أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - من جامع النوري إلى الأموي سلالة الحكم بالمحراب














المزيد.....

من جامع النوري إلى الأموي سلالة الحكم بالمحراب


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8555 - 2025 / 12 / 13 - 07:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين يحكم الأمير من المحراب.
خطابُ أحمد الشرع، الجولاني، في المسجد الأموي في الذكرى الأولى لزوال الطاغية المجرم بشار الأسد لم يكن حدثًا عابرًا ولا مناسبة بروتوكولية؛ كان إنذارًا، فقد أعاد إلى الذاكرة، بلا أي مواربة، خطاب أبي بكر البغدادي في جامع النوري الكبير بالموصل، حين اعتلى المنبر خطيبًا لا حاكمًا، ومُفتِيًا لا سياسيًا، معلنًا “دولة” لا علاقة لها بمفهوم الدولة، بل بسطوة العقيدة حين تتنكر لحدود السياسة وتستعير لغة الوحي لإدارة المجتمع.
مشهدان من زمنين مختلفين، لكنهما يصدحان بالرسالة نفسها، حين يتحوّل المنبر إلى عرش، والمحراب إلى منصة حكم، والدين إلى هوية سياسية مُطلقة، تصبح الدولة مجرّد ظلّ باهت، وتصبح السلطة امتدادًا لخطابٍ سماويّ مُصادَر، لا عقدًا اجتماعيًا بين المواطنين.
هذه ليست مصادفة في الرمزية، بل إعلانٌ واضح بأن سلطة أحمد الشرع هي سلطةُ المسجد لا سلطةُ الدولة، وأن مشروعه يقوم على منبر الفقيه لا منصة السياسي، وعلى قداسة العمامة لا مسؤولية القانون. فالمنبر الديني، حين يتحوّل إلى مقعدٍ للحاكم، يصبح تلقائيًا أداةً للطاعة لا مساحةً للنقد، ومنصّة تفويضٍ غيبي لا عقدًا اجتماعيًا بين الحاكم والمحكوم.
وارتقاءُ “رئيس دولة”، أو من يقدّم نفسه كذلك، منبرَ الجامع ليخطب بدل إمام المسجد، يعني أنّ الدولة أُلحقت بالدين، وأن السياسة ذابت في فقه الطاعة، وأن القانون صار حاشيةً في دفتر العقيدة. إنه إعلان غير مكتوب بأن شرعية الحكم لا تأتي من الشعب، بل من النص، ولا من صناديق الاقتراع، بل من منصة الخطبة.
تخيّل، فقط تخيّل، لو أن دونالد ترامب ظهر في صدر كنيسة سانت جون في واشنطن، واعتلى المنبر مكان الكاهن، وخطب بالأمريكيين باسم المسيحية.
ماذا سيحدث؟
تهتزّ المؤسسات، تقوم الدنيا ولا تقعد، يهبّ القضاء، وتستنفر الصحافة، ويُفتح الدستور على مصراعيه. سيُقال فورًا إن الرئيس تجاوز حدوده، وإنه خلط الدين بالدولة، وإنه يحاول تأسيس لاهوتٍ سياسي مرفوض في أميركا من جذوره.
لماذا؟
لأن الغرب تعلّم أن الدولة تُدار من المؤسسات لا من المعابد، وأن المنبر مكانه رجال الدين لا رجال السلطة، وأن الخلط بين المقدّس والسياسي هو أول الطريق نحو الاستبداد.
أمّا حين يفعلها الجولاني، فالمشهد مختلف تمامًا:
يُراد لاعتلائه المنبر أن يبدو “تواضعًا”، أو “قربًا من الناس”، أو “تماهيًا مع هوية المجتمع”، بينما هو، في جوهره، تثبيتٌ لشرعية دينية تعلو على الشرعية السياسية، وإعادةُ إنتاجٍ لنموذج الحاكم-الداعية، حيث لا يعود الناس مواطنين، بل أتباعًا، ولا يعود المجتمع مشاركًا، بل مُلتزِمًا، ولا تعود السياسة فنّ الممكن، بل امتدادًا للعقيدة.
والمشكلة ليست في المسجد نفسه، فهو مكانٌ روحيّ محترم، بل في تحويله إلى منصة حكم، وفي نقل السلطة من البرلمان إلى المحراب، ومن السياسة إلى العقيدة، ومن الشعب إلى الأمير. وهكذا يرسل الجولاني رسالة واحدة لا تقبل التأويل.
الدولة التي يحلم بها ليست جمهورية ولا مدنية ولا سياسية، بل دولة منبر.
منبر يشبه تمامًا المنبر الذي وقف عليه البغدادي في جامع النوري.
وبين المنبرين، يضيع الوطن.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
8/12/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوم سقوط المجرم في سوريا وصعود التكفير
- أحمد الشرع في مرآة الأسد ليست مقارنة، بل فضيحة
- من يقف خلف تقرير رويترز؟
- الجزيرة ليست صامتة من يصادر صوتها هو من يخاف الحقيقة
- حين تتحوّل الصحافة إلى تبييض للإرهاب، ويصبح الكذب “تحليلاً س ...
- تفكيك المجتمع السوري بخطاب التكفير
- كيف صنعت الحكومة الانتقالية أقوى حُجّة لتقسيم سوريا
- التلميذ غير النجيب
- في زمن العفن المقدّس
- شكرًا للخلافة على خراب الوطن
- كوردستان الفرصة التي دمّرها الغرب
- في سوريا الحرية جريمة
- كيف صُنِع العدم الكوردي في الوعي العربي؟ تفكيك جذور خطاب الإ ...
- تفكيك خطاب الناشطة الجولانية – الأميركية ميساء قباني
- الديمقراطية فخٌّ قاتل والفيدرالية هي النجاة الوحيدة للكورد
- منتدى ميبس في دهوك عودة الجغرافيا الكوردستانية إلى مركز التا ...
- بين الاستراتيجيات الكبرى ومسارات التغيير السعودية وتركيا وال ...
- على طرفي النقيض بين زيارة محمد بن سلمان والجولاني للبيت الأب ...
- بين ظلام التكفير واغتيال الكلمة دفاع عن حرية الفكر والمثقفين ...
- بين وعي الانتماء وزيف الهوية المصطنعة


المزيد.....




- إعلام رسمي: إصابة جنود أمريكيين وسوريين في إطلاق نار قرب تدم ...
- فوضى خلال زيارة ميسي إلى الهند.. غضب جماهيري وأعمال شغب
- الجيش الإسرائيلي يوجّه إنذاراً عاجلاً لسكان قرية يانوح جنوب ...
- ماذا يعني إعلان استقلال منطقة القبائل عن الجزائر؟ هل يؤثر مش ...
- ميسي يزور الهند: الجماهير تغضب على -معبودها-
- مشاركة عزاء للرفيق مفيد سرسك بوفاة زوجته
- أردوغان يؤكد أن السلام بين روسيا وأوكرانيا -ليس بعيداً- ويدع ...
- إعادة افتتاح المتحف الوطني الليبي لأول مرة منذ سقوط نظام الق ...
- الركراكي والطرابلسي وحسام حسن... هل تكتب كأس الأمم الأفريقية ...
- معرض 241 بالدوحة يكرّم يتامى استشهدوا في غزة


المزيد.....

- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - من جامع النوري إلى الأموي سلالة الحكم بالمحراب