أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسين علي محمود - القيم الإنسانية والتنظيم الديني














المزيد.....

القيم الإنسانية والتنظيم الديني


حسين علي محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8567 - 2025 / 12 / 25 - 16:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


القيم بمعناها الإنساني العام شيء، والقيم الإسلامية شيء آخر من حيث المصدر والتنظيم، لا من حيث الجوهر الأخلاقي.
فالقيم ليست حكراً على دين بعينه، بل هي نتاج تراكمي للدين، والأعراف، والتاريخ، وتجارب الأمم السابقة، وما يفرزه المجتمع عبر الزمن.
ويمكن اختزال جوهر هذه القيم في كلمتين أساسيتين هما : الصدق والعدل، وما يتفرع عنهما من سلوكيات أخلاقية.
لقد عرفت العرب في الجاهلية منظومة من القيم والأخلاق، كإكرام الضيف، ونصرة المظلوم، والوفاء بالعهد، فجاء الإسلام لا لينسفها، بل ليُهذبها ويُتمّمها ويضبطها ضمن إطار عقدي وتشريعي واضح، كما ورد في الحديث الشريف : "إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق".
وهذا يدل على أن الأخلاق كانت موجودة قبل الإسلام وأن الرسالة جاءت لترتقي بها لا لتخلقها من العدم.
وكذلك الحال مع الأمم غير المسلمة، فقد امتلكت عبر تاريخها قيماً ومبادئ إنسانية واضحة نابعة من تجاربها وفلسفاتها وحاجتها لتنظيم الحياة الاجتماعية.
وهذا يؤكد أن القيم ظاهرة إنسانية عامة، لا تنفصل عن الوجود البشري ذاته.
ومن هنا يجب التفريق بين القيم من جهة والعبادات والتكاليف الشرعية من جهة أخرى، فالقيم تُعنى بالسلوك الإنساني المشترك، بينما العبادات والتكاليف ترتبط بالإيمان والعقيدة والالتزام الديني.
وعليه، فإن من غير المنطقي القول إن من لا يمتلك ديناً لا يمتلك قيماً، فغياب الدين لا يعني بالضرورة غياب الأخلاق تماماً، كما أن وجود الدين لا يعني تلقائياً الالتزام بالقيم.
القيم تُقاس بالفعل والسلوك، لا بالشعارات والانتماءات فقط.

بل إن الخلط بين القيم والدين كثيراً ما يؤدي إلى نتائج عكسية، إذ تتحول القيم من كونها مقياساً أخلاقياً إنسانياً عاماً إلى أداة إقصاء أو محاكمة للآخرين على أساس الانتماء، لا على أساس السلوك.
وهذا الخلط يُفرغ القيم من بعدها الإنساني ويجعلها حكراً خطابياً بدل أن تكون ممارسة يومية.
فحين تُربط الأخلاق حصراً بالهوية الدينية يصبح المختلف دينياً موضع شبهة أخلاقية تلقائية، وهو افتراض لا يسنده الواقع ولا التجربة التاريخية.
إن القيم في جوهرها، تُختبر في الفضاء العام في العدل بين الناس، في احترام الكرامة الإنسانية، في حفظ الحقوق، وفي النزاهة في التعامل.
وهذه المساحات هي التي تتقاطع فيها الأديان والفلسفات والأنظمة الأخلاقية المختلفة، فكم من مجتمعات غير متدينة نسبياً استطاعت أن تؤسس أنظمة قانونية عادلة وتحفظ كرامة الفرد وتُرسّخ الصدق بوصفه قيمة مؤسسية، لا مجرد فضيلة فردية.
وفي المقابل، كم من مجتمعات متدينة ظلت تعاني من الظلم والفساد وازدواجية المعايير رغم وفرة الخطاب الديني فيها.
وهنا يبرز الدور الجوهري للدين وخصوصاً الإسلام، لا بوصفه مُنشئاً حصرياً للقيم، بل بوصفه مُقنِّناً لها ومُحملًا إياها بعداً تعبدياً ومسؤولية أخروية.
فالإسلام لا يكتفي بالدعوة إلى العدل، بل يجعله فريضة ولا يمدح الصدق فحسب، بل يربطه بالإيمان ذاته ويجعل الكذب والنفاق علامات خلل عقدي وأخلاقي في آن واحد.
وبهذا المعنى، يضيف الدين إلى القيم بعد الإلزام والرقابة الذاتية، لا مجرد الاعتراف النظري بها.
غير أن هذا الإلزام لا يتحقق تلقائياً بمجرد الانتساب الديني، بل يحتاج إلى وعي وتربية وممارسة، فالقيم لا تُورث بالهوية ولا تُحصَّل بالحفظ أو الترديد، بل تُكتسب بالاحتكاك اليومي بالواقع وبمجاهدة النفس وبتحويل المبادئ إلى سلوك فعلي. ولذلك شدد الإسلام على العمل مقروناً بالإيمان وعلى الأخلاق بوصفها ثمرة حقيقية للتدين لا زينته الخارجية.
كما أن اختزال القيم في الإطار الديني وحده يُفقدها قدرتها على أداء دورها الكوني، فالقيم لكي تكون فاعلة، يجب أن تكون قابلة للتداول بين البشر جميعاً وأن تُفهم بلغة إنسانية مشتركة، وهذا لا يتعارض مع الإيمان بل يعززه، لأن الدين حين يخاطب الإنسان في إنسانيته يكون أقدر على التأثير وأبقى أثراً.
ولهذا جاءت مقاصد الشريعة الكبرى، كحفظ النفس والعقل والمال والكرامة متقاطعة مع ما أجمعت عليه البشرية من قيم أساسية.
وفي النهاية، يمكن القول إن القيم الإسلامية ليست قطيعة مع القيم الإنسانية العامة، بل هي امتداد لها وتنظيم أعمق لمسارها، يربط بين السلوك الدنيوي والمسؤولية الأخروية. أما القيم بوصفها مفهوماً عاماً، فهي ملك للبشرية جمعاء، يُحسنها الدين ويهذبها، لكن لا يحتكر وجودها ولا يلغي تحققها خارج إطاره.
فالمعيار الحقيقي للقيم في كل الأحوال، هو الإنسان في فعله اليومي.
كيف يعدل، كيف يصدق، وكيف يتعامل مع الآخر، أياً كان هذا الآخر ومهما اختلف معه في الاعتقاد أو الرؤية.



#حسين_علي_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السنافر كمنظومة رمزية سلطوية
- العلاقات العاطفية والذكاء الاصطناعي
- أوكرانيا وصراع المستقبل الجيوسياسي
- التسول الممنهج وتفكيك المجتمع
- استعراض المسؤول وصناعة الوهم السلطوي
- طغيان الولاء وموت العقل
- خرائط الشخصية وأنماط الذات
- هندسة الوعي في الفضاء الرقمي
- زيارة محمد بن سلمان لواشنطن، مقاربة في العلاقات الدولية
- دور الأسرة ضمن منظومة الأمن الفكري والمجتمعي، مقاربة تحليلية ...
- سفاري الموت، الحرب والوحشية الإنسانية
- الموصل وصراع التمثيل السياسي
- تفكيك العلاقة السلطوية بين المسؤول والمواطن في مجتمعات العال ...
- زهران ممداني وتجسيد فكرة -أميركا الممكنة- في مواجهة -أميركا ...
- الدين والمجتمع بين الوعي والإخضاع، قراءة في آليات الاستغلال ...
- قراءة سياسية وإستراتيجية لإنسحاب حزب العمال الكردستاني إلى ش ...
- المواطنة الرقمية بين الحرية والمسؤولية
- عبودية الوعي، الفقر كأداة للهيمنة في زمن الإنسان المنهك
- هرم ماسلو بين الإنسان والمجتمع، مقاربة في مأزق الصعود العربي
- قمة شرم الشيخ 2025، إعادة هندسة النظام الإقليمي من بوابة غزة


المزيد.....




- قصف روسي على أوكرانيا عشية عيد الميلاد.. وزيلينسكي: هذا ما ي ...
- شاهد.. البابا لاوُن يدعو للسلام في أول عيد ميلاد له كبابا في ...
- بابا الفاتيكان يوجّه انتقادًا غير مسبوق للإحتلال خلال قداس ا ...
- تركيا تعتقل 115 مشتبهاً بانتمائهم لتنظيم الدولة الإسلامية بت ...
- بابا الفاتيكان : قيام دولة فلسطينة هو الطريق الوحيد للسلام
- هل بدأ تنظيم الدولة الإسلامية بترتيب أوراقه مرة أخرى؟
- ريبورتاج: رغم الجراح... مسيحيو سوريا يحتفلون بأعياد الميلاد ...
- مسيحيو بلدة يارون اللبنانية يحتفلون بعيد الميلاد للمرة الأول ...
- مسيحيو دمشق يحتفلون بأعياد الميلاد وسط إجراءات أمنية مشددة
- بابا الفاتيكان: كيف لا نفكر بخيام غزة المعرضة للمطر والرياح ...


المزيد.....

- رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي ... / سامي الذيب
- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسين علي محمود - القيم الإنسانية والتنظيم الديني