علي مارد الأسدي
الحوار المتمدن-العدد: 8566 - 2025 / 12 / 24 - 23:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في السنوات الأخيرة، برز ما يعرف اصطلاحًا بـ"التنمية البشرية" بوصفه ظاهرة شعبوية واسعة الانتشار، تجاوزت حدود الاهتمام الثقافي لتغدو خطابًا إعلاميًا استهلاكيًا، تتداوله المنصات، ويتحدث باسمه الخطباء، ولا عجب لو وجدت غالبيتهم من المتعلمين وحملة الألقاب العلمية. وسط بحر من المؤلفات الغزيرة التي غزت المكتبات بعناوين براقة وسرديات مُطمئنة، تغري الباحثين عن الخلاص والسكينة، وتعدهم بوصفات سريعة للسعادة والنجاح، في زمن يتكاثر فيه القلق وتضيق فيه المعاني.
غير أن هذه الظاهرة، في شطر كبير منها، انقلبت مع مرور الزمن إلى تجارة كلامية رابحة، يمارسها كل من امتلك قدرة على الخطابة أو مهارة في التسويق، لبيع أوهام مريحة وحكايات مخدرة للنفوس والعقول. ورغم أن بعض هذه الإنتاجات لا يخلو أحيانًا من إشارات نافعة أو نصائح عملية، فإنها في جوهرها لا تتعدى مبادئ أولية مستعارة من علم النفس والاجتماع والفلسفة، تضاف إليها مسحة وعظية عامة، وتقدم في قالب مبسط يفتقر إلى العمق والمنهج.
إن تضخم ونمو هذه "التنمية" وتحولها إلى ظاهرة عالمية لا يُفسر بجاذبية محتواها وحدها، بقدر ما يحيل إلى فراغ ذهني وتصحر وجداني بات يثقل كاهل إنسان العصر الحديث. فراغ غذته انتكاسة الخطاب الديني وتكلسه، وعجزه عن مواكبة التحولات العلمية والمعرفية، في مقابل طغيان القيم المادية وتمددها على حساب المعنى والغاية. وفي هذا المناخ، ازدهرت سوق الوصفات السهلة، حيث يُستبدل السؤال العميق بوعد سريع، ويستعاض عن النقد بالفكرة المسكنة، فتباع الطمأنينة بوصفها منتجًا، لا تجربة تُكتسب بالوعي والعمل.
#علي_مارد_الأسدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟