أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - كيف بدّدت واشنطن بوست ما تبقّى من مصداقيتها في سوريا،














المزيد.....

كيف بدّدت واشنطن بوست ما تبقّى من مصداقيتها في سوريا،


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8566 - 2025 / 12 / 24 - 13:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين تسقط الصحافة الكبرى في فخّ التخوين الرخيص.
نشرت واشنطن بوست، إحدى أعرق الصحف الأميركية وأكثرها ادعاءً للمعايير المهنية، بتاريخ ديسمبر/كانون الأول 2024 مقالةً بعنوان: «كيف تسعى الأنشطة الإسرائيلية السرّية في سوريا إلى عرقلة حكومتها الجديدة»، شارك في إعدادها مراسلون معروفون بتغطياتهم للشرق الأوسط. غير أن ما قُدِّم تحت هذا العنوان لم يكن تحقيقًا استقصائيًا، ولا تحليلًا سياسيًا رصينًا، بل نصًّا مشوّهًا، محمّلًا باتهامات خطيرة، ومبنيًا على سردية أقرب إلى بيانات التحريض منها إلى الصحافة.
الأخطر ليس مضمون المقالة فحسب، بل توقيعها، حين تنشر صحيفة بحجم واشنطن بوست مادةً بهذه الضحالة، وبهذا القدر من التلفيق والتناقض، فإنها لا تسيء إلى موضوعها فقط، بل تُطلق رصاصة في صدر سمعتها المهنية، وتضع نفسها، طوعًا، في خانة أدوات الصراع السياسي الإقليمي.
المقالة لا تُخفي هدفها: اتهام المكوّنين الدرزي والكوردي بالخيانة، عبر ربط أي شكل من أشكال الدفاع الذاتي أو المساعدة الإنسانية بتهمة “العمل كأدوات لإسرائيل”، في لحظة تاريخية كانت فيها هذه المكوّنات مهددة بالمجازر، ومحاصَرة بخطاب تكفيري، ومتروكة بلا حماية من سلطة انتقالية فاشلة.
بدل أن تسأل الصحيفة السؤال البديهي:
أين كانت الدولة السورية حين هُدد الدروز؟ وأين كانت حين وُضع الكورد على لوائح القتل؟
اختارت أن تُدين الضحية، وتُبرّئ الفراغ، وتمنح الفشل السياسي غطاءً أخلاقيًا زائفًا.
ثم تأتي الفضيحة المهنية الكبرى:
“أكثر من عشرين مسؤولًا ومحللًا إسرائيليًا وغربيًا” بلا اسم واحد.
في أي مدرسة صحفية يُسمح بتوجيه اتهامات تمسّ مصير شعوب، استنادًا إلى مصادر مجهولة بالجملة؟ هل تحوّلت الصحافة الاستقصائية إلى همس بلا توقيع؟ أم أن هناك من أراد رواية بلا شهود كي لا يُحاسَب؟
الأكثر فجاجة أن المقالة تسير في مستنقع تناقضاتها دون خجل.
فإسرائيل، بحسب النص، وافقت على سقوط نظام الأسد، وسلّمت دمشق لهيئة تحرير الشام ضمن تفاهمات دولية، وسارت في مسار تفاوض مع أحمد الشرع، لكنها في الوقت نفسه، وبقدرة سحرية، تُخطط لتقسيم سوريا عبر “دعم الدروز والكورد”.
أي منطق هذا؟ وأي عقل يُطلب من القارئ أن يسلّمه لهذه المهزلة؟
أما ما قُدِّم بوصفه “أدلة”، فحدّث ولا حرج:
24 ألف دولار، نصف مليون، تدريب نساء، إسقاط دروع واقية، مساعدات طبية.
هل هذا هو “مشروع التقسيم” في القرن الحادي والعشرين؟
وهل صحيفة بحجم واشنطن بوست تعتقد فعلًا أن الجاليات الدرزية، أو القوى الكوردية، تحتاج إلى هذا “الالتفاف الهزلي” لتأمين مبالغ أو دعم، بينما تُسقَط الأسلحة والمساعدات علنًا حين تقتضي الحاجة؟
إقحام النساء في هذا السرد ليس تفصيلًا عابرًا، بل انحطاط أخلاقي.
استخدام تدريب النساء كأداة تشهير سياسي، هو إهانة مزدوجة، للمرأة، وللنضال، وللمجتمعين الدرزي والكوردي معًا. وهذا وحده كافٍ لإدانة المقالة مهنيًا.
لكن الأخطر من كل ما سبق، هو الخلفية السياسية التي تنضح من بين السطور.
المقالة لا تُدافع عن “سوريا موحّدة”، بل عن نموذج مركزي قسري، تُمسكه سلطة انتقالية عاجزة، ذات جذور تكفيرية، وتُعاد فيه إنتاج معادلة النظام البائد نفسها:
أمس كان الطغيان باسم “الأقلية الحامية”، واليوم يُعاد تدويره باسم “الأكثرية المتشددة”.
وكل من يطالب بسوريا تعددية، لا مركزية، ديمقراطية، يُدفع فورًا إلى خانة “الانفصال” و” العمالة”.
هنا يحقّ للقارئ أن يسأل، وبصوت عالٍ، لصالح من كُتبت هذه المقالة؟
ومن المستفيد من شيطنة الدروز والكورد؟
ولماذا تتقاطع هذه السردية، حرفيًا، مع خطاب لوبيات إقليمية معروفة في الشرق الأوسط، ترى في أي نظام لا مركزي تهديدًا مباشرًا لمشاريعها التوسعية؟
لا أحد يملك دليلًا قاطعًا على أن المال دفع ثمن هذه المقالة، لكن الصحافة تُدان أحيانًا بما تشبهه أكثر مما تُدان بما تثبته. وما نُشر هنا يشبه بيانات التحريض الإقليمي أكثر مما يشبه العمل الصحفي المستقل. وهذا وحده كافٍ لطرح سؤال المصداقية، لا همسًا، بل علنًا.
إن أخطر ما تفعله واشنطن بوست في هذا النص، ليس الإساءة إلى الدروز أو الكورد فحسب، بل تجريم فكرة النجاة ذاتها. فحين يصبح الدفاع عن النفس خيانة، والمطالبة بالحقوق مؤامرة، والمساعدة الإنسانية دليل إدانة، نكون قد دخلنا رسميًا مرحلة ما بعد الصحافة.
سوريا لن تُبنى بتخوين مكوّناتها، ولن تُوحَّد بوصم ضحاياها.
ومن يختار أن يكتب ضد التعددية، وضد اللامركزية، وضد حق الشعوب في الأمان، لا يكتب تحليلًا سياسيًا، بل يُشارك، بوعي أو بدونه، في صناعة الخراب القادم.
وإذا كانت هذه هي المعايير الجديدة لـواشنطن بوست، فإن الخسارة ليست خسارة الدروز ولا الكورد، بل خسارة صحيفةٍ كانت تُحسب، يومًا ما، على ضمير الصحافة العالمية.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
24/12/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحكومة السورية الانتقالية بلا إنسانية: أسرى منذ 2012 بلا عف ...
- من البيت الأبيض
- سياسة واشنطن في سوريا إدارة الإرهاب بدل اجتثاثه
- حوار مع الظلام أم شراكة واعية في محو الكورد؟
- التحالفات المتحوّلة في سوريا
- من يُختطف السُّنّة باسم صدام حسين، حكومة انتقالية أم إمارة ت ...
- منبر الأموي يكرّر خطيئة الكوفة الجولاني يخطب بلسان الحجاج
- ترامب يسلّم جنوده للتكفيريين دمٌ أميركي على عتبة الجولاني
- من جامع النوري إلى الأموي سلالة الحكم بالمحراب
- يوم سقوط المجرم في سوريا وصعود التكفير
- أحمد الشرع في مرآة الأسد ليست مقارنة، بل فضيحة
- من يقف خلف تقرير رويترز؟
- الجزيرة ليست صامتة من يصادر صوتها هو من يخاف الحقيقة
- حين تتحوّل الصحافة إلى تبييض للإرهاب، ويصبح الكذب “تحليلاً س ...
- تفكيك المجتمع السوري بخطاب التكفير
- كيف صنعت الحكومة الانتقالية أقوى حُجّة لتقسيم سوريا
- التلميذ غير النجيب
- في زمن العفن المقدّس
- شكرًا للخلافة على خراب الوطن
- كوردستان الفرصة التي دمّرها الغرب


المزيد.....




- الحرس الثوري يعلن اعتراض سفينة نفط محمّلة بأربعة ملايين ليتر ...
- خلال العقد المقبل.. إسرائيل تخطط لاستثمار بقيمة 110 مليارات ...
- تهديدات أوروبية بالرد على فرض واشنطن عقوبات على شخصيات أوروب ...
- كأس أمم أفريقيا: ديالو يقود منتخب ساحل العاج حامل اللقب إلى ...
- الشيباني في روسيا وتأكيد على أهمية العلاقات بين دمشق وموسكو ...
- الاستعمار وأزمة القضاء في تونس
- شهيد ومصابون بجباليا والاحتلال ينسف مباني في خان يونس
- فايزر تعلن وفاة مريض بعد تلقيه دواء لعلاج سيولة الدم في تجرب ...
- دراسة: دواء فالاسيكلوفير قد يزيد تفاقم التدهور المعرفي لدى م ...
- خبراء أمميون: الحصار البحري الأميركي على فنزويلا ينتهك القان ...


المزيد.....

- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - كيف بدّدت واشنطن بوست ما تبقّى من مصداقيتها في سوريا،