علي مارد الأسدي
الحوار المتمدن-العدد: 8516 - 2025 / 11 / 4 - 09:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا يزال ملف الاستثمار السكني في العراق مثالًا صارخًا على كيفية تحول الشعارات التنموية البراقة إلى أدوات ناعمة لابتلاع المال العام وشرعنة النهب الرسمي. فبدل أن تكون مشاريع الإسكان بوابة لحل أزمة السكن وتمكين المواطن البسيط من امتلاك بيت لائق، تحولت إلى سوق مغلقة يديرها المتنفذون، وتمرر عبرها الامتيازات الفاحشة تحت غطاء «الاستثناءات» و«التسهيلات».
أولى حلقات الفساد تبدأ عند بوابة الإحالة نفسها، إذ تمنح الأراضي والمشاريع لشركات معينة مسبقًا، لا عبر منافسة شفافة ولا بيئة عادلة، بل من خلال “استثناءات ذهبية” تجتمع فيها السياسة والمال والنفوذ، وتقصى منها الشركات الجادة. فالأرض التي يفترض أن تكون ملكًا للشعب يتم تسليمها بأثمان رمزية لا تمثل حتى 5% من قيمتها الفعلية، فتتحول من ممتلكات دولة إلى غنائم خاصة توزع تحت عناوين زائفة.
أما المواطن العادي، ذلك الذي بنيت كل هذه المسرحيات باسمه، فيفاجأ بأن الوحدة السكنية التي منح المستثمر من أجلها الأرض شبه مجانًا تباع له بسعر يفوق طاقته بأضعاف، وكأن الدولة نفسها أصبحت سمسارًا وسيطًا بينه وبين جيوب الفاسدين.
وحتى حين تشيد هذه المشاريع البراقة من الخارج، فإنها في حقيقتها تأتي في الغالب رديئة، ودون المواصفات الفنية القياسية، ولا تتوفر فيها متطلبات السلامة والأمان، وضمن بنية تحتية مخنوقة، وإشراف هندسي شكلي. حيث ينجز كل شيء بعقلية “إكمل بسرعة وامض”، لأن الغاية ليست بناء مدينة، بل تحصيل الأرباح بأقصى سرعة قبل تبدل المناصب وتغير المزاج السياسي.
ثم نأتي على الكارثة الكبرى، الا وهي سوء التخطيط. فبدل توزيع المشاريع خارج المدن وتطوير الأطراف، تزج الكتل الإسكانية في قلب بغداد المكتظة أصلًا، لتزيد الضغط والعبء على الخدمات والبنى التحتية المتهالكة كالشوارع والمجاري والماء والكهرباء. ولعمري أن هذه ليست رؤية عمرانية على الإطلاق، بل فوضى منظمة هدفها تدمير الدولة وتخريب المجتمع.
#علي_مارد_الأسدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟