علي مارد الأسدي
الحوار المتمدن-العدد: 8445 - 2025 / 8 / 25 - 07:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أن عبارة "برعاية السيد أو الاستاذ فلان الفلاني" التي ما زالت تتصدر الجدران وتزين الفعاليات والمشاريع في العراق، ليست مجرد جملة بروتوكولية عابرة، بل هي إرث مقيت من زمن الاستبداد البائد، يطل علينا يوميًا بسخرية مريرة، حاملاً في طياته دلالات سلبية عميقة تستحق الوقوف عندها بالنقد والتفكيك وتثبيت بعض الملاحظات:
1. تقديس الفرد بدلًا من ترسيخ المؤسسة.
هذه العبارة ترسخ فكرة أن كل مشروع أو فعالية أو نشاط لا يقوم إلا بفضل "شخص" بعينه، وكأن الدولة بكل مؤسساتها غائبة أو غير جديرة بالذكر. في حين أن الأصل أن تكون الرعاية باسم الجهة الرسمية (وزارة، بلدية، جامعة) أو باسم المجتمع المحلي، لا باسم مسؤول يرحل غدًا وتبقى الفوضى من بعده.
2. تسليع العمل العام.
تحويل أبسط مشروع خدمي أو نشاط ثقافي إلى مناسبة لتلميع صورة شخص بعينه هو نوع من المتاجرة بالعمل العام. المواطن لا يرى مشروعًا لمدينته أو جامعته، بل يرى لوحة دعاية مجانية لشخصية سياسية أو اجتماعية تريد أن تستثمر كل إنجاز لصالحها.
3. غياب البعد المؤسسي.
هذا النمط من الخطاب يعكس عقلية "الرعاية الشخصية" بدل "المسؤولية المؤسسية"، حيث تدفع المواطن لربط حقوقه بكرم هذا الشخص أو ذاك، لا بواجب الدولة أو حق المواطنة. وهو ما يرسخ ثقافة التبعية والولاء للأفراد بدل القانون.
4. مظهر من مظاهر الفساد.
حين تُكتب عبارة "برعاية فلان" على جدارية أمام مدرسة متهالكة أو قاعة مهجورة أو مبنى خدمي تابع للدولة، فإنها تكشف فسادًا ماليًا يطال المال العام، وخللاً أخلاقيًا فاضحًا حين يقصي الرؤية عن الجوهر (جودة الخدمة أو المشروع) ويصرفها إلى حيث الشكل والمكتوب على اللوحة.
5. تأثير سلبي على الوعي الجمعي.
هذه العبارات تعزز في الوعي العراقي أن الإنجاز "منة" أو "مكرمة"من الحاكم أو المسؤول، لا ثمرة لضرائب المواطنين أو ثرواتهم الوطنية. وربما هذا الأمر أخطر ما في هذه الظاهرة.
وختامًا.. أن عبارة "برعاية فلان الفلاني" ليست مجرد شعار مرفوع على جدارية أو مكتوب على جدار، بل هي رمز لعقلية تختزل الدولة في أشخاص، وتختصر حقوق المجتمع في منة فردية، وتفتح الباب واسعًا أمام ثقافة التبعية والفساد.
#علي_مارد_الأسدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟