
قبل أن نأتي بالتحديد على "دأب آل فرعون" لا بدّ من الإشارة إلى وجود علاقات ‏اقتصادية ودينيّة واجتماعية ما بين مصر وشبه الجزيرة العربية " وتشتمل قائمة النقوش اللحيانية ‏المعروفة ـــــــ حتى الآن ـــــــ على عددٍ من النصوص تشهد على أنّ ثمةَ علاقة بين الشعب ‏اللحياني ومصر"‏ ‏ وكذلك اشتملت قائمة النقوش الثمودية والنقوش الصفوية على ما يؤكد هذه ‏العلاقات على كل المستويات. فهناك نقش يتحدث عن امرأة لحيانية تقدم قرابين لمعبودها "ذي ‏غيبة" وكان اسمها " أ م ت أ س" الذي يعني أمَةَ إيزيس الإله المصري المعروف.‏
إذن، الفراعنة لم يكونوا غرباء على الذهن العربيّ في ذاك الزمن، وبخاصة أنّ الثقافة ‏التوراتية غنيّة بتلك المعلومات، ولأهل التوراة موقعهم المعروف في المدينة وثقافتها، و أنّ مؤرخي ‏العرب كانوا يعتقدون أنّ الديانة اليهودية وأقوامها كانوا موضع الاحترام في الجاهلية، "وأشهر من ‏دان باليهودية من قبائل العرب بنو نمير وبنو كنانة وبنو الحارث بن كعب وبنو كندة، ولعلّها ‏سرَت إليهم من مجاورة اليهود لهم في تيماء ويثرب وخيبر"‏ ، " إنّ جملة من كان من اليهود ‏بالمدينة وخيبر إنما هم قريظة والنضير وبنو قينقاع، غير أن في الأوس والخزرج من قد تهوّد، ‏وكانت من نسائهم مَنْ تنذر إذا ولدت وعاش ولدها أن تهوّده لأنّ اليهود كانوا في نظرهم أهل علم ‏وكتاب"‏ ‏ . ‏
ونرى أنّ القرآن الكريم إذ يدأب على تأسيس نمط جديدٍ في التنسيب، بديلاً من النمط ‏السائد الذي يتخذ من رابطة الدم الأبوية عصباً يضبط فيه القبيلةَ والعشيرة؛ مثلما يجعل للمؤمنين ‏شجرةَ نسبٍ يتظللها عبر التاريخ حشدٌ من الأنبياء والرسل والمكافحين من أجل إنسانٍ سامٍ يعتنق ‏الحق والعدل والسلام؛ كذلك دأب على تنسيب الفاسدين المستبدين إلى سلالةٍ من الملوك والنخب ‏والأقوام لا تغادر منهم أحداً. وإذا كان الذين يناهضون القرآن ودعوتَه إلى التوحيد، يعتدّون ‏باستبدادهم واحتكارهم الرأي والرؤية وقواعد السلوك المقدسة، حتى وإن كانت تمضي بهم وبمن ‏أطاعهم واتّبعهم إلى المهالك، وهم حشدٌ من المثقفين والنخب القيادية الاجتماعية والاقتصادية ، ‏وبعض الكتابيين؛ فإنّ دأبهم كدأب آل فرعون والذين من قبلهم في معاندتهم للعلامات الدامغة ‏على الناموس الطبيعي والاجتماعي والنفسي التي استجلَتها عقولهم وأنكرتها نفوسهم بهتاناً وكبراً ‏وجحودا، فكان إهلاكهم أمراً حتمياً ؛ لكونهم لم يتلافوه بصدقٍ قولاً وعملاً. ‏
فما هو دأبُ آل فرعون، الذي كنّى عنه النص بالكفر بآيات الله؟ وقبلاً، ما هي الآيات ‏التي كفر الفراعنةُ بها؟
‏6.‏ من آيات الله
الآيات التي كفر الفراعنة بها، نستطيع فهمها من فهمنا كفر "الذين كفروا" لأنّ دأبهم ‏‏"كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَفَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِیࣱّ شَدِیدُ ‏ٱلۡعِقَابِ"، فالذي كفر به "الذين كفروا" إنما هو ضرورة تغيير علاقاتهم بكونهم بشرا، وبالنظُم ‏الاجتماعية، وبعلاقتهم بالطبيعة، والحقيقة، وبكل ما يرفع من شأن إنسانيتهم، ويمكّنهم في ‏الأرض على بينة من أمرهم. وأنّ دأبهم كدأب آل فرعون فإنّ وجه الشبه بينهما إنما هو الكفر ‏بالصيغة الصرفية "فَعَلَ" أو "الجهل الإراديّ" وقد تحدث القرآن الكريم عن آيات حملها إليهم ‏موسى(ع) ومن أبرزها "عصا موسى" و"الأفاعي". ‏
العصا، غصنٌ يابس لا يَعدُ بثمر ولا بحياة، ولهذا الغصن وظائف شتى في أيدي الناس، ‏وهو في يد موسى محدّدُ الوظيفة بأنه للتوكؤ عليه، وليهش به على الغنم وله فيه مآرب أخرى، ‏ربما هي للقتال يدفع بها عن نفسه، أو يهاجم بها حيوانا يقصده بأذى، أو إنساناً يستهدفه ‏بِشر.إذن، العصا غصن يابس، يسخره الإنسان لتأمين مصالحه، وبخاصة دفع الأذى، فتتحول ‏هذه العصا بإرادة الإنسان إلى رِجْلٍ ثالثة، أو يدٍ أقسى، أو أطول، فتصبح كأنها في يباسها علةَ ‏حياة، وتكتسب أهميتها الرمزية من كونها في الثقافة الإنسانية عنوان الإبداع باللمس.‏
أما الحية أو الأفعى أو الثعبان، فهي النقيض الحيّ للعصا الميتة، وهي بحياتها تعمل ‏لصالح الموت، لما تختزن من سموم، وأداؤها الوجودي التلقائي يدبُّ الذعر في من يصادفها، وقد ‏تؤذيه بخبثها ومخادعاتها، ومن شأن الإنسان أن يحتال لقتلها، أو للهيمنة عليها. "ونجد الأفعى ‏عند الفراعنة حاضرة وظاهرة في الرسومات والكتابات‎ ‎الدينية، كما يوجد الإله "أبوفيس"، والذي هو ‏أفعى شريرة، تلقب بـ "شيطان الظلام"، وهو رمز للشر، وبالرغم من ذلك أقام الفراعنة ‏طقوس‎ ‎العبادة‎ ‎له، في محاولة لاسترضائه، وذلك لارتباطه بالكوارث الكونية، كالزلازل، ‏والفيضانات، والأعاصير، وضمن تصورات صراع الخير والشر، نجد "أبوفيس" يخوض صراعاً ‏مع الإله "رع"، إله الشمس"‏ ‏. ‏
وقد نسب سفر التكوين في الإصحاح الثالث إلى الأفعى دوراً سلبيّاً في إغواء حواء لتأكل ‏من شجرة التفاح، وتسببت في طرد آدم وحواء من الجنة ﴿لأنك فعلتِ هذا، ملعونة أنت من ‏جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية. على بطنك تسعين وترابا تأكلين كل أيام حياتك* وأضع ‏عداوة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك، وأنت تسحقين عقبه﴾‏ ‏ فالحية هنا ‏رمز لإثارة الفضول والرغبة والشهوة.‏
في تأملنا لهذه الصورة للأفعى بوصفها رمزاً للشر في ثقافة التوراتيين والفراعنة، ولصورة ‏العصا بوصفها النقيض الذي يتوخى الهيمنة على الرغبة والشهوة، نرى أنّ اليباس هو الحقيقة ، ‏وأي تحول في مشهد اليباس إنما هو لأداء وظيفةٍ غير التي له ، وما إلقاؤها في مواجهة الحية ‏التي ترمز للشهوة التي هي أساس التقدّم و التحضر، إلا لإضفاء الواقعية عليها وإظهار زيفها ‏بواسطة العصا اليابسة، فعصا موسى تمثل الحقيقة في مواجهة الأفاعي الزائفة، ما إنْ ألقى ‏موسى عصاه حتى بدت الحبال والعصي الفرعونية على حقيقتها؛ فالسحرةُ ما كانوا قد سحروا ‏أعين الناس إلا بإزاء ما يصنعون من مخادعة، ما إن ظهرت عصاً غير مسحورة، حتى تجلّت ‏الأمور على حقيقتها. ‏
إذن؛ كان دأب آل فرعون الكفر، أي ستر الحقيقة وإخفاؤها بهدف الاستبداد والتسلّط. ‏وآيات الله التي جاء بها موسى في مواجهة التنكّر للحقيقة بمخادعة الناس وإرعابهم بما ‏يكيدون،مشروعُ انتصار للحقيقة.‏
‏﴿.....فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِیࣱّ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ﴾‏
إذا فهمنا أنّ الأخذ هو عقوبةٌ بالإهلاك، فهذا غير كافٍ؛ لأنّ الأصل في الأخذ هو ‏القبض والحَوز والتمكن من المأخوذ، ما يعني أنّ العقوبة هنا تعني إسقاط حيَل آلِ فرعون ومَن ‏قبلَهم، وفي ذلك أشد أنواع الهلاك، ويكون أكثر شدّةً إذا كانت ذنوبهم هي علّةُ أخذهم، فالباء هنا ‏للتعليل أو الاستعانة، فيتحمل المأخوذُ مسؤوليّةَ أخذه. وهذا لا يتأتى في الوجود ما لم تكن ‏النواميس مُحكمة، فإخفاء الحقيقة، والتنكرُ لها، والقيام بما يعاكسها، والتصدّي لمن جاء بها، ‏يحتاجُ أخذاً من نواميس مُحكمة، ولا يُحكمها إلا قويّ، وأنه قويّ؛ قد نتوهم الغطرسةَ التي ما زالت ‏ملازمةً للقوة، غير أن خالق النواميس قويّ شديد العقاب، فالعقاب بما يعنيه من جزاءٍ بعديّ، ‏يعني أيضاً العدل. ‏
‏7.‏ قويّ شديد العقاب
قد يتوهّم البعض أنّ تجاهل الحقائق أو التعميةَ عليها، أو محاربتها بمختلف الوسائل ‏المادية والمعنوية، يحتاجُ قوةً متغطرسةً وهذا كاف لهيمنةِ المستبدين المتغطرسين الذين يتوهمون ‏أنّ القوةَ هي الاستبداد والتزييف دوماً، ولن يقوى عليهم أحد؛ غير أنّ الآيةَ إذْ تبيّن المصير ‏الحتميّ لهؤلاء، تختمُ بـ "إنّ اللهَ قويّ شديد العقاب" لتؤكّد بـ"إنّ" قوةَ الله وعدله في شدّةِ العقاب. ‏نلاحظ في هذه الفاصلة أنّ النص أسقط حرف العطف"الواو" في الجمع بين القوة وشدّة العقاب، ‏فلم يقلْ "إنّ الله قويٌ وشديد العقاب"، مع أنّ قواعد التركيب النحويّ تسمح بذلك، لا بل إثبات الواو ‏هو الأصل، فهل لذلك من دلالة؟
لو أنّه أثبت "الواو" لكانت الصفةُ "قويّ" باستقلالها تعني كل ما تحيل عليه هذه المفردة ‏من استبداد وجور وغطرسة وإحكام وصلابة وغير ذلك، أمّا وقد أسقط "الواو" فقد جرّدَ "القوة" من ‏استقلالها بهذه الدلالات، ومنحها المعطوفُ ما يُطمئن المتلقّي، لأن سقوط "الواو" جعل العلاقة ‏بين "قويّ" و "شديد العقاب" علاقة تلازم وتداخل، لا تقدر على توفيرها "الواو" التي هي لمجرّد ‏الجمع، فالمعطوف هو "الشدة" مضافةً إلى "العقاب"، يحصر دلالات "الشدّة" بما تحيل عليه ‏مفردة "العقاب" من معنى الملاحقة، بمعنى أنها تدل على الإهلاك عقب سلوك يؤدّي إليه. وأنّ ‏النص يؤكّد بـ"إنّ" إسنادَ "قويّ شديدُ العقاب" على هذا النحو من الترتيب ، فذاك ما يدفع اللبس ‏بين القوة والشدة والظلم.‏
فالمجتمع الذي يخرِّب عقده الاجتماعي إنما يؤول إلى الانهيار الحتمي، وإلا فلا قيمة ‏للناموس. والعلماء الذين لا يلتزمون بضوابط البحث العلمي وأخلاقياته، يؤول علمهم إلى التدمير؛ ‏وإلا فلا قيمةَ للناموس. والمعلم الذي لا يلتزم بقواعد المهنة وأخلاقياتها، يؤول عمله إلى التجهيل؛ ‏وإلا فلا قيمة للناموس. وكذلك العامل والصانع والسياسي والمسؤول القياديّ في مؤسسات ‏المجتمع المدني، أو في مؤسسات الدولة؛ لا يمكنهم إساءة استخدام مسؤولياتهم من دون عقاب ‏حتمي. دأْب هؤلاء وأشباهِهم كدأب آل فرعون والذين من قبلهم، يتمسكون بالزائف ويستميتون في ‏الدفاع عن الزائفين في الوقت الذي تُلقى عليهم الحقائق ناصعة، وتفضح كلّ زيف. ‏
‏8.‏ مرجعية الإهلاك الإلهي
‏﴿ذَ لِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ یَكُ مُغَیِّرࣰا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِیعٌ ‏عَلِیمٌ﴾‏
المشار إليه بـ"ذلك" هو "الأخذ" الذي وقع على "آل فرعون ومَن قبلهم" من الذين دأبوا على ‏تجاهل الحقائق الواقعية. نقول تجاهلوا لأنهم في نعمة العقل والفهم والوعي فلم يستفيدوا من هذه ‏النعمة، بل فعلوا الكفرَ لصالح المستبدّ، وهذا يجعلهم مسؤولين عن خيارهم وسلوكهم الذهنيّ ‏والحركي، وكذلك عن عواقبه.‏
وأشير بـ"ذلك" ليكون النمط المهيمن على هذه الآيات هو النمط التفسيري، ما يعني أنّ ‏تعليل "الأخذِ" بـ"ذنوبهم" يورث في نفس المتلقي إحساساً بأنّه حكمٌ قاسٍ وقاهر، فيأتي اسم الإشارة ‏بعدها "ذلك" ليعرض تفسيراً لهذه الإشكالية الملتبسة بأنها ناموس طبيعيٌ واجتماعيّ:‏
‏1.‏ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ یَكُ مُغَیِّرࣰا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمۡ.‏
يؤتى بـ"أنّ" لتقرير شيء وإثباته، فالذي يمكن لـ"أنّ" أن تقرره هنا، إنما هو زوال نعمة ‏بسببٍ عائدٍ إلى صاحبها، بخلاف السائد في أن الله يزيل النعمةَ لسبب عائدٍ إليه. "وأنّ" في ‏مستهلّ هذه الآية التعليلية، من شأنها إذْ تحوّل المحسوس إلى معقول، أنْ تعدّل سلوكاً ذهنياً في ‏المتلقين مؤسسٍ على اعتقادٍ بأنّ الله يغضبُ ويرضى فيغيّر تبعاً لذينك أحوالَ الأقوام والأفراد. ‏فتدخل "أنّ" على المركّب الاسمي لتحدِث تحولاً في زاوية النظر إلى العلاقة بين سلوك الناس ‏الإرادي وسلوك الطبيعة الاجتماعية أو الطبيعية المحدَّدَين بالعقد الاجتماعي الذي تفرضه ‏المصالحُ العامة، والناموس الطبيعي الذي خلقه الله جل وعلا؛ فتقرر نفي الكون الذي يتوهمُ ‏المتلقون أنّ الله عليه في تغيير النعمة. ويعبّرُ النص عن هذا النفي بـ "لم يك" التي حُذفت نونها ‏علامةً على الوغول في النفي ، ما يعني أنّ فعل الكون معطل فكيف بالتغيير الاعتباطي! ‏ويمد النصّ في أمدِ التعطيلِ إلى حين حدوث الفعل "يغيّروا" واقعاً على "ما بأنفسهم"؛ ما يشير ‏إلى أنّ التعطيل هذا مرهونٌ بتغيير سلوك الناس الذي ألصقوه إرادياً بأنفسهم، وأنه بأنفسهم وليس ‏في أنفسهم، فذلك ما يشير إلى أنه سلوك طارئٌ يصاحبهم بإزاء حدث طارئ، ولا تحتويه أصلاً ‏أنفسهم. ‏
‏2.‏ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ.‏
وهذا تعليل آخر معطوف على الأول، مجرورٌ مثله بالباء التعليلية المحذوفة ليكون ‏التعليلان مجموعَين معاً فلا يتوهمُ المتلقّي أنّ التعليل الأوّل يعلل هلاكاً وهذا التعليل يعلل هلاكاً ‏آخر، فكلاهما متعلقان بمحذوف خبر ذلك (الأخْذ)، فلو أدخل "الباء" على"وأَنَّ ٱللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ" ‏جازَ أن نبحث عن أخْذٍ آخر أو متعلَّق به آخر ‏. ويتمّ إسنادُ "سميعٌ عليمٌ" إلى لفظ الجلالة، ما ‏أصله مبتدأ، وقد تكلمنا على أثر همزة أنّ المفتوحة في جعل المحسوس معقولاً، ما يعني أنّ الله ‏سميع عليم مرجعيةُ الأخذ، وعلى العقلاء معرفتها لتلافي ما يخلّ بالناموس. أمّا صيغة "فعيل" ‏فهي للدلالة على أن السمع والعلم هما بمثابة طبيعة ‏ لله. ويأتي حذف العاطف بينهما لتداخلهما ‏في إنجاز الإخبار المسند إلى الله. أما دلالة السمع والعلم فنفهمها من كونيهما في الإحالة على ما ‏يُسمع ويُعلم من بين الذنوب التي تقتضي الأخذ على النحو الذي ورد. فمن الممكن أن تكون ‏مهموسات أو مجهورات أو هواجس ونوايا، فالله يسمعها ويعلمها بطبيعته. ‏

‏9.‏ دأب آخر وعقوبة أخرى
‏ ﴿كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِمۡ فَأَهۡلَكۡنَـٰهُم بِذُنُوبِهِمۡ وَأَغۡرَقۡنَاۤ ءَالَ ‏فِرۡعَوۡنَۚ وَكُلٌّ كَانُوا۟ ظَـٰلِمِینَ﴾.‏
ويؤكّدُ النص هاتين السنّتين للإهلاك باستحضار دأب آل فرعون والذين من قبلهم مع ‏آيات ربهم، وقد يخال المتلقي أنّ الآيةَ تكرارٌ للآيةِ التي سبقت عرض التعليل الممنهج، غير أن ‏التدقيق يحيل على اختلافٍ بيّنٍ نستجليه برصد الاختلافات الدقيقة بينهما.‏
فالآية 52، تقدّم دأب آل فرعون والذين من قبلهم في إسناد فعل الكفر بآيات الله إليهم، ‏فعوقبوا بالأخذ، أما هذه الآية(54) التي نحن بصددها، فتقدّم آل فرعون والذين من قبلهم في ‏إسنادها إليهم فعل التكذيب بآيات ربهم؛ فعوقبوا بالإهلاك، كما عوقب آل فرعون بالإغراق. ‏والكفر غير الكذب والتكذيب، فلو أنهما واحد ما تكرر ذكرُهما معاً متعاطفين في القرآن الكريم ‏ثماني مرات" الذين كفروا وكذّبوا بآياتنا‎ ‎‏" في البقرة 39، وفي المائدة 10و86، والحج 57، ‏المؤمنون 33، والروم16، والحديد 19، والتغابن 10.‏
فإذَن، الدأب في الآية الثانية مختلف عن الدأب في الآية الأولى ، تبَعاً للاختلاف بين ‏الكفر والتكذيب، وبين الله وربهم.‏
الكفر في أصل اللغة هو الستر والإخفاء،" وأَصل‎ ‎الكفر‎ ‎تغطية الشيء تغطية تستهلكه"‏ ‏ ‏ويقول ابن فارس" الكاف والفاء والراء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على معنىً واحد، وهو السَّتْر ‏والتَّغطية"‏ ‏. وفي الاصطلاح هو سلوك إراديّ يحول بين العاقل وما يُلقى عليه من معارف، ‏وفي الاصطلاح الشرعي هو نقيض الإيمان.‏
أما الكذب لغةً ، فهو خلاف الصدق ‏ ، والصدق هو صلابة الباطن ، ما يعني أن ‏الكذب هو الميوعةُ والرخاوة في الباطن، والكاذب هو الذي لا يقوى على صلابة الموقف إزاء ما ‏يرى أو يسمع أو يشعر. "وفي كذَب تعبّر الباء عن تجمّع رخوٍ وتلاصق، ويعبّر التركيب عن ‏تجمعٍ على رخاوةٍ وليونة وعدم صلابة"‏ ‏. وفي الاصطلاح ‏‎"‎‏ كذب الخبر، عدم مطابقته ‏الواقع"‏ ‏. وقال النووي: "الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو، عمدًا كان أو سهوًا"‏ ‏ ،و(هو ‏الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه سواء كان عمدًا أم خطأ‎ ‎‏)‏ ‏. ‏
ما يعني أن الكفر يودي بصاحبه إلى الأخذ، بينما الكذب يودي بصاحبه إلى الهلاك، ‏فهل الأخذ غير الإهلاك؟
الأخذ هو قبضٌ بقوة، "يعبّر عن حوز في الأثناء بغلظ أي قبض بقوة. وقد جاء أكثر أَخَذ ‏‏(في القرآن الكريم)‏‎ ‎بمعنى القبض الحقيقي أو المجازي (٥٥ مرة)، وجاء نحو ٧٨ مرة الأخذ فيها ‏بمعنى إنزال عقوبة إهلاك، وهذا قبض لأنه جَوْح واجتلاف‏"‏ ‏.‏
أما الهلاك فهو السقوط والكسر " الهاء واللام والكاف: يدلُّ على كَسْرٍ وسُقوط. منه ‏الهلاك: السُّقوط، ولذلك يقال للميت‎ ‎هَلَكَ"‏ ‎.‎‏ "الهاء لخروج ما بالجوف بقوة، واللام تعبر عن ‏الامتداد والاستقلال، وفي (هلك) تعبر الكاف عن ضغط غؤوري دقيق يتأتى منه السحق أو ‏الحبس على ذلك الفراغ، ويعبر التركيب عما يشبه سحق حقيقة الشيء"‏ ‎.‎
التأمل في هذين المعنيين يحيلنا على اختلاف بينهما في النوعية وليس في الرتبة، إذْ لا ‏يمكن أن نفاضلَ بين القبض بقوة والسحق أو الحبس، غير أنهما بلا شك مختلفان.‏
الكفرُ بما هو عليه من عمى إراديّ، يلقي بفاعله في حوز غليظ هو جوحٌ واجتلاف، هو ‏‏"الأخذ". والكذب بما هو عليه من تمويه ومخادعة للنفس والآخرين، وتغيير للواقع، أو إنكاره؛ ‏يودي بفاعله إلى السقوط والانكسار والسحق، في الحقيقة أو في المجاز، أو في كليهما معاً.‏
يبقى أنّ الذين كفروا كفروا بآيات الله، والذين كذبوا كذبوا بآيات الله، والله هو الخالق ‏للوجود ونواميسه، وهو الذي أرسل الرسل بالهدى علاماتٍ على الناموس، فمن الخلق من تعامى ‏عن الحقيقة لموقفٍ من الرسول وأهله، ومنهم من كذب الرسل فموّه وخادع لموقفٍ من الحقيقة ‏التي قد تورطه بسلوك لا يرى قيمته، أو ليس من ورائه مكسبٌ عاجل، أو يرى ولكن لعلّةٍ لا ‏يسلك.‏
‏10.‏ الخلاصة:‏
بدل أن تحقق الآيات الكريمات أغراضها في الناس، تحريضا للعقل على التأمل في ‏الكون، وتعميق الأسئلة، واكتشاف سننه، والتفكير بالتعامل الأفضل معها، واستثمارها في مشروع ‏لتحسين ظروف الحياة؛ بدل كل هذا يمضي بها البعض في الاتجاه المعاكس، فتنتجُ انكساراً ‏متناسلاً في نفوس مهزومةٍ أمام الكون، وتتوجس في تلافيفها رعباً من غضب الله وأخذِه الخلق ‏بذنوبهم، فلا يقوى عقلٌ إلا على اتهام النفس بالإثم الدائم، وأقصى الإبداعات أدعية يتوسل بها ‏رضا الله، فتُرفع أكفّ الضراعة ليرفع الله غضبه وسخطه عنا.‏
عندما يعمى الإنسان عن رؤية الكون آيات ينبغي فهمها، لا نفقه معنى الكفر ولا التكذيب ‏ولا الإيمان، وبالتالي لا نفقه معنى العواقب الحتميةِ للسلوك المعتمد على قاعدة الكفر أو على ‏قاعدة الإيمان.‏
ومما توصلنا إليه في معاينتنا لهذه الآيات الكريمات جملةُ أمور هي:‏
‏1.‏ إن التعبيرات التي تتناول مصائر الذين كفروا، هي ليست تعبيراً عن أحداثٍ حصلت؛ ‏إنما هي كنايات عن مظاهر المصير الحتميّ في الذل والمهانة.‏
‏2.‏ الذين كفروا، غير "الكافرين"، فالفرق بينهما هو الفرق بين الفعل والاسم، فالأول يدلّ ‏على حدثٍ مقيّدٍ بزمان، والثاني يدل على شأنٍ ملازم لأشخاص. الأول يدل أنّ الحدث ‏له بداية وعلّة، أما الثاني فهو وصفٌ ثابت تتغيّر وظيفته بتغير الأحداث والأزمنة، ولا ‏يتغيّر.‏
‏3.‏ إنّ الضرب على الوجوه والأدبار بوصفه مظهر الإذلال الذي يلحق الذين كفروا، ليس ‏سوى نتاج حتميّ لسلوكهم في العمى الإراديّ عن مفاسد مواقفهم في الواقع الجديد، ‏وعمّا يقدّمه من معارف جديدة بإزاء المجتمع والكون وما وراء ذلك.‏
‏4.‏ أنْ لا يكون المصير الأسود ظلماً من كونه نتيجة طبيعيةً لسلوك يؤدي إليه؛ فذاك ‏مردّه إلى مرجعيةٍ حاسمة في الناموس يعبر النص عنها بنفيّ الظلم عن الله، وبنفي أن ‏يكون الظلم مهنةً له (جلّ وعلا) . وهذا يحمّل الإنسان وحده المسؤوليّةَ في تحديد ‏مصيره تأسيساً على وعي مرنٍ قابلٍ للنقد للتطور.‏
‏5.‏ إنّ الشواهد التاريخية تجعلنا نفهم أن السلوك الحضاريّ هو الذي يؤدّي إلى المصير ‏الأسود المحتوم، وما الاستشهاد به إلا إيقاظاً لمتلقي القرآن ليعلموا أن هذا المصير ‏يمكن تلافيه بالاعتماد على الوعي بالتاريخ درساً واستنتاجا حتى لا تتكرر الأسباب. ‏وما ربط دأب المعاندين المزامنين لتنزل القرآن بدأب آل فرعون والذين من قبلهم إلا ‏دلالة على أهمية الوعي بالتاريخ. فالساعون إلى الإصلاح سلالةٌ بعضها من بعض، ‏وكذلك المناهضون سلالةٌ بعضها من بعض. ما يوجب الاهتمام بالأساليب التي يمكن ‏أن نتلافى بها الصدام المهلك والمذل، في المجتمع أو الطبيعة. ‏
‏6.‏ إنّ دلالة العصا والحية التي يحيل عليها ذكر فرعون، إنما هي في دلالة العلاقة ‏الضديّة بين الواقعية التي تمثلها العصا بمختلف أبعادها ، والزيف الذي يمثله السحر ‏بكل تمويهاته ومشتقاته، وأن تغلب العصا الواقعية الأفاعي الزائفة إنما هو المرتجى ‏من مصلحٍ يدعو الناس إلى الارتقاء بعقولهم وإنسانيتهم نحو الله ، في مواجهة فاسدٍ ‏مفسدٍ ينشر الغباء والخداع بإلحاح واستبداد، ويقول أنا الله.‏
هذا ما توصلنا إليه في إطار سعينا للتخلص من استسهال الاتباعيّة المقيتة، في غمرة ‏الجوائح الطبيعية والاجتماعية، لعلنا نعيد النظر بقدراتنا ونسعى دائما إلى رفع مستوى أدائنا حتى ‏لا نكرر المهاوي المهينة.‏
‏ والله من وراء القصد.
...........................................

مكتبة البحث
القرآن الكريم
الكتاب المقدّس، العهد القديم، سفر التكوين.‏
‏1.‏ ابن الأثير الجزَري، الكامل في التاريخ، تحقيق أبي الفداء عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية، بيروت،1987. ‏
‏2.‏ ابن عاشور، محمد الطاهر، تفسير التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر، تونس،1984.‏‎ ‎‏ ‏
‏3.‏ ابن فارس، أحمد، مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام هارون، دار الفكر، بيروت، 1979.‏
‏4.‏ ابن منظور، محمد بن مكرم بن علي، لسان العرب، ط3، دار صادر، بيروت، 1994.ـ
‏5.‏ الجارم، محمد نعمان، أديان العرب في الجاهلية، ط1، مطبعة السعادة بجوار محافظة مصر، 1923 . ‏
‏6.‏ الجرجاني،علي بن محمد السيد الشريف، تحقيق محمد صدّيق المنشاوي، دار الفضيلة، القاهرة، 2004.‏
‏7.‏ الجوهري، اسماعيل بن حماد، (أبو نصر)، تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، ط4، دار العلم ‏للملايين،بيروت، 1987.‏
‏8.‏ حسن جبل، محمد حسن، المعجم الاشتقاقي المؤصل، ط1، مكتبة الآداب، القاهرة، 2010.‏‎ ‎‏ ‏
‏9.‏ السامرائي، فاضل صالح، معاني الأبنية العربية، ط2، دار عمّار،عمّان، 2007.‏
‏10.‏ السامرائي، فاضل صالح، معاني النحو، العاتك لصناعة الكتاب، القاهرة، د.ت..‏‎ ‎‏ ‏
‏11.‏ السعيد،سعيد بن فايز ابراهيم، العلاقات الحضارية بين الجزيرة العربية ومصر، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض،2003.‏‎ ‎
‏12.‏ السهيلي، عبد الرحمن، الروض الآنف في شرح السيرة النبوية، قدم له طه عبد الرؤوف سعد، مؤسسة نبع الفكر العربي، ‏القاهرة، د.ت..‏
‏13.‏ العسقلاني، أحمد بن علي بن حَجَر، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، اعتنى به أبو قتيبة نظر محمد الفاريابي، دار ‏طيبة،ط1، الرياض، 2005. ‏
‏14.‏ النووي،أبو زكريا محيي الدين يحيى‎ ‎، المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط2، ‏‏1392هـ. .‏
‎15.‎ ‎ ‎‏ ‏https://www.hafryat.com/ar/blog/7-‎‎%D8%AD%D9%8A%D9%88%D8%A7%D9%86%D8%A7%D8%AA-‎‎%D8%AD%D8%B8%D9%8A%D8%AA-‎‎%D8%A8%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%86%D8%A9-‎‎%D8%AE%D8%A7%D8%B5%D9%91%D8%A9-%D9%81%D9%8A-‎‎%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D9%86-‎‎%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A7%D8%AA-‎‎%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%91%D9%81-‎‎%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87%D8%A7‎تاريخ الزيارة في 1/1/2021 ‏



#سعد_كموني (هاشتاغ)       Saad_Kammouni#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آللهُ يهلكنا!؟
- الأسلوب ما يجب أن يتغير راهناً
- لا شيء يستدعي الثقة
- نحن فاعل هلاكنا
- لن نستفيد من عزلتنا
- لن نأسف على شيء
- يتوقعون ما يرغبون به
- الإيمان ليس مرادفاً للجهل
- ليس الإنسان ضعيفا
- لا بد من ثورة تقدمية
- الوحش ليس شكلاً بل مضمون
- كورونا والثورة
- أنت المسؤول
- تهافت التأويل العلمي عند زغلول نجار وآخرين


المزيد.....




- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعد كموني - ذنوب الذين كفروا وإهلاكهم