علي مارد الأسدي
الحوار المتمدن-العدد: 8464 - 2025 / 9 / 13 - 08:11
المحور:
قضايا ثقافية
في العراق اليوم، لا يكفي أن تتنفس هواءً مشبعًا بعوادم السيارات الرديئة ومولدات الديزل لتصاب بالاختناق البيئي، ولا يكفي أن تفتح نافذتك لترى لافتات دعايات السياسيين الفاسدين، أو لوحات الإعلانات الخالية من الذوق على الأرصفة المحتلة لتصاب بالعمى البصري، بل عليك أيضًا أن تجول ببصرك في المكتبات وبين أكداس الكتب، لتكون ضحية تلوث ثقافي لا يقل خطورة عن الأولين.
إنها المؤلفات الضحلة الرثة لبعض الطحالب المحسوبة على عالم الرواية والشعر والبحث، أولئك الذين يحسبون أنفسهم “صوت الجيل”، بينما أصواتهم لا تتجاوز ضجيج المقاهي الرخيصة التي يكتبون على مناضدها عبارات مستعارة من مواقع التواصل. يجمعونها ويطبعونها كما تُطبع قوائم الطعام هذه الأيام: ورق كثير، حبر كثير، ومغزى أقل من هامش في دفتر تلميذ كسول.
هذا التلوث الثقافي صار يزاحم صدور المكتبات مثل القمامة التي تتكدس في شوارع المدن، أوراق ملونة، عناوين رنانة، صور للمؤلف وهو يحدق في الأفق كأنه نبي… لكن لا وحي هناك سوى وحي دار نشر عطشى للدينار، ولا رسالة سوى رسالة الأنا المتورمة “أنا هنا.. صوروني!”.
إن أخطر أنواع التلوث ليست التي تقاس بجهاز فحص الهواء، بل التي تتسرب إلى عيون وأدمغة القراء الغافلين، فتحول الذائقة إلى خردة، والوعي إلى سلعة رخيصة في سوق مجد زائف.
وهكذا، بين دخان المولدات، وقرف اللوحات الدعائية لبعض السياسيين، وحبر الكتب الرديئة، يكتمل المشهد: عراق يعيش ثلاثة أنواع من التلوث في آن واحد، بيئي، بصري، وثقافي. ولو خُير المواطن، لاختار استنشاق الدخان بدل قراءة بعض هذه “المؤلفات” التي لا تعادل ثمن الورق الذي طبعت عليه.
#علي_مارد_الأسدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟