أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي مارد الأسدي - الإمام علي، الضامن لحرية الرأي والتعبير














المزيد.....

الإمام علي، الضامن لحرية الرأي والتعبير


علي مارد الأسدي

الحوار المتمدن-العدد: 8561 - 2025 / 12 / 19 - 16:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ما لا يعرفه كثيرون أن المادة (200) في قانون العقوبات العراقي الأصلي رقم (16) لسنة 1960 لم تكن لها أي صلة بالدين أو العقائد أو بما يسمى “حماية المقدسات والرموز”. فقد صيغت بوصفها مادة إدارية محضة تعاقب على تمزيق أو تشويه الإعلانات والمستندات الرسمية المعلقة في الأماكن العامة، بغرامة بسيطة لا تتجاوز عشرة دنانير، مع تشديد محدود إلى الحبس من أسبوع إلى شهر إذا كان الفعل بدافع ازدراء السلطة أو الاحتجاج على أعمالها.

غير أن هذا النص الواضح، الذي عليه ما عليه، لم يسلم من عبث السلطة البعثية. فبموجب قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969، أُعيدت صياغة المادة (200) لتتحول إلى نص هلامي فضفاض يجرم “إثارة النعرات الطائفية والمذهبية” و“التحريض على النزاع بين الطوائف والأجناس”، مع عقوبة تصل إلى السجن لسبع سنوات. ولم يكن هذا التحول بريئًا أو محايدًا، بل جاء في سياق سياسي ـ أيديولوجي واضح هدفه تجريم أي سردية تاريخية أو دينية مخالفة للسردية الإسلامية الرسمية التي تبناها النظام البعثي الطائفي، وعلى رأسها السردية الشيعية للتاريخ الإسلامي بما تحمله من قراءة نقدية للخلافة والسلطة والشرعية.

ثم اكتملت المنظومة القمعية بإضافة المادة (372) التي تجرم “الاعتداء العلني على معتقد طائفة دينية” أو “إهانة رموزها”، بعقوبات سالبة للحرية. وبهذا لم يعد القانون أداة لتنظيم السلوك العام، بل وسيلة لتجريم الرأي المختلف، وتكميم الخطاب المذهبي النقدي، وضبط الذاكرة الدينية وفق الرواية الرسمية المفروضة، تحت عناوين مطاطية مثل “الفتنة” و“التحريض” و“حماية الوحدة”.

ومع ذلك، تبرز هنا إشكالية كبيرة في التطبيق يتجاهلها المدافعون عن هذه النصوص، إذ لو أخذت المواد المذكورة على ظاهرها وطُبقت بلا انتقائية، فلن تقتصر آثارها على الخطاب السياسي أو الثقافي المعاصر، بل ستطال حتى النصوص الدينية المؤسسة نفسها. فكم من آيات قرآنية وأحاديث نبوية تتضمن لعنًا أو نقدًا أو توصيفًا سلبيًا لأتباع أديان أخرى أو لأصحاب آراء مخالفة؟ وهل يُعقل أن يتحول القانون، بهذا الفهم، إلى أداة لحظر النصوص الدينية أو تجريم تلاوتها وتأويلها؟ هذا التناقض يكشف أن المشكلة ليست في “حماية المشاعر”، بل في جوهر النصوص القانونية الفضفاضة التي لا يمكن تطبيقها بعدالة أو اتساق دون أن تنقلب على ذاتها.

وبعد سقوط نظام الطاغية صدام وإقرار الدستور العراقي الذي كفل حرية الرأي والتعبير ومنع الإكراه الفكري والمذهبي، باتت هذه المواد محل إشكال دستوري واضح لتعارضها مع الضمانات الدستورية. ومع ذلك، ما زالت حاضرة في الواقع القانوني بذريعة عدم إنجاز التعديلات التشريعية، لتبقى قابلة للتوظيف السياسي كلما اقتضت الحاجة، وبخاصة في مواجهة الخطاب النقدي غير المنسجم مع الروايات السائدة.

ولعل أبلغ ما يختتم به هذا الرأي هو ما روي عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) حين شتمه سفيه في أحد مجالسه، فهم بعض أصحابه بمعاقبة الشاتم، لكنه نهاهم وقال كلمته الخالدة التي تختصر فلسفة أخلاقية عميقة في إدارة الاختلاف:
"إما سب بسب، أو عفو عن ذنب".

هكذا واجه الإمام علي، على جلالة قدره، وعظم مكانته، الكلمة بالكلمة، لا بالقانون ولا بالسوط، واضعًا معيارًا أخلاقيًا لا تزال الدول الإسلامية الحديثة عاجزة عن بلوغه.



#علي_مارد_الأسدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جبل الجليد يطل برأسه في الانتخابات العراقية
- حين يتحول الإسكان إلى بوابة لأكبر عمليات نهب وتدمير الدولة
- كي لا تصبح الدولة في قبضة الأنا
- قرار سلطوي يخالف الدستور والقوانين المشرعة
- ملاحظات حول الاتفاق النفطي المبهم بين بغداد وأربيل
- شروط لا غنى عنها في رئيس الحكومة المقبل
- مشاريع وهمية تبدد مليارات الدولارات كل عام
- تلوث فكري!
- الشرع يسحب البساط من تحت العرف في المدونة الشيعية
- برعاية السيد فلان الفلاني!
- صفحة من كتاب القسوة في العراق
- هل تكون حياة الطبيبة حوراء الثمن الأخير الذي يتوجب دفعه لإصل ...
- ذكريات عن لطيفة المغربية وقحطان العطار
- السلاح المنفلت.. من المقصود به؟
- أيتام البعث وحواضن الإرهاب.. واللعب بنار الشعارات مجددًا
- مؤشرات ترتفع.. ومصداقية تهبط!
- نظرة تحليلية على توظيف الولايات المتحدة للجماعات المتطرفة من ...
- لجنة الجولاني المختصة بطمس الحقائق وتبييض المجازر في الساحل ...
- نماذج لدول طوت صراعاتها الأهلية بعد التقسيم
- رؤية وطنية لمعالجة مشكلة خور عبد الله


المزيد.....




- -غرين كارد-.. لماذا استهدف ترامب برنامج تأشيرة التنوع منذ ول ...
- الشرع يهنئ السوريين من جبل قاسيون على رفع العقوبات
- واشنطن تدعو لهدنة بالسودان في العام الجديد وتوعّد أفريقي للد ...
- رسالة جندي أميركي على قذيفة قبل إطلاقها على سوريا..ماذا كتب؟ ...
- فيديو.. الجيش الأميركي ينشر لقطات لضرباته في سوريا
- غارديان: شركات مسجلة في بريطانيا تجنّد مرتزقة كولومبيين في ا ...
- هل ستنفجر فقاعة الذكاء الاصطناعي قريبا؟
- الجيش الأميركي يعلن قصف أكثر من 70 هدفا -داعشيا- في سوريا
- مقتل 5 فلسطينيين بهجوم إسرائيلي على مدرسة نازحين في غزة
- سوريا بعد القصف الأميركي: ملتزمون بمكافحة -داعش-


المزيد.....

- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي مارد الأسدي - الإمام علي، الضامن لحرية الرأي والتعبير